أثر العبادات على حياة الإنسان تعدّ العبادة هي الغاية الأساسية من خلق الإنسان في الإسلام، وليس للحياة أيّ أهميةٍ إذا لم تكن مشتملةً على معاني التذلّل والخضوع لله عزّ وجلّ، والعبادة مفهومٌ واسعٌ جداً، لا ينحصر في الشعائر التي اعتادها الناس، بل تشمل جميع حركات الإنسان، وأقواله، وأفعاله في شتّى جوانب الحياة، ولها أنواعٌ كثيرةٌ، كالدعاء، والزكاة، والصيام، والخوف من الله تعالى، والاستعانة به، ونحوها، وهي كذلك على درجاتٍ؛ فمنها الواجب الذي يُثاب الإنسان على فعله، ويأثم بتركه، ومنها المستحبّ الذي يُثاب على فعله، ولا يأثم على تركه، وفي كلّ هذه الأنواع والدرجات للعبادة أثرٌ كبيرٌ، وصلاحٌ للفرد والمجتمع، فإن أدّى الإنسان هذه العبادات على وجهها الذي أمر الله تعالى به، كان لذلك أثرٌ عظيمٌ طيبٌ على سلوكه، ومن الآثار المترتبة على ذلك: تزكية النفس، ونشر الخير، والفضيلة بين الناس، والمساهمة في بناء الإنسان نفسياً، وجسمياً، واجتماعياً، وتدريبه وتعويد نفسه على الإخلاص، والإتقان، والتميّز في أفعاله، ومنها كذلك ما يجد الإنسان أثره يوم القيامة، عند لقاء الله تعالى بالأجر، والمثوبة.[١][٢] كما تؤدي مداومة الإنسان على العبادة، واستمراره عليها إلى شعوره بوجود الله سبحانه، واطّلاعه عليه، ممّا يجعله متيقّظ الضمير، كما أنّها تنقذ الإنسان من المشاعر السلبية كاليأس، والإحباط، والشعور بتفاهة النفس؛ لأنّ الإنسان حين يقف بين يدي الله تعالى، يشعر بقربه من مالك هذا الوجود، ممّا يؤدي إلى إحساسه بقيمته الإنسانية، وقدره العالي، وتختصّ بعض العبادات بآثارٍ خاصةٍ على حياة الإنسان كالصلاة مثلاً، فهي تطهّر نفس الإنسان من الأخلاق الرديئة، وتجعل المسلمين جميعاً يقفون صفّاً واحداً، فيلين كلاً منهم للآخر، ممّا يساعدهم على تعلّم النظام، والتلاحم فيما بينهم، وللصيام أيضاً آثارٌ جليةٌ على الإنسان، فغايته الأولى تحقيق معنى التقوى في نفسه، وهو يعالج كثيراً من الاضطرابات النفسية القوية، أمّا الزكاة، فلها تأثيرٌ واضحٌ في تطهير نفس الإنسان من البخل والشّح، وفي غرس معاني الرحمة، والأخوّة، والفضيلة في قلبه، وللحجّ أثرٌ عجيبٌ في تهذيب سلوك المسلم أيضاً، ذلك أنّ العبادة تكون وسيلةً للتربية إذا ارتبطت بسلوك الإنسان، وخُلقه.[٢] ألا بذكر الله تطمئن القلوب إنّ ذكر الله -عزّ وجلّ- عبادةٌ تملأ قلب الإنسان بالطمأنينة، وتؤثّر على حياته بغرس السكينة فيها، ويدلّ على ذلك قول الله تعالى في القرآن الكريم: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،[٣] وقد قال الواحدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية الكريمة: (أي إذا سمع المؤمنون ذكر الله سبحانه أحبّوه، واستأنست قلوبهم بذكره، والمراد بالقلوب الواردة في الآية هي قلوب المؤمنين)، أمّا تفسير البغوي رحمه الله تعالى، فقد قال فيه: (إنّ معنى الاطمئنان الوارد في الآية؛ هو السكون)، وقال مقاتل رحمه الله: (إنّ ذلك يكون بالقرآن، والسكون يكون بحصول اليقين في قلب الإنسان، أمّا الاضطراب فيكون في حصول الشكّ، فيكون معنى الآية بذلك؛ أنّ قلوب المؤمنين تسكن بذكر الله، ويستقرّ فيها اليقين)، ولذلك كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: (إنّ في الدنيا جنةٌ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة)، ويريد بذلك جنة ذكر الله تعالى، أمّا ابن عباس رضي الله عنه، فقد أشار إلى أنّ الآية الكريمة وردت في معنى الحَلف، فالإنسان المسلم إذا حلف على شيءٍ بالله عزّ وجلّ؛ سكنت قلوب المؤمنين إليه.[٤][٥] يظهر من ذلك أنّ استئناس الإنسان بذكر الله سبحانه، يتبعه سكون قلبه، وراحته، واستشعاره لعظمة ربّه جلّ وعلا، ورحمته، وحكمته، وقوته، وقهره، وكذلك سننه التي يُجريها في هذا الكون، ممّا يُطمئن قلبه لكلّ ما يجري حوله من تقلّبات الحياة، واضطرابها، فيكون مستبشراً متفائلاً حتى حين يقلق ويرتاب الناس من حوله، كما أنّه يصبر على البلاء الذي قد يصيبه في حياته، لأنّه يرجو بذلك مثوبة الله سبحانه، ولاستمداده العون منه جلّ وعلا، وقد ورد في آيةٍ أخرى من القرآن الكريم قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)،[٦] وهذا لا يتعارض مع الآية الكريمة الأولى، فإنّما المُراد بالآية الأولى؛ حصول الطمأنينة في قلوب المؤمنين عند ذكر الثواب، وذكر فضل الله وكرمه، أمّا المراد بالآية الثانية؛ فهو حصول الوجل في قلوبهم عند ذكر وعيد الله، وعقابه، وشدّة حسابه، كما جاء في القرآن الكريم أيضاً بيان حال من أعرض عن ذكر الله عزّ وجلّ، قال الله تعالى: (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا).[٧][٤][٥] فوائد ذكر الله سبحانه لذكر الله سبحانه فوائدٌ وثمراتٌ كبيرةٌ، وفيما يأتي ذكر بعضها:[٨] يعدّ ذكر الله تعالى قوتاً للقلب، وغذاءً للروح، وشفاءً للأسقام، وإزالةً للهموم. سببٌ لحصول النور في قلب الإنسان، ووجهه، وفي انفتاح أبواب المعرفة أمامه، وفي قُربه من الله تعالى. يلين قلب الإنسان، ويزيد في رزقه، وينزل عليه نصر الله تعالى، ومعونته. ذكر الله تعالى هو غرس بساتين الجنة، وبه تُبنى دورها كذلك. يعدّ عوناً للإنسان على طاعته، فهو يدفع الإنسان إلى القيام بالطاعات، ويصرفه عن المعاصي، والذنوب. ذكر الله -عزّ وجلّ- سببٌ في تنزّل الرحمة والسكينة على الذاكرين له، وسببٌ في حفوفهم بالملائكة. ذكر الله -عزّ وجلّ- سببٌ في ذكر الله للعبد، وحبّه له.