الأم الأم هي تلك القيثارة الأولى التي يراها الطفل بعد ولادته فيأوي إليها من ظلمة العالم خافيًا رأسه بين جنبيها داعيًا ربَّه ألا تُفارقه تلك الرائحة طوال سنين عمره، حاول الأدباء والمفكرون والفنانون والنحاتون وأهل القلم وسياسيي العصر أن يُكرموها ولو بشيءٍ من حقها فعادت محاولاتهم أدراج الرياح تتقاذفها الأمواج يمنةً ويسرة، الأم لا تختصرها الكلمات وتستحيل إمكانيَّة كتابتها، الأمُّ هي المربي والمعلم والقاضي والمؤدب والملقِّن لذاك الذي لم يكتمل إلا في رحمها، وقرب نبضات قلبها، ومع ذلك حاول بعض الشعراء أن يخطُّوا ولو شيئًا صغيرًا يُذكِّر الأجيال بقدرها ومقدار عطائها، فكان لا بدَّ من مقالٍ يختصُّ في حديثه عن أبيات شعر عن الأم وسيكون ذلك فيما يأتي.[١] أقوال عن الأم وتأبى الأمُّ أن تُكتب بين السُّطور، فهي أسمى من مدادِ حبرٍ قد لا يُعطيها من حقِّها سوى تخليدٍ لذكراها إن مضت الأيَّام وطوى الدَّهر الحديث عنها، وكلٌّ يُحاول أن يترك في الحديث عن الأمِّ بصمته، وكلٌّ يحاول أن يخطَّ بقلمه عبارات أقوى من سابقيه وأعمق ممن أتوا خلفه، وما بين هذا الحديث وذاك كان لا بدَّ من عرض أهم الأقوال عن المدرسة الأولى التي تُعدُّ الطِّفل ليكون الرَّجل الأول، وفيما يأتي تفصيلٌ لذلك: "ثلاثة أحرف، إن اجتمعت اختصرت لغات الحب كلها، ورسمت معاني العطاء بأقدس صورها فحين ضاعت الكلمات واختلجت المشاعر، صرخ الطفل داخلنا بـ "أمي" فصمتت اللغات لقداسة وقعها إن كنت سعيداً تنادي "أمي" وإن كنت حزيناً تستنجد " أمي" وإن كنت غاضباً، وحيداً، باكياً، شاكراً يصرخ القلب أمي، فمهما تقدم بنا العمر فلن نجد أحن من حضنها وسادةً، وأصدق من قلبها ملاذاً."[٢] "لو فقدت المرأة أسباب الجمال وقال الناس عنها دميمة، لكفي بها عزًا وشرفًا وفخرًا وجمالًا أن تكون أم، وكم يساوي جمال الدنيا إذا قيس بلحظة يلعب فيها صغارها من تحت خصرها؟ أو حالما تفتح ذراعيها لصغير يركض نحوها ويقول ماما؟ حتى إذا جاءت أجمل النساء لتجلب هذا الصغير إليها ما استطاعت وما تحول إليها طرفة عين، ذلك لأنَّ الأم هي قُبلة السماء على جبين الأرض، وقِبلة الصغار التي إذا أرادوا أن يتحولوا عنها تحولوا لها، إذ يجدون فيها الروح والأمن والصلة والصلاة."[٣] "أماه دعيني أنظر في وجهك لأرى عقوقي وصبرك، وأنظر في عي*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-* لأرى جحودي ونكراني وعظيم حلمك، دعيني ألمس يدك لأرى دفء عطائك وروعة وصالك، ماذا أقدم لك اليوم لأقر بتقصيري وعقوقي؟ وماذا اقرأ في كتابي غير جهلي ورحمتك؟ وماذا أرى فيه إلا أسبابًا من عطائك وأسبابًا من جحودي؟ أمي كلمة تعطر أنفاسي وتملأ خاطري نورًا وأمنًا، أمي كلمة جمعت من كل شيء جماله، ومن كل معنى جلاله، ومن كل وصل وصاله، إنها الرحمة والرَّحِم، دعيني أنظر إليك لأرى النور الباسم بإشراق نفسك، ودعيني أحلق في السماء بروعة إقبالك واستقبالك، دعيني أقبل يديك ورأسك، يا رائحة الشمس وعفو الظل وبر النور، يا باقة الحب يا رواء الروح، يا أبهى عطاء الرب."[٣] إن الوطن إذا لبس أقدس معانيه، وتعطر بأجمل أسباب روعته، وتزين بأبهى زينته لا يضاهي أبسط معنى من معاني الأم؛ ذلك لأن المرء يقضي حياته من الطفولة إلى الكهولة في وطنه ثم يدفن في ترابه ولكنه صار في بطن أمه من العدم إلى الوجود ومن الغيب إلى الحقيقة إن بطن الأم هو أقدس الأوطان، وأروع أزمنة التاريخ إنَّه الزمان والمكان الذي يبعث فيه الوجود وتنطلق منه الحياة، فإذا ماتت الأم مات الزمان والمكان ومات التاريخ والجغرافيا، ونزعت من الأشياء المعاني فصارت كلها سواء و نزعت من الدنيا الرحمة فصارت كلها بلاء.[٣] أبيات شعر عن الأم تلك الغيمة المعطاءة التي لا تنضب في محاولاتها ريَّ الأراضي الجافة التي تظنُّ أنَّها الوحيدة المسؤولة عنها في حلِّها وترحالها، فتارة تحاول حلَّ مشكلات هذا لأنَّه في نظرها ما زال ذلك الصَّغير الباكي الذي تُدميه الحياة في محاولاتٍ حثيثةٍ منها، وتارة تأتي دعوات الأمُّ وصلواتها لتنفخ عنه ذلك الأذى الذي يشعر أنَّه لا زال مُلازمًا له حتى تحتضنه دعوات أمّه في الليل البهيم، ولا زال الشعراء يُتقنون نسج الكلمات في حديثهم عن تلك الذاكرة القديمة التي ما زالت تعشعش بين حناياهم، وفيما يأتي ذكر أبيات شعر عن الأم: قصيدة في وصف شوق الشَّاعر تجاه أمه:[٤] لعبت بي الأشواق يا أماهُ وثـَوتْ بقلبي وارتضت سكناهُ وغدا بنيُّكِ يا حبيبة مغرمًا والتوقُ يضرم في الفؤاد لظاهُ ناديتُ:يا أهل المحبة هل رأى منكم ولوعٌ بعض ما ألقاهُ؟ هل منكمُ من بات مِن فرط الهوى تأبى معاينة الكرى عيناهُ؟ ليظلَّ في أفق الهيام محـلِّـقًا وهناك قد يحظى بمن تهواهُ قالوا:أيا راجي وصال حسينةٍ ويرومُ أن يحــــــظى بنيل مناهُ إن التي تهوى ملاكٌ آسرٌ لا يـــــرتضي أبدًا فِدى أسراهُ فعجبتُ من حبٍّ تفرد بالبقا في خــــــاطري آهٍ له أوّاهُ لكن تأملتُ البلاد وأهلها من ذي التي ليست لها أشباهُ حتى رأيتكِ يا مناي وبهجتي كالـــــــدرِّ في ليلٍ أضاء سناهُ وقصدتُ يا أماه قلبك إنه وطــــني ومــــــــالي موطنٌ إلاهُ وطني الذي مهما يباعدني النوى يبــــقى الملاذ وإن سكنتُ سواهُ وطني الذي تخضرُّ لي جناته حــتى وإن هجر المحب حماهُ أمي فديتك أنتِ معنى كامنٌ لا تدرك الأوصــــــاف لي حسناهُ أمي فديتُكِ يا معينًا للهدى منهُ نهـــلتُ وطـــــــــاب لي مغناهُ ربيتِني وغرستِ فيَّ مبادئاً تمــــحوا عن الليل البهيــــمِ دجاهُ علمتِني أنَّ القناعةَ مطلبٌ من حــــــازه فـــــــــقد استتمَّ غناهُ ورأيتُ فيك الطهرَ ممتثلًا وقد أصبحتِ أنتِ على المدى معناهُ أمي فديتُكِ أنتِ بلسمُ أجرُحي والـــــداءُ -أنتِ- طبيبـــــُـــه ودواهُ علمتِني ألا أذلَّ وأنثني إلا لــــرب الناس جــــــــــلَّ علاهُ واصدعْ بقول الحق في غضبٍ وفي حال الـــــــرضى والزورَ لاتغشاهُ علمتِني أن التزلف للورى عارٌ يــــــدوم مدى الحيـــــــاة أذاهُ فاربأ بنفسكَ يا بنيَّ ولا تهن فأنا أرى ما لست أنت تراهُ واحذر مصاحبة اللئيم فإنه داءٌ يعَزُّ على الطبيب شفاهُ وامنح لكل الناس خيرك واحتسب ودع التلوُّن كم فتى أرداهُ أماهُ يا صرحا لكل فضيلةٍ أنتِ المنى والحبُّ -أنتِ- مداهُ فجزاك رب الناس عني منزلًا بجوار من عــــمَّ الأنـــــام هداهُ وشفاعةً منه وشربةَ حوضهِ والخلدَ في عدنٍ وطيــــب لقاهُ وأطال عمرك بالمكارم والتقى وحباك في الدنيا أجل عــــطاهُ وحــمـــاك مـــن كل المكاره يا هوى نفسي وبغية خاطري ومناه قصيدة فاروق جويدة التي سماها طيف نسميه الحنين:[٥] في الرِّكنِ يبدو وجهُ أمّي لا أراهُ لأنَّه سكن الجوانحِ من سنين فالعينُ إن غفلت قليلًا لا تري لكنَّ من سكنِ الجوانحِ لا يغيب وإن تواري مثلَ كلَّ الغائبين يبدو أمامي وجهُ أمِّي كلَّما اشتدَّت رياحُ الحزنِ وارتعدَ الجبين الناسُ ترحلُ في العيونِ وتختفي وتصيرُ حزنًـا في الضلوعِ ورجفةٌ في القلبِ تخفقُ كلَّ حين لكنَّها أمّي يمرُّ العمرُ أسكنـها وتسكنني وتبدو كالظِّلالِ تطوفُ خافتةً علي القلبِ الحزينِ منذ انشطَرنا والمدى حولي يضيق وكلُّ شيءٍ بعدها.. عمرٌ ضنين صارت مع الأيامِ طيفًـا لا يغيب ولا يبين طيفـًا نسمِّيهِ الحنين.