بسم الله الرحمن الرحيم
[center]القنـوات الفضـائـيـة... شرور وسمـــوم
إن المسئولية تجاه النشأ عظيمة ، والواجب نحوهم كبير ، فهم أمانة في الأعناق، وكلٌّ مسئول عمن يعول يوم القيامة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُوَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَاأَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6] . عن عبد الله بنعمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((كُلُّكُمْ[center]القنـوات الفضـائـيـة... شرور وسمـــوم
رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الْإِمَامُ رَاعٍ
وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ
مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ
زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ
سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ
أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ)) [1]. وعن أنس رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّ
اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ
ضَيَّعَ ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ)) [2]. وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((مَا
مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ
وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ))[3].
إننا نعيش هذه الأيام زمناً تكاثرت فيه الشرور وعظمت فيه الفتن، وصارت بسبب كثرتها يرقق بعضها بعضا . ولعل في هذا مصدقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((وَإِنَّ
أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا ، وَسَيُصِيبُ
آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ
فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ
الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ
فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ
عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...)) [4].
ولقد تزايد في هذا الزمان كيد الكفار أعداء الله وأعداء دينه وأعداء عباده المؤمنين ، مستهدفين ديار المسلمين، يبتغون خلخلة دينهم وزعزعة إيمانهم وتدمير أخلاقهم وإفساد سلوكهم ونشر الفاحشة والرذيلة بينهم وإخراجهم من حظيرة الإسلام، لا بلَّغهم الله ما يرجون.
ولقد كانوا سابقا يعجَزون عن الوصول إلى أفكار الشباب وعقول الناشئة لِبَثِّ ما لديهم من سموم ، وعرض ما عندهم من كفر وإلحاد ومجون ، أما الآن فقد أصبحت تحملأفكارهم الرياح ، إنها رياح مهلكة، بل أعاصير مدمرة تقصف بالمبادئ والقيم ، وتدمر الأديان والأخلاق، وتقتلع جذور الفضيلة والصلاح، وتجتث أصول الحق واليقين .
لقد تمكن أعداء دين الله من خلال القنوات الفضائية والبث المباشر من الوصول إلى العقول والأفكار،
ومن الدخول إلى المساكن والبيوت يحملون نتنهم وسمومهم ، ويبثون كفرهم
وإلحادهم ومجونهم ، وينشرون رذائلهم وحقاراتهم وفجورهم في مشاهد زور ومدارس خنًى وفجور ، تطبع في نفوس النساء والشباب محبة العشق والفساد والخمور ، بل إنها بمثابةشَرَك الكيد وحبائل الصيد تقتنص القلوب الضعيفة وتصطاد النفوس الغافلة ، فتفسد عقائدها، وتحرِّف أخلاقها وتوقعها في الافتتان ، ولا أشد من الفتنة التي تغزو الناس في عقردورهم ووسط بيوتهم محمومة مسمومة محملة بالشر والفساد .
وللأسف ! بل ومما يملأ القلب حزناً وكمداً أن أصبح في أبناء المسلمين وبناتهم من يجلس أمام هذه الشاشات المدمرة ساعات طوال وأوقات كثار يصغِي بسمعه إلى هؤلاء ،وينظر بعينه إلى ما يعرضون ويُقبل بقلبه وقالبه على ما يقدِّمون . ومع مر الأيام تتسلل الأفكار الخبيثة وتتعمق المبادئ الهدامة وتُغري العقول والأفكار ، ويتحقق للكفار مايودُّون . قال الله عز وجل : { فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [القلم:8-9] ، {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً }[النساء:89] ، {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًمِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم } [البقرة:109] ، {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } [آل عمران:69] .
إن من يتأمل الأضرار والأخطار التي يجنيها من يشاهد ما يَبُثه هؤلاء يجدها كثيرة لا تحصى وعديدة لا تستقصى، أضرار عقائدية ، وأضرار اجتماعية، وأضرار أخلاقيةوأضرار فكرية ونفسية . فمن الأضرار العقائدية خلخلة عقائد المسلمين والتشكيك فيها ليعيش المسلم في حيرةواضطراب وشك وارتياب، وإضعاف عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض ليعيش المسلم منصرفاً عن حب الله وحب دينه وحب المسلمين إلى حب زعماء الباطل ورموز الفساد ودعاة المجون ، إضافة إلى ما فيها من دعواتٍ صريحة إلى تقليد النصارى وغيرهم من الكفار في عقائدهم وعاداتهموتقاليدهم وأعيادهم وغير ذلك .
ومن الأضرار الاجتماعية والأخلاقية ما تبثه تلك القنوات الآثمة من الدعوة إلى الجريمة بعرض مشاهد العنف
والقتل والخطف والاغتصاب ، والدعوة إلى تكوين العصابات للاعتداء والإجرام،
وتعليم السرقة والاحتيال والاختلاس والتزوير، والدعوة إلى الاختلاط والسفور والتعري وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، والدعوة إلى إقامةالعلاقات الجنسية الفاسدة لتشيع الفاحشة وتنشر الرذيلة ، إضافة إلى ما فيها من إكساب النفوس طابع العنف والعدوان بمشاهدة أفلام العنف والدماء والرصاص والأسلحة والجريمة ، ناهيك عما تسببه تلك المشاهدات من إضاعة للفرائض والواجبات وإهمال للطاعات والعبادات ، ولاسيماالصلوات الخمس التي هي ركن من أركان الإسلام . إلى غير ذلك من الأضرار والأخطار التي يصعب حصرها ويطول عدُّها {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُكَيْداً (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:15-17] .
هذا بعض ما يقوم به هؤلاء ويسعون إلى الوصول إليه، فما الواجب علينا تجاه ذلك كله؟ أيليق بالمسلم أن يصغي لكيدهم ويركن لشرهم ويستمع لباطلهم ؟ أيليق بالمسلم أنيرضى لنفسه وأبنائه الجلوس لمشاهدة ما ينشره هؤلاء والاستماع إلى ما يبثونه ؟ أيليق بالمسلم أن يرضى لنفسه بالدنية ولأهل بيته بالخزي والعار والرزية ؟
لقد
حذر الله عباده من الركون إلى الكفار، وبيَّن عظم شرهم وكبرَ خطرهم وفداحة
كيدهم ومكرهم، وبين سبحانه لعباده السُّبل السوية التي من سلكها نجا ومن
سارعليها هُدي إلى صراط مستقيم ، إنها العودة الصادقة إلى دين الله والاعتصام الكامل بحبله والسير الحثيث على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصبر على ذلك كله إلى حين لقاء الله {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [آل عمران:120].
*********
________________[1] رواه البخاري (893) ، ومسلم (1829) .
[2] رواه النسائي في (الكبرى) (9174) ، وابن حبان في (صحيحه) (4492) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع) (1774) .
[3] رواه البخاري (7151) ، ومسلم (142) واللفظ له .
[4] رواه مسلم (1844) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .