سماحة الدين الإسلامي
اعلموا أن الشريعة الإسلامية السمحة مبناها على اليسر والسهولة ورفع الحرج ، يقول الله تعالى : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ويقول تعالى : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] ويقول تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [القمر:17] .فالدين
الإسلامي يُسْرٌ في عقائده وأحكامه وفي أوامره ونواهيه ، فعقائده أصح
العقائد وأصدقها وأنفعها ، وأخلاقه أحمد الأخلاق وأجملها وأطيبها ، وأعماله
وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها وأقومها . ومن تأمَّل حُسن هذا الدين ونقاءه
وصفاءه وبهاءه ويسره وسهولته ازداد تمسكاً به وتعظيماً له وقياماً بعقائده
وأحكامه ؛ ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ)) [1].
ومعنى قوله ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ))
: أي ميسَّرٌ مسهَّلٌ في عقائده وأخلاقه وأعماله ، وفي أفعاله وتروكه ؛
فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
والقدر خيره وشره هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب وتوصل
معتقِدَها والمتمسِّك بها إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب .
وأخلاقه
وأعماله أكمل الأخلاق وأصلح الأعمال ؛ بها صلاح الدين والدنيا والآخرة ،
وبفواتها يفوت الصلاح كلُّه ، وهي كلها ميسرةٌ مسهَّلة ، كل مكلَّف يرى
نفسه قادراً عليها لا تشق عليه ولا تكلفه ، عقائده صحيحةٌ بسيطة ، تقبلها
العقول السليمة والفطر المستقيمة ، وفرائضه أسهل شيء يكون في الفرائض
وأيسره .
فأما
الصلوات الخمس ؛ فإنها تتكرر كلَّ يوم خمس مرات في أوقات مناسبة لها ،
وتمَّم اللطيف الخبير سهولتها بإيجابها جماعة والاجتماع لها ، فإن الاجتماع
في هذه العبادة من المنشطات والمسهلات لها ، ورتب عليها من خير الدين
وصلاح الإيمان وثواب الله العاجل والآجل ما يوجب للمؤمن أن يستحليها ويحمد
الله على فرضه لها على العباد ؛ إذ لا غنى لهم عنها .
وأما
الزكاة ؛ فإنها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي ، وإنما تجب على
الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم، وتنميةً لأموالهم وأخلاقهم ، ودفعاً
للآفات عنهم وعن أموالهم ، وتطهيراً لهم من السيئات ، مواساةً لمحاويجهم
وفقرائهم ، وقياماً لمصالحهم الكلية ، وهي مع ذلك جزء يسير جداً بالنسبة
إلى ما أعطاهم الله من المال والرزق .
وأما
الصيام ؛ فإن المفروض شهر واحد من كل عام ، يجتمع فيه المسلمون كلهم
فيتركون فيه شهواتهم الأصلية من طعام وشراب ونكاح في النهار ، ويعوِّضهم
الله عن ذلك من فضله وإحسانه تتميم دينهم وإيمانهم ، وزيادة كمالهم وأجره
العظيم وبرِّه العميم ، وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير
ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها وترك المنكرات .
وأما
الحج ؛ فإن الله لم يفرضه إلا على المستطيع وفي العمر مرة واحدة ، وفيه من
المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده ، كما قال الله
تعالى {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ }[الحج:28] أي دينية ودنيوية .
وهكذا
بقية شرائع الإسلام كلها سهلة ميسَّرة ، وهي راجعةٌ إلى أداء حقِّ الله
وحقِّ عباده ، وليس فيها أي مشقة أو حرج على المكلَّفين ، يقول الله تعالى :
{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة:6]فاتقوا
الله واستمسكوا بآداب هذا الدين الميسَّر ، فهو الدين الذي يوجِّه العباد
إلى كلِّ أمر نافع لهم في دينهم ودنياهم ، ويحذِّرهم عن كل ضارٍّ لهم في
دينهم ومعاشهم .
وهو الدين العظيم الذي شهد الرب العظيم بصحته وكماله ، وشهد بذلك الكُمَّل من الخلق : {شَهِدَ
اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو
الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } [آل عمران:18-19].
وهو الدين الذي من اتصف به جمَعَ الله له جمال الظاهر والباطن ، وكمال الأخلاق والأعمال {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء:125] ، فلا أحد أحسن من هذا الذي انصبغ قلبه بالإخلاص والتوحيد، واستقامت أخلاقه وأعماله على الهداية والتسديد .
وهو
الدين الذي أصلح الله به العقائد والأخلاق ، وأصلح به الحياة الدنيا
والآخرة ، وألَّف به القلوب المشتَّـتة والأهواء المتفرقة ، فخلصها من
براثين الباطل ودلَّها إلى الحق وهداها إلى سواء الصراط .
وهو
الدين القويم المحكم غاية الإحكام في أخباره كلها وفي أحكامه جميعها ، فما
أخبر إلا بالصدق والحق ، ولا حكم إلا بالحق والعدل ، فلم يأتِ علمٌ صحيحٌ
ينقض شيئاً من أخباره ، ولا حكمٌ أحسن من أحكامه .
وهو
الدين العظيم الذي يهدي إلى الحق وإلى طريق المستقيم ؛ الصدق شعاره ،
والعدل مداره ، والحق قِوامه ، والرحمة روحه وغايته ، والخير قرينه ،
والصلاح والإصلاح جماله وأعماله ، والهدى والرشد زاده ، ولا سبيل إلى الفوز
بالجنة والنجاة من النار إلا بسلوك طريقه واتباع إرشاداته .
إنَّ
من عرف شيئاً من أوصاف هذا الدين عرف عظيم منَّة الله به على الخلق ،
وأنَّ من نبذه وقع في الباطل والضلال والخيبة والخسران ؛ لأن الأديان التي
تخالفه ما بين خرافات ووثنيات ، وما بين إلحاد وماديات تجعل قلوب أهلها
وأعمالهم كالبهائم ، بل هم أضلُّ سبيلا ؛ لأن الدين الإسلامي إذا ترحَّل من
القلوب وفارقها ترحَّلت الأخلاق الجميلة والأعمال الجليلة وحلَّ محلها
الأخلاق الرذيلة وسيء الأعمال .
إن الواجب علينا نحن المسلمين أن نحمد الله على هذه النعمة العظمى والمنة الجسيمة ، وأن نستشعر فضل الله علينا بها {يَمُنُّونَ
عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ
اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ}[الحجرات:17] ،
وأن نقوم بحق هذه النعمة كما ينبغي ، وذلك بالتزود من علوم هذا الدين
والتعرف على عقائده وأحكامه وآدابه ، مع التمسك الصادق والاستسلام الكامل ،
وإقامة الوجه للدين القيم الحنيف بلا غلوٍّ ولا شطط ، وبلا إفراط أو تفريط
، وأن نطلب العون في تحقيق ذلك وتكميله من الله وحده ؛ فهو المستعان .
اللهم
حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا ، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق
والعصيان ، واجعلنا من الراشدين نحن ووالدينا وجميع المسلمين ، واغفر لنا
إنك أنت الغفور الرحيم .
[center]********
________________
[1] رواه الترمذي (39).
[/center]