الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه، وبعد:
الصلاة عماد الدين ودعامته، وركنه وشعيرته، ومظهره الخالد، وآيته الباقية، وهي مع ذلك قرة العين، وراحة الضمير، وأُنس النفس، وبهجة القلب، والصلة بين العبد والرب.
وهي ليست حركات تؤدى، ولكنها حياة كاملة، وروح منبعثة، ومعانٍ شاهدة، ومدد متصل بين عالم الأرض والسماء، لمن أراد أن يتذكر أو يلقي السمع وهو شهيد.
".. ولئن كانت الغالبية العظمى من المسلمين" يؤدون صلاة ميكا*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*ية ورثوها عن آبائهم، واعتادوها بمرور الأيام، وكرِّ الأعوام، لا يتعرفون أسرارها، ولا يستشعرون آثارها، وحسب أحدهم أن يلفظ الكلمات، ويأتي بالحركات، ويسرد الهيئات، ثم ينصرف معتقداً أنه أدى الفريضة، وأقام الصلاة، وخلص من العقوبة، ونال الثواب، فهذا وَهْمٌ لا حقيقة له.. فليست هذه الأقوال والأفعال من الصلاة إلا جسماً روحه الفهم، وقوامه الخشوع، وعماده التأثير"(مجموعة الرسائل ص 75.. هل نحن قوم عمليون؟).
إن أول صفة من صفات المؤمنين أخي المسلم أنهم (( في صلاتهم خاشعون ))(2)(المؤمنون)، فلا تتحقق الصلاة كاملة من دون خشوع، والخشوع معناه حضور القلب، وسكينة النفس، وفراغ العقل من الهوى أو التفكير فيما سوى الله - عز وجل -.
لو تفكرت أخي في الصلاة لوجدتها مجموعة من الحركات تُؤدى: ركوع وسجود، وقيام وقعود، ولكن وراء كل حركة معانٍ جمة، لو تفكر فيها المسلم فهي تمنحك قوة الجسد بما تؤديه فيها من حركات، وتسبغ عليك صحة الفكر حينما تسمع ما يُتلى فيها من آيات، وتستزيد من إشراقات الروح وأنت تحلِّق فيها في ملكوت الأرض والسماوات، وما الإنسان إلا جسد وعقل وروح.
إن العبد ليعرج بصلاته إلى العالم الأعلى إذا هو رفع يديه إشارة إلى توديع الدنيا واستقبال الآخرة، وليوجِّه قلبه وروحه وسره إلى الله، فيتدبر معنى ما يقرأ، ويشهد بعين قلبه أنه بين يدي ربه يناجيه ويكبِّره، ويحمده ويثني عليه، وهذا هو المعراج الروحاني في الصلاة.
ذلك المعراج يتحقق حينما نتخلص أخي المسلم من ركام الطينية، ونسمو إلى آفاق الروحانية، ونتخلص من أوثاق المادية لنحلِّق في ملكوت رب البريَّة، فنسعد بالوقوف بين يديه، نناجيه بكلامه، ونتزلف إليه بقرآنه، ونتحبب إليه بالثناء عليه، والإنابة إليه، والتضرع بين يديه.
يقول ابن عطاء الله في حِكَمِهِ: "الصلاة طهرة للقلوب من أدناس الذنوب، واستفتاح لباب الغيوب، وهي محل المناجاة، ومعدن المصافاة، تتسع فيها ميادين الأسرار، وتُشرق فيها شوارق الأنوار".
إذا فكرت فيما يعصمك من الذنوب فأقبل على الصلاة، جَدِّد طهورك، وأخلص نيتك، ثم كبِّر، يأتيك من الله الفرج، "ويا لها من حكمة أنْ فَرَضَ الله علينا هذه الصلوات بين ساعات وساعات لتبقى الروح أبداً متصلة بالله، أو مهيأة للاتصال به، حتى إذا فكر ضعيف النفس بمعصية الله حدثته نفسه أنه سيقف بين يدي الله بعد قليل، فيخاف أن يقف بين يديه مخطئاً أو آثماً" (وحي القلم للرافعي).
وإن أولى مراتب المعراج الجسماني في الصلاة أن يقوم المصلي بين يدي ربه كقيام أهل الكهف الذين ورد فيهم: ((وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططاً ))14 (الكهف).
وأولى مراتب المعراج العقلي أن تدرك أخي " أن هناك عابداً ومعبوداً، عبداً يَعْبُد ورباً يُعبَدْ، وليس وراء ذلك شيء، ليس هناك إلا رب واحد والكل له عبيد".
وأولى مراتب المعراج الروحي أن تذكره: تسبحه وتستغفره، وتطلب منه وترجوه، واعلم أنه متى أطلق لسانك بالطلب فهو يريد أن يُعطيك.
المصدر: موقع المختار الإسلامي