الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:71].
أما بعد:
فاتقوا الله حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه، واعلموا عباد الله، أنه ما من بلاءٍ ولا شر ينزل بالمسلمين، إلا وسببه الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور، إلى دار الآلام والأحزان والمصائب، وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وبُدل بالقرب ِبعدا ً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحا ً، وبالإيمان كفرا ً، وبالجنة نارا ًتلظى، وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم، حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال، وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد، حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، (كأنهم أعجازُ نخل ٍخاوية * فهل ترى لهم من باقية)، وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة، حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وخمدوا عن آخرهم، وما الذي رفع قرى قوم لوط، حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها فأهلكتهم جميعا، وأرسل عليهم حجارة من سجيل، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد، وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب، كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا ًتلظى، وما الذي خسف بقارون وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما ًأولى بأس شديد، فجاسوا خلال الديار، وأحرقوها وقتلوا الرجال، ونهبوا الأموال، وما الذي سلط عليهم بأنواع العذاب والعقوبات، مرة بالقتل والسبي، ومرة بخراب البلاد، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة ًوخنازير، وآخر ذلك، أقسم الرب جل جلاله، ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، كل ذلك، بسبب الذنوب والمعاصي، فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولا تأمنوا مكر الله، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وأطيعوا أمر ربكم، واحذروا أسباب سخطه وغضبه، صحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((خمسٌ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا ًمن غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم)).
ويروى في الضعيف: ((لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه، ما لم يمالى قراؤها أمراؤها، وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يهن خيارها أشرارها، فإذا هم فعلوا ذلك، رفع الله يده عنهم، ثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب، ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر)).
أيها المسلمون:
خذوا العبرة مما حل بغيركم، ممن كان قبلكم، وممن كان في زمنكم ممن حولكم، ألستم تتمتعون بنعم الله التي أسبغها عليكم ظاهرة وباطنة، من الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، ورغد العيش، وكثرة المال، وأنتم مطمئنون في دياركم على أهليكم وأموالكم وأنفسكم، والناس من حولكم خائفون ويتخطفون، أليست الأرزاق تأتيكم من كل مكان، وغيركم يعانون من الضعف والفقر والحاجة، فإياكم ثم إياكم أن تكفروا بأنعم الله، وأن تتولوا عن الحق فيذيقكم الله لباس الجوع والخوف بما كسبت أيديكم، قال جل جلاله: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل:112]، وقال - تعالى -: (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) [الأنعام:6].
أيها المـــؤمنــون:
لا تغتروا بما فتح عليكم من النعم، ولا تقولوا تولى الفقر والضيق مع آبائنا وأجدادنا، ونحن قد فتحت لنا أبواب الدنيا، فلا نخاف الضيعة ولا الهلاك، فاحذروا أخذ الله - عز وجل -، فإن أخذه أليم شديد، قال- تبارك وتعالى -: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ، ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) [الأعراف:95]، وما أخذ قوم ٍ إلا عند غرتهم وسلوتهم وأمنهم قال جل جلاله: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام:44]، وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما صحَّ عنه معاذ بن جبل - رضي الله عنه – فقال: ((لا تشرك بالله شيئا ً وإن قُطعت أو حُرقت، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا ً، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمداً، فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا ً، فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية، فإنها تحل سخط الله)) بارك الله لي ولكم في القران العظيم.........
الخطبة الثانيــــة
الحمد لله، حمدا ًيليق بجلاله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما ًلشأنه، وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلة وأصحابه.
أمــــا بعـــــــد
فاتقوا الله عباد الله، وتوبوا إلى الله جميعا ًلعلكم تُفلحون، واعلموا أن للذنوب آثاراً، وآفات: منها أنها تذهب الغيرة من قلب العاصي، ومن ذهبت غيرته مات قلبه، ومن ثم لا يستقبحُ شيئا ً من نفسه ولا من غيره، وإذا وصل المرء إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك، ومن عقوبات المعاصي أنها تذهب النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، وتحل النقم من الله تبارك وتعالى، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]، وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الأنفال:53]، ومن عقوباتها، ما يُلقيه الله - تعالى - من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفا ًمرعوبا، يحسب كل صيحة، عليه وكل مكروه قاصدا ًإليه، قال بعض السلف: "من خاف الله، آمنه الله، وخاف منه كل شي، ومن لم يخف الله، أخافه الله وخاف هو من كل شي"، ومن آفات المعاصي، تسلط الظلمة والكافرين، قال - تعالى -: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)[الأنعام:129]، ومر إبراهيم بن أدهم مرة بسوق البصرة، فاجتمع الناس إليه فقالوا: يا أبا إسحاق، ما لنا ندعوا فلا يستجاب لنا، قال: "لأن قلوبكم ميتة بعشرة أشياء، عرفتم الله ولم تؤدوا حقه، وزعمتم أنكم تحبون رسوله وتركتم سنته، وقرأتم القران ولم تعملوا به، وأكلتم نعم الله ولم تؤدوا شكرها، وقلتم إن الشيطان عدوكم ووافقتموه، وقلتم إن الجنة حق ولم تعملوا لها، وقلتم إن النار حق ولم تهربوا منها، وقلتم إن الموت حق ولم تستعدوا له، واشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم، ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بهم".
فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته.
هذا، وصلوا وسلموا على من بلغ البلاغ المبين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ربنا هب لنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدا، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا، اللهم احفظ ولاة أمرنا، وهيئ لهم البطانة الصالحة، التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، عباد الله، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله اكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:71].
أما بعد:
فاتقوا الله حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه، واعلموا عباد الله، أنه ما من بلاءٍ ولا شر ينزل بالمسلمين، إلا وسببه الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور، إلى دار الآلام والأحزان والمصائب، وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وبُدل بالقرب ِبعدا ً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحا ً، وبالإيمان كفرا ً، وبالجنة نارا ًتلظى، وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم، حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال، وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد، حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، (كأنهم أعجازُ نخل ٍخاوية * فهل ترى لهم من باقية)، وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة، حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وخمدوا عن آخرهم، وما الذي رفع قرى قوم لوط، حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها فأهلكتهم جميعا، وأرسل عليهم حجارة من سجيل، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد، وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب، كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا ًتلظى، وما الذي خسف بقارون وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله، وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما ًأولى بأس شديد، فجاسوا خلال الديار، وأحرقوها وقتلوا الرجال، ونهبوا الأموال، وما الذي سلط عليهم بأنواع العذاب والعقوبات، مرة بالقتل والسبي، ومرة بخراب البلاد، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة ًوخنازير، وآخر ذلك، أقسم الرب جل جلاله، ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، كل ذلك، بسبب الذنوب والمعاصي، فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولا تأمنوا مكر الله، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وأطيعوا أمر ربكم، واحذروا أسباب سخطه وغضبه، صحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((خمسٌ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا ًمن غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم)).
ويروى في الضعيف: ((لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه، ما لم يمالى قراؤها أمراؤها، وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يهن خيارها أشرارها، فإذا هم فعلوا ذلك، رفع الله يده عنهم، ثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب، ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر)).
أيها المسلمون:
خذوا العبرة مما حل بغيركم، ممن كان قبلكم، وممن كان في زمنكم ممن حولكم، ألستم تتمتعون بنعم الله التي أسبغها عليكم ظاهرة وباطنة، من الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، ورغد العيش، وكثرة المال، وأنتم مطمئنون في دياركم على أهليكم وأموالكم وأنفسكم، والناس من حولكم خائفون ويتخطفون، أليست الأرزاق تأتيكم من كل مكان، وغيركم يعانون من الضعف والفقر والحاجة، فإياكم ثم إياكم أن تكفروا بأنعم الله، وأن تتولوا عن الحق فيذيقكم الله لباس الجوع والخوف بما كسبت أيديكم، قال جل جلاله: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل:112]، وقال - تعالى -: (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) [الأنعام:6].
أيها المـــؤمنــون:
لا تغتروا بما فتح عليكم من النعم، ولا تقولوا تولى الفقر والضيق مع آبائنا وأجدادنا، ونحن قد فتحت لنا أبواب الدنيا، فلا نخاف الضيعة ولا الهلاك، فاحذروا أخذ الله - عز وجل -، فإن أخذه أليم شديد، قال- تبارك وتعالى -: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ، ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) [الأعراف:95]، وما أخذ قوم ٍ إلا عند غرتهم وسلوتهم وأمنهم قال جل جلاله: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام:44]، وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما صحَّ عنه معاذ بن جبل - رضي الله عنه – فقال: ((لا تشرك بالله شيئا ً وإن قُطعت أو حُرقت، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا ً، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمداً، فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا ً، فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية، فإنها تحل سخط الله)) بارك الله لي ولكم في القران العظيم.........
الخطبة الثانيــــة
الحمد لله، حمدا ًيليق بجلاله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما ًلشأنه، وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلة وأصحابه.
أمــــا بعـــــــد
فاتقوا الله عباد الله، وتوبوا إلى الله جميعا ًلعلكم تُفلحون، واعلموا أن للذنوب آثاراً، وآفات: منها أنها تذهب الغيرة من قلب العاصي، ومن ذهبت غيرته مات قلبه، ومن ثم لا يستقبحُ شيئا ً من نفسه ولا من غيره، وإذا وصل المرء إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك، ومن عقوبات المعاصي أنها تذهب النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، وتحل النقم من الله تبارك وتعالى، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]، وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الأنفال:53]، ومن عقوباتها، ما يُلقيه الله - تعالى - من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفا ًمرعوبا، يحسب كل صيحة، عليه وكل مكروه قاصدا ًإليه، قال بعض السلف: "من خاف الله، آمنه الله، وخاف منه كل شي، ومن لم يخف الله، أخافه الله وخاف هو من كل شي"، ومن آفات المعاصي، تسلط الظلمة والكافرين، قال - تعالى -: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)[الأنعام:129]، ومر إبراهيم بن أدهم مرة بسوق البصرة، فاجتمع الناس إليه فقالوا: يا أبا إسحاق، ما لنا ندعوا فلا يستجاب لنا، قال: "لأن قلوبكم ميتة بعشرة أشياء، عرفتم الله ولم تؤدوا حقه، وزعمتم أنكم تحبون رسوله وتركتم سنته، وقرأتم القران ولم تعملوا به، وأكلتم نعم الله ولم تؤدوا شكرها، وقلتم إن الشيطان عدوكم ووافقتموه، وقلتم إن الجنة حق ولم تعملوا لها، وقلتم إن النار حق ولم تهربوا منها، وقلتم إن الموت حق ولم تستعدوا له، واشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم، ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بهم".
فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته.
هذا، وصلوا وسلموا على من بلغ البلاغ المبين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ربنا هب لنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدا، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا، اللهم احفظ ولاة أمرنا، وهيئ لهم البطانة الصالحة، التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، عباد الله، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله اكبر، والله يعلم ما تصنعون.