عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ؛ فإنما
أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم ) رواه البخاري و مسلم .
الشرح
لقد
ارتضى الله سبحانه للبشرية الإسلام دينا ، وجعله الدين الخاتم الذي لا
يُقبل من أحدٍ سواه ، وكان من سمات هذا الدين قوامه على الأوامر والنواهي ،
فهو يأمر بكل فضيلة ، وينهى عن كل رذيلة ، ومن هنا جاء هذا الحديث ؛ ليبين
الموقف الصحيح تجاه هذه الأوامر والنواهي.
وقد جاء في صحيح مسلم بيان سبب ورود هذا الحديث ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ) ، فقال رجل : " أكل عام يا رسول الله ؟ " فسكت ، حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم ) ثم قال : (
ذروني ما تركتكم ؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على
أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء
فدعوه ) ، وفي رواية أخرى : ( ذروني ما تركتكم ) ، فأرشد صحابته إلى ترك السؤال عما لا يُحتاج إليه .
ولا
يُفهم من النهي عن كثرة السؤال ، ترك السؤال عما يحتاجه المرء ، فليس هذا
مراد الحديث ، بل المقصود منه النهي عن السؤال عما لا يحتاجه الإنسان مما
يكون على وجه الغلو أو التنطّع ، أو محاولة التضييق في أمرٍ فيه سعة .
وإذا نظرت إلى منهج الصحابة في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لوجدت أسئلتهم على قسمين :
القسم
الأول : السؤال عما قد وقع لهم ، أو أشكل عليهم ، فمثل هذه الأسئلة مأمور
بها شرعا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أمر عباده بسؤال أهل العلم ، وها هم
الصحابة رضوان الله عليهم قد ترجموا هذا الأمر عمليا ، فقد سألوا عن الفأرة
التي سقطت في سمن ، وسألوا عن متعة الحج ، وسألوا عن حكم اللقطة ، إلى غير
ذلك .
القسم الثاني : سؤالهم عما يتوقعون حصوله فعلا ، ومن ذلك : ما رواه الإمام مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى " ، فقال : ( ما أنهر الدم ، وذكر عليه اسم الله فكُل ، ليس السن والظفر ) ، ومن ذلك أيضا سؤالهم عن الصلاة أيام الدجال ، عندما يكون اليوم كالسنة ، فأجابهم : ( اقدروا له قدره ) .
وفي الحديث إرشاد للمسلم إلىكيفية التعامل مع الأحكام والنصوص الشرعية ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) أمر باجتناب كل ما نهى عنه الشرع ، سواء أكان محرما أم مكروها ، وتأكيدا للمعنى السابق جاء التعبير بلفظة ( اجتنبوا ) ، فهي لفظة تعطي معنى المباعدة ، فكأنك تكون في جانب ، والمعاصي في الجانب الآخر ؛ لذلك هي أبلغ في معنى الترك .
أما
فيما يتعلق بالأوامر ، فلم نُكلف إلا بما نستطيع ، وما يدخل في حدود
الطاقة ، فإذا عجز المكلّف عن أمرٍ ، جاءه الشرع بالتخفيف ، وهذا يدل على
يسر الإسلام وسماحته ، كما قال الله عزّوجل : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } (
البقرة : 185 ) ، وانطلاقا من هذا المعنى ، استنبط العلماء قاعدة فقهيّة
مهمة ، وهي قاعدة : ( المشقة تجلب التيسير ) ، وجعلوها مبدأ ترتكز عليه
كثير من الأحكام الفقهيّة .
والملاحظ هنا أن الشريعة قد شددت في
جانب المنهيات أكثر من المأمورات ، فعلقت تنفيذ الأوامر على الاستطاعة ،
بخلاف النهي ، وذلك لأن الشريعة الغرّاء تسعى دائما للحد من وقوع الشر ،
والحيلولة دون انتشاره ، ولا يكون ذلك إلا بالابتعاد عما حرّم الله عزوجل ،
ولذلك يقول الله تعالى في محكم تنزيله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } ( النور : 21 ) ، فحرّم الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام ،ومن باب أولى تحريم الحرام نفسه.
ومن
خلال ما سبق ، يتبين لك أيها القاريء الكريم خطأ كثير من المسلمين ، الذين
يجتهدون في فعل الطاعات ، مع تساهل عظيم في ارتكاب المحرمات ، فتراه يصوم
مع الناس إذا صاموا ، فإذا جنّ عليه الليل لم يتورّع عن مقارفة الذنوب ،
وارتكاب المعاصي ، ناسيا - أو متناسيا - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال مرشدا أمته : ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) رواه الترمذي ، ولا يعني ذلك التهوين من أمر الطاعة ، أو التساهل في أمرها ، لكن كما قال الحسن البصري رحمه الله : " ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه " .
ومن دلالات هذا الحديث أنه يربي المسلم على الجدية في التعامل مع هذا الدين ، كما قال الله عزوجل : { إنه لقول فصل ، وما هو بالهزل } (
الطارق : 13-14 ) ، وهذه الجدّية تدعوه إلى أن يقبل بكليّته على تعلّم ما
ينفعه من العلم ، ويجتهد في تربية نفسه وتزكيتها ، مجرّدا قلبه عن كل ما
يشغله عن هذا الهدف الذي جعله نُصب عينيه.
وحتى يرسّخ النبي صلى
الله عليه وسلم فيهم هذا المبدأ ؛ بيّن لهم خطورة الحيدة عن هذا المنهج
الدقيق ، وأثر ذلك في هلاك الأمم السابقة ، والتي تكلّفت في أسئلتها ،
واختلفت على أنبيائها ، فكان سؤالهم تشديدا عليهم ، وكان اختلافهم سببا
لهلاكهم ، وخير مثال على ذلك ، ما كان عليه قوم موسى عليه
السلام ، فإنهم لما طُلب منهم ذبح بقرة ، تنطّعوا في السؤال عن أوصافها ،
وتكلّفوا في ذلك ، وكان في سعتهم أن يأتوا بأي بقرة ، ولكنهم أبوا ذلك ،
فشدّد الله عليهم ، ولما اختلفوا على أنبيائهم ، لم تقبل منهم التوبة إلا
بقتل أنفسهم ، وعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة ، والجزاء من جنس العمل .
وأخيراً : نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، والحمد لله أولا وآخرا .
ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ؛ فإنما
أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم ) رواه البخاري و مسلم .
الشرح
لقد
ارتضى الله سبحانه للبشرية الإسلام دينا ، وجعله الدين الخاتم الذي لا
يُقبل من أحدٍ سواه ، وكان من سمات هذا الدين قوامه على الأوامر والنواهي ،
فهو يأمر بكل فضيلة ، وينهى عن كل رذيلة ، ومن هنا جاء هذا الحديث ؛ ليبين
الموقف الصحيح تجاه هذه الأوامر والنواهي.
وقد جاء في صحيح مسلم بيان سبب ورود هذا الحديث ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ) ، فقال رجل : " أكل عام يا رسول الله ؟ " فسكت ، حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم ) ثم قال : (
ذروني ما تركتكم ؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على
أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء
فدعوه ) ، وفي رواية أخرى : ( ذروني ما تركتكم ) ، فأرشد صحابته إلى ترك السؤال عما لا يُحتاج إليه .
ولا
يُفهم من النهي عن كثرة السؤال ، ترك السؤال عما يحتاجه المرء ، فليس هذا
مراد الحديث ، بل المقصود منه النهي عن السؤال عما لا يحتاجه الإنسان مما
يكون على وجه الغلو أو التنطّع ، أو محاولة التضييق في أمرٍ فيه سعة .
وإذا نظرت إلى منهج الصحابة في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لوجدت أسئلتهم على قسمين :
القسم
الأول : السؤال عما قد وقع لهم ، أو أشكل عليهم ، فمثل هذه الأسئلة مأمور
بها شرعا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أمر عباده بسؤال أهل العلم ، وها هم
الصحابة رضوان الله عليهم قد ترجموا هذا الأمر عمليا ، فقد سألوا عن الفأرة
التي سقطت في سمن ، وسألوا عن متعة الحج ، وسألوا عن حكم اللقطة ، إلى غير
ذلك .
القسم الثاني : سؤالهم عما يتوقعون حصوله فعلا ، ومن ذلك : ما رواه الإمام مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى " ، فقال : ( ما أنهر الدم ، وذكر عليه اسم الله فكُل ، ليس السن والظفر ) ، ومن ذلك أيضا سؤالهم عن الصلاة أيام الدجال ، عندما يكون اليوم كالسنة ، فأجابهم : ( اقدروا له قدره ) .
وفي الحديث إرشاد للمسلم إلىكيفية التعامل مع الأحكام والنصوص الشرعية ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) أمر باجتناب كل ما نهى عنه الشرع ، سواء أكان محرما أم مكروها ، وتأكيدا للمعنى السابق جاء التعبير بلفظة ( اجتنبوا ) ، فهي لفظة تعطي معنى المباعدة ، فكأنك تكون في جانب ، والمعاصي في الجانب الآخر ؛ لذلك هي أبلغ في معنى الترك .
أما
فيما يتعلق بالأوامر ، فلم نُكلف إلا بما نستطيع ، وما يدخل في حدود
الطاقة ، فإذا عجز المكلّف عن أمرٍ ، جاءه الشرع بالتخفيف ، وهذا يدل على
يسر الإسلام وسماحته ، كما قال الله عزّوجل : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } (
البقرة : 185 ) ، وانطلاقا من هذا المعنى ، استنبط العلماء قاعدة فقهيّة
مهمة ، وهي قاعدة : ( المشقة تجلب التيسير ) ، وجعلوها مبدأ ترتكز عليه
كثير من الأحكام الفقهيّة .
والملاحظ هنا أن الشريعة قد شددت في
جانب المنهيات أكثر من المأمورات ، فعلقت تنفيذ الأوامر على الاستطاعة ،
بخلاف النهي ، وذلك لأن الشريعة الغرّاء تسعى دائما للحد من وقوع الشر ،
والحيلولة دون انتشاره ، ولا يكون ذلك إلا بالابتعاد عما حرّم الله عزوجل ،
ولذلك يقول الله تعالى في محكم تنزيله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } ( النور : 21 ) ، فحرّم الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام ،ومن باب أولى تحريم الحرام نفسه.
ومن
خلال ما سبق ، يتبين لك أيها القاريء الكريم خطأ كثير من المسلمين ، الذين
يجتهدون في فعل الطاعات ، مع تساهل عظيم في ارتكاب المحرمات ، فتراه يصوم
مع الناس إذا صاموا ، فإذا جنّ عليه الليل لم يتورّع عن مقارفة الذنوب ،
وارتكاب المعاصي ، ناسيا - أو متناسيا - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال مرشدا أمته : ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) رواه الترمذي ، ولا يعني ذلك التهوين من أمر الطاعة ، أو التساهل في أمرها ، لكن كما قال الحسن البصري رحمه الله : " ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه " .
ومن دلالات هذا الحديث أنه يربي المسلم على الجدية في التعامل مع هذا الدين ، كما قال الله عزوجل : { إنه لقول فصل ، وما هو بالهزل } (
الطارق : 13-14 ) ، وهذه الجدّية تدعوه إلى أن يقبل بكليّته على تعلّم ما
ينفعه من العلم ، ويجتهد في تربية نفسه وتزكيتها ، مجرّدا قلبه عن كل ما
يشغله عن هذا الهدف الذي جعله نُصب عينيه.
وحتى يرسّخ النبي صلى
الله عليه وسلم فيهم هذا المبدأ ؛ بيّن لهم خطورة الحيدة عن هذا المنهج
الدقيق ، وأثر ذلك في هلاك الأمم السابقة ، والتي تكلّفت في أسئلتها ،
واختلفت على أنبيائها ، فكان سؤالهم تشديدا عليهم ، وكان اختلافهم سببا
لهلاكهم ، وخير مثال على ذلك ، ما كان عليه قوم موسى عليه
السلام ، فإنهم لما طُلب منهم ذبح بقرة ، تنطّعوا في السؤال عن أوصافها ،
وتكلّفوا في ذلك ، وكان في سعتهم أن يأتوا بأي بقرة ، ولكنهم أبوا ذلك ،
فشدّد الله عليهم ، ولما اختلفوا على أنبيائهم ، لم تقبل منهم التوبة إلا
بقتل أنفسهم ، وعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة ، والجزاء من جنس العمل .
وأخيراً : نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، والحمد لله أولا وآخرا .