السؤال :
عندنا مقولة في ثقافتنا تُردد حين يموت الكبار ، يقولون : إن المصيبة تحل على الباقين من العائلة ، ويقولون أيضاً : إن بموتهم تقل بركة الله في الباقين من الأقارب الأحياء . ما هو تكييف هذا الكلام وفقاً للشريعة ؟ وهل معناه صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
فإن الموت مصيبة عظيمة وبلية جسيمة وبه ينقطع العمل وينتهي الأجل ويقدُم المرء على ربه ، إن خيراً فخير وإن شرّاً فشر ، وبالموت تسال العبرات وتحزن القلوب وتعم الأحزان .
قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) البقرة/ 155 ، فنقص الأنفس من جملة الابتلاءات التي تصيب العباد .
وهذا كله من حيث العموم ، وأما ما ورد في السؤال من كون موت الكبار يكون سبباً في نزول البلاء على الأسرة ، وسبباً في نقص البركة ، فهذا أمر لا دليل عليه بهذا الإطلاق ، وما زال الناس يموت فيهم الكبير والصغير ، فلو كانت وفاة الكبير سببا في نقصان البركة ، أو نزول المصائب ، لمحقت البركة من دنيا الناس ، وتوالت على أهل كل بيت المصيبة بعد الأخرى ، وهذا خلاف ما هو مشاهد ، وخلاف ما جرت به سنة الله في خلقه ، وكم من كبير مات ، فتنعم أهله من بعده ، إما بمال تركه لهم ، أو نعمة فتحت عليهم ، أو زواج امرأة ، أو نحو ذلك مما هو مشاهد معلوم .
ثم ما علاقة الأحياء بموت الكبير ، حتى يصيبهم من البلاء ما يذكره هذا القائل ، سواء أكان الميت صالحا ، أو طالحا ؛ وقد قال تعالى : ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الإسراء/ 15 .
إنما مصاب الناس حقيقة في موت صاحب العلم الذي يحرم الناس من علمه ، أو صاحب العبادة والطاعة ، والنفع المتعدي للناس : من جهاد في سبيل الله ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو صدقات وزكوات ، أو نحو ذلك ؛ وهذا كله لا تعلق له بصغير أو كبير ، إنما بحاله ، ونفعه للناس ، وبركته في الأرض ، فلا شك أن موت أمثال هؤلاء : نقصان خير وبركة ، وثلمة في دين الناس أو دنياهم ، وأعظم الناس مصابا بهم : المقربون منهم ؛ لكن ذلك ليس معناه أن تنزل عليهم مصيبة أخرى بعده ، إلا أن يعمل من بعده بعمل يستحقون به ذلك . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) رواه البخاري ( 100 ) ومسلم ( 2673 ) .
إِذَا مَا مَاتَ ذُو عِلْمٍ وَتَقْوَى ... فَقَدْ ثَلمَتْ مِنَ الإِسْلامِ ثُلْمَهْ
وَمَوْتُ الْعَادِلِ الْمَلِكِ الْمُوَلَّى ... لِحُكْمِ الْخَلْقِ مَنْقَصَةً وَقَصْمَهْ
وَمَوْتُ الْعَابِدِ الْمَرْضِيِّ نَقْصٌ ... فَفِي مَرْآهُ لِلأَسْرَارِ نَسْمَهْ
وَمَوْتُ الْفَارِسِ الضِّرْغَامِ هَدْمٌ ... فَكَمْ شَهَدَتْ لَهُ بِالنَّصْرِ عَزْمَهْ
وَمَوْتُ فَتَى كَثِيرِ الْجُودِ نَقْصٌ ... لأَنَّ بَقَاءَهُ فَضْلٌ وَنِعْمَهْ
فَحَسْبُكَ خَمْسَةٌ يُبْكَى عَلَيْهمْ ... وَمَوْتُ الْغَيْرِ تَخْفِيفٌ وَرَحْمَهْ
والله أعلم
عندنا مقولة في ثقافتنا تُردد حين يموت الكبار ، يقولون : إن المصيبة تحل على الباقين من العائلة ، ويقولون أيضاً : إن بموتهم تقل بركة الله في الباقين من الأقارب الأحياء . ما هو تكييف هذا الكلام وفقاً للشريعة ؟ وهل معناه صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
فإن الموت مصيبة عظيمة وبلية جسيمة وبه ينقطع العمل وينتهي الأجل ويقدُم المرء على ربه ، إن خيراً فخير وإن شرّاً فشر ، وبالموت تسال العبرات وتحزن القلوب وتعم الأحزان .
قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) البقرة/ 155 ، فنقص الأنفس من جملة الابتلاءات التي تصيب العباد .
وهذا كله من حيث العموم ، وأما ما ورد في السؤال من كون موت الكبار يكون سبباً في نزول البلاء على الأسرة ، وسبباً في نقص البركة ، فهذا أمر لا دليل عليه بهذا الإطلاق ، وما زال الناس يموت فيهم الكبير والصغير ، فلو كانت وفاة الكبير سببا في نقصان البركة ، أو نزول المصائب ، لمحقت البركة من دنيا الناس ، وتوالت على أهل كل بيت المصيبة بعد الأخرى ، وهذا خلاف ما هو مشاهد ، وخلاف ما جرت به سنة الله في خلقه ، وكم من كبير مات ، فتنعم أهله من بعده ، إما بمال تركه لهم ، أو نعمة فتحت عليهم ، أو زواج امرأة ، أو نحو ذلك مما هو مشاهد معلوم .
ثم ما علاقة الأحياء بموت الكبير ، حتى يصيبهم من البلاء ما يذكره هذا القائل ، سواء أكان الميت صالحا ، أو طالحا ؛ وقد قال تعالى : ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الإسراء/ 15 .
إنما مصاب الناس حقيقة في موت صاحب العلم الذي يحرم الناس من علمه ، أو صاحب العبادة والطاعة ، والنفع المتعدي للناس : من جهاد في سبيل الله ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو صدقات وزكوات ، أو نحو ذلك ؛ وهذا كله لا تعلق له بصغير أو كبير ، إنما بحاله ، ونفعه للناس ، وبركته في الأرض ، فلا شك أن موت أمثال هؤلاء : نقصان خير وبركة ، وثلمة في دين الناس أو دنياهم ، وأعظم الناس مصابا بهم : المقربون منهم ؛ لكن ذلك ليس معناه أن تنزل عليهم مصيبة أخرى بعده ، إلا أن يعمل من بعده بعمل يستحقون به ذلك . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) رواه البخاري ( 100 ) ومسلم ( 2673 ) .
إِذَا مَا مَاتَ ذُو عِلْمٍ وَتَقْوَى ... فَقَدْ ثَلمَتْ مِنَ الإِسْلامِ ثُلْمَهْ
وَمَوْتُ الْعَادِلِ الْمَلِكِ الْمُوَلَّى ... لِحُكْمِ الْخَلْقِ مَنْقَصَةً وَقَصْمَهْ
وَمَوْتُ الْعَابِدِ الْمَرْضِيِّ نَقْصٌ ... فَفِي مَرْآهُ لِلأَسْرَارِ نَسْمَهْ
وَمَوْتُ الْفَارِسِ الضِّرْغَامِ هَدْمٌ ... فَكَمْ شَهَدَتْ لَهُ بِالنَّصْرِ عَزْمَهْ
وَمَوْتُ فَتَى كَثِيرِ الْجُودِ نَقْصٌ ... لأَنَّ بَقَاءَهُ فَضْلٌ وَنِعْمَهْ
فَحَسْبُكَ خَمْسَةٌ يُبْكَى عَلَيْهمْ ... وَمَوْتُ الْغَيْرِ تَخْفِيفٌ وَرَحْمَهْ
والله أعلم