بسم الله الرحمن الرحيم
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فإن الله قد جعل لكل مطلوب سبباً وطريقاً يوصل إليه. والإيمان هو أعظم المطالب وأهمها.
وقد جعل الله له أسباباً تجلبه وتقوِّيه، كما كان له أسباب تُضعِفه وتُوهيه.
:: أسباب ومقويات الإيمان ::
* ومن أعظم ما يُقوّي الإيمان ويَجلبُهُ معرفة أسماء الله الحُسنى الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها، والتعبد لله بها، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْـحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( )، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة))( ) أي من حفظها، وفهم معانيها ومدلولها، وأثنى على الله بها، وسأله بها، واعتقدها دخل الجنة. والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون. فَعُلِمَ أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان، وقوَّته وثباته. ومعرفة الأسماء الحُسنى -
بمراتبها الثلاث:
إحصاء ألفاظها وعددها، وفهم معانيها ومدلولها، ودعاء الله بها. دعاء الثناء والعبادة، ودعاء المسألة - هي أصل الإيمان والإيمان يرجع إليها؛ لأن معرفتها تتضمن
أنواع التوحيد الثلاثة:
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأنواع هي روح الإيمان، وأصله وغايته، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانُه، وقوي يقينهُ. فينبغي للمؤمن أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الله بأسمائه، وصفاته، وأفعاله. من غير تعطيل، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تكييف. بل تكون المعرفة مُتلقَّاة من الكتاب والسنة، وما رُويَ عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان. فهذه هي المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه، وقوة يقينه، وطُمأنينة في أحواله، ومحبة لربه، فمن عرف الله بأسمائه، وصفاته، وأفعاله أحبه لا محالة؛ ولهذا كانت المعطلة، والفرعونية، والجهميّة قُطَّاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى محبة الله تعالى( ).
* ومن الأمور التي تُقوِّي الإيمان وتجلبه تَدَبُّر القرآن الكريم، فإن المُتدبِّر للقرآن لا يزالُ يستفيد من علومه، ومعارفه ما يزداد به إيماناً، وكذلك إذا نظر إلى انتظامه، وإحكامه، وأنه يُصَدِّق بعضه بعضاً، ويوافق بعضه بعضاً ليس فيه تناقض ولا اختلاف. فإذا قرأه العبد بالتدبر، والتفهم لمعانيه، وما أريد به كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه، ليتفهم مراد صاحبه منه. فهذا من أعظم مُقَوِّيات الإيمان. وحسن التأمل لما يرى العبد، ويسمع من الآيات المشهودة، والآيات المتلوَّة، يثمر صحة البصيرة. وملاك ذلك كله هو أن ينقل العبد قلبه من وطن الدنيا، ويسكنه وطن الآخرة. ثم يقبل به كلّه على معاني القرآن، ويتدبر معانيه، ويفهم ما يراد منه، وما أُنزِل لأجله، ويأخذ نصيبه وحظه من كل آية من آياته وينزلها على داء قلبه. فهذه طريقة مختصرة قريبة سهلة موصلة إلى الرفيق الأعلى. وهي من أقرب الطرق لتدبر القرآن الكريم( ).
* وكذلك معرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وما تدعو إليه من علوم الإيمان وأعماله. وكل ذلك من مُحصِّلات الإيمان ومقوِّياته. فكلَّما ازداد العبد معرفة بكتاب الله وسنة رسوله ازداد إيمانه ويقينه، وقد يصل في علمه وإيمانه إلى مرتبة اليقين.
* ومن طرق موجبات الإيمان وأسبابه: معرفة النبي صلى الله عليه سلم ومعرفة ما هو عليه من الأخلاق العالية، والأوصاف الكريمة؛ فإن من عرفه حق المعرفة لم يَرْتَبْ في صدقه وصدق ما جاء به: من الكتاب والسنة والدين الحق.
* ومن أسباب الإيمان ودواعيه: التفكر في الكون: في خلق السموات والأرض، وما فيهن من المخلوقات المتنوعة، والنظر في نفس الإنسان وما هو عليه من الصفات؛ فإن ذلك داعٍ قَويٌّ للإيمان، لما في هذه الموجودات من عظمة الخَلق الدَّال على قدرة خالقها وعظمته، وما فيها من الحسن والانتظام والإحكام - الذي يُحيِّر العقول - الدال على سعة علم الله وشمول حكمته.
وكذلك النظر إلى فقر المخلوقات كلها، واضطرارها إلى ربها من كل الوجوه، وأنها لا تستغني عن الله طرفة عين ... وذلك يوجب للعبد كمال الخضوع، وكثرة الدعاء، والافتقار إلى الله في جلب ما يحتاجه من منافع دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ويوجب له قوة التوكل على الله، وشدة الطمع في بره، وإحسانه، وكمال الثقة بوعد الله. وبهذا يتحقق الإيمان ويقوى.
وكذلك التفكر في كثرة نعم الله التي لا يخلو منها مخلوق طرفة عين.
* ومن الأسباب التي تقوي الإيمان الإكثار من ذكر الله تعالى ومن الدعاء الذي هو العبادة، ويكون هذا الذكر على كل حال: باللسان، والقلب، والعمل، والحال. فنصيب العبد من الإيمان على قدر نصيبه من هذا الذكر.
* ومن الأسباب أيضاً معرفة محاسن الإسلام؛ فإن الدين الإسلامي كله محاسن: عقائده أصح العقائد وأصدقها، وأنفعها، وأخلاقه أجمل الأخلاق، وأعماله وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها. وبهذا النظر يزين الله الإيمان في قلب العبد، ويحببه إليه.
* ومن أعظم مقويات الإيمان الاجتهاد في الإحسان في عبادة الله، والإحسان إلى خلق الله، فيجتهد العبد في عبادة الله كأنه يشاهده فإن لم يَقْوَ على ذلك استحضر أن الله يشاهده ويراه، فيجتهد في العمل وإتقانه ولا يزال العبد يجاهد نفسه حتى يقوى إيمانه ويقينه، ويصل في ذلك إلى حق اليقين الذي هو أعلى مراتب اليقين، فيذوق حلاوة الطاعات...
* ومن مقويات الإيمان الدعوة إلى الله وإلى دينه، والتواصي بالحق،
والتواصي بالصبر، وبذلك يُكمِّل العبدُ بنفسه ويُكمِّلُ غيرَه.
* ومن أهم أسباب تقوية الإيمان الابتعاد عن شعب الكفر، والنفاق، والفسوق والعصيان.
* ومن الأسباب التي تقوي الإيمان التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض
، وتقديم ما يحبه الله على كل ما سواه عند غلبة الهوى.
* ومن ذلك الخلوة بالله وقت نزوله، لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب
بأدب العبودية بين يديه، ثم خَتْمُ ذلك بالاستغفار والتوبة.
* ومن الأسباب المقوية للإيمان مجالسة العلماء الصادقين المخلصين،
والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما يُنْتَقَى أطايب الثمر.
* ومن ذلك الابتعاد عن كل سبب يحول بين قلب العبد وبين الله تبارك وتعالى( ).
ومعرفة أسماء الله الحُسنى بمراتبها الثلاث هي من أعظم مقويات الإيمان؛ بل معرفة
الله بأسمائه وصفاته هي أصل الإيمان، والإيمان يرجع إلى هذا الأصل العظيم