تابعت قبل أيام حلقة خصصها تلفزيون «الراي» لمناقشة المكون الشيعي في الكويت. وتأتي هذه الحلقة في سياق تسليط الضوء على المكونات السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع الكويتي، وتأثير ذلك تاريخياً على مجمل الوضع السياسي في الكويت وانتخابات مجلس الأمة تحديداً. ولا أخفيكم، فقد انتابني الكثير من الانزعاج وأنا أتابع تلك الحلقة، انزعاج ناتج من زاويتين، إحداهما شكلية مبدئية، والأخرى تتعلق ببعض المحتوى الذي تم التطرق له في الحلقة تلك، وإليكم التفصيل!
في المبدأ والشكل، يبدو أنه حكم على الأقليات السياسية والاجتماعية في مجتمعاتنا بأن تعيش أسيرة للصورة النمطية التي كونتها عنها الأغلبيات السياسية والاجتماعية في المجتمعات ذاتها. فالشيعة في البلدان الخليجية هم شيعة، هكذا بخبطة واحدة إن صح التعبير. فلا وجود لتصنيف معبر عن تلك الجماعة غير مذهبها، ولا محل بعدها لتصنيفات فكرية أو سياسية أو اقتصادية أو حتى إثنية. هم شيعة وكفى. ولا يهم بعد ذلك أو قبله، إن كانت تلك الجماعة كغيرها تتنازعها توجهات وهموم مختلفة قد تجعل بعض أبنائها أقرب في الانتماءات السياسية لتوجهات أوسع تتقاطع مع الأغلبيات السكانية في مجتمعاتها.
والشيعة في هذه المسألة ليسوا استثناء من حال الأقليات المختلفة في مجتمعاتنا العربية. ولكم في أكراد العراق أو مسيحيي مصر، مثال واضح، فهم أكراد ومسيحيون، مدموغون بهذه العناوين العامة التي تتجاهل انتماءاتهم الفكرية والسياسية والثقافية المختلفة والتي لا تختلف كثيراً عن انتماءات أغلبية العراقيين والمصريين، كل في سياقه.
وهذه التقسيمات النمطية الجامدة قد تعبر أحيانا عن حالة من الجمود وقلة المعرفة بواقع تلك الأقليات من جهة، إلا أن الأخطر هو أن هذه الطريقة في التصنيف وظفت سياسياً من أجل تحديد وتحجيم طموحات تلك الأقليات والتعامل معها بمنطق «الكوتا» السياسية، بمعنى أن لها حجماً معيناً في الواقع السياسي لا يجب أن تتجاوزه مهما تماهت اهتماماتها مع محيطها الوطني الأوسع!
الأمر الآخر والمتعلق بمحتوى الحلقة، وهو ما أثار حنقي في شدة، كان النقاش الذي دار حول حجم الطائفة الشيعية في الكويت، وهو الأمر الذي استغرق ما يقارب من نصف وقت الحلقة تلك. فبعيداً عن الأرقام التي تم ذكرها والتي اجتهد الضيوف في اثباتها أو نفيها، فإن هذا النقاش وبغض النظر عن كونه مكرراً، إلا أنه نقاش سقيم في جوهره وله أبعاد مسيسة غير صحية إطلاقاً، فهو نقاش غير متعلق بالإحصاء والرياضيات والحساب في شكل مجرد بل يستبطن تحجيم فئة من فئات الشعب الكويتي، بحجة أن هذه هي نسبتكم في «مجتمعنا»، وعليه فيجب «عليكم» أن تفهموا «حجمكم» ولا تتجاوزوه بما يمكن أن يجر عليكم حنق الأغلبية!
ما الضير في أن يكون حجم الشيعة في الكويت 40 أو 15 أو 10 في المئة؟ وهل هذه الأرقام تؤثر في واقع مواطنة المكون الشيعي ومساواته مع المكون السني الأكبر في جميع الحقوق والواجبات؟ وهل يجب أن تكون حقوق فئة ما، أو واجباتها ، مرهونة بحجمها العددي أو تمثيلها النيابي في أي دولة مدنية؟
مثل هذه الأطروحات تنتمي بامتياز لواقعنا المريض والذي يرى الديموقراطية متمثلة في حكم الأغلبية ويتوقف عند هذا الحد، متغافلاً عن أن الديموقراطية لها جناحان أساسيان لا تحلق دونهما معا، أولهما حكم الأغلبية، والآخر هو احترام حقوق الأقليات مهما كانت درجة تمثيلها العددي والبرلماني، خصوصا في ما يتعلق بحقوق وواجبات المواطنة الأساسية المكونة للهوية الوطنية الجامعة. وقديماً قال أحد المفكرين، إن الديموقراطية كحكم للأغلبية من دون احترام للأقليات، ستكون مثل عملية اقتراع لقطيع من الذئاب على افتراس شاة تجمعوا حولها!
فيا جماعة الخير...
فلنركز على تحقيق قيم العدالة والمساواة للجميع. وعندها، فأنا شخصياً لن أتضايق لو قال أحدهم، إن الشيعة في الكويت ليسوا أكثر من... واحد في المئة!