إني أخاف أن لا يُعتد بأعمالي الصالحة يوم القيامة ،
فألقى في النار ، فقد سمعت قصة تقول : إن شاباً كان له أمّ ، قضّى حياته
في خدمتها والاعتناء بها ، فكان ينظفها ويغسلها ويلبي جميع احتياجاتها ، ثم
في يوم من الأيام قال في نفسه : إذا ماتت فإني لن أكترث لذلك ( أو ما شابه
ذلك من اللفظ )، فأتى يوم القيامة فألقاه الله في نار جهنم .
أخاف أن أكون قد قلت أو نويت شيئاً سيئاً فيحبط به عملي يوم القيامة .
أرجو المساعدة ، وما هو الفهم الصحيح في مثل هذه المسائل ، إجابتكم قد تغير
حياتي تماماً ، فأرجو تزويدي بالعلم الصحيح لكي أسير على النهج الذي يرضي
الله تعالى ؟
الجواب :
الحمد لله
الخوف من حبوط العمل وسوء الحساب يوم القيامة واحد من أعظم أعمال القلوب التي
أقضَّت مضاجع الصالحين ، وأرَّقت منام الأولياء المتقين ، وسالت لأجلها دموع
العابدين الذين وصف الله عز وجل قلوبهم بالوجل ، وزكاهم بالمسارعة إلى خير العمل ،
وذلك في قوله عز وجل : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ
أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) المؤمنون/60-61
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ
: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قَالَتْ عَائِشَةُ
: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : لَا يَا بِنْتَ
الصِّدِّيقِ ! وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ
وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ
فِي الْخَيْرَاتِ )
رواه الترمذي (رقم/3175) وصححه ابن كثير في " تفسير القرآن العظيم " (1/176)
ومع ذلك لم يتحول الخوف – لدى هؤلاء – إلى هاجس يضعف عن العمل ، أو قنوط ووسواس
يخالف في مضمونه العشرات من آيات الرجاء في القرآن الكريم .
ألم تسمع قول الله عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ
تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء/70.
وقوله تعالى : ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ ) القصص/84.
وقوله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا
نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا . أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا
عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) الكهف/30-31.
ويقول سبحانه : ( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) يوسف/90
فالواجب على المسلم أن يؤمن – إيماناً حقيقياً يظهر
أثره في الجوارح والقلوب - بعدل الله وكرمه ، وأنه سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من
أحسن عملاً ، ولا يظلم مثقال ذرة ، بل يجازي بالإحسان إحساناً ، وبالإساءة عفواً
وصفحاً وغفراناً لمن يشاء عز وجل .
ولتسمع ـ يا عبد الله ـ إلى خطاب ربك لنا ، وخبره الصادق عن نفسه سبحانه ، الذي
يخاطب العقول والقلوب معا : ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ
وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ) النساء/174 .
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره لذلك :
" أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ
بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ } ؛ والحال أن الله شاكر عليم. يعطي
المتحملين لأجله الأثقال ، الدائبين في الأعمال : جزيل الثواب وواسع الإحسان . ومن
ترك شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه .
ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم ، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق ، وضد ذلك .
وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه ، فإذا أنبتم إليه : فأي شيء يفعل
بعذابكم ؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم ، ولا ينتفع بعقابكم ؛ بل العاصي لا يضر إلا نفسه
، كما أن عمل المطيع لنفسه .
والشكر : هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله ، وثناء اللسان على المشكور ، وعمل
الجوارح بطاعته ، وأن لا يستعين بنعمه على معاصيه" انتهى من "تفسير السعدي" (211) .
وقد كان الخوف من سوء الحساب وحبوط العمل أهم أسباب
صلاح الأرض وعمارتها بالعمل الصالح والأخلاق الفاضلة ، كما نص على ذلك في القرآن
الكريم في الآية السابقة في قوله عز وجل : ( أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) المؤمنون/60-61
وأشار إليه مرة أخرى أيضاً حين قرن الخوف من سوء الحساب يوم القيامة بصلة الأرحام
والفقراء وأهل الحاجات ، وذلك في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ
اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ )
الرعد/21.
ولذلك ورد عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال : " من خاف الله دلَّه الخوفُ على
كل خير " انتهى.
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله – بعد أن قسم الخوف
إلى ثلاثة أحوال: اعتدال، وتقصير، وإفراط - :
" وأما المُفْرِط فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج إلى اليأس والقنوط ،
وهو مذموم أيضاً ؛ لأنه يمنع من العمل ، وقد يَخرُج الخوف أيضاً إلى المرض والضعف ،
وإلى الوله والدهشة وزوال العقل ، فالمراد من الخوف هو المراد من السوط ، وهو الحمل
على العمل ، ولولاه لما كان الخوف كمالا .... فما يخرج إلى القنوط فهو مذموم ، وهو
كالضرب الذي يقتل الصبي ، والسوط الذي يُهلك الدابة أو يمرضها أو يكسر عضواً من
أعضائها ، وإنما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم أسباب الرجاء وأكثر منها ليعالج
به صدمة الخوف المفرط ، المفضي إلى القنوط ، أو أحد هذه الأمور .
فكل ما يراد لأمر : فالمحمود منه ما يفضي إلى المراد المقصود منه ، وما يقصر عنه أو
يجاوزه فهو مذموم .
وفائدة الخوف الحذر ، والورع ، والتقوى ، والمجاهدة ، والعبادة ، والفكر ، والذكر ،
وسائر الأسباب الموصلة إلى الله تعالى ، وكل ذلك يستدعى الحياة مع صحة البدن ،
وسلامة العقل ، فكل ما يقدح في هذه الأسباب فهو مذموم " انتهى من " إحياء علوم
الدين " (4/157-158).
فالحاصل أن الشريعة تأمرك أن توازن بين الخوف والرجاء
، وتعتدل بين الخشية والأمل ، فلا تغلب أحدهما على الآخر ، بل تسير بهما إلى الله
سير الطائر ذي الجناحين ، ولا يستزلنك الشيطان فيضعف فيك جانب الرجاء ، وينسيك
الأدلة المتواترة في الكتاب والسنة الدالة على سعة كرم الله وجوده ، وأن العمل
الصالح المخلص اليسير قد يكون كافيا لدخول الجنة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ :
( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ
فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ )
رواه مسلم (رقم/1914)
وانظر جواب السؤال رقم : (125618)
والله أعلم .
فألقى في النار ، فقد سمعت قصة تقول : إن شاباً كان له أمّ ، قضّى حياته
في خدمتها والاعتناء بها ، فكان ينظفها ويغسلها ويلبي جميع احتياجاتها ، ثم
في يوم من الأيام قال في نفسه : إذا ماتت فإني لن أكترث لذلك ( أو ما شابه
ذلك من اللفظ )، فأتى يوم القيامة فألقاه الله في نار جهنم .
أخاف أن أكون قد قلت أو نويت شيئاً سيئاً فيحبط به عملي يوم القيامة .
أرجو المساعدة ، وما هو الفهم الصحيح في مثل هذه المسائل ، إجابتكم قد تغير
حياتي تماماً ، فأرجو تزويدي بالعلم الصحيح لكي أسير على النهج الذي يرضي
الله تعالى ؟
الجواب :
الحمد لله
الخوف من حبوط العمل وسوء الحساب يوم القيامة واحد من أعظم أعمال القلوب التي
أقضَّت مضاجع الصالحين ، وأرَّقت منام الأولياء المتقين ، وسالت لأجلها دموع
العابدين الذين وصف الله عز وجل قلوبهم بالوجل ، وزكاهم بالمسارعة إلى خير العمل ،
وذلك في قوله عز وجل : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ
أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) المؤمنون/60-61
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ
: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قَالَتْ عَائِشَةُ
: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : لَا يَا بِنْتَ
الصِّدِّيقِ ! وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ
وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ
فِي الْخَيْرَاتِ )
رواه الترمذي (رقم/3175) وصححه ابن كثير في " تفسير القرآن العظيم " (1/176)
ومع ذلك لم يتحول الخوف – لدى هؤلاء – إلى هاجس يضعف عن العمل ، أو قنوط ووسواس
يخالف في مضمونه العشرات من آيات الرجاء في القرآن الكريم .
ألم تسمع قول الله عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ
تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء/70.
وقوله تعالى : ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ ) القصص/84.
وقوله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا
نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا . أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا
عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) الكهف/30-31.
ويقول سبحانه : ( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) يوسف/90
فالواجب على المسلم أن يؤمن – إيماناً حقيقياً يظهر
أثره في الجوارح والقلوب - بعدل الله وكرمه ، وأنه سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من
أحسن عملاً ، ولا يظلم مثقال ذرة ، بل يجازي بالإحسان إحساناً ، وبالإساءة عفواً
وصفحاً وغفراناً لمن يشاء عز وجل .
ولتسمع ـ يا عبد الله ـ إلى خطاب ربك لنا ، وخبره الصادق عن نفسه سبحانه ، الذي
يخاطب العقول والقلوب معا : ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ
وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ) النساء/174 .
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره لذلك :
" أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ
بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ } ؛ والحال أن الله شاكر عليم. يعطي
المتحملين لأجله الأثقال ، الدائبين في الأعمال : جزيل الثواب وواسع الإحسان . ومن
ترك شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه .
ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم ، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق ، وضد ذلك .
وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه ، فإذا أنبتم إليه : فأي شيء يفعل
بعذابكم ؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم ، ولا ينتفع بعقابكم ؛ بل العاصي لا يضر إلا نفسه
، كما أن عمل المطيع لنفسه .
والشكر : هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله ، وثناء اللسان على المشكور ، وعمل
الجوارح بطاعته ، وأن لا يستعين بنعمه على معاصيه" انتهى من "تفسير السعدي" (211) .
وقد كان الخوف من سوء الحساب وحبوط العمل أهم أسباب
صلاح الأرض وعمارتها بالعمل الصالح والأخلاق الفاضلة ، كما نص على ذلك في القرآن
الكريم في الآية السابقة في قوله عز وجل : ( أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) المؤمنون/60-61
وأشار إليه مرة أخرى أيضاً حين قرن الخوف من سوء الحساب يوم القيامة بصلة الأرحام
والفقراء وأهل الحاجات ، وذلك في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ
اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ )
الرعد/21.
ولذلك ورد عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال : " من خاف الله دلَّه الخوفُ على
كل خير " انتهى.
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله – بعد أن قسم الخوف
إلى ثلاثة أحوال: اعتدال، وتقصير، وإفراط - :
" وأما المُفْرِط فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج إلى اليأس والقنوط ،
وهو مذموم أيضاً ؛ لأنه يمنع من العمل ، وقد يَخرُج الخوف أيضاً إلى المرض والضعف ،
وإلى الوله والدهشة وزوال العقل ، فالمراد من الخوف هو المراد من السوط ، وهو الحمل
على العمل ، ولولاه لما كان الخوف كمالا .... فما يخرج إلى القنوط فهو مذموم ، وهو
كالضرب الذي يقتل الصبي ، والسوط الذي يُهلك الدابة أو يمرضها أو يكسر عضواً من
أعضائها ، وإنما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم أسباب الرجاء وأكثر منها ليعالج
به صدمة الخوف المفرط ، المفضي إلى القنوط ، أو أحد هذه الأمور .
فكل ما يراد لأمر : فالمحمود منه ما يفضي إلى المراد المقصود منه ، وما يقصر عنه أو
يجاوزه فهو مذموم .
وفائدة الخوف الحذر ، والورع ، والتقوى ، والمجاهدة ، والعبادة ، والفكر ، والذكر ،
وسائر الأسباب الموصلة إلى الله تعالى ، وكل ذلك يستدعى الحياة مع صحة البدن ،
وسلامة العقل ، فكل ما يقدح في هذه الأسباب فهو مذموم " انتهى من " إحياء علوم
الدين " (4/157-158).
فالحاصل أن الشريعة تأمرك أن توازن بين الخوف والرجاء
، وتعتدل بين الخشية والأمل ، فلا تغلب أحدهما على الآخر ، بل تسير بهما إلى الله
سير الطائر ذي الجناحين ، ولا يستزلنك الشيطان فيضعف فيك جانب الرجاء ، وينسيك
الأدلة المتواترة في الكتاب والسنة الدالة على سعة كرم الله وجوده ، وأن العمل
الصالح المخلص اليسير قد يكون كافيا لدخول الجنة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ :
( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ
فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ )
رواه مسلم (رقم/1914)
وانظر جواب السؤال رقم : (125618)
والله أعلم .