أصل كلمة الإعجاز إلى الفعل أعجز، وتعني العجز أو الضعف أو الاستحالة، فقام فلان بعملٍ معجز أي عَمِلَ عملًا مستحيلًا، فالمعجزة هي أمر يفوق التصور والتوقعات، وقد ظهر مصطلح الإعجاز مؤخرًا عنوانًا لعلم إسلامي كامل، اسمه الإعجاز في القرآن أو الإعجاز في السنة، وتفرَّع هذا العلم فشمل الإعجاز العلمي واللغوي والتشريعي والبلاغي، وأصبح هذا العلم يقدَّم الدلائل الدامغة على صحَّة هذا الدين ويدحض كلَّ افتراءات الكاذبين الذين يحاولون النيل من هذا الدين العظيم، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على الإعجاز العلمي في السنة النبوية الشريفة كما سيذكر صورًا من الإعجاز العلمي في السنة النبوية أيضًا. ما هي السنة النبوية قبل الخوض في الحديث عن الإعجاز العلمي في السنة النبوية، لا بدَّ من التعريف بمعنى السنة النبوية العامة وذكر تعريفات العلماء لها، وقد جاءت عدة تعريفات للسنة النبوية المباركة، فقيل إنَّ السنة هي كلُّ ما جاء عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من أقوال أي من كلام تحدَّث به وقاله لأصحابه، أو أفعال قام بها والتزم بها أو تقارير أي أفعال أقرَّها رسول الله أو أشياء نهى عنها، وصفات تحلَّى بها، وتشمل السنة النبوية كلَّ ما قام به رسول الله قبل البعثة وبعدها، فرسول الله معصوم عن الخطأ، وهذا ما أشار إليه النص القرآني الصريح، قال تعالى في سورة النجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَ}[١]، والله تعالى أعلم.[٢] الإعجاز العلمي في السنة النبوية لأنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- نبيٌّ مُرسل من رب العالمين، ولأنَّ ما جاء به وحي من الله تعالى، فهو معصوم عن الخطأ والنسيان والسهو، وهذه العصمة بأمر الله تعالى، وتأكيدًا على هذه الفكرة، وردًّا على كلِّ المكذبين الذين يهاجمون عقيدة الإسلام ويمسون مقدسات هذا الدين ويتحينون الفرص لكشف الأخطاء الواهمة التي يبتدعون دون وجه حقٍّ، كانت السنة النبوية دليلًا جديدًا على صحة وصدق هذا الدين وهذا الوحي الذي أيَّد به الله رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وهنا جاءت فكرة الإعجاز العلمي في السنة النبوية المباركة، فمع تطور العلم الحديث واكتشاف الإنسان لحقائق علمية لم تكن معروفة في الماضي ظهرت مصادفة صور ودلائل تبين وتؤكِّد على صحة رسالة محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، هذا البرهان يستند على ما ذكر رسول الله في أحاديثه من حقائق علمية لم تكن معروفة في وقت بعثته وإنَّما عُرفت في السنوات الأخيرة، سنوات البحث والكشف العلمي، فالاكتشافات العلمية المختلفة التي ظهرت مؤخرًا تتفق مع عدد من الأحاديث النبوية الصحيحة التي جاء بها رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قبل ألف وأربعمئة عام، وهذا إنَّ دلَّ فسيدل على الذي بعث رسول الله بالحق ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه، وقد وضع العلماء ضوابط خاصة للأحاديث النبوية الشريفة التي يُؤخذ بها في قضية الإعجاز العلمي، فينبغي على الباحث في هذا المجال أن يراعي درجة الحديث وصحة سنده ومتنه، وأن يتناول الأحاديث النبوية التي تطرَّقت إلى بعض الظواهر الكونية أو الحقائق العلمية وأن يستبعد من بحثه الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأنَّ يفهم الحديث الشريف وفق ما يتوافق مع القرآن الكريم؛ لأنَّ سنة رسول الله تتفق مع القرآن اتفاقًا كاملًا وكلاهما تنزيل العليم الحكيم والله أعلم.[٣] إعجاز السنة في علم الوراثة بعد تعريف الإعجاز العلمي في السنة النبوية المباركة وبعض التفصيل في فضل تطور العلم الحديث والحقائق العلمية التي اكتشفها وتبيَّن لاحقًا أنََّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أشار إليها مسبقًا قبل قرون بعيدة، لا بدَّ من المرور على بعض ما جاء من صور الإعجاز العلمي في السنة النبوية، ومن حقائق علم الوراثة التي تناولتها السنة النبوية من قبل هي ما جاء في حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حيث قال: "يُجمعُ خلقُ أحدِكم في بطنِ أمِّه أربعين ليلةً ثم يكونُ علَقةً مثلَ ذلك ثم يكونُ مُضغةً مثلَ ذلك.."[٤]، فالحديث النبوي السابق يؤكد أنَّ الإنسان في عملية خلقِهِ يمرّث بثلاث مراحل وهي: النطفة ثمَّ العلقة ثمَّ المضغة، وهذه المراحل تكتمل بعد مرور أربعين يومًا على الإخصاب، وهذه المعلومات أكَّدتها البحوث العلمية الحديثة التي قام بها علماء الأجنة والوراثة حول العالم، وهنا تجب الإشارة إلى أنَّ بعض العلماء فهم الحديث الشريف على أنَّ فترة جمع الإنسان هي مئة وعشرون يومًا، إذا استغرقت النطفة أربعين يومًا والعلقة مثلها والمضغة أيضًا، ولكنَّ ما جاء في حديث آخر لرسول الله يؤكد عدم صحة هذه الفكرة، قال رسول الله في الحديث: "إذَا مَرَّ بالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ أَجَلُهُ، فيَقولُ رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ رِزْقُهُ، فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَلَكُ بالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ، فلا يَزِيدُ علَى ما أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ"[٥]، وهذا الحديث يؤكد أنَّ ما قصده رسول الله في الحديث الأول هو أنّ فترة تشكل النطفة والعلقة والمضغة كلُّها أربعين يومًا فقط وهذا ما يوافق العلم الحديث، والله أعلم.[٦] إعجاز السنة في علم الفلك وصل الإعجاز العلمي في السنة النبوية الشريفة إلى الإعجاز في مجال الفلك، فقد أخبرت السنة النبوية بحقائق فلكية لم يكتشفها العلماء إلَّا في سنوات متأخرة، ومن صور الإعجاز العلمي في مجال الفلك هو حديث رسول الله الذي قال فيه: "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي ما يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ"[٧]، في هذا الحديث حقيقة علمية اكتشفها العلماء مؤخرًا وهي فناء النجوم وزوالها، إنَّ النجوم الضخمة تجذب وتتحكم كلَّ ما يدور حولها من كواكب وأقمار وغير ذلك، فقوة جاذبية هذه النجوم تحافظ على أمان السماء وعدم انهيار نظام الكون، فإذا فنت النجوم ستختل مدارات الكواكب المحيطة بها وستختلط المجرات ببعضها، وهذا ما أكَّد عليه رسول الله في السنة النبوية قبل قرون ليكون دليلًا على صدق هذا الدين وصحته والله أعلم