متى نرجع إلى الله تعالى اختياراً قبل أن نرجع اضطراراً؟
من جميل صُنع علماء التفسير في تاريخنا:
أنهم كانوا يعقدون مجالسَ التذكير في المساجد والمدارسِ والبيوت؛ يتذاكرون فيها تفسيرَ آياتٍ من الذِّكر الحكيم.
ليتفقَّهوا بأحكامِه، ويتأدَّبوا بآدابه، ويفهموا معانيه.
نذكر من هؤلاء: ابن الجوزي، وابن العربي المالكي، وابن باديس في قسنطينة من الجزائر.
ومن آخرهم: شيخنا اﻷستاذ عبدالله سراج الدين في مسجدِ الحموي من مدينة حلَب، فرَّج الله كربَها.
ولكن أين تلك المجالِس؟ وأين تلك الموَاسم واﻷعراس اﻹيمانية التي كانت تغذِّي القلوبَ قبل العقول؟!
صليتُ العشاء في بيت من بيوت الله تعالى، وبعد الصلاة وقفَت مع مجموعة من الزملاء اﻷعزَّاء نتجاذب أطرافَ الحديث.
وكان حديثًا إيمانيًّا ممتعًا بين الماضي والحاضر، وبين حياتِنا التي عشناها وما فيها من صعوباتٍ وشدائد، وبين ما يعيشه أبناؤنا من حياةٍ طريَّة ناعمة زاهية!
وكان الحديثُ يدور عن ضرورة أن نذكِّر اﻷبناءَ بما عانى منه اﻵباء، وكان جميلاً أن يستشهد اﻷستاذُ الفاضل العالم المفسِّر مصطفى المشني بقوله تعالى:
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ
تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
[الأنفال: 26].
إن هذا التذكير أصبح ضرورةً في تربية أبنائنا الذين رُبُّوا على التَّرَف والدَّلال بعد أن رأينا العواصفَ التي تعصف بالبلاد والعِباد، فتجعل الغنيَّ فقيرًا، والصحيحَ السليمَ سقيمًا، والعزيزَ ذليلاً!
وهنا خطر لي هذه العبارات:
أيها اﻹنسان، ارجع إلى الله اختيارًا، قبل أن يُرجعك إليه اضطرارًا! أو يقال: شتَّان بين من يرجع إلى الله تعالى اختيارًا، ومن يرجع إليه اضطرارًا!
فاﻷول: ساقَتْه اﻷلطافُ، ونادَتْه اﻷشواق، ودَعَتْه موائدُ الرجاء، ومواسمُ العطاء.
والثاني: ساقَتْه عصا التأديب، ونادَتْه سوابقُ الغَضَب، ودَعَتْه زواجِرُ الخوف، ومصائب المحن!