أعرفها ، و أعرفه |
تلك التي مضت ، و لم تقل له الوداع ، لم تشأ |
و ذلك الذي على إبائه اتّكأ |
يجاهد الحنين يوقفه |
كان الحنين يحرفه |
فهو أنا و أنت ، و الذين يحفرون تحت حائط سميك |
لتصبح الحياه عشّ حبّ |
به رغيف واحد ، و طفلة ضحوك ! |
*** |
أعرفها ، و أعرفه |
أميرة شرقيّة تهوى الغناء |
تهواه لا تحترفه |
و تعشق اللّيالي الماسيّة الضياء |
- صاحبة السمو أقبلت ! |
... و يصبح البهو المليء ضفتين |
و تهمس الشفاه كلمتين .. كلمتين |
- عشقتها هذا المساء شاعر أنيق |
- نعم ... فإنّها تضيق بالعشيق |
إذا أتى الصباح و هو في ذراعها |
و تهمس امرأة |
- دولابها يضمّ ألف ثوب |
و تهمس امرأه |
- و قلبها يضمّ ألف حبّ |
- نعم نعم ... فانهات أميره لا تكتفي بحب |
و يخفت الحديث ثمّ يهتف المضيف |
- يا أصدقاء |
صاحبة السمو تبدأ الغناء ! |
... و يخفت الضياء غير كوّة تنير وجهها |
و تبدأ الغناء ... " أوف ! " |
" قلبي على طفل بجانب الجدار |
لا يملك الرغيف ! " |
.. و تلهث الأكفّ .. فلتحيا نصيرة الجياع |
ثمّ تدور عينها لتلمح الذي أصابه الكلام |
و عندما يرفّ نور الشمس تهمس " الوداع " |
و في ذراعها عشيقها الجديد ! |
*** |
أعرفها ، و أعرفه |
لأنّني كنت كثيرا ما اصادفه |
على شجيرة المساء ، قابعا بنصف ثوب |
يقول للمساء |
" يا أيّها الحزن الأثيري الرحيب ! |
يا صاحب الغريب |
أنا كلام الأرض .. هل أنصت لي ؟ ! |
أنا ملايين العيون ... هل نظرت لي ؟ ! |
لي مطلب صغير |
أن تصبح الحياة عش حب |
به رغيف واحد و طفلة ضحوك ! " |
... و في ليالي الخوف طالما رأيته يجول في الطريق |
يستقبل الفارّين من وجه الظلام |
و يوقد الشموع من كلامه الوديع |
ففي كلامه ضياء شمعة لا تنطفيء |
و يترك اليدين تمشيان بالدعاء ، |
على الرؤوس و الوجوه |
و تمسحان ما يسيل من دموع |
" الصبح في الطريق |
يا أصدقائي ! انّني أراه |
فلا تخافوا ... بعد عام يقبل الضياء ! " |
و عندما يمشون تمشي فوق خدّيه الدموع |
و يفلت الكلام منه ، يفلت الكلام |
" هل يقبل الضياء حقّا بعد عام ؟ " |
*** |
ذات مساء كان صاحبي يكلّم المساء |
فانساب مقطع مع الرياح ثمّ وشوش الأميره |
فقرّبت مرآتها و صفّقت |
" يا أيّها الغلام ! |
بجانب القصر فتى يخاطب الظلام |
اذهب اليه ، قل له سيّدتي تريد أن تكلّمك |
و لا تقل _ أميرتي " |
... ثمّ تهادت نحو شرفة جدرانها زهور |
ورددت في الصمت " أوف ! " |
قلبي على طفل بجانب الجدار |
لا يملك الرغيف ! " |
و أقبل الغلام يسبق الفتى |
- أميرتي .. سيّدتي ... أتيت به ! |
- " أهلا و سهلا .... ليلتنا سعيده |
ادخل ... تفضّل ".. و انقضى المساء ! |
.. و في الصباح ساءلته ... " ما الذي رأيت ؟ " |
_ " سيّدتي .. إنّي رأيت كلّ خير " |
" سيّدتي ... أنا سعيده ! " |
قالت له ، و عينها في عينه المسهّده |
- " أراك قد عشقتنا ! " |
فلم يردّ صاحبي |
قالت له : " فما الذي تعطيه لي لو أنّنا عشنا معا ! ؟ |
فدمّعا |
ثمّ أجابها و صوته منغّم حزين |
سيّدتي ... أنا فتى فقير |
لا أملك الماس و لا الحرير |
و أنت في غنى عمّا تضمّ أشهر البحار من لآل |
فقلبك الكبير جوهرة |
جوهرة نادرة في تاج عصرنا |
و لو قضيت عمري الطويل أقطع البحار ، |
و أنشر القلاع ، |
و أبسط الشباك ، أقبض الشباك |
لما وجدت مثلها |
لكنّني و جدتها هنا |
وجدتها لمّا سمعت لحنك المنساب كالخرير |
يبكي لطفل نام جائعا ! " |
.. فابتسمت قائلة : " لا أنت شاعر كبير ! |
يا سيّدي أنا بحاجة إلى أمير |
إلى أمير ! " |
و انسدّ في السكون باب !! |
*** |
أعرفها ، أعرفه |
تلك التي مضت و لم تقل له الوداع .. لم تشأ |
و ذلك الذي على إبائه اتّكأ |
يجاهد الحنين يوقفه |
كان الحنين يجرفه !! |
----------- |
( ابريل 1957) |