السؤال:
إني أتساءل : لماذا أغلب أهل الأرض غير مسلمين ؟ فعلى حد علمي أن حبَّ الله
لخلقه يزيد على حب الوالدة لولدها بسبعين مرة ، فلماذا الأغلبية غير
مسلمين ؟ وهل صحيح أنه لن يدخل الجنة إلا المسلمون ، وأهل السنَّة على وجه
التحديد ؟ إذا كان هذا صحيحاً فإن معنى ذلك أنه لن يدخل الجنة إلا نسبة
قليلة مقارنة بتعداد أهل الأرض كلهم ، فلماذا إذاً يرضى الله لأغلب خلقه أن
يدخلوا النار ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
ننبه في بداية الجواب إلى أن ما ذكره السائل مِن " أن حبَّ الله لخلقه يزيد على حب
الوالدة لولدها بسبعين مرة " : لا أصل له في القرآن ولا في السنَّة ، والله تعالى
لا يحب الظالمين ، ولا يحب الفاسقين ، ولا يحب الكافرين ، فكيف يُثبَت حبُّ الله
تعالى لعموم خلقه والكثرة الكاثرة هم من تلك الأصناف ؟! بل إنَّ الله تعالى يحب
المحسنين ، ويحب المتقين ، ويحب التوابين ، ويحب المتطهرين ، ويحب الصابرين ، ويحب
المتوكلين ، ويحب المقسطين – العادلين - ، فهذه الأصناف مِن خلقه هم الذين أثبت
الله تعالى حبَّه لهم ، ولن يكون هؤلاء – بطبيعة الحال – إلا موحِّدين له غير
مشركين به .
لكن مع ذلك كله ، فمن أسماء الله سبحانه : الرحمن الرحيم ، ورحمته سبقت غضبه ،
وعفوه سبق عقابه ، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها :
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي
، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا
وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لَا
وَاللَّهِ ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ
بِوَلَدِهَا .
رواه البخاري (5999) ومسلم (2754) .
وهناك فرق بين الرحمة والمحبة ، فقد أنزل الله جل جلاله من رحمته قسطا يتراحم به
الخلق ، ويرزق به عباده ، ويمهلهم ، ويحلم عليهم ، ويصبر على كفرهم وأذاهم سبحانه ،
وذلك كله في الدنيا ، وأما في الآخرة فرحمته خاصة بمن آمن به ، وأسلم وجهه إليه .
ثانياً:
أما السؤال : " لماذا أغلب أهل الأرض غير مسلمين ؟ " : فالجواب عليه : لأنهم هم
الذين اختاروا الكفر على الإسلام ، ودعنا هنا من المعذورين ممن لم تبلغهم الرسالة ،
ولنسأل : ما بال من قرأوا عن الإسلام وبلغتهم الدعوة ورأوا الآلاف من أهل دينهم قد
سبقوهم إلى الإسلام ، ورأوا الملايين تدين بهذا الدين العظيم ، ورأوا الآيات
البينات تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصدق دعوته وصدق القرآن وإعجازه ،
وسمعوا المناظرات التي ألجمت خصوم الإسلام ودحرت شبهاتهم ، ومع هذا كله – ومعه غيره
كثير – لم يؤمنوا بالإسلام ولم يرضوه لأنفسهم دِيناً ، بل رضي مليارات منهم بعبادة
صليب صنعوه ، أو صنم نحتوه ، أو قبرٍ شيدوه ، أو بقرة يعبدونها من دون الله ، ولا
حول ولا قوة إلا بالله .
إن الحقَّ واضح بيِّن ، وإن الآيات الدالات على عظمة
الإسلام أكثر من أن تُحصر ، وإن الأدلة على بطلان ما يفعله أولئك الكفار لا يُجادل
بها عاقل ، وإن الفطرة السليمة والعقل الصريح ليرفضان تلك العبادات واتخاذ أولئك
الآلهةَ أرباباً من دون الله الواحد الأحد ، فها قد بيَّن الله تعالى الحجة وأقام
عليهم المحجة ، ومع ذلك أبى أكثر الناس إلا كفوراً ، ولا تجد أكثر الناس شاكرين
موحدين بل كافرين مشركين .
ثالثاً:
أما جواب السؤال : " فلماذا إذاً يرضى الله لأغلب خلقه أن يدخلوا النار ؟ " : فهو
أن الله تعالى لم يرض كفرَ أولئك ، ولا يحبه منهم ، ولكنهم رضوه لأنفسهم ، وأما
الرب الجليل عز وجل فقد نصَّ في كتابه الكريم على عدم رضاه عن كفر الكافرين فقال
تعالى ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ
الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) الزمر/ 7 ، فهذا نصٌّ جلي أن الله
تعالى لا يرضى لعباده الكفر ، بل يرضى لهم التوحيد والإسلام ، لكنَّهم هم الذين
ارتضوا الكفر دينا لأنفسهم ، وأبوا الدخول في سلك الموحدين ، والله تعالى لا يجبر
أحداً على إسلام ولا على كفر ، بل هو عز وجل قد بيَّن طريقي الحق والباطل ، والصواب
والخطأ ، والإسلام والكفر ، ثم جعل للخلْق أن يختاروا ، مع وعده للمسلمين بالثواب ،
ووعيده للكفار بالنار ، قال تعالى ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء
فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا
أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ
يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا . إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً
. أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن
سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ
وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) الكهف/ 29 – 31 ، وقال تعالى ( إِنَّا خَلَقْنَا
الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا
. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا . إِنَّا
أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا . إِنَّ الأَبْرَارَ
يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا . عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا
عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) الإنسان/ 2 – 6 .
وهاك مثالاً على بيان هداية الله تعالى لقومٍ هداية دلالة وإرشاد بإرسال الرسول مع
الآيات البينات واختيارهم للكفر على الإسلام ، وهم قوم ثمود ، قال تعالى ( وَأَمَّا
ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ
صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ
آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) فصِّلت/ 17 ، 18 ، وهؤلاء مثال ، ومثلهم كل قوم
كفروا بربهم وكذبوا رسولهم ، فرضوا بالكفر في الدنيا والخلود في النار في الآخرة ،
ولهؤلاء الكفار المعاصرين سلف ، فقد جاءتهم رسل ربهم بالحق ، وجعل الله تعالى رسول
كل قوم منهم ، يعرفونه بصدقه وأمانته ، وجعل الله تعالى مع كل واحد منهم آية على
مثلها يؤمنها البشر ، ومع ذلك فإنهم قالوا عن رسلهم ساحر أو مجنون ! وقد طلب كفار
قريش من النبي صلى الله عليه وسلم آية ليؤمنوا فأراهم انشقاق القمر فقالوا " سحر "
فصدق فيهم قول الله تعالى ( وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا )
الأنعام/ 25 ، ولم تكتف تلك الأقوام بتكذيب رسل ربهم بل تآمروا عليهم لقتلهم أو
نفيهم من ديارهم ، قال تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ
لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى
إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) إبراهيم/ 13 ، وقال تعالى –
على لسان قوم إبراهيم عليه السلام – ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن
قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) العنكبوت/ 24 ، وقال تعالى – عن نبينا عليه
السلام - ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ
يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ) الأنفال/ 30 ، فإذا كان هذا هو حال من جاءه الرسول
من ربه ممن يعرفه ، ورأى الآيات بعيني رأسه : فكيف سيكون حال هؤلاء الهنود
والصينيين والأوربيين لو أنه جاءهم النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم بشيراً
ونذيراً ؟! .
ولما زعم بعض المشركين أن الله تعالى يرضى منهم الكفر ، وأنه لو لم يكن كذلك لصرفهم
عنه : كذَّبهم ربنا تبارك وتعالى وبيَّن أنهم إنما يتبعون أهواءهم وآباءهم الضالين
، قال تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ
دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا ) النحل/ 35 ، فردَّ الله تعالى عليهم
بقوله ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ
عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) النحل/ 36 .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
"فأوضح في هذه الآية الكريمة أنه لم يكن راضياً بكفرهم ، وأنه بعث في كل أمَّة
رسولاً ، وأمرهم على لسانه أن يعبدوا الله وحده ويجتنبوا الطاغوت ، أي : يتباعدوا
عن عبادة كل معبود سواه ، وأن الله هدى بعضهم إلى عبادته وحده ، وأن بعضهم حقَّت
عليه الضلالة ، أي : ثبت عليه الكفر والشقاء .
وقال تعالى في آية الأنعام ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ
لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) الأنعام/ 149 ، فملكُه تعالى وحده للتوفيق والهداية هو
الحجة البالغة على خلقه ، يعني : فمن هديناه وتفضلنا عليه بالتوفيق : فهو فضل منَّا
ورحمة ، ومَن لم نفعل له ذلك : فهو عدل منَّا وحكمة ؛ لأنه لم يكن له ذلك ديْناً
علينا ولا واجباً مستَحقّاً يستحقه علينا ، بل إن أعطينا ذلك ففضل ، وإن لم نعطه
فعدل " انتهى من " أضواء البيان " ( 7 / 95 ، 96 ) .
رابعاً:
قول السائل : " وهل صحيح أنه لن يدخل الجنة إلا المسلمون ، وأهل السنَّة على وجه
التحديد ؟ " : ففيه تفصيل :
أما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم : فنعم ، لن يدخل الجنة إلا مسلم ؛ لأن
الإسلام نسخ الأديان السابقة كلها ، وأوجب الله تعالى على خلْقه كلهم الدخول في هذا
الدِّين ، وأخبر أنه لن يقبل من أحدٍ دِيناً غيره ، وأنه مَن لقيه منهم بدين آخر
غيره فهو من الخاسرين ، قال تعالى ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا
فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/ 85 .
ولأجل ذلك : أَمَرَ الني صلى الله عليه وسلم بِلاَلًا فَنَادَى بِالنَّاسِ : (
إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ) . رواه البخاري (3062)
ومسلم (178) .
وأمَّا مِن الأمم السابقة : فإن الجنة يدخلها كل من آمن بنبيِّه وصدَّق رسوله ،
وهؤلاء هم المسلمون في زمانهم . قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ
هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة/ 62 .
وأما أن الجنة هي لأهل السنَّة على وجه التحديد : فهو قول غير صحيح ، ومثل ذلك لا
يقول به أحد من أهل العلم ؛ بل إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي أجابت دعوته
كلهم سيدخلون الجنة ، ولا يُحرم منها إلا من ارتد على عقبيه ، ونقض إسلامه بما
يخرجه منه بالكلية ، وأهل البدع الذين خالفوا الشرع ، وخاصموا أهل السنة ، هم
كغيرهم من عصاة الموحدين : في مشيئة الله جل جلاله ؛ إن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر
لهم ، ثم إن مآل الواحد منهم إلى الجنة حتما ، إذا كان قد مات على التوحيد .
وهكذا من تلبس بشيء من المعاصي ، أو وقع في بدعة ، وكان من أهل السنة ، على وجه
العموم ، هو أيضا في مشيئة الله جل جلاله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ، وإن كان
القيام بالسنة ، والذب عنها ، والتحلي بها علما وعملا ، أرجى لصاحبه ، وأنجى له من
عذاب الله وسخطه .
خامسا :
من فهم مِن حديث الافتراق ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الفرَق الثنتين وسبعين
المختلفة المخالفة لأهل السنَّة ( كُلُّها في النَّار ) أنهم مخلَّدون في نار جهنم
: فقد أخطأ ، وخالف إجماع المسلمين ، فضلال هذه الفرَق وتوعدها بالنار لا يعني
خلودها فيها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"ومَن قال إن الثنتين والسبعين فِرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة : فقد
خالف الكتاب والسنَّة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، بل وإجماع الأئمة
الأربعة وغير الأربعة ؛ فليس فيهم مَن كفَّر كلَّ واحد من الثنتين وسبعين
فرقة".انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 7 / 218 ) .
والتكفير للمخالفين هو من منهج أهل البدع والضلال ، لا من منهج أهل السنَّة
والجماعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"والخوارج هم أول من كفَّر المسلمين ، يكفرون بالذنوب ، ويكفرون مَن خالفهم في
بدعتهم ويستحلون دمه وماله ، وهذه حال أهل البدع ، يبتدعون بدعة ويكفرون مَن خالفهم
فيها .
وأهل السنَّة والجماعة يتبعون الكتاب والسنَّة ، ويطيعون الله ورسوله ، فيتبعون
الحق ويرحمون الخلق" .انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 3 / 279 ) .
وقال – عن الفرق الثنتين والسبعين - :
"وإنما يكفِّر بعضُهم بعضاً ببعض المقالات" .انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 7 / 218 )
.
وانظر روايات حديث الافتراق وشيئاً من فقهه في جواب السؤال رقم (
90112 ) .
وانظر في صفات أهل السنة والفرقة الناجية جوابي السؤالين (
10777 ) و (
206 ) .
سادساً:
من رحمة الله تعالى بعباده أنه لا يعذِّب بالنار من لم تصله دعوة الإسلام ، فالذين
يعيشون في زماننا أو قبله ولم يصل لهم خبر الإسلام : فإنهم يختبرون يوم القيامة ،
وقد بينَّا هذه المسألة في جوابي السؤالين (
1244 ) و (
130271 ) فليُنظرا .
والله أعلم
إني أتساءل : لماذا أغلب أهل الأرض غير مسلمين ؟ فعلى حد علمي أن حبَّ الله
لخلقه يزيد على حب الوالدة لولدها بسبعين مرة ، فلماذا الأغلبية غير
مسلمين ؟ وهل صحيح أنه لن يدخل الجنة إلا المسلمون ، وأهل السنَّة على وجه
التحديد ؟ إذا كان هذا صحيحاً فإن معنى ذلك أنه لن يدخل الجنة إلا نسبة
قليلة مقارنة بتعداد أهل الأرض كلهم ، فلماذا إذاً يرضى الله لأغلب خلقه أن
يدخلوا النار ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
ننبه في بداية الجواب إلى أن ما ذكره السائل مِن " أن حبَّ الله لخلقه يزيد على حب
الوالدة لولدها بسبعين مرة " : لا أصل له في القرآن ولا في السنَّة ، والله تعالى
لا يحب الظالمين ، ولا يحب الفاسقين ، ولا يحب الكافرين ، فكيف يُثبَت حبُّ الله
تعالى لعموم خلقه والكثرة الكاثرة هم من تلك الأصناف ؟! بل إنَّ الله تعالى يحب
المحسنين ، ويحب المتقين ، ويحب التوابين ، ويحب المتطهرين ، ويحب الصابرين ، ويحب
المتوكلين ، ويحب المقسطين – العادلين - ، فهذه الأصناف مِن خلقه هم الذين أثبت
الله تعالى حبَّه لهم ، ولن يكون هؤلاء – بطبيعة الحال – إلا موحِّدين له غير
مشركين به .
لكن مع ذلك كله ، فمن أسماء الله سبحانه : الرحمن الرحيم ، ورحمته سبقت غضبه ،
وعفوه سبق عقابه ، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها :
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي
، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا
وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لَا
وَاللَّهِ ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ
بِوَلَدِهَا .
رواه البخاري (5999) ومسلم (2754) .
وهناك فرق بين الرحمة والمحبة ، فقد أنزل الله جل جلاله من رحمته قسطا يتراحم به
الخلق ، ويرزق به عباده ، ويمهلهم ، ويحلم عليهم ، ويصبر على كفرهم وأذاهم سبحانه ،
وذلك كله في الدنيا ، وأما في الآخرة فرحمته خاصة بمن آمن به ، وأسلم وجهه إليه .
ثانياً:
أما السؤال : " لماذا أغلب أهل الأرض غير مسلمين ؟ " : فالجواب عليه : لأنهم هم
الذين اختاروا الكفر على الإسلام ، ودعنا هنا من المعذورين ممن لم تبلغهم الرسالة ،
ولنسأل : ما بال من قرأوا عن الإسلام وبلغتهم الدعوة ورأوا الآلاف من أهل دينهم قد
سبقوهم إلى الإسلام ، ورأوا الملايين تدين بهذا الدين العظيم ، ورأوا الآيات
البينات تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصدق دعوته وصدق القرآن وإعجازه ،
وسمعوا المناظرات التي ألجمت خصوم الإسلام ودحرت شبهاتهم ، ومع هذا كله – ومعه غيره
كثير – لم يؤمنوا بالإسلام ولم يرضوه لأنفسهم دِيناً ، بل رضي مليارات منهم بعبادة
صليب صنعوه ، أو صنم نحتوه ، أو قبرٍ شيدوه ، أو بقرة يعبدونها من دون الله ، ولا
حول ولا قوة إلا بالله .
إن الحقَّ واضح بيِّن ، وإن الآيات الدالات على عظمة
الإسلام أكثر من أن تُحصر ، وإن الأدلة على بطلان ما يفعله أولئك الكفار لا يُجادل
بها عاقل ، وإن الفطرة السليمة والعقل الصريح ليرفضان تلك العبادات واتخاذ أولئك
الآلهةَ أرباباً من دون الله الواحد الأحد ، فها قد بيَّن الله تعالى الحجة وأقام
عليهم المحجة ، ومع ذلك أبى أكثر الناس إلا كفوراً ، ولا تجد أكثر الناس شاكرين
موحدين بل كافرين مشركين .
ثالثاً:
أما جواب السؤال : " فلماذا إذاً يرضى الله لأغلب خلقه أن يدخلوا النار ؟ " : فهو
أن الله تعالى لم يرض كفرَ أولئك ، ولا يحبه منهم ، ولكنهم رضوه لأنفسهم ، وأما
الرب الجليل عز وجل فقد نصَّ في كتابه الكريم على عدم رضاه عن كفر الكافرين فقال
تعالى ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ
الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) الزمر/ 7 ، فهذا نصٌّ جلي أن الله
تعالى لا يرضى لعباده الكفر ، بل يرضى لهم التوحيد والإسلام ، لكنَّهم هم الذين
ارتضوا الكفر دينا لأنفسهم ، وأبوا الدخول في سلك الموحدين ، والله تعالى لا يجبر
أحداً على إسلام ولا على كفر ، بل هو عز وجل قد بيَّن طريقي الحق والباطل ، والصواب
والخطأ ، والإسلام والكفر ، ثم جعل للخلْق أن يختاروا ، مع وعده للمسلمين بالثواب ،
ووعيده للكفار بالنار ، قال تعالى ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء
فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا
أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ
يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا . إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً
. أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن
سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ
وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) الكهف/ 29 – 31 ، وقال تعالى ( إِنَّا خَلَقْنَا
الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا
. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا . إِنَّا
أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا . إِنَّ الأَبْرَارَ
يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا . عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا
عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) الإنسان/ 2 – 6 .
وهاك مثالاً على بيان هداية الله تعالى لقومٍ هداية دلالة وإرشاد بإرسال الرسول مع
الآيات البينات واختيارهم للكفر على الإسلام ، وهم قوم ثمود ، قال تعالى ( وَأَمَّا
ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ
صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ
آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) فصِّلت/ 17 ، 18 ، وهؤلاء مثال ، ومثلهم كل قوم
كفروا بربهم وكذبوا رسولهم ، فرضوا بالكفر في الدنيا والخلود في النار في الآخرة ،
ولهؤلاء الكفار المعاصرين سلف ، فقد جاءتهم رسل ربهم بالحق ، وجعل الله تعالى رسول
كل قوم منهم ، يعرفونه بصدقه وأمانته ، وجعل الله تعالى مع كل واحد منهم آية على
مثلها يؤمنها البشر ، ومع ذلك فإنهم قالوا عن رسلهم ساحر أو مجنون ! وقد طلب كفار
قريش من النبي صلى الله عليه وسلم آية ليؤمنوا فأراهم انشقاق القمر فقالوا " سحر "
فصدق فيهم قول الله تعالى ( وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا )
الأنعام/ 25 ، ولم تكتف تلك الأقوام بتكذيب رسل ربهم بل تآمروا عليهم لقتلهم أو
نفيهم من ديارهم ، قال تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ
لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى
إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) إبراهيم/ 13 ، وقال تعالى –
على لسان قوم إبراهيم عليه السلام – ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن
قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) العنكبوت/ 24 ، وقال تعالى – عن نبينا عليه
السلام - ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ
يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ) الأنفال/ 30 ، فإذا كان هذا هو حال من جاءه الرسول
من ربه ممن يعرفه ، ورأى الآيات بعيني رأسه : فكيف سيكون حال هؤلاء الهنود
والصينيين والأوربيين لو أنه جاءهم النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم بشيراً
ونذيراً ؟! .
ولما زعم بعض المشركين أن الله تعالى يرضى منهم الكفر ، وأنه لو لم يكن كذلك لصرفهم
عنه : كذَّبهم ربنا تبارك وتعالى وبيَّن أنهم إنما يتبعون أهواءهم وآباءهم الضالين
، قال تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ
دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا ) النحل/ 35 ، فردَّ الله تعالى عليهم
بقوله ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ
عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) النحل/ 36 .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
"فأوضح في هذه الآية الكريمة أنه لم يكن راضياً بكفرهم ، وأنه بعث في كل أمَّة
رسولاً ، وأمرهم على لسانه أن يعبدوا الله وحده ويجتنبوا الطاغوت ، أي : يتباعدوا
عن عبادة كل معبود سواه ، وأن الله هدى بعضهم إلى عبادته وحده ، وأن بعضهم حقَّت
عليه الضلالة ، أي : ثبت عليه الكفر والشقاء .
وقال تعالى في آية الأنعام ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ
لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) الأنعام/ 149 ، فملكُه تعالى وحده للتوفيق والهداية هو
الحجة البالغة على خلقه ، يعني : فمن هديناه وتفضلنا عليه بالتوفيق : فهو فضل منَّا
ورحمة ، ومَن لم نفعل له ذلك : فهو عدل منَّا وحكمة ؛ لأنه لم يكن له ذلك ديْناً
علينا ولا واجباً مستَحقّاً يستحقه علينا ، بل إن أعطينا ذلك ففضل ، وإن لم نعطه
فعدل " انتهى من " أضواء البيان " ( 7 / 95 ، 96 ) .
رابعاً:
قول السائل : " وهل صحيح أنه لن يدخل الجنة إلا المسلمون ، وأهل السنَّة على وجه
التحديد ؟ " : ففيه تفصيل :
أما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم : فنعم ، لن يدخل الجنة إلا مسلم ؛ لأن
الإسلام نسخ الأديان السابقة كلها ، وأوجب الله تعالى على خلْقه كلهم الدخول في هذا
الدِّين ، وأخبر أنه لن يقبل من أحدٍ دِيناً غيره ، وأنه مَن لقيه منهم بدين آخر
غيره فهو من الخاسرين ، قال تعالى ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا
فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/ 85 .
ولأجل ذلك : أَمَرَ الني صلى الله عليه وسلم بِلاَلًا فَنَادَى بِالنَّاسِ : (
إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ) . رواه البخاري (3062)
ومسلم (178) .
وأمَّا مِن الأمم السابقة : فإن الجنة يدخلها كل من آمن بنبيِّه وصدَّق رسوله ،
وهؤلاء هم المسلمون في زمانهم . قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ
هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة/ 62 .
وأما أن الجنة هي لأهل السنَّة على وجه التحديد : فهو قول غير صحيح ، ومثل ذلك لا
يقول به أحد من أهل العلم ؛ بل إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي أجابت دعوته
كلهم سيدخلون الجنة ، ولا يُحرم منها إلا من ارتد على عقبيه ، ونقض إسلامه بما
يخرجه منه بالكلية ، وأهل البدع الذين خالفوا الشرع ، وخاصموا أهل السنة ، هم
كغيرهم من عصاة الموحدين : في مشيئة الله جل جلاله ؛ إن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر
لهم ، ثم إن مآل الواحد منهم إلى الجنة حتما ، إذا كان قد مات على التوحيد .
وهكذا من تلبس بشيء من المعاصي ، أو وقع في بدعة ، وكان من أهل السنة ، على وجه
العموم ، هو أيضا في مشيئة الله جل جلاله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ، وإن كان
القيام بالسنة ، والذب عنها ، والتحلي بها علما وعملا ، أرجى لصاحبه ، وأنجى له من
عذاب الله وسخطه .
خامسا :
من فهم مِن حديث الافتراق ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الفرَق الثنتين وسبعين
المختلفة المخالفة لأهل السنَّة ( كُلُّها في النَّار ) أنهم مخلَّدون في نار جهنم
: فقد أخطأ ، وخالف إجماع المسلمين ، فضلال هذه الفرَق وتوعدها بالنار لا يعني
خلودها فيها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"ومَن قال إن الثنتين والسبعين فِرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة : فقد
خالف الكتاب والسنَّة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، بل وإجماع الأئمة
الأربعة وغير الأربعة ؛ فليس فيهم مَن كفَّر كلَّ واحد من الثنتين وسبعين
فرقة".انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 7 / 218 ) .
والتكفير للمخالفين هو من منهج أهل البدع والضلال ، لا من منهج أهل السنَّة
والجماعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"والخوارج هم أول من كفَّر المسلمين ، يكفرون بالذنوب ، ويكفرون مَن خالفهم في
بدعتهم ويستحلون دمه وماله ، وهذه حال أهل البدع ، يبتدعون بدعة ويكفرون مَن خالفهم
فيها .
وأهل السنَّة والجماعة يتبعون الكتاب والسنَّة ، ويطيعون الله ورسوله ، فيتبعون
الحق ويرحمون الخلق" .انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 3 / 279 ) .
وقال – عن الفرق الثنتين والسبعين - :
"وإنما يكفِّر بعضُهم بعضاً ببعض المقالات" .انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 7 / 218 )
.
وانظر روايات حديث الافتراق وشيئاً من فقهه في جواب السؤال رقم (
90112 ) .
وانظر في صفات أهل السنة والفرقة الناجية جوابي السؤالين (
10777 ) و (
206 ) .
سادساً:
من رحمة الله تعالى بعباده أنه لا يعذِّب بالنار من لم تصله دعوة الإسلام ، فالذين
يعيشون في زماننا أو قبله ولم يصل لهم خبر الإسلام : فإنهم يختبرون يوم القيامة ،
وقد بينَّا هذه المسألة في جوابي السؤالين (
1244 ) و (
130271 ) فليُنظرا .
والله أعلم