عهد الدولة العثمانية
خرج السلطان سليم الاول بجيش من مائة وخمسين ألف مقاتل مسلّح بأحدث أسلحة زمانه من بنادق ومدافع، كما خرج جيش المماليك من القاهرة والتقى مع جيش العثمانيين في معركة مرج دابق شمال حلب يوم 24 أغسطس 1516، وبنتيجة المعركة حقق العثمانيون نصرًا حاسمًا فتح أمامهم أبواب بلاد الشام، فدخل السلطان حماه وحمص ثم دمشق يوم 26 سبتمبر 1516، وكان من فاتحة أعماله أن أمر بترميم الجامع الأموي ومنه أسبغ عليه للمرة الأولى لقب "خادم الحرمين الشريفين"،[47] وقد مكث السلطان سليم في دمشق قسطًا من الزمن ثم غادرها إلى مصر فملكها، ثم عاد إلى دمشق لتنظيم الشؤون الإدارية وأصبحت دمشق بموجب التقسيمات السلطانية مركز ولاية تشمل جنوب سوريا الكبرى وتضم سناجق نابلس والكرك وبيروت وصيدا وتدمر وطرابلس والقدس وصفد وغزة، وأقرّ جان بردي الغزالي واليًا عليها؛[48] وكذلك أمر السلطان بتشييد التكية السليمانية وترميم حي الصالحية، الذين لا يزالا ماثلين إلى اليوم، كأحد منجزات العثمانيين المعمارية المبكرة في سوريا، في عام 1571 تم الشروع ببناء مسجد درويش باشا في الشارع المستقيم ثم مسجد سنان باشا عام 1588 ويذكر أن حي الميدان كان قلب المدينة آنذاك؛ مع نهاية القرن السادس عشر كان عدد سكان المدينة حوالي 57,000 نسمة وسيبلغ العدد خلال القرن السابع عشر حوالي 80,000 نسمة.[49]
في عام 1520 توفي السلطان سليم وخلفه ابنه سليمان القانوني فانتهز الغزالي الفرصة وأعلن استقلاله من الجامع الأموي وخلع على نفسه لقب "الملك الأشرف" فأرسل السلطان سليمان حملة عسكرية بقيادة وزيره فرحات باشا في نوفمبر 1520، واشتبك الطرفان في القابون يوم 27 يناير 1521، وهزم بنتيجة معركة القابون الغزالي وقتل معظم قواده، ودمر ثلث دمشق وقراها وسُرح كبار الموظفين الدمشقيين وأسندت مهامهم إلى أتراك، كما فصلت طرابلس عن ولاية دمشق وأصبحت ولاية قائمة بذاتها.[48]
أوليت دمشق أهمية خاصة خلال زمن الدولة العثمانية ولقبت "بالشام الشريف"، وأصبحت ميناءً بريًا للقوافل التجارية بين مختلف مناطق الدولة، وكذلك نقطة عبور لقوافل الحج، في القرن السابع عشر زار دمشق الرحالة الفرنسي لوران دارفيو وكتب مشاهداته عن الحياة العمرانية والثقافية والاجتماعية في دمشق، ما شكّل سجلاً هامًا عن واقع الحياة في تلك الفترة؛ ومن ما كتبه أن سكّان دمشق يحبون العيش برفاهة واقتناء الآثاث الفاخر، وأن منازل المدينة توحي بالعظمة لروعتها، أما فيما يخصّ التجارة فقد كتب درافيو أن دمشق واحدة من الأسواق الرئيسية في الدولة العثمانية فهي محط القوافل التجارية القادمة من مكة والهند وبلاد فارس محملة بمختلف السلع، ومكان صناعة الداماس والحرير والبروكار والتفتا وغيرها من الأقمشة التي اشتهرت بها المدينة.[50]
وقد شهدت حركة البناء في المدينة آخر تجلياتها الشرقية في القرن الثامن عشر عبر ما يُعرف بالبيوت الدمشقية المميزة، وأشهرها بيت خالد العظم، وبيت أحمد السباعي، وبيت النابلسي، وبيت القوتلي، وبيت دحدح، وبيت المعلم. وقد سحرت هذه البيوت الراقية الرحالة الذين تدفّقوا على المشرق، ومنهم الإسباني باديا الذي زار مدينة دمشق وشبهة بيوتها بالقصور لروعتها وتميزها. العباس