عبادة تهلكك
وذنب ينجيك
قال بعض السلف: إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة ، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار.
قالوا: كيف ؟
قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه ، إذا ذكرها ندم واستقال وتضرع إلى الله وبادر إلى محوها وانكسر وذل لربه وزال عنه عجبه وكبره ، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يراها ويمنّ بها ويعتد بها ويتكبر بها حتى يدخل النار.
انتهى من “طريق الهجرتين” (ص: 169- 172)
ومعنى هذا الكلام أن من حكمة الله تعالى في تقدير الذنب على عبده وتخليته بينه وبينه – مع أنه سبحانه يبغض الذنب ويبغض فعله وينهى عنه ويتوعد عليه بالعقوبة – أن ينسى العبد رؤية عمله في طاعة الله ، فيمنعه ربه بذلك من العجب والرياء والتكبر ، ثم يشغله برؤية ذنبه ، وقبح ما هو عليه من حال ، وقد رآه ربه حيث نهاه ، فتعرض بذلك إلى سخط الله وعقابه ، فهاله ذلك من حاله ، فأصابه من خوف الله وخشية مقته وعقابه ما منعه من الوقوع في مثله ، وحضّه على طاعة ربه والحياء منه ، ولا يزال ذلك حاله ، وهو خائف وَجل ، حتى يدخله الله الجنة برحمته .
فالله تعالى لا يدخله الجنة بذنبه الذي ارتكبه ، وإنما يدخله الجنة برحمته ، جزاء ما كان عليه سببب ارتكابه الذنب من الخوف والرهبة .
وقد روى أبو نعيم في “الحلية” (6/ 98) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ لِعَبْدِي أَمْنَيْنِ وَلَا خَوْفَيْنِ : إِنْ هُوَ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ أَجْمَعُ فِيهِ عِبَادِي ، وَإِنْ هُوَ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ أَجْمَعُ فِيهِ عِبَادِي ) حسنه الألباني في “الصحيحة” (742) .
والمقصود أن العبد قد يقدر الله عليه فعل الذنب لما يريده له من الخير من التوبة والخوف والإخبات والانكسار وترك العجب ، ثم الإقبال على الله ، كما حصل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله لما كان واليا على المدينة فضرب خبيب بن عبد الله بن الزبير خمسين سوطا وصب فوقه الماء في يوم شات شديد البرودة مما تسبب في موته ، فندم ندما شديدا ، ولم يزل يعرف ذلك فيه حتى مات .
فحصل له بهذا الذنب من الانكسار والخوف والندم ، واستعظام الذنب ، واستصغار العمل الصالح ما جعله بهذه المثابة وتلك الرتبة التي كان عليها .