شهادة الحجر الاسود
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ}وبوَّأ أي كشف وأظهر وكان البيت بعد طوفان نوح قد عفا عليه التراب وطمسه
فأظهر الله البيت لإبراهيم – كيف؟ أرسل سحابة استقرت فوق البيت وأمر
إبراهيم أن يخطط علي ظلها جدران هذا البيت ثم أظهر الله له الأساس بأن
أرسل ريحاً حملت الأحجار والأتربة التي تراكمت علي أساس البيت
.. حتى ظهر أساس البيت الذي بنته ملائكة الله في
البدء ورفع إبراهيم الأساس ولما ارتفع الأساس وأصبح علي ظهر الأرض أمره
الله أن يجعل هذه الزمردة التي أتي بها جبريل من الجنة في ركن من أركان
البيت لتكون علامة يبدأ منها الطائفون حول البيت وقد ذهب سيدنا عمر بن
الخطاب يوماُ إلي هذا الحجر وقبله وأراد أن يبين ما فيه لمن حوله فقال {إني أعلمُ أنكَ حجرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنفعُ ولولا أني رأيتُ النبيَّ يقبِّلُكَ ما قبَّلْتُكَ}[1] فقال الإمام علي {بلى إنه يضر وينفع وإن الله لما أخذ المواثيق على بني آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى كتب ذلك في كتاب وأودعه الحجر الأسود فهو يشهد بما فيه }[2]
وكما قلنا فإنه ياقوتة من الجنة[3]ولذلك
لا تؤثر فيه حرارة الشمس ولو ألقي في النار لا تؤثر فيه، ولا يسخن، ولا
يغطس أو يغرق في الماء، إذا ألقي فيه وإنما يطفو وهي خاصية لا توجد إلا في
هذا الحجر
وهي علاماته ولذلك عندما سرقه القرامطة من قبل ودولة القرامطة كان منها
على الإسلام مصائب هائلة وكان ابتداء أمرهم سنة 278 في خلافة المعتمد
واستمر حوالي مائة سنة.
وأول من ظهر منهم رجل قدم من خورستان إلى الكوفة ومرض بها فمرضه رجل يقال له " كرميته " لحمرة عينيه وهو بالنبطية اسم لحمرة العين فلما شفي من مرضه سمي باسم ذلك الرجل كرميته ثم حُرِف فقالوا قرمط ثم القرامطة
وعندما قوت شوكتهم جاءوا يوم عرفة سنة 317
والمسلمون على عرفات ولا يوجد إلا نفر قليل حول البيت الحرام فقتلوهم
وارتكبوا فظائع جمة واقتلعوا الحجر
وأخذوه إلي هجر أو حضرموت ليضعوه في بيت بنوه هناك وقد حمله خلال هذه
المسافة أربعون جملاً فكلما حمله جمل ومشي به قليلاً يموت فيأتون بآخر
وهكذا حتى وصلوا الألف جمل
وقد أبتلى الله الرجل الذي تولى كبر أمرهم ويدعى أبو
طاهر الخبيث بالآكلة فصار يتناثر لحمه بالدود وتقطعت أوصاله وطال عذابه
ومات أشقى ميتة ولعذاب الآخرة أشد وأبقى وظل الحجر في حوزتهم ثلاثة وعشرين سنة كما يُروى ثم ساومهم بعد ذلك الخليفة العباسي من أجل الحجر
وجاءوا بالحجر فأشار عليه من حوله أنه ربما قد جاءوا بحجر يشابهه فجمع
العلماء فقالوا: أن له صفات أعلمنا بها سيد السادات صلي الله عليه وسلم
قال ما هذه الصفات؟قالوا لا يسخن إذا ألقي في النار ولا يغطس إذا ألقي في
الماء قال أحضروا الحجر فاختبروه فعلموا أنه الحجر الذي نزل به جبريل للخليل
فقال زعيم القرامطة: إن ديناً بلغ به الأمر أن يضع حتى
علامات للحجر فلا يستطيع أحد تغييره ولا تبديله لهو الدين الحق هذا
بالإضافة إلي أن هذا الحجر
به كاميرا نورانية ربانية تسجل من يمر أمامه أو يشير إليه منذ وضع إلي يوم
الدين وسيأتي يوم القيامة كما قال صلي الله عليه وسلم في شأنه في أحاديث
عدة {يبعث الله الحجر
الأسود يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان طلق يشهد لمن استلمه
بالوفاء}[4] { يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ أُحُدٍ يَشْهَدُ
لِمَنِ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا}[5] وهذه عظمة من يقول للشيء كن فيكون وهذا الحجر به العهد والميثاق وهي شهادة
الضمان التي أخرجها الرحمن لعباد الرحمن بأن عندهم قلب سليم وروح هفافة
شفافة وسر يطلع علي العوالم العلوية وروح تواجه رب البرية إذا حافظ
الإنسان علي هذا الصفاء وعلي هذا النقاء.
[1] عن عُمرَ صحيح البخاري
[2] حدث به بن العربى في عارضة الأحوذى.
[3] إشارة إلى قوله {الْحَجَرُ الأَسْوَدُ يَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ
يَاقُوتِ الْجَنَّةِ} ابن خزيمة عن ابن عبَّاسٍ (جامع الأحاديث والمراسيل)
[4] المحدث أبو نعيم عن عبد الله بن عباس المصدر : حلية الأولياء.
[5] ابن خزيمة عن ابن عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا. (جامع الأحاديث والمراسيل)