طور العقيدة العسكرية الروسية وتأثيراتها فى القوى الغربية
جيمس كوين ليفن
تمر العلاقات الروسية- الغربية بمرحلة من التوترات، إثر موقف موسكو من الأزمة الأوكرانية، وضمها لشبه جزيرة القرم، ودعمها لمن يسمى بـ"المتمردين الأوكرانيين". في المقابل، فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية على موسكو، وهو الأمر الذي دفع الأخيرة للتهديد بوقف 60% من صادراتها من الغاز لأوروبا.
ويرى بعض المحللين الغربيين أن هذه التوترات تنذر بعودة أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، خاصة مع تصديق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 26 ديسمبر 2014، على الصيغة الجديدة للعقيدة العسكرية الروسية التي ترى في تحركات حلف شمال الأطلنطي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في الجوار الروسي من أهم الأخطار الخارجية.
وفي ضوء هذه التطورات، نشر جيمس كوين ليفن، كبير محللي بحوث العمليات بمؤسسة راند RAND، تحليلا على موقع مؤسسة "راند" حول العلاقات بين روسيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة، والتطورات العسكرية التي ألقت بظلالها على شكل الصراع بينهما، ركز فيه على تطور العقيدة العسكرية الروسية، وتأثير ذلك فى العلاقات الروسية- الأمريكية والأوروبية.
نحو الحرب الباردة من جديد:
عرض جيمس في تحليله بعض الشواهد على المحاولات الروسية لإحياء الحرب الباردة من جديد، فيشير إلى قيام طائرة روسية حربية في 12ديسمبر بالاقتراب بشكل خطير من إحدى طائرات الخطوط الإسكندنافية في الأجواء الدولية بالقرب من جنوب السويد، وكانت الطائرة الروسية تحلق بدون أي استجابة لنداءات السلطات السويدية، ومن ثم تم إبعاد الطائرة المدنية تجنباً للتصادم، وقد نفى الجانب الروسي أن تكون طائرته اقتربت بأي شكل من الأشكال لطائرة الركاب.
ويُعد هذا - حسبما يشير التحليل- أحد الأنماط الاستفزازية الروسية الثابتة. ويضيف الكاتب أن شبكة القيادة الأوروبية قد رصدت 40 حادثة تورط بها السلاح الجوي الروسي، أو السفن الروسية ما بين مارس ونوفمبر 2014. وأضاف أنه في عام 2007 ، عادت الطائرات الروسية لعمليات ذات مسافات طويلة - بعد توقف دام 16 عاماً منذ عام 1991- بطائرة القاذفات توبوليف تو-95 تجاه سواحل الولايات المتحدة الأمريكية بهدف اعتراض مهام القوات الأمريكية في البحار.
ويرى ليفن أن السلوك العدواني لروسيا ما هو إلا عرض لقوة الكرملين، وتذكير بالقدرات النووية الروسية، لكن الغرب يراها استفزازات مزعجة، ولا تشكل أي مخاطر جديدة.
حرب كوسوفو.. محاولات لتفسير الاستفزازات الروسية:
أشار الكاتب في تحليله إلى أنه قد يكون الغرب تناسى حرب كوسوفو 1990، عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو) بضرب نقاط صربية بهدف حماية الشعب الكوسوفي، إلا أن روسيا تتذكر هذه الحرب جيداً لسببين يقدمان تفسيرات للاستفزازات الروسية لجيرانها.
السبب الأول يتمثل في أنه بعد ما حذر الرئيس الروسي الأسبق، بوريس يلتسين، الغرب من الدفع بروسيا للاشتراك في حرب كوسوفو، قامت الولايات المتحدة، وحلف الناتو بضرب المواقع الصربية، مما أسهم في إذلال موسكو، وتقديم يلتسين لاستقالته بنهاية عام 1999.
أما السبب الثاني والأخير، فيتمثل في شن الولايات المتحدة وحلف الناتو ضربات جوية– أطلقت عليها روسيا "حرب التماس"- استطاعت من خلالها تدمير القدرات العسكرية الصربية. ولا تزال تداعيات حرب كوسوفو في الذاكرة الروسية. فبعد استقالة يلتسين في ديسمبر 1999 ، انتقلت السلطة إلى رئيس وزرائه، فلاديمير بوتين، الذي لم ينس حرب كوسوفو، ولذا سعى- منذ بداية فترته الرئاسية الأولى- لإعادة بناء القوة الروسية، ونطاق نفوذها.
وأوضح الكاتب أنه عقب حرب كوسوفو، رأت العسكرية الروسية حلف الناتو عدوا لها، لا سيما مع استمرار الاعتقاد الروسي باحتمال تدخل الحلف، تحت قيادة الولايات المتحدة، في أي صراع إقليمي آخر، وشن حرب جديدة ضد الجيش الروسي، تحت شعار "التصعيد من العمل العسكري".
ولهذا، طور منظرو الجيش الروسي مفهوم استخدام الأسلحة النووية لوقف القتال التقليدي قبل إلحاق الهزيمة، فبدأت سلسلة من التدريبات الواسعة، بدءاً من Zapad-99 في 1999 ، والذي صمم لمواجهة سيناريوهات تدخل الناتو بقوات عسكرية متقدمة في صراعات محلية بدول الجوار القريبة، مثل روسيا البيضاء، والمناطق الروسية بين بولندا وليتوانيا.
وتم تطوير تلك التدريبات من كونها مواجهة تدخلات في دول الجوار لتصبح حروبا إقليمية كبرى. وقد شهدت هذه التدريبات مشاركة سلاح الجو الروسي بطائرات للمسافات الطويلة مثل توبوليف تو-22.
التدابير النووية في ضوء تطور العقيدة العسكرية:
تناول الكاتب في تحليله تطور العقيدة العسكرية لروسيا، ودور الأسلحة النووية بها، فأوضح أن الأسلحة النووية أصبحت أكثر بروزاً في العقيدة العسكرية الروسية في عام 2000، والتي نصت على أن الأسلحة النووية يمكن استخدامها في حالات "تهديد الأمن القومي للاتحاد الروسي"، مشيرا إلى أن العقيدة الجديدة أتاحت إمكانية الاستخدام الأول للأسلحة النووية.
وتطرق ليفن إلى أن معظم المراقبين اتفقوا على أن نقاط الضعف بالقوات العسكرية الروسية، والقدرات التقليدية للغرب، واستعداد الولايات المتحدة لتنفيذ حرب تماس جديدة مع روسيا، وهشاشة النظام الروسي، كلها تعطي المصداقية لتهديدات الكرملين بالرد النووي في حالة الهزيمة التقليدية.
يشير الكاتب إلى أن الحرب الحدودية التي خاضتها روسيا ضد جورجيا في عام 2008 كان لها تأثير كبير فى العقيدة العسكرية الروسية، حيث إنها أوضحت أمرين مهمين.
أولهما: إن إعادة تنظيم القوات البرية الروسية القائمة على الجنود بنظام التعاقد، وليس نظام التجنيد التقليدي أظهرت مهارات أعلى، وقدرات عسكرية للقوات البرية أكثر من القوات التي فشلت في الشيشان في أواخر عام 1990، ويطلق على هذه الوحدات "القوات دائمة الجاهزية"، وهي على مستوى أعلى من بقية القوات العسكرية، ولا تعتمد على التعبئة الاحتياطية، أو المجندين للانتشار في العمليات العسكرية. لذا، فإن الانتصار الذي حققته القوات الروسية في حربها ضد جورجيا منحها ثقة عسكرية، كونها لديها القدرة على خوض حرب وكسبها.
أما الأمر الثاني والأخير، فقد أبدى حلف الناتو عدم رغبته في التورط في الحرب الجورجية، كما حدث في كوسوفو، وهو ما أعطى مؤشراً لروسيا بأن الغرب لا يسعى دائماً للقتال.
وقد قارن الكاتب بين العقيدة العسكرية الأمريكية الجديدة وسابقتها لتوضيح التطور فيها لمواجهة التهديدات الأمنية من قبل الولايات المتحدة والقوى الغربية التي تسعى إلى تقويض الصعود الروسي، واستعادته مجد الاتحاد السوفيتي السابق كمنافس قوي للولايات المتحدة، إبان الحرب الباردة.
ومن المقارنة، يتضح أن الوثيقة الجديدة أولت أهمية عظمى للسلاح النووي واستخدامه للرد على استخدام سلاح نووي مماثل، أو أي نوع من أسلحة الدمار الشامل ضدها، أو ضد حلفائها. كما يحق لروسيا استخدام السلاح النووي لدى استهدافها بأسلحة تقليدية، في حال هدد ذلك وجود الدولة.
وفي ختام تحليله، يؤكد ليفن أن العقيدة الروسية الجديدة اتسمت بلهجة أكثر دفاعية عن نظيرتها السابقة، ولكنها أكدت خطورة حلف الناتو، والقلق المتزايد من الحشود التي يقودها على الأراضي المتاخمة لروسيا، فضلاً عن تركيز العقيدة الجديدة على تحسين القدرات العسكرية الروسية على استخدام الأسلحة التقليدية.
فل
جيمس كوين ليفن
تمر العلاقات الروسية- الغربية بمرحلة من التوترات، إثر موقف موسكو من الأزمة الأوكرانية، وضمها لشبه جزيرة القرم، ودعمها لمن يسمى بـ"المتمردين الأوكرانيين". في المقابل، فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية على موسكو، وهو الأمر الذي دفع الأخيرة للتهديد بوقف 60% من صادراتها من الغاز لأوروبا.
ويرى بعض المحللين الغربيين أن هذه التوترات تنذر بعودة أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، خاصة مع تصديق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 26 ديسمبر 2014، على الصيغة الجديدة للعقيدة العسكرية الروسية التي ترى في تحركات حلف شمال الأطلنطي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في الجوار الروسي من أهم الأخطار الخارجية.
وفي ضوء هذه التطورات، نشر جيمس كوين ليفن، كبير محللي بحوث العمليات بمؤسسة راند RAND، تحليلا على موقع مؤسسة "راند" حول العلاقات بين روسيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة، والتطورات العسكرية التي ألقت بظلالها على شكل الصراع بينهما، ركز فيه على تطور العقيدة العسكرية الروسية، وتأثير ذلك فى العلاقات الروسية- الأمريكية والأوروبية.
نحو الحرب الباردة من جديد:
عرض جيمس في تحليله بعض الشواهد على المحاولات الروسية لإحياء الحرب الباردة من جديد، فيشير إلى قيام طائرة روسية حربية في 12ديسمبر بالاقتراب بشكل خطير من إحدى طائرات الخطوط الإسكندنافية في الأجواء الدولية بالقرب من جنوب السويد، وكانت الطائرة الروسية تحلق بدون أي استجابة لنداءات السلطات السويدية، ومن ثم تم إبعاد الطائرة المدنية تجنباً للتصادم، وقد نفى الجانب الروسي أن تكون طائرته اقتربت بأي شكل من الأشكال لطائرة الركاب.
ويُعد هذا - حسبما يشير التحليل- أحد الأنماط الاستفزازية الروسية الثابتة. ويضيف الكاتب أن شبكة القيادة الأوروبية قد رصدت 40 حادثة تورط بها السلاح الجوي الروسي، أو السفن الروسية ما بين مارس ونوفمبر 2014. وأضاف أنه في عام 2007 ، عادت الطائرات الروسية لعمليات ذات مسافات طويلة - بعد توقف دام 16 عاماً منذ عام 1991- بطائرة القاذفات توبوليف تو-95 تجاه سواحل الولايات المتحدة الأمريكية بهدف اعتراض مهام القوات الأمريكية في البحار.
ويرى ليفن أن السلوك العدواني لروسيا ما هو إلا عرض لقوة الكرملين، وتذكير بالقدرات النووية الروسية، لكن الغرب يراها استفزازات مزعجة، ولا تشكل أي مخاطر جديدة.
حرب كوسوفو.. محاولات لتفسير الاستفزازات الروسية:
أشار الكاتب في تحليله إلى أنه قد يكون الغرب تناسى حرب كوسوفو 1990، عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو) بضرب نقاط صربية بهدف حماية الشعب الكوسوفي، إلا أن روسيا تتذكر هذه الحرب جيداً لسببين يقدمان تفسيرات للاستفزازات الروسية لجيرانها.
السبب الأول يتمثل في أنه بعد ما حذر الرئيس الروسي الأسبق، بوريس يلتسين، الغرب من الدفع بروسيا للاشتراك في حرب كوسوفو، قامت الولايات المتحدة، وحلف الناتو بضرب المواقع الصربية، مما أسهم في إذلال موسكو، وتقديم يلتسين لاستقالته بنهاية عام 1999.
أما السبب الثاني والأخير، فيتمثل في شن الولايات المتحدة وحلف الناتو ضربات جوية– أطلقت عليها روسيا "حرب التماس"- استطاعت من خلالها تدمير القدرات العسكرية الصربية. ولا تزال تداعيات حرب كوسوفو في الذاكرة الروسية. فبعد استقالة يلتسين في ديسمبر 1999 ، انتقلت السلطة إلى رئيس وزرائه، فلاديمير بوتين، الذي لم ينس حرب كوسوفو، ولذا سعى- منذ بداية فترته الرئاسية الأولى- لإعادة بناء القوة الروسية، ونطاق نفوذها.
وأوضح الكاتب أنه عقب حرب كوسوفو، رأت العسكرية الروسية حلف الناتو عدوا لها، لا سيما مع استمرار الاعتقاد الروسي باحتمال تدخل الحلف، تحت قيادة الولايات المتحدة، في أي صراع إقليمي آخر، وشن حرب جديدة ضد الجيش الروسي، تحت شعار "التصعيد من العمل العسكري".
ولهذا، طور منظرو الجيش الروسي مفهوم استخدام الأسلحة النووية لوقف القتال التقليدي قبل إلحاق الهزيمة، فبدأت سلسلة من التدريبات الواسعة، بدءاً من Zapad-99 في 1999 ، والذي صمم لمواجهة سيناريوهات تدخل الناتو بقوات عسكرية متقدمة في صراعات محلية بدول الجوار القريبة، مثل روسيا البيضاء، والمناطق الروسية بين بولندا وليتوانيا.
وتم تطوير تلك التدريبات من كونها مواجهة تدخلات في دول الجوار لتصبح حروبا إقليمية كبرى. وقد شهدت هذه التدريبات مشاركة سلاح الجو الروسي بطائرات للمسافات الطويلة مثل توبوليف تو-22.
التدابير النووية في ضوء تطور العقيدة العسكرية:
تناول الكاتب في تحليله تطور العقيدة العسكرية لروسيا، ودور الأسلحة النووية بها، فأوضح أن الأسلحة النووية أصبحت أكثر بروزاً في العقيدة العسكرية الروسية في عام 2000، والتي نصت على أن الأسلحة النووية يمكن استخدامها في حالات "تهديد الأمن القومي للاتحاد الروسي"، مشيرا إلى أن العقيدة الجديدة أتاحت إمكانية الاستخدام الأول للأسلحة النووية.
وتطرق ليفن إلى أن معظم المراقبين اتفقوا على أن نقاط الضعف بالقوات العسكرية الروسية، والقدرات التقليدية للغرب، واستعداد الولايات المتحدة لتنفيذ حرب تماس جديدة مع روسيا، وهشاشة النظام الروسي، كلها تعطي المصداقية لتهديدات الكرملين بالرد النووي في حالة الهزيمة التقليدية.
يشير الكاتب إلى أن الحرب الحدودية التي خاضتها روسيا ضد جورجيا في عام 2008 كان لها تأثير كبير فى العقيدة العسكرية الروسية، حيث إنها أوضحت أمرين مهمين.
أولهما: إن إعادة تنظيم القوات البرية الروسية القائمة على الجنود بنظام التعاقد، وليس نظام التجنيد التقليدي أظهرت مهارات أعلى، وقدرات عسكرية للقوات البرية أكثر من القوات التي فشلت في الشيشان في أواخر عام 1990، ويطلق على هذه الوحدات "القوات دائمة الجاهزية"، وهي على مستوى أعلى من بقية القوات العسكرية، ولا تعتمد على التعبئة الاحتياطية، أو المجندين للانتشار في العمليات العسكرية. لذا، فإن الانتصار الذي حققته القوات الروسية في حربها ضد جورجيا منحها ثقة عسكرية، كونها لديها القدرة على خوض حرب وكسبها.
أما الأمر الثاني والأخير، فقد أبدى حلف الناتو عدم رغبته في التورط في الحرب الجورجية، كما حدث في كوسوفو، وهو ما أعطى مؤشراً لروسيا بأن الغرب لا يسعى دائماً للقتال.
وقد قارن الكاتب بين العقيدة العسكرية الأمريكية الجديدة وسابقتها لتوضيح التطور فيها لمواجهة التهديدات الأمنية من قبل الولايات المتحدة والقوى الغربية التي تسعى إلى تقويض الصعود الروسي، واستعادته مجد الاتحاد السوفيتي السابق كمنافس قوي للولايات المتحدة، إبان الحرب الباردة.
ومن المقارنة، يتضح أن الوثيقة الجديدة أولت أهمية عظمى للسلاح النووي واستخدامه للرد على استخدام سلاح نووي مماثل، أو أي نوع من أسلحة الدمار الشامل ضدها، أو ضد حلفائها. كما يحق لروسيا استخدام السلاح النووي لدى استهدافها بأسلحة تقليدية، في حال هدد ذلك وجود الدولة.
وفي ختام تحليله، يؤكد ليفن أن العقيدة الروسية الجديدة اتسمت بلهجة أكثر دفاعية عن نظيرتها السابقة، ولكنها أكدت خطورة حلف الناتو، والقلق المتزايد من الحشود التي يقودها على الأراضي المتاخمة لروسيا، فضلاً عن تركيز العقيدة الجديدة على تحسين القدرات العسكرية الروسية على استخدام الأسلحة التقليدية.
فل