الماء المستعمل في غمس يد القائم من النوم
اختلف العلماء في الماء إذا غمس فيه يد قائم من نوم الليل:
فقيل: الماء طهور، ولا يكون مستعملاً بذلك، وهو مذهب الحنفية[1]، والمالكية[2]، والشافعية[3]، ورواية عن أحمد[4]، ومذهب الظاهرية[5].
قال ابن تيمية: وهو قول أكثر الفقهاء [6]، ورجحه ابن القيم [7].
وقيل: إن الماء ينجس إذا كان الماء قليلاً، وهو مذهب الحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير الطبري [8]، وهو رواية عن أحمد [9].
وقيل: إن الماء يكون طاهرًا غير مطهر، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة [10]، وهو من المفردات [11].
دليل الحنابلة على أن الماء طاهر:
(56) ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))[12].
وجه الاستدلال:
قالوا: لم نقل بنجاسة الماء إذا غمست فيه اليد قبل غسلها؛ لأن اليد معلوم طهارتها، وليست نجسة، فهي يد طاهرة قابلت ماء طهورًا، ولم نقل: إن الماء طهور؛ لكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن غمسها حتى تغسل ثلاثًا، فلولا أنه يفيد منعًا لم ينه عنه، فدل على أن الماء يكون طاهرًا غير مطهر.
دليل الجمهور على أن الماء طهور:
حمل الجمهور حديث أبي هريرة على الاستحباب، وعللوا ذلك بأن طهارة اليد متيقنة، ونجاسة اليد مشكوك فيها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنه لا يدري أين باتت يده))، والشك لا يقضي على اليقين.
وكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرشد إلى غسل اليد ثلاث مرات قبل غمسها في الإناء قرينة على أن الغسل ليس بواجب؛ إذ لو كان واجبًا لكفى فيها غسلة واحدة قياسًا على دم الحيض، وإذا كان الغسل ليس واجبًا لم يكن غمسها مؤثرًا في الماء، فيبقى الماء على طهوريته حتى يأتي دليل صحيح صريح ينقله عن الطهورية.
وسوف نناقش علة النهي عن غمس اليد في مبحث مستقل - إن شاء الله تعالى.
دليل من قال: إن الماء ينجس:
لا أعلم لهم دليلاً على نجاسة الماء؛ ولذلك قال النووي عن القول بالنجاسة: وهو ضعيف جدًّا؛ فإن الأصل في اليد والماء الطهارة، فلا ينجس بالشك، وقواعد الشريعة متظاهرة على هذا.
وقال ابن القيم: "القول بنجاسته من أشذ الشاذ" [13].
دليل الحنابلة على كون الماء طاهرًا وليس بطهور:
(57) ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي، قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))، وهو في البخاري دون قوله: ثلاثًا[14].
وجه الاستدلال:
قالوا: إن الحديث نهى عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها، ولولا أن غمسها يؤثر في الماء لم ينه عنه، فإذا نهى عنه دلَّ ذلك على تحول الماء إلى طاهر غير مطهر، وإنما قلنا: طاهر؛ لأن اليد ليست نجسة، وقلنا: ليس بطهور؛ للنهي عن غمس اليد في الماء، والله أعلم.
وأجيب:
أن الحديث لم يتعرض لحكم الماء، ولم يذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن الماء يتحول إلى طاهر لا يصح التطهر منه؛ إنما نهى عن غمس اليد فيه بعد القيام من النوم.
وقد سبق لنا في بحث أقسام المياه أن الماء: طهور ونجس، ولا دليل على وجود قسم ثالث.
[1] أحكام القرآن - الجصاص (2/496، 497)، بدائع الصنائع (1/20)، العناية شرح الهداية (1/20)، شرح فتح القدير (1/20)، البحر الرائق (1/18)، حاشية ابن عابدين (1/110).
[2] المنتقى (1/47)، الخرشي (1/132) وانظر بداية المجتهد (1/105)، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (18/252) عن مذهب مالك: "من استيقظ من نومه، أو مس فرجه، أو كان جنبًا، أو امرأة حائضًا، فأدخل أحدهم يده في وضوئه، فليس ذلك يضره، إلا أن تكون في يده نجاسة، كان ذلك الماء قليلاً أو كثيرًا، ولا يدخل أحد منهم يده حتى يغسلها". قال ابن عبدالبر: "الفقهاء على هذا كلهم يستحبون ذلك، ويأمرون به، فإن أدخل أحد يده بعد قيامه من نومه في وضوئه قبل أن يغسلها، ويده نظيفة لا نجاسة فيها، فليس عليه شيء ولا يضر ذلك وضوءه" اهـ.
[3] الأم (1/39)، المجموع (1/214، 389، 390)، طرح التثريب (2/45)، شرح البهجة (1/105)، تحفة المحتاج (1/226)، نهاية المحتاج (1/185، 186)، حاشية البجيرمي (1/160، 161)، مطالب أولي النهى (1/92).
[4] الفتاوى الكبرى - ابن تيمية (1/217، 425)، الفروع (1/79)، الإنصاف.
[5] المحلى (1/155، 156، 294)، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (1/253، 254): "وتحصيل مذهب داود وأكثر أصحابه أن فاعل ذلك عاصٍ إذا كان بالنهي عالمًا، والماء طاهر، والوضوء به جائز ما لم تظهر فيه نجاسة" اهـ.
[6] مجموع الفتاوى (21/44).
[7] تهذيب السنن (1/69) وحكم على القول بأن الماء يكون مستعملاً بأنه قول ضعيف.
[8] شرح النووي لصحيح مسلم (3/231) في الكلام على حديث رقم 278، والمجموع (1/390، 391).
[9] الإنصاف (1/38)، وذكر أنها من المفردات، واختارها من أصحاب الإمام أحمد الخلال.
[10] انظر مسائل أحمد رواية أبي داود (ص: 9)، والفتاوى الكبرى - ابن تيمية (1/217، 425)، الفروع (1/79)، الإنصاف (1/38)، شرح منتهى الإرادات (1/19)، كشاف القناع (1/33، 34).
[11] المذهب لا يكون طاهرًا إلا بشروط، منها:
الأول: أن يكون الماء قليلاً، وحد القليل عندهم: أن يكون دون القلتين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يغمس يده في الإناء، وإناء الوضوء إناء صغير.
الثاني: أن يغمس كامل يده؛ لحديث أبي هريرة في الصحيحين، وفيه: "فلا يغمس يده"، واليد عند الإطلاق تشمل جميع الكف؛ لقوله تعالى: ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ﴾ [المائدة: 38]، وفي التيمم المسح خاص بالكف؛ لقوله تعالى: ﴿ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ﴾ [المائدة: 6]، وأما إذا كان الأمر زائدًا على الكف، فلا بد من التقييد، كما في آية الوضوء، قال تعالى: ﴿ وأيديكم إلى المرافق ﴾ [المائدة: 6].
وأما إذا غمس بعض يده، فلا يؤثر في الماء، وهو المشهور من المذهب عند المتأخرين، انظر كشاف القناع (1/33)، المبدع (1/46).
وقيل: يؤثر، ولو غمس بعض اليد، انظر الفروع (1/79)، والإنصاف (1/40)، ولا يؤثر غمس عضو آخر غير اليد؛ لأن الحديث نص على اليد.
الثالث: أن يكون قائمًا من نوم الليل. ولي فيها وقفة خاصة؛ نظرًا لكثرة أدلتها.
الرابع: أن يكون النوم ناقضًا للوضوء، وهو عندهم كل نوم إلا نومًا يسيرًا من قاعد أو قائم.
الخامس: لا بد أن تكون اليد يد مكلف؛ بحيث لو كان الغامس صغيرًا أو مجنونًا أو كافرًا لم يؤثر ذلك في الماء.
في مذهب الإمام أحمد وجهان في الصغير والمجنون والكافر إذا غمسوا أيديهم في الماء:
أحدهما: أنهم كالمسلم البالغ العاقل لا يدرون أين باتت أيديهم.
والثاني: أنه لا تأثير لغمس الصبي والمجنون والكافر. قال صاحب الإنصاف: (1/41) وهو الصحيح، وإليه مال المصنف في المغني، واختاره المجد في شرح الهداية، وصححه ابن تميم، قال في مجمع البحرين: لا يؤثر غمسهم في أصح الوجهين.
واستدلوا:
أولاً: أن المنع من الغمس إنما ثبت من الخطاب؛ يعنى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا استيقظ أحدكم...)) الحديث، ولا خطاب في حق هؤلاء.
وثانيًا: إن وجوب الغسل أمر تعبدي، ولا تعبد في حق هؤلاء.
وثالثًا: الغسل المزيل لحكم المنع من شرطه النية، والمجنون والصبي والكافر ليسوا من أهلها.
ولكن هذا القول من أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - عجيب! كيف إذا غمس الصبي الذي لا يحسن الطهارة، والكافر الذي لا يستنزه من البول، والمجنون الذي لا يعقل إذا غمسوا أيديهم في الماء لا يتأثر الماء، وتصح الطهارة منه، وإذا غمس المسلم العاقل البالغ الذي يحسن الطهارة، أصبح الماء غير صالح للطهارة منه؟
فالصحيح أن العلة في المسلم النائم، هي العلة في الكافر النائم، وهي العلة نفسها في الصبي والمجنون، وليس تأثير الغمس من الأحكام التكليفية، بل هو من الأحكام الوضعية، كما أن الكافر على الصحيح مخاطب بفروع الشريعة، وإن كان يفقد شرط الصحة، وهو الإيمان.
انظر في المذهب الحنبلي: كشاف القناع (1/33)، المبدع (1/47)، الإنصاف (40، 41)، الروض المربع (1/23).
[12] صحيح مسلم (278).
[13] تهذيب السنن (1/69).
[14] صحيح مسلم (278)، وانظر صحيح البخاري (162).
شبكة الألوكة
اختلف العلماء في الماء إذا غمس فيه يد قائم من نوم الليل:
فقيل: الماء طهور، ولا يكون مستعملاً بذلك، وهو مذهب الحنفية[1]، والمالكية[2]، والشافعية[3]، ورواية عن أحمد[4]، ومذهب الظاهرية[5].
قال ابن تيمية: وهو قول أكثر الفقهاء [6]، ورجحه ابن القيم [7].
وقيل: إن الماء ينجس إذا كان الماء قليلاً، وهو مذهب الحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير الطبري [8]، وهو رواية عن أحمد [9].
وقيل: إن الماء يكون طاهرًا غير مطهر، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة [10]، وهو من المفردات [11].
دليل الحنابلة على أن الماء طاهر:
(56) ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))[12].
وجه الاستدلال:
قالوا: لم نقل بنجاسة الماء إذا غمست فيه اليد قبل غسلها؛ لأن اليد معلوم طهارتها، وليست نجسة، فهي يد طاهرة قابلت ماء طهورًا، ولم نقل: إن الماء طهور؛ لكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن غمسها حتى تغسل ثلاثًا، فلولا أنه يفيد منعًا لم ينه عنه، فدل على أن الماء يكون طاهرًا غير مطهر.
دليل الجمهور على أن الماء طهور:
حمل الجمهور حديث أبي هريرة على الاستحباب، وعللوا ذلك بأن طهارة اليد متيقنة، ونجاسة اليد مشكوك فيها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنه لا يدري أين باتت يده))، والشك لا يقضي على اليقين.
وكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرشد إلى غسل اليد ثلاث مرات قبل غمسها في الإناء قرينة على أن الغسل ليس بواجب؛ إذ لو كان واجبًا لكفى فيها غسلة واحدة قياسًا على دم الحيض، وإذا كان الغسل ليس واجبًا لم يكن غمسها مؤثرًا في الماء، فيبقى الماء على طهوريته حتى يأتي دليل صحيح صريح ينقله عن الطهورية.
وسوف نناقش علة النهي عن غمس اليد في مبحث مستقل - إن شاء الله تعالى.
دليل من قال: إن الماء ينجس:
لا أعلم لهم دليلاً على نجاسة الماء؛ ولذلك قال النووي عن القول بالنجاسة: وهو ضعيف جدًّا؛ فإن الأصل في اليد والماء الطهارة، فلا ينجس بالشك، وقواعد الشريعة متظاهرة على هذا.
وقال ابن القيم: "القول بنجاسته من أشذ الشاذ" [13].
دليل الحنابلة على كون الماء طاهرًا وليس بطهور:
(57) ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي، قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))، وهو في البخاري دون قوله: ثلاثًا[14].
وجه الاستدلال:
قالوا: إن الحديث نهى عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها، ولولا أن غمسها يؤثر في الماء لم ينه عنه، فإذا نهى عنه دلَّ ذلك على تحول الماء إلى طاهر غير مطهر، وإنما قلنا: طاهر؛ لأن اليد ليست نجسة، وقلنا: ليس بطهور؛ للنهي عن غمس اليد في الماء، والله أعلم.
وأجيب:
أن الحديث لم يتعرض لحكم الماء، ولم يذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن الماء يتحول إلى طاهر لا يصح التطهر منه؛ إنما نهى عن غمس اليد فيه بعد القيام من النوم.
وقد سبق لنا في بحث أقسام المياه أن الماء: طهور ونجس، ولا دليل على وجود قسم ثالث.
[1] أحكام القرآن - الجصاص (2/496، 497)، بدائع الصنائع (1/20)، العناية شرح الهداية (1/20)، شرح فتح القدير (1/20)، البحر الرائق (1/18)، حاشية ابن عابدين (1/110).
[2] المنتقى (1/47)، الخرشي (1/132) وانظر بداية المجتهد (1/105)، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (18/252) عن مذهب مالك: "من استيقظ من نومه، أو مس فرجه، أو كان جنبًا، أو امرأة حائضًا، فأدخل أحدهم يده في وضوئه، فليس ذلك يضره، إلا أن تكون في يده نجاسة، كان ذلك الماء قليلاً أو كثيرًا، ولا يدخل أحد منهم يده حتى يغسلها". قال ابن عبدالبر: "الفقهاء على هذا كلهم يستحبون ذلك، ويأمرون به، فإن أدخل أحد يده بعد قيامه من نومه في وضوئه قبل أن يغسلها، ويده نظيفة لا نجاسة فيها، فليس عليه شيء ولا يضر ذلك وضوءه" اهـ.
[3] الأم (1/39)، المجموع (1/214، 389، 390)، طرح التثريب (2/45)، شرح البهجة (1/105)، تحفة المحتاج (1/226)، نهاية المحتاج (1/185، 186)، حاشية البجيرمي (1/160، 161)، مطالب أولي النهى (1/92).
[4] الفتاوى الكبرى - ابن تيمية (1/217، 425)، الفروع (1/79)، الإنصاف.
[5] المحلى (1/155، 156، 294)، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (1/253، 254): "وتحصيل مذهب داود وأكثر أصحابه أن فاعل ذلك عاصٍ إذا كان بالنهي عالمًا، والماء طاهر، والوضوء به جائز ما لم تظهر فيه نجاسة" اهـ.
[6] مجموع الفتاوى (21/44).
[7] تهذيب السنن (1/69) وحكم على القول بأن الماء يكون مستعملاً بأنه قول ضعيف.
[8] شرح النووي لصحيح مسلم (3/231) في الكلام على حديث رقم 278، والمجموع (1/390، 391).
[9] الإنصاف (1/38)، وذكر أنها من المفردات، واختارها من أصحاب الإمام أحمد الخلال.
[10] انظر مسائل أحمد رواية أبي داود (ص: 9)، والفتاوى الكبرى - ابن تيمية (1/217، 425)، الفروع (1/79)، الإنصاف (1/38)، شرح منتهى الإرادات (1/19)، كشاف القناع (1/33، 34).
[11] المذهب لا يكون طاهرًا إلا بشروط، منها:
الأول: أن يكون الماء قليلاً، وحد القليل عندهم: أن يكون دون القلتين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يغمس يده في الإناء، وإناء الوضوء إناء صغير.
الثاني: أن يغمس كامل يده؛ لحديث أبي هريرة في الصحيحين، وفيه: "فلا يغمس يده"، واليد عند الإطلاق تشمل جميع الكف؛ لقوله تعالى: ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ﴾ [المائدة: 38]، وفي التيمم المسح خاص بالكف؛ لقوله تعالى: ﴿ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ﴾ [المائدة: 6]، وأما إذا كان الأمر زائدًا على الكف، فلا بد من التقييد، كما في آية الوضوء، قال تعالى: ﴿ وأيديكم إلى المرافق ﴾ [المائدة: 6].
وأما إذا غمس بعض يده، فلا يؤثر في الماء، وهو المشهور من المذهب عند المتأخرين، انظر كشاف القناع (1/33)، المبدع (1/46).
وقيل: يؤثر، ولو غمس بعض اليد، انظر الفروع (1/79)، والإنصاف (1/40)، ولا يؤثر غمس عضو آخر غير اليد؛ لأن الحديث نص على اليد.
الثالث: أن يكون قائمًا من نوم الليل. ولي فيها وقفة خاصة؛ نظرًا لكثرة أدلتها.
الرابع: أن يكون النوم ناقضًا للوضوء، وهو عندهم كل نوم إلا نومًا يسيرًا من قاعد أو قائم.
الخامس: لا بد أن تكون اليد يد مكلف؛ بحيث لو كان الغامس صغيرًا أو مجنونًا أو كافرًا لم يؤثر ذلك في الماء.
في مذهب الإمام أحمد وجهان في الصغير والمجنون والكافر إذا غمسوا أيديهم في الماء:
أحدهما: أنهم كالمسلم البالغ العاقل لا يدرون أين باتت أيديهم.
والثاني: أنه لا تأثير لغمس الصبي والمجنون والكافر. قال صاحب الإنصاف: (1/41) وهو الصحيح، وإليه مال المصنف في المغني، واختاره المجد في شرح الهداية، وصححه ابن تميم، قال في مجمع البحرين: لا يؤثر غمسهم في أصح الوجهين.
واستدلوا:
أولاً: أن المنع من الغمس إنما ثبت من الخطاب؛ يعنى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا استيقظ أحدكم...)) الحديث، ولا خطاب في حق هؤلاء.
وثانيًا: إن وجوب الغسل أمر تعبدي، ولا تعبد في حق هؤلاء.
وثالثًا: الغسل المزيل لحكم المنع من شرطه النية، والمجنون والصبي والكافر ليسوا من أهلها.
ولكن هذا القول من أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - عجيب! كيف إذا غمس الصبي الذي لا يحسن الطهارة، والكافر الذي لا يستنزه من البول، والمجنون الذي لا يعقل إذا غمسوا أيديهم في الماء لا يتأثر الماء، وتصح الطهارة منه، وإذا غمس المسلم العاقل البالغ الذي يحسن الطهارة، أصبح الماء غير صالح للطهارة منه؟
فالصحيح أن العلة في المسلم النائم، هي العلة في الكافر النائم، وهي العلة نفسها في الصبي والمجنون، وليس تأثير الغمس من الأحكام التكليفية، بل هو من الأحكام الوضعية، كما أن الكافر على الصحيح مخاطب بفروع الشريعة، وإن كان يفقد شرط الصحة، وهو الإيمان.
انظر في المذهب الحنبلي: كشاف القناع (1/33)، المبدع (1/47)، الإنصاف (40، 41)، الروض المربع (1/23).
[12] صحيح مسلم (278).
[13] تهذيب السنن (1/69).
[14] صحيح مسلم (278)، وانظر صحيح البخاري (162).
شبكة الألوكة