قصةٌ تتكرّر فصولها، تتحدّث مشاهدها عن وصفِ الحائدين عن طريق الحق، المتنكّبين عن الهدى، يشتركون جميعاً في أن المشكلة كانت نابعةً منهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
لربما كان التفصيل الذي اختلف هنا، أن رمز قصتنا لم يترك الهدى إلى الضلال، لينزوي في ركنٍ مظلم من الحياة، ولكنه انتقل إلى النقيض تماماً ليتحوّل إلى أداةٍ معاديةٍ للإسلام، تحارب بكل ما أوتيت من قوة.
كان اسمه يوسف، نشأ في بيئة أفريقية بسيطة، إلا أن العين لا تُخطيء ذكاءه ونجابته، وكعادة الجهات التنصيرية تقوم باصطياد أمثال هؤلاء لتبتعثهم إلى أوروبا ليُعاد تشكيلهم عقديّاً وفكريّاً، ولطمسِ هويّتهم ومسخِها واستبدالِها بالتبعيّة العمياء للغرب.
انسلخ يوسف من دين الحق، واعتنق النصرانية، وأُشرب قلبه حبها وهواها، وتولّى القساوسة تغذيته بالحقد على الإسلام وكراهيته وبغضه، حتى تشرّب ذلك تماماً، وصار شغله الشاغل وقلقه الساهر إخراج بني جلدته من دينهم.
ومضت السنون وتوالت الأيام، ليعود يوسف باسم جديد "جوزيف" وهويّةٍ ثقافية مغايرة ودينٍ جديد، ولم تكد قدمه تستقر في بلده الأفريقي الفقير حتى انطلق في التنصير تحت مسمّى التبشير، واستمرّ في ذلك زمناً طويلاً، حتى دارَ اسمُه في الإذاعات المحليّة.
وكعادة حكومات تلك البلدان العلمانية، كان الحرص الأكبر لها أن تتبنّى هذه الحركات المشبوهة تحت مسمى "الحراك الثقافي" والحريّة الدينية، الأمر الذي دعاها إلى اصطناعِ مناظرة علنيّةٍ مباشرة عبر وسائل الإعلام، حول الإسلام والنصرانية، ليكون جوزيف هو الممثل للطرف النصراني.
سرى الخبر بين عامة الناس من البسطاء الذين لم يكونوا على قدرٍ كبير من المعرفة الشرعيّة، واضطرَّ أهل الحق اضطراراً إلى هذه المناظرة؛ إذ كانت خشيتهم أن يتأثر العامة بمثل الشبهات التي يُمكن أن تُلقى في ثنايا الناظرة فتهزّ من يقينهم بما هم عليه من الحق، ولكن وما حيلتهم وقد تم الإعلان عن المناظرة، فيكون انسحابهم منها انتصاراً ضمنياً لأهل الباطل؟.
وجاء يوم الزينة، وتسابق الناس إلى قاعة المناظرة، وتم تقسيم الوقت بين المنتاظرين، وأدلى كلٌّ بدلوه، وسرى الارتياح بين الدعاة الذين كانوا يتابعون السجال بين الطرفين، إذ كانت الغلبة ظاهرةً للطرف المسلم.
بدأت الكفّة تميل بشدّةٍ إلى المسلم، وتبدّى القلق لدى أهل التنصير، فلجأ جوزيف إلى إخراج ورقته الأخيرة حين أعيتْه الإجابة عن الحجج الباهرةِ والبراهين الساطعة، وبئست الورقة التي استخدمها:
وقف جوزيف واستأذن منسّق المناظرة بكلمةٍ وجّهها للجمهور قائلاً: "حسناً يا من تؤمنون بالإسلام، تقرؤون في كتابكم آية تقول: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} (الحشر:21)، ولا شك أنني كبشرٍ من لحمٍ ودم أقلّ قوّة من الجبل الأشمّ، لنرى حقيقة هذه الآية، سأقوم باعتلاء المصحف والوقوف عليه لنرى هل سأتصدع؟ هل سيدافع الله عن هذا الكتاب المنسوب إليه؟ أتحداكم أن يحدث لي شيء".
ألا قبّح الله فعلته، وعامله بما يستحقّه، وبالطبع لا يخفى على القرّاء لهذه المقالةِ المغالطة المنطقيّة التي قام باستخدامها، حيث أوهم الجمهور أن عدم إصابته بسوءٍ يعني بالضرورة عدم صحّةِ نسبةِ القرآن لله تعالى، وهذا ليس بصحيح إذ قد يمتنع الله عن عقابه الفوري لحكمةٍ ربّانيّة قد تخفى على الناظر للموقف من أول وهلة، وهذا ما سوف يتضح في ثنايا الأسطر القادمة.
انتهت المناظرة، وسرى التحدي بين العامة الدهماء، وخشي الدعاة أن تكون هذه الحادثة سبباً لفتنة الناس عن دينهم، حتى قال أحد أولئك الدعاة: ليس لها من دون الله كاشفة، ارفعوا أيديكم بالدعاء إلى الله كي يظهر الحق ويزهق الباطل، ويرينا في هذا الرجل عجائب قدرته.
وعلى المشهد الآخر: انطلق جوزيف إلى سيارته متفاخراً متبختراً، حيث ظن لجهله أنه أصاب المسلمين في مقتل، وتخيّل الأموال التي يمكن أن يكسبها من حلفائه تجاه ما قام به، فانطلق في سيارته وأحلام يقظته تنتقل من سماءٍ إلى أخرى، فلم يرَ تلك القاطرة القادمة من الطريق المعاكس، ولم ينتبه لنفسِه إلا وهو بين أحشائها قد اختلط عظمه بدمه، وامتزج جسده باللحم الصديء.
يُقسِم من حضر الحادثة أن السلطات حاولت جمع ما تبقى من أشلائه وانتزاعها من جسد القاطرة الكبيرة، فكان ما تبقى منه بضعة كيلوجرامات.
لم تنته القصة هنا، إذ قامت الكنسية المحليّة بجنازة مهيبة له، ثم قامت بدفنه في أحد أفخم مقابرها، ووضعت على قبره شاهداً رخامياً غالي الثمن، إذ بالمفاجأة تأتي لتقلب المعادلة تماماً.
انبثق من تحت قبر "جوزيف" ماء متدفق شقّ مجراه من بين القبور، وكان غايةً في النتانة والعفونة إلى حدٍ لم يتحمّله أحد، وكلما حاولوا نزح الماء واستخراجه ازداد تدفقاً، وكما انتقل خبر التحدي، انتقل خبر هذه العقوبة بين الناس، وأصبح الذين تشكّكوا وارتابوا بالأمس يقولون بلسان الحال: ويكأنه لا يفلح الظالمون!.
ازداد تجمع الناس حول هذه المقبرة ليشاهدوا هذه المعجزة الإلهية، حتى اضطرت السلطات إلى إحاطة المقبرة بسورٍ عالٍ ومنع الناس من الاقتراب، ولكن: من يستطيع إخفاء الحق بعد ظهوره؟
لبئس ما فعل جوزيف حين استبدل الآخرة بالدنيا، ولتكون هذه القصة دالة على أن الله يمهل الظالم ولا يهمله، حتى إذا أخذه لم يفلته.
لربما كان التفصيل الذي اختلف هنا، أن رمز قصتنا لم يترك الهدى إلى الضلال، لينزوي في ركنٍ مظلم من الحياة، ولكنه انتقل إلى النقيض تماماً ليتحوّل إلى أداةٍ معاديةٍ للإسلام، تحارب بكل ما أوتيت من قوة.
كان اسمه يوسف، نشأ في بيئة أفريقية بسيطة، إلا أن العين لا تُخطيء ذكاءه ونجابته، وكعادة الجهات التنصيرية تقوم باصطياد أمثال هؤلاء لتبتعثهم إلى أوروبا ليُعاد تشكيلهم عقديّاً وفكريّاً، ولطمسِ هويّتهم ومسخِها واستبدالِها بالتبعيّة العمياء للغرب.
انسلخ يوسف من دين الحق، واعتنق النصرانية، وأُشرب قلبه حبها وهواها، وتولّى القساوسة تغذيته بالحقد على الإسلام وكراهيته وبغضه، حتى تشرّب ذلك تماماً، وصار شغله الشاغل وقلقه الساهر إخراج بني جلدته من دينهم.
ومضت السنون وتوالت الأيام، ليعود يوسف باسم جديد "جوزيف" وهويّةٍ ثقافية مغايرة ودينٍ جديد، ولم تكد قدمه تستقر في بلده الأفريقي الفقير حتى انطلق في التنصير تحت مسمّى التبشير، واستمرّ في ذلك زمناً طويلاً، حتى دارَ اسمُه في الإذاعات المحليّة.
وكعادة حكومات تلك البلدان العلمانية، كان الحرص الأكبر لها أن تتبنّى هذه الحركات المشبوهة تحت مسمى "الحراك الثقافي" والحريّة الدينية، الأمر الذي دعاها إلى اصطناعِ مناظرة علنيّةٍ مباشرة عبر وسائل الإعلام، حول الإسلام والنصرانية، ليكون جوزيف هو الممثل للطرف النصراني.
سرى الخبر بين عامة الناس من البسطاء الذين لم يكونوا على قدرٍ كبير من المعرفة الشرعيّة، واضطرَّ أهل الحق اضطراراً إلى هذه المناظرة؛ إذ كانت خشيتهم أن يتأثر العامة بمثل الشبهات التي يُمكن أن تُلقى في ثنايا الناظرة فتهزّ من يقينهم بما هم عليه من الحق، ولكن وما حيلتهم وقد تم الإعلان عن المناظرة، فيكون انسحابهم منها انتصاراً ضمنياً لأهل الباطل؟.
وجاء يوم الزينة، وتسابق الناس إلى قاعة المناظرة، وتم تقسيم الوقت بين المنتاظرين، وأدلى كلٌّ بدلوه، وسرى الارتياح بين الدعاة الذين كانوا يتابعون السجال بين الطرفين، إذ كانت الغلبة ظاهرةً للطرف المسلم.
بدأت الكفّة تميل بشدّةٍ إلى المسلم، وتبدّى القلق لدى أهل التنصير، فلجأ جوزيف إلى إخراج ورقته الأخيرة حين أعيتْه الإجابة عن الحجج الباهرةِ والبراهين الساطعة، وبئست الورقة التي استخدمها:
وقف جوزيف واستأذن منسّق المناظرة بكلمةٍ وجّهها للجمهور قائلاً: "حسناً يا من تؤمنون بالإسلام، تقرؤون في كتابكم آية تقول: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} (الحشر:21)، ولا شك أنني كبشرٍ من لحمٍ ودم أقلّ قوّة من الجبل الأشمّ، لنرى حقيقة هذه الآية، سأقوم باعتلاء المصحف والوقوف عليه لنرى هل سأتصدع؟ هل سيدافع الله عن هذا الكتاب المنسوب إليه؟ أتحداكم أن يحدث لي شيء".
ألا قبّح الله فعلته، وعامله بما يستحقّه، وبالطبع لا يخفى على القرّاء لهذه المقالةِ المغالطة المنطقيّة التي قام باستخدامها، حيث أوهم الجمهور أن عدم إصابته بسوءٍ يعني بالضرورة عدم صحّةِ نسبةِ القرآن لله تعالى، وهذا ليس بصحيح إذ قد يمتنع الله عن عقابه الفوري لحكمةٍ ربّانيّة قد تخفى على الناظر للموقف من أول وهلة، وهذا ما سوف يتضح في ثنايا الأسطر القادمة.
انتهت المناظرة، وسرى التحدي بين العامة الدهماء، وخشي الدعاة أن تكون هذه الحادثة سبباً لفتنة الناس عن دينهم، حتى قال أحد أولئك الدعاة: ليس لها من دون الله كاشفة، ارفعوا أيديكم بالدعاء إلى الله كي يظهر الحق ويزهق الباطل، ويرينا في هذا الرجل عجائب قدرته.
وعلى المشهد الآخر: انطلق جوزيف إلى سيارته متفاخراً متبختراً، حيث ظن لجهله أنه أصاب المسلمين في مقتل، وتخيّل الأموال التي يمكن أن يكسبها من حلفائه تجاه ما قام به، فانطلق في سيارته وأحلام يقظته تنتقل من سماءٍ إلى أخرى، فلم يرَ تلك القاطرة القادمة من الطريق المعاكس، ولم ينتبه لنفسِه إلا وهو بين أحشائها قد اختلط عظمه بدمه، وامتزج جسده باللحم الصديء.
يُقسِم من حضر الحادثة أن السلطات حاولت جمع ما تبقى من أشلائه وانتزاعها من جسد القاطرة الكبيرة، فكان ما تبقى منه بضعة كيلوجرامات.
لم تنته القصة هنا، إذ قامت الكنسية المحليّة بجنازة مهيبة له، ثم قامت بدفنه في أحد أفخم مقابرها، ووضعت على قبره شاهداً رخامياً غالي الثمن، إذ بالمفاجأة تأتي لتقلب المعادلة تماماً.
انبثق من تحت قبر "جوزيف" ماء متدفق شقّ مجراه من بين القبور، وكان غايةً في النتانة والعفونة إلى حدٍ لم يتحمّله أحد، وكلما حاولوا نزح الماء واستخراجه ازداد تدفقاً، وكما انتقل خبر التحدي، انتقل خبر هذه العقوبة بين الناس، وأصبح الذين تشكّكوا وارتابوا بالأمس يقولون بلسان الحال: ويكأنه لا يفلح الظالمون!.
ازداد تجمع الناس حول هذه المقبرة ليشاهدوا هذه المعجزة الإلهية، حتى اضطرت السلطات إلى إحاطة المقبرة بسورٍ عالٍ ومنع الناس من الاقتراب، ولكن: من يستطيع إخفاء الحق بعد ظهوره؟
لبئس ما فعل جوزيف حين استبدل الآخرة بالدنيا، ولتكون هذه القصة دالة على أن الله يمهل الظالم ولا يهمله، حتى إذا أخذه لم يفلته.