الطب المصري القديم
بقلم
عبد العزيز اللبدي
doctor
Share on facebook Share on twitter Share on email Share on print More Sharing Services 0
تدل الحفريات على استيطان مصر منذ أربعين ألف سنة، وفي الألف الرابعة قبل الميلاد تكونت ملامح دول في أعالي النيل والدلتا كان لها ملوك يحكمونها وينظمون أمورها. وفي الألف الثالثة، تم توحيد مصر في عهد مينا الذي أسس العاصمة ممفيس وساد الإله رع وبأنه الإله حورس. وفي عهد الملك جوسر تكرس حورس ابنا لرع وتأصلت في هذه الفترة قضية التقسيم الطبقي، وقويت طبقة الكهنة، وتطورت قنوات الري والسدود والتجارة مع البلدان المحيطة. وفي هذه الفترة عاش الطبيب امحوتب 3800 ق.م.(1). الذي كان سياسياً ومهندساً معمارياً فهو الذي بنى هرم سقارة المدرج وهو ابن الإله بتاح وكان له معبد في ممفيس حيث كان يتعلم الأطباء. ويعتقد أنه كاتب بردية أدوين سميث (3000 – 2500 ق.م.) أقدم مخطوطة طبية وصلتنا. وقد أُلِّه امحوتب لاحقاً كإله للشفاء وخصصت له ثلاثة معابد على الأقل في منف وطيبة وفيلة(2) حيث كان الكهنة يدرسون الطب ويعالجون المرضى. ويمكن بالتالي اعتبار هذه المعابد أول جامعات طبية أو أول مستشفيات جامعية. وقد أحدثت هذه البردية – أدوين سميث – انقلاباً في المفاهيم السائدة عن الطب المصري القديم إذ اعتبرت "أول كتاب جراحي في العالم"(3). وقدمت هذه البردية "أول دليل على وجود طب منطقي عقلي أساسه الخبرة والملاحظة وعلم تشريح سليم"(4). وقد اعتمدت أساليب علمية تقترب من الأساليب العصرية فقد استندت على معلومات جراحية غير متوافرة في ذلك الزمن، وعلى فحص دقيق يدل على معرفة بالتشريح والتشريح السطحي بالإضافة إلى وظائف الأعضاء وعرفت الأجهزة المختلفة وعلاقة أجزائها ببعضها وربط بين ظواهر متلازمة في أجزاء متباعدة من الجسم تكون منها صورا اكلي*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*ية مميزة. وبعد تتبع مراحل المرض والتشخيص والعلاج لكل مرحلة، كان الطبيب ينتقل إلى التوجه وكيفية تصور المرض والشفاء. وكانت مدارس خاصة للتدريس تسمى بيرعنخ أي بيوت الحياة، ملحقة بالمعابد تدرس فيها العلوم الطبية والنباتات الطبية. وتحتوي البردية أيضاً على وصف للمعدات الجراحية التي كانت تستعمل، من الأربطة المختلفة وطرق عملها إلى الجبائر والفتائل والأربطة اللاصقة والكي، بالإضافة إلى الخياطة التي كانت معروفة في ذلك الزمن. وتحتوي البردية أيضاً بعض التعاويذ وخاصة لإبعاد الطاعون السنوي، أما بردية كاهون التي ترجع إلى عام 1950 ق.م.(5) فتتكون من قسم طبي وقسم بيطري وقسم خاص بحل المسائل الحسابية. أما القسم الطبي فيقع في ثلاث صفحات ولم تتضمن أشياء جراحية بل وصفاً للأدوية وصفحة منها للنساء وتشخيص العقيمات والتكهن بجنس الجنين. وتعتبر بردية ايبرز والتي يبلغ طولها 7,4متر أضخم لفافة عثر عليها تعود لعام 1550 ق.م. وفيها وصف ل877 مرضاً وفيها كيفية التشخيص وبعضها مقرون بالعلاج وبعضها إشارات علاجية مخصصة(6). فيها مثلا تشخيص دقيق للفتق الأربي Inguinal Hernia وتميزها عن الورم الشرياني. ويذكر في نهاية الفقرة أنه سيعالج الفتق ولكنه لا يذكر كيف(7) كما تذكر الأمراض الباطنية وعلاجها ووصفات لأمراض العيون وأمراض الجلد وأمراض الأطراف ووصف لأمراض النساء وعلاجها وفصل خاص عن القلب والشرايين، ويذكر النبض أيضاً وأهميته في التشخيص وكذلك الأمراض الجراحية وخاصة الأورام وعلاج للأسنان المسوسة بحشوها بخليط من كاربونات النحاس والصمغ ومواد أخرى. وتعود بردية برلين إلى الأسرة التاسعة عشرة 1300 ق.م وفيها تكرار ما ورد في برديات أخرى وبها عن الروماتزم وفصل عن الأوعية. وبردية لندن وفيها مجموعة تعاويذ تعود إلى عهد الأسرة التاسعة عشرة 1300 ق.م. وبردية شستر بيتي Chester Beaty لنفس الأسرة وموجودة في المتحف البريطاني، وبردية كارلزبرغ في كوبنهاغن تعود إلى 1200 ق.م. ومتخصصة في طب العيون وبردية ليدن وفيها عن الوقاية من الأمراض المعدية وانتشار العدوى وبردية هرست في كاليفورنيا وبرديات أخرى من عصور متأخرة بالقبطية. وتذكر البرديات الكثير من العقاقير الطبية من النباتات المختلفة وخاصة زيت الخروع، الانتس والابنوس وبذكر الكتان كما جاء عنه في بردية ايبرز 690. "إذا ما نقعت جذوره في الماء حتى تذوب، ووضعت على رأس المريض فإنه يشفى في الحال كما لم يكن مريضاً من قبل فإذا كانت الشكوى من عسر الهضم فدع المريض يمضغ بعضاً منها من ثماره مع الجعة فيطرد هذا المرض من جوفه. ولنمو شعر المرأة تدق ثماره وتعجن حتى تصير كتلة يجب على المرأة أن تنقعه في الزيت وتدهن رأسها بها"(. ووصفات حيوانية مكونة من العسل والشمع والشحم والكبد والدم وأجزاء من الحيوانات وروث الحيوانات ووصفات معدنية: جير مطفأ، رصاص كهرمان، كربونات الصوديوم، وجميع الوصفات هي من ابتكار الإله رع. كان للأدوية عند المصريين القدماء مكانة خاصة فاهتموا بدراستها، وكان لهم مدارس خاصة تسمى بيرعنخ أي بيوت الحياة ملحقة بالمعابد تدرس فيها العلوم والنباتات الطبية من حيث صفاتها وزراعتها وأنسب الأوقات لجمع العقاقير منها، وكذلك العقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية وكيفية استخلاصها وفوائدها في علاج الأمراض وكيفية تحضير الأدوية منها وتجهيزها في أشكال صيدلية مختلفة للاستعمال من الباطن ومن الظاهر، مما يدل على أنهم كانوا على معرفة بينة بتركيب الدواء وكان لهم فيها مهارة خاصة، وقد تخرج من هذه المدارس أخصائيون في مختلف الفروع الطبية وقد ورد في البرديات الطبية أنهم كانوا يجهزون الأدوية على هيئة أمزجة سائلة. وكان الكهنة المعروفين باسم Sinu سنو هم الذين يحضرون الأدوية في أماكن خاصة من المعابد تسمى Asit آست(9). والبرديات غنية بالمعلومات التشريحية للإنسان وبها وصف دقيق وتسمية لسائر أعضاء الجسم والهيكل العظمي والعضلات. - وصف لأغشية الدماغ – آلام الجافية وآلام الحنون. - وصف القلب وحركاته – النبض وأهميتها في التشخيص. - ذكر الغدة الدرقية. - ذكر الكبد. - ذكر الرئتين . وقد تم تحديد أسباب المرض داخلية وخارجية أرواح شريرة وغضب الآلهة، بالإضافة إلى سوء التغذية والديدان والهواء ومعرفة الأمراض المعدية التناسلية وعدواها. أما بخصوص كل الأمراض الارتشاحية التي تدخل العين آتية من الأعضاء التناسلية فإن ذلك نتيجة لنفس النشاط عند الكاهن فالقلب هو الذي يسبب دخولها في أوعيته، وهي تغلي في كل لحمه والقلب وأوعيته تقف عنده بسبب ذلك(10). وقد عرف التخدير الموضعي بحجر منف الممزوج بالخل وعرف الأفيون، أما في الجراحة فبالإضافة إلى عملية الختان الروتينية والتي لم يكن الطبيب يجريها بل الكاهن، فقد عرفت عمليات التربنة(11) Trepanation وعمليات التراكيوتومي(12) Tracheotomy وتقويم خلع الفك وتجبير الكسور واستئصال الأورام والكي ويذكر هيرودوت أن الشفاء كان منقسماً إلى أقسام كل طبيب يختص بقسم منها فهناك طبيب العيون وطبيب الرأس وطبيب الاضطرابات الداخلية والأسنان والجراحة واللفائف والعقاقير(13). وقد كانت المهنة مقسمة تقسيماً دقيقاً فهناك كبير أطباء القصر، أي وزير الصحة وطبيب للوجه القبلي وآخر للوجه البحري بالإضافة إلى أطباء الجيش. ولم يكن الأطباء وحدهم يمارسون الطب فقد ورد في أحد اللفائف "إذا وضع كاهن الإله شخمت أو الطبيب أو الساحر يده على المريض وقفاه وأعضائه و.. فإنه يعرف بهذا مرضه"(14) . فقد كان الطب مرتبطاً بالآلهة والتعاويذ والسحر وكانت التعاويذ تتلى عند جميع العلاجات. إن ما وصلنا عن الطب المصري يعد أقدم ما وصلنا عن الطب في العلوم بالإضافة إلى بلاد ما بين النهرين، أما أسقلا بيوس أول طبيب يوناني مشهور فيرجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد(15). وكذلك الطب الهندي وليس هناك معلومات عن الطب في الجزيرة العربية بالرغم من ازدهار الحضارات في اليمن السعيد وفي مناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية، وقد انتقل الطب المصري القديم عن طريق اليونان إلى العالم، فأبوقراط درس في ممفيس ومنف وشكلت الإسكندرية في القرون المتأخرة منارة إشعاع للعلوم المصرية إلى العالم.
المراجع
1- الدور العربي في منظمة الصحة العالمية – المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية – الكويت. 2-
د. بول غليونجي الطب عند قدماء المصريين – مؤسسة المعارف للطباعة والنشر – بيروت ص 104. 3- ديتلف روستر DETLEF RUSTER, ALTE CHIRURGIE P.10 VEB VERLAG – VOLK: UND GESUNDHEIT BERLIN – DDR – 1985. 4- د. بول غليونجي المصدر السابق ص72. 5- المصدر السابق ص 62. 6- المصدر السابق ص 67. 7- المصدر السابق ص 67. 8- محمد عبد الحميد بسيوني الفراعنة والطب الحديث ص32 دار المعارف – القاهرة. 9- د. علي عبد الله الدفاع/ إسهام علماء العرب والمسلمين في الصيدلة ص 78 منشورات الرسالة – بيروت. 10- محمد عبد الحميد بسيوني الفراعنة والطب الحديث ص 84. 11- د. بول غليونجي الطب عند قدماء المصريين ص 150 . 12- د. بول غليونجي الطب عند قدماء المصريين ص 148. 13- محمد عبد الحميد بسيوني الفراعنة والطب الحديث – دار المعارف في القاهرة ص 45. 14- د. بول غليونجي الطب عند قدماء المصريين ص 98. 15- د. بول غليونجي المصدر السابق ص 53.
بقلم
عبد العزيز اللبدي
doctor
Share on facebook Share on twitter Share on email Share on print More Sharing Services 0
تدل الحفريات على استيطان مصر منذ أربعين ألف سنة، وفي الألف الرابعة قبل الميلاد تكونت ملامح دول في أعالي النيل والدلتا كان لها ملوك يحكمونها وينظمون أمورها. وفي الألف الثالثة، تم توحيد مصر في عهد مينا الذي أسس العاصمة ممفيس وساد الإله رع وبأنه الإله حورس. وفي عهد الملك جوسر تكرس حورس ابنا لرع وتأصلت في هذه الفترة قضية التقسيم الطبقي، وقويت طبقة الكهنة، وتطورت قنوات الري والسدود والتجارة مع البلدان المحيطة. وفي هذه الفترة عاش الطبيب امحوتب 3800 ق.م.(1). الذي كان سياسياً ومهندساً معمارياً فهو الذي بنى هرم سقارة المدرج وهو ابن الإله بتاح وكان له معبد في ممفيس حيث كان يتعلم الأطباء. ويعتقد أنه كاتب بردية أدوين سميث (3000 – 2500 ق.م.) أقدم مخطوطة طبية وصلتنا. وقد أُلِّه امحوتب لاحقاً كإله للشفاء وخصصت له ثلاثة معابد على الأقل في منف وطيبة وفيلة(2) حيث كان الكهنة يدرسون الطب ويعالجون المرضى. ويمكن بالتالي اعتبار هذه المعابد أول جامعات طبية أو أول مستشفيات جامعية. وقد أحدثت هذه البردية – أدوين سميث – انقلاباً في المفاهيم السائدة عن الطب المصري القديم إذ اعتبرت "أول كتاب جراحي في العالم"(3). وقدمت هذه البردية "أول دليل على وجود طب منطقي عقلي أساسه الخبرة والملاحظة وعلم تشريح سليم"(4). وقد اعتمدت أساليب علمية تقترب من الأساليب العصرية فقد استندت على معلومات جراحية غير متوافرة في ذلك الزمن، وعلى فحص دقيق يدل على معرفة بالتشريح والتشريح السطحي بالإضافة إلى وظائف الأعضاء وعرفت الأجهزة المختلفة وعلاقة أجزائها ببعضها وربط بين ظواهر متلازمة في أجزاء متباعدة من الجسم تكون منها صورا اكلي*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*ية مميزة. وبعد تتبع مراحل المرض والتشخيص والعلاج لكل مرحلة، كان الطبيب ينتقل إلى التوجه وكيفية تصور المرض والشفاء. وكانت مدارس خاصة للتدريس تسمى بيرعنخ أي بيوت الحياة، ملحقة بالمعابد تدرس فيها العلوم الطبية والنباتات الطبية. وتحتوي البردية أيضاً على وصف للمعدات الجراحية التي كانت تستعمل، من الأربطة المختلفة وطرق عملها إلى الجبائر والفتائل والأربطة اللاصقة والكي، بالإضافة إلى الخياطة التي كانت معروفة في ذلك الزمن. وتحتوي البردية أيضاً بعض التعاويذ وخاصة لإبعاد الطاعون السنوي، أما بردية كاهون التي ترجع إلى عام 1950 ق.م.(5) فتتكون من قسم طبي وقسم بيطري وقسم خاص بحل المسائل الحسابية. أما القسم الطبي فيقع في ثلاث صفحات ولم تتضمن أشياء جراحية بل وصفاً للأدوية وصفحة منها للنساء وتشخيص العقيمات والتكهن بجنس الجنين. وتعتبر بردية ايبرز والتي يبلغ طولها 7,4متر أضخم لفافة عثر عليها تعود لعام 1550 ق.م. وفيها وصف ل877 مرضاً وفيها كيفية التشخيص وبعضها مقرون بالعلاج وبعضها إشارات علاجية مخصصة(6). فيها مثلا تشخيص دقيق للفتق الأربي Inguinal Hernia وتميزها عن الورم الشرياني. ويذكر في نهاية الفقرة أنه سيعالج الفتق ولكنه لا يذكر كيف(7) كما تذكر الأمراض الباطنية وعلاجها ووصفات لأمراض العيون وأمراض الجلد وأمراض الأطراف ووصف لأمراض النساء وعلاجها وفصل خاص عن القلب والشرايين، ويذكر النبض أيضاً وأهميته في التشخيص وكذلك الأمراض الجراحية وخاصة الأورام وعلاج للأسنان المسوسة بحشوها بخليط من كاربونات النحاس والصمغ ومواد أخرى. وتعود بردية برلين إلى الأسرة التاسعة عشرة 1300 ق.م وفيها تكرار ما ورد في برديات أخرى وبها عن الروماتزم وفصل عن الأوعية. وبردية لندن وفيها مجموعة تعاويذ تعود إلى عهد الأسرة التاسعة عشرة 1300 ق.م. وبردية شستر بيتي Chester Beaty لنفس الأسرة وموجودة في المتحف البريطاني، وبردية كارلزبرغ في كوبنهاغن تعود إلى 1200 ق.م. ومتخصصة في طب العيون وبردية ليدن وفيها عن الوقاية من الأمراض المعدية وانتشار العدوى وبردية هرست في كاليفورنيا وبرديات أخرى من عصور متأخرة بالقبطية. وتذكر البرديات الكثير من العقاقير الطبية من النباتات المختلفة وخاصة زيت الخروع، الانتس والابنوس وبذكر الكتان كما جاء عنه في بردية ايبرز 690. "إذا ما نقعت جذوره في الماء حتى تذوب، ووضعت على رأس المريض فإنه يشفى في الحال كما لم يكن مريضاً من قبل فإذا كانت الشكوى من عسر الهضم فدع المريض يمضغ بعضاً منها من ثماره مع الجعة فيطرد هذا المرض من جوفه. ولنمو شعر المرأة تدق ثماره وتعجن حتى تصير كتلة يجب على المرأة أن تنقعه في الزيت وتدهن رأسها بها"(. ووصفات حيوانية مكونة من العسل والشمع والشحم والكبد والدم وأجزاء من الحيوانات وروث الحيوانات ووصفات معدنية: جير مطفأ، رصاص كهرمان، كربونات الصوديوم، وجميع الوصفات هي من ابتكار الإله رع. كان للأدوية عند المصريين القدماء مكانة خاصة فاهتموا بدراستها، وكان لهم مدارس خاصة تسمى بيرعنخ أي بيوت الحياة ملحقة بالمعابد تدرس فيها العلوم والنباتات الطبية من حيث صفاتها وزراعتها وأنسب الأوقات لجمع العقاقير منها، وكذلك العقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية وكيفية استخلاصها وفوائدها في علاج الأمراض وكيفية تحضير الأدوية منها وتجهيزها في أشكال صيدلية مختلفة للاستعمال من الباطن ومن الظاهر، مما يدل على أنهم كانوا على معرفة بينة بتركيب الدواء وكان لهم فيها مهارة خاصة، وقد تخرج من هذه المدارس أخصائيون في مختلف الفروع الطبية وقد ورد في البرديات الطبية أنهم كانوا يجهزون الأدوية على هيئة أمزجة سائلة. وكان الكهنة المعروفين باسم Sinu سنو هم الذين يحضرون الأدوية في أماكن خاصة من المعابد تسمى Asit آست(9). والبرديات غنية بالمعلومات التشريحية للإنسان وبها وصف دقيق وتسمية لسائر أعضاء الجسم والهيكل العظمي والعضلات. - وصف لأغشية الدماغ – آلام الجافية وآلام الحنون. - وصف القلب وحركاته – النبض وأهميتها في التشخيص. - ذكر الغدة الدرقية. - ذكر الكبد. - ذكر الرئتين . وقد تم تحديد أسباب المرض داخلية وخارجية أرواح شريرة وغضب الآلهة، بالإضافة إلى سوء التغذية والديدان والهواء ومعرفة الأمراض المعدية التناسلية وعدواها. أما بخصوص كل الأمراض الارتشاحية التي تدخل العين آتية من الأعضاء التناسلية فإن ذلك نتيجة لنفس النشاط عند الكاهن فالقلب هو الذي يسبب دخولها في أوعيته، وهي تغلي في كل لحمه والقلب وأوعيته تقف عنده بسبب ذلك(10). وقد عرف التخدير الموضعي بحجر منف الممزوج بالخل وعرف الأفيون، أما في الجراحة فبالإضافة إلى عملية الختان الروتينية والتي لم يكن الطبيب يجريها بل الكاهن، فقد عرفت عمليات التربنة(11) Trepanation وعمليات التراكيوتومي(12) Tracheotomy وتقويم خلع الفك وتجبير الكسور واستئصال الأورام والكي ويذكر هيرودوت أن الشفاء كان منقسماً إلى أقسام كل طبيب يختص بقسم منها فهناك طبيب العيون وطبيب الرأس وطبيب الاضطرابات الداخلية والأسنان والجراحة واللفائف والعقاقير(13). وقد كانت المهنة مقسمة تقسيماً دقيقاً فهناك كبير أطباء القصر، أي وزير الصحة وطبيب للوجه القبلي وآخر للوجه البحري بالإضافة إلى أطباء الجيش. ولم يكن الأطباء وحدهم يمارسون الطب فقد ورد في أحد اللفائف "إذا وضع كاهن الإله شخمت أو الطبيب أو الساحر يده على المريض وقفاه وأعضائه و.. فإنه يعرف بهذا مرضه"(14) . فقد كان الطب مرتبطاً بالآلهة والتعاويذ والسحر وكانت التعاويذ تتلى عند جميع العلاجات. إن ما وصلنا عن الطب المصري يعد أقدم ما وصلنا عن الطب في العلوم بالإضافة إلى بلاد ما بين النهرين، أما أسقلا بيوس أول طبيب يوناني مشهور فيرجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد(15). وكذلك الطب الهندي وليس هناك معلومات عن الطب في الجزيرة العربية بالرغم من ازدهار الحضارات في اليمن السعيد وفي مناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية، وقد انتقل الطب المصري القديم عن طريق اليونان إلى العالم، فأبوقراط درس في ممفيس ومنف وشكلت الإسكندرية في القرون المتأخرة منارة إشعاع للعلوم المصرية إلى العالم.
المراجع
1- الدور العربي في منظمة الصحة العالمية – المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية – الكويت. 2-
د. بول غليونجي الطب عند قدماء المصريين – مؤسسة المعارف للطباعة والنشر – بيروت ص 104. 3- ديتلف روستر DETLEF RUSTER, ALTE CHIRURGIE P.10 VEB VERLAG – VOLK: UND GESUNDHEIT BERLIN – DDR – 1985. 4- د. بول غليونجي المصدر السابق ص72. 5- المصدر السابق ص 62. 6- المصدر السابق ص 67. 7- المصدر السابق ص 67. 8- محمد عبد الحميد بسيوني الفراعنة والطب الحديث ص32 دار المعارف – القاهرة. 9- د. علي عبد الله الدفاع/ إسهام علماء العرب والمسلمين في الصيدلة ص 78 منشورات الرسالة – بيروت. 10- محمد عبد الحميد بسيوني الفراعنة والطب الحديث ص 84. 11- د. بول غليونجي الطب عند قدماء المصريين ص 150 . 12- د. بول غليونجي الطب عند قدماء المصريين ص 148. 13- محمد عبد الحميد بسيوني الفراعنة والطب الحديث – دار المعارف في القاهرة ص 45. 14- د. بول غليونجي الطب عند قدماء المصريين ص 98. 15- د. بول غليونجي المصدر السابق ص 53.