فضل الدلالة على الخير في الإسلام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنَّ الدلالة على الخير في الإسلام لها فَضل عظيم، وهي واجب منوط بتنفيذه كل مسلِم قدر استطاعته، والدلالة على الخير لها شقَّان: توجيه النَّاس للخير، وتحذيرهم ونصيحتهم ومنعهم من الشرِّ، فمِن أُسس ودعائم الدلالة على الخير الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر،
قال الله تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
[آل عمران: 110]،
وفي تفسير الآية الكريمة يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "يَمدح الله تعالى هذه الأمَّة، ويُخبر أنَّها خير الأمَم التي أخرجها الله للنَّاس؛ وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكلِّ ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكر المتضمِّن دعوة الخَلق إلى الله، وجهادهم على ذلك، وبَذْل المستطاع في ردِّهم عن ضلالهم وغيِّهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خيرَ أمَّة أخرجَت للناس"؛ (تفسير السعدي).
الدلالة على الخَير تتيسَّر لكلِّ مسلم على حسب صفاء نيَّته، وعلوِّ عزيمته، وهي توطِّد العلاقة بين المسلمين في المجتمع المسلِم، وتُعلِي رايةَ الإسلام في المجتمعات غير المسلمة، وتبيِّن النهج العظيم للشريعة الإسلامية في جلب المنافع، وتبرِز الأثَر الشريف لدين الله الكريم في دَرء المفاسد، وأعظم السُّبل للدلالة على الخير هي الدَّعوة إلى الله تعالى بنوعَيها: توعية المسلمين وتعليمهم سبل الصلاح، والطريق إلى الفلاح والإصلاح، وتنبيه غَير المسلمين للعقيدة الصَّحيحة؛ لكي يتَّبعوا الإسلام، ويَسيروا على نَهجه، وكل مسلِم يَنبغي له إدراك هذا الأمر، فيسخِّر قدراته وعِلمه وإمكانيَّاته للدَّعوة إلى الله سبحانه، وإلى الدلالة على الخير لوجه الله الكريم، ويطوِّع ما يملِك، ويسلك كلَّ مسلَك للبحث عن السُّبل؛ ليكون في زمرة الصَّالحين، ويسير في صحبة المصلِحين.
الدلالة على الخير لها أجرٌ كبير، ومقام كريم، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفضلَ في كثير من الأحاديث النبويَّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله وملائكتَه وأهلَ السَّموات والأرض، حتى النَّملة في جُحرها، وحتى الحوت، لَيُصَلُّونَ على معلِّم النَّاس الخيرَ))؛ رواه الترمذي وصحَّحه الألباني، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بَلِّغوا عنِّي ولو آيةً))؛ (البخاري)، وعن أنس بن مالكٍ رضي الله تعالى عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الدالَّ على الخير كفاعلِه))؛ رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني في "صحيح الترمذي"، وعن جرير بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فعُمل بها بعده، كُتب له مثلُ أجر من عمل بها، ولا يَنقُصُ من أُجورهم شيءٌ، ومن سنَّ في الإسلام سنَّةً سيِّئةً فعُمل بها بعده، كُتب عليه مثلُ وِزر مَن عمل بها، ولا يَنقُصُ من أوزارهم شيءٌ))؛ رواه مسلم.
وفي هذا الصدد قال المناوي رحمه الله تعالى: "ومن تأمَّل هذا المعنى ورُزق التوفيق، انبعثَت همَّته إلى التعليم، ورغب في نَشر العلم؛ ليتضاعف أجرُه في الحياة وبعد الممات على الدوام، ويكف عن إحداث البِدَع والمظالم؛ من المكوس وغيرها؛ فإنَّها تضاعف عليه السيئات بالطريق المذكور، ما دام يَعمل بها عاملٌ، فليتأمَّل المسلم هذا المعنى، وسعادة الدالِّ على الخير، وشقاوة الدالِّ على الشرِّ"؛ (فيض القدير: 6 / 127).
الدلالة على الخير تتحقَّق بتعليم الناس أسسَ الشريعة الإسلاميَّة، وبإحياء السنَن النبويَّة، وبمشاركتهم والتعاون معهم في كلِّ خير، والسَّعي لتجنُّبهم سبُل الشرِّ، والمسلم يكون دالًّا على الخير في بَيته، وفي عمله، وفي الطريق، ليكون القرب من الله تعالى نُصب عينيه، فيَحظى بشرف محبَّة الله الكريم، ويجنِّبه الله تعالى السوءَ في الدَّارين.
نسأل الله تعالى أن يَرزقنا نعمةَ الدلالة على الخير، وأن يمنَّ علينا بصحبة أهل الخير، وأن نكون أهلًا لكلِّ خير.
والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتَّبعه بإحسان إلى يوم الدين.