السؤال:
ما الذى يجعلنا نثق فى صحة أحاديث فضائل الصحابة وهى كثير ؟ .
منها يرويها الصحابى نفسه ، أى أن الصحابى يروى فضائل نفسه ألا يمكن أن
-واستغفر الله فى هذه اللفظة -يكذب ليضيف لنفسه فضائل ليست له ، ولا يحتج
فى ذلك بقضية عدالة الصحابة ، وأنهم لا يكذبون لأن نفس الشبهة تنسحب أيضا
على الاحاديث التى تخبر بذلك ، كما أن الأحاديث التى يرويها صحابى فى فضائل
صحابى آخر ممكن أن تكون من قبيل المجاملة ، أو الخوف من سلطان ، أو طمعا
فى مال ، أو سلطة ، فى حالة أن تكون هذه الأحاديث فى حق أحد الخلفاء ،
ثم نفس هذا السؤال على آيات فضائل الصحابة فى القرآن لما لا يكون الصحابة
قد تواطؤوا على وضعها ليبينوا فضيلة عامة لجيلهم .
الجواب :
الحمد لله
فالصحابة رضي الله عنهم قوم خصهم الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفضائلهم
التي يشهد بها الكتاب وتشهد بها السنة الصحيحة ويشهد بها التاريخ ويشهد بها الموافق
والمخالف أكثر من أن تحصي .
وعلى طريقة صاحب السؤال فكل موثوق به ومقطوع به تتطرق إليه هذه الأوهام الباطلة
والاحتمالات الفاسدة التي لا يحتملها عقل أصلا .
ومن تطرق إلى نفسه الشك في عدالة الصحابة رضي الله عنهم ، فقد تطرق إليه الشك في
دين الله وفي كتاب الله وفي شرع الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم !!
فمن هم الذين أقرءوا الناس الكتاب وعلموهم فرائض الدين وواجبات الشريعة وأحكام الله
وسنن رسوله ؟
كيف تعلم الناس الصلاة والصيام وأداء المناسك وأحكام المعاملات والنكاح والطلاق
والقضاء ؟
ومن أين لهم وصف الجنة ونعيمها ووصف النار وعذابها ؟
ومن الذي أخبرهم عن توحيد الله وعلمهم سلامة الاعتقاد ؟
وكيف تعرفوا على أسماء الله وصفاته وانتهجوا في ذلك منهج الحق المخالف لأهل البدعة
؟
ومن الذي علم الناس مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال ؟
أتُراك تظن أن الله تعالى يمكن أن يصطفي لسيد ولد آدم أصحابا كذبة ، يكذبون على
الله ورسوله ؟!!
ولو جاز أن يؤلفوا قرآنا ويضعوا أحاديث في فضلهم ، فكيف نثق بهم في أي شيء مما
يروونه ويذكرونه في دين الله ؟!
وهل من تكون هذه صفته يؤتمن على شرائع الله وأحكام دينه وسنة رسوله ؟! لقد ذهب
الدين إذاً بالكلية ، فلا إسلام ! ولا إيمان ! ولا إحسان ! ولكن كذب ! وافتراء !
وأنانية !
سبحانك هذا بهتان عظيم !!
فلو تتبعنا هذه الوساوس الماحقة للدين المخرجة عن الملة لما صح شيء من أمر الدين ؛
حيث كان يمكن أن يختلقه الصحابة وينشروه في الناس !
وعلى طريقتك هذه : كيف تصح أنساب الناس ؟ ومن أين لفلان – كائنا من يكون – أنه ابن
فلان حقا ؟! وكيف نعرف في الخلائق من هم الأبناء الشرعيون ومن هم أبناء الزنا ؟!
أليس من الجائز على طريقتك أن يتواطأ الناس على الكذب فيدعي الزاني أن ولده ولد
شرعي من نكاح لا من سفاح !!
إذا لم نقر بعدالة الصحابة
وصدقهم وأمانتهم لانهدم الدين بالكلية ، ولما صار هناك من شرائعه وعقائده وأصوله
وكلياته وحلاله وحرامه ما يوثق به ؛ لاحتمال تطرق الكذب فيه واختلاقه جملة وتفصيلا
، حيث كانت نَقَلَتُه ممن يتواطأ على الكذب على الله ورسوله !!
سبحانك هذا بهتان عظيم !
نبرأ إليك ربنا منه ، نكفره ونرده ولا نقبله ، ونعوذ بك أن يرد على أذهاننا ، أو
تستسيغه خواطرنا ، ونشهدك من أنفسنا على إجلال صحابة نبينا ، وأنهم أصدق الخلق
لسانا ، وأعظمهم أمانة وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم سجية ، وأفضلهم عملا ، وأقربهم إلى
الله وسيلة ، وأعظمهم إيمانا واعتقادا .
ولذلك كان من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة حب الصحابة والولاء لهم والشهادة لهم
بالإيمان والفضل والصدق والصيانة والعفة والأمانة ، وأن الوقوع فيهم أو في أحد منهم
مهلكة وزيغ عن صراط الله المستقيم :
روى الإمام أحمد (3589) بسند جيد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : "
إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ
فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ
مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ
وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ " .
وقال الميموني : " قال لي أحمد بن حنبل: يا أبا الحسن إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من
الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام " انتهى من "البداية والنهاية" (8 /148) .
وقال أبو زرعة الرازي : " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن
حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآنَ والسننَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة
" .
انتهى من "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي (ص 49) .
وقال أبو نعيم الحافظ رحمه الله :
" أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِأَنْ يَعْفُوَ عَنْ أَصْحَابِهِ وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ وَيَخْفِضَ
لَهُمُ الْجَنَاحَ ، فَمَنْ سَبَّهُمْ وَأَبْغَضَهُمْ وَحَمَلَ مَا كَانَ مِنْ
تَأْوِيلِهِمْ وَحُرُوبِهِمْ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ الْحَسَنِ ، فَهُوَ
الْعَادِلُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَأْدِيبِهِ وَوَصِيَّتِهِ فِيهِمْ ،
وَلَا يَبْسُطُ لِسَانَهُ فِيهِمْ إِلَّا مِنْ سُوءِ طَوِيَّتِهِ فِي النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِهِ وَالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ
" انتهى من "تثبيت الإمامة" (ص: 375)
وقال ابن القيم رحمه الله :
" فالله عز وجل أعلم حيث يجعل رسالاته أصلاً وميراثاً ، فهو أعلم بمن يصلح لتحمل
رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة والنصيحة وتعظيم المرسل والقيام بحقه والصبر على
أوامره والشكر لنعمه والتقرب إليه، ومن لا يصلح لذلك . وكذلك هو سبحانه أعلم بمن
يصلح من الأُمم لوراثة رسله والقيام بخلافتهم وحمل ما بلغوه عن ربهم " انتهى من
"طريق الهجرتين" (ص: 97).
وقال الله تعالى : (
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ
اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ
شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) الفتح/ 29 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ انْتَزَعَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
رِوَايَةٍ عَنْهُ بِتَكْفِيرِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ ،
قَالَ : لِأَنَّهُمْ يَغِيظُونَهُمْ ، وَمَنْ غَاظَ الصَّحَابَةُ فَهُوَ كَافِرٌ
لِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ ،
وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ
بِمَسَاءَةٍ كَثِيرَةٌ ، ويكفيهم ثناء الله عليهم ، ورضاه عنهم " انتهى من "تفسير
ابن كثير" (7/ 362) .
وقال القرطبي رحمه الله : " مَنْ نَقَّصَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ طَعَنَ عَلَيْهِ
فِي رِوَايَتِهِ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَبْطَلَ
شَرَائِعَ الْمُسْلِمِينَ " انتهى من "تفسير القرطبي" (16/ 297) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمُ الَّذِينَ قَامُوا بِالدِّينِ،
تَصْدِيقًا وَعِلْمًا وَعَمَلًا، وَتَبْلِيغًا، فَالطَّعْنُ فِيهِمْ طَعْنٌ فِي
الدِّينِ، مُوجِبٌ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ النَّبِيِّينَ.
وَهَذَا كَانَ مَقْصُودَ أَوَّلِ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةَ التَّشَيُّعِ ، فَإِنَّمَا
كَانَ قَصْدُهُ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِبْطَالَ مَا جاءت به الرسل عن
الله تعالى ، وَلِهَذَا كَانُوا يُظْهِرُونَ ذَلِكَ بِحَسَبِ ضَعْفِ الْمِلَّةِ ،
فظهر في الملاحدة حقيقة هذه البدع الْمُضِلَّةِ " انتهى من "منهاج السنة" (1/18) .
والذي نريد أن نؤكد عليه أن
تطرق الشك في عدالة الصحابة وصدقهم طعن في الدين جملة وتفصيلا ، وهذا هو الكفر –
عياذا بالله - .
فاستعذ بالله ، يا عبد الله من هذه الوساوس ، فليست أكثر من نزغ الشيطان في قلبك
ليفسد عليك دينك ، وأكثر من ذكر الله ، وتلاوة القرآن ، وقراءة كتب الحديث النبوي ،
والكتب المصنفة في فضائل الصحابة ، مثل فضائل الصحابة للإمام أحمد ابن حنبل رحمه
الله ، والكتب المصنفة في سيرهم وحياتهم .
وننصحك بقراءة كتاب مختصر نافع جدا ، وهو " صورتان متضادتان لجهود النبي الأعظم "
للعلامة الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله ، وقد نشر مؤخرا ملحقا بمجلة الأزهر ،
ويمكن الحصول عليه مصورا على الشبكة .
راجع لتمام الفائدة إجابة السؤال رقم (118176)
.
والله أعلم .