هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

description تفسير سورة المائدة ... الآية 05 .... للشيخ العلامة ابن عثيمين  Empty تفسير سورة المائدة ... الآية 05 .... للشيخ العلامة ابن عثيمين

more_horiz
[b]قال الله تعالى: {{الْيَوْمَ
أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ
مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ
فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *}}
[المائدة: 5] .

قوله: {{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} } {{الْيَوْمَ} }، يحتمل المراد بذلك ما قبل اليوم ما سوى الزمن الماضي، أو اليوم الحاضر الذي هو اليوم المعين.
وقوله: {{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ} } من أحلها؟ أحلها الله عزّ وجل، فحذف الفاعل للعلم به، كما في قوله: {{وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا}}
[النساء: 28] فالخالق هو الله عزّ وجل وهو معلوم، والمحلل والمحرم هو الله
وهو معلوم، ولذلك حذف الفاعل في الخلق وهو أمر كوني، وفي الشرع وهو في
الحلال والحرام، وعلى هذا فمن كان معلوماً بالتحليل أو التحريم أو الإيجاد
أو الإعدام فلا حرج أن يحذف ويبنى الفعل لما لم يسمَّ فاعله.

قوله: {{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ} } أي: أحل الله الطَّيِّبَاتِ، والطيبات هي ضد الخبائث، قال الله تعالى: {{قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ}}
[المائدة: 100] فما هو ميزان الطيب، أهو في ذوق كل إنسان أم في عادات
الناس، أما ماذا؟ نقول: المرجع في ذلك إلى ما جاءت به الشريعة، فما أحلته
الشريعة فهو طيب، وما حرمته فهو خبيث.

فإن قال قائل: ما هو الأصل في الأطعمة؟
الجواب: الحل، والدليل قوله تعالى: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}}
[البقرة: 29] إذاً الأصل الحل، فإذا ادعى مدعٍ أن هذا الشيء حرام من طير
أو زاحف أو غيرهما قلنا له: ما الدليل على ذلك؟ فما أحله الله فهو طيب بلا
شك.

قوله: {{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}
} طعام الذين أوتوا الكتاب يعني: اليهود والنصارى، وليس المراد كل ما
يطعموه من حب وثمر، بل المراد كل ما يطعمون من لحم، ثم أيضاً: ليس المراد
كل ما يطعمون من لحم إذا كان لا تشترط له الذكاة؛ لأن ما لا تشترط له
الذكاة حلال بدون فعلهم، والحبوب والثمار حلال بدون فعلهم، فليس من طعامهم
الخاص، ولا يمكن أن يقول الله تعالى: {
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} } والمراد به هذا الطعام الذي لكل أحد.

فلو كان أهل الكتاب لا يأكلون إلا الشعير، فهل حِل الشعير لنا مأخوذ من هذه الآية؟
الجواب:
لا؛ لأن هذا ليس من خصائصهم ولم يكن إحلاله متوقفاً على فعلهم، بل الذي
يتوقف إحلاله على فعلهم هي الذبائح، ولهذا فسر ابن عباس رضي الله عنهما
طعامهم بذبائحهم، وعليه فيكون المراد بطعام الذين أوتوا الكتاب هي ذبائحهم،
أي: ذبائح اليهود والنصارى.

وظاهر
الآية الكريمة: أنه لا فرق بين أن يكونوا قد بدلوا وحرفوا أم التزموا
بشرائعهم للعموم، ولأن هذه الآية في نفس السورة التي حكى الله عنهم أنهم
يقولون: {
{إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}} [المائدة: 73] .

وقوله: {{وَطَعَامُكُمْ} } أي: ما ذبحتموه، {{حِلٌّ لَهُمْ}
} الأطعمة قسمان: طعام لا يتوقف حله على فعل آدمي، فهذا حل للجميع، كمن
وجد سمكة ميتة على شاطئ البحر فهي حلال وليأكلها، وهي حلال سواء كانت طعام
أهل كتاب أم طعام غيرهم.

وطعام
يشترط لحله فعل فاعل، وهذا حرام من غير أهل الكتاب وهو الحيوان الذي يحتاج
إلى ذكاة أي: يتوقف على ذبح الإنسان، فإن ذبحناه فهو حلال لهم، وإن ذبحوه
فهو حلال لنا.

قوله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ}
} المحصنات فيها قراءتان: «المحصِنات» بكسر الصاد على أنها اسم فاعل،
وبفتحها على أنها اسم مفعول، يعني: وأحل لكم المحصنات، فعليه تكون معطوفة
على قوله: { 1
{الطَّيِّبَاتُ} }.

قوله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} } المحصنات من المؤمنات هن الحرائر، حلال لنا، ويحتمل أن يراد بذلك العفيفات، فأما الأول فيؤيده قول الله تبارك وتعالى: {{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}}
[النساء: 25] فإن المراد بالمحصنات هنا الحرائر بلا إشكال، وأما الثاني
وهو أن المراد بذلك العفائف أو العفيفات فيؤيده قوله تعالى: {
{إِنَّ
الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ
لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}} [النور: 23] وقوله: {{وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}}
[النور: 4
] فالمراد بهن هنا العفيفات عن الزنا.

ولكن الذي يبدو أن المراد بالمحصنات هنا الحرائر، والآية محتملة، ليس فيها ما يدل على هذا ولا على ذاك، قوله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} } يعني: الحرائر، وأما المملوكات فلا يحل للإنسان أن يتزوجهن إلا بشروط سبقت في سورة النساء.
وقوله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} } المحصنات الحرائر، أو العفيفات على الخلاف {{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} } لكن بشرط {{إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}
} اشترط الله تعالى لحل المحصنات من المؤمنات ومن الذين أوتوا الكتاب
إيتاء الأجور، وهي المهور التي تبذل عوضاً عن الاستمتاع بالمرأة، ولهذا
سماه الله تعالى أجراً؛ لأن الأجر ما يؤخذ في مقابلة عوض.

قوله: {{إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ} } أي: أعطيتموهن، {{أُجُورَهُنَّ} } أي: أجور هؤلاء المحصنات وهي المهور.
قوله: {{مُحْصِنِينَ} } حال من الواو في قوله: {{آتَيْتُمُوهُنَّ} } يعني: حال كونكم محصنين، أي: طالبين الإحصان، أي: إحصان فرج المرأة وفرج الرجل؛ لأن الزواج يحصل به إحصان فرج الزوج والزوجة.
قوله: {{مُسَافِحِينَ} } أي: غير معلنين بالزنا.
قوله: {{وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} } أي: مختفين بالزنا، وعلى هذا فيكون الوطء ثلاثة أقسام:
الأول : ما كان حلالاً بالصداق.
والثاني : ما كان علناً بالعهر والفجور.
والثالث : ما كان خفياً بالعهر والفجور.
والذي يحل الأول وهو الذي يتزوجها محصناً غير مسافح ولا متخذ أخدان.
وقوله: {{أَخْدَانٍ} } أي: أصدقاء، والخدن يطلق على الصديق من رجل أو امرأة، ولهذا قال الله تعالى في سورة النساء: {{وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}} [النساء: 25] وفي هذه الآية قال: {{وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} } فدل ذلك على أن الخدن يكون في الرجال ويكون في النساء.
قوله: {{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}
} هل الإيمان شيء يكفر به ولا يكفر به، أو الإيمان ضد الكفر؟ الإيمان ضد
الكفر، لكن المراد بالإيمان هنا أي: بمقتضيات الإيمان من التزام الشريعة؛
لأن الله تعالى ذكر هنا محللات ومحرمات، فمن أخذ بها وقام بها فهو مؤمن،
ومن لم يأخذ بها فليس بمؤمن.

إذاً: قوله: {{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ} } أي: بما يقتضيه الإيمان من الالتزام بأحكام الإسلام {{فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} } أي: بطل، وتلف، وذهب.
و«عمل»:
مفرد مضاف فيشمل كل الأعمال؛ لأن الردة تحبط الأعمال، إلا أنه يشترط أن
يموت الإنسان على ردته ـ والعياذ بالله ـ لقول الله تعالى:
{{وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
} [البقرة: 217] .

قوله: {{قُلْ
إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ}} [الزمر: 15] وقال تعالى: {{أُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}
} [التوبة: 69] .

من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: أن الإحلال والتحريم إلى الله عزّ وجل، وليس لأحد أن يحلل أو يحرم لقوله: {{الْيَوْمَ أُحِلَّ} } وهذا بإجماع المسلمين، حتى إن الله تعالى قال: {{وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}}
[النحل: 116] وقد تقدم أن الأصل في العبادات التحريم والمنع إلا بدليل،
والأصل في غيرها الحل، وكلام الأصوليين حول هذا الموضوع: وما الأصل في
الأشياء قبل الشرع وما أشبه ذلك كله كلام ليس فيه فائدة إلا تسويد ما ابيض
من الصحف؛ لأنه كلام جدلي لا فائدة منه؛ لأن لدينا من كتاب الله ومن سنة
رسوله ما يغني عن كل هذه المباحث التي ذكروها وأطالوا فيها.

نقول
عندنا قاعدتان مهمتان: أن الأصل في العبادة المنع أصلاً ووصفاً إلا بدليل،
والأصل في غير العبادات مطلقاً من عادات ومعاملات وأعيان ومنافع وغيرها
الأصل فيها الحل، إلا ما دل الدليل على التحريم، والأدلة على ذلك ذكرناها
سابقاً، ولا حاجة للإعادة.

الفائدة الثانية: أن كل ما أحله الله تعالى فهو طيب، ولكن هذا الطيب هل هو حلال لكل أحد؟
الجواب:
إن تضمن ضرراً على بعض الناس كان حراماً وإن كان طيباً، فإذا قيل لشخص:
إنك إذا أكلت هذا النوع من الطعام فإنه يضرك، صار في حقه حراماً، لا لأنه
خبيث ولكن لأنه ضار لهذا الشخص المعين.

الفائدة الثالثة: أن طعام اليهود والنصارى حلال لنا، لقوله: {{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} }، وهل غيرهم كذلك؟
الجواب: لا، وأخطأ من قال: إن قوله: {{الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} } إنه لقب، بل نقول: إنه وصف، والوصف يخرج ما سواه ممن لم يتصف به، فـ{{الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}
} اسم المفعول منها «وطعام المؤتون الكتاب»، وإذا أتيت باسم مفعول منها
صارت صفة مشتقة، لا لقباً؛ لأن اللقب معروف أنه ليس له مفهوم، فإذا قلت لك:
أكرم زيداً، فليس المعنى لا تكرم غيره؛ لأن هذا لقب، لكن إذا قلت: أكرم
المجتهد؛ صار وصفاً، يعني لا تكرم المهمل فيخرج من ليس بمجتهد، لكن من
العلماء ولا سيما المتأخرون من قال: إن قوله: {
{الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} } لقب وليس بوصف، من أجل أن يتذرعوا إلى حل طعام غير اليهود والنصارى؛ لأن اللقب كما هو معروف عند الأصوليين ليس له مفهوم.

على كل حال: من فوائد هذه الآية حل طعام الذين أوتوا الكتاب، وهم اليهود والنصارى.
الفائدة الرابعة:
أن من سوى اليهود والنصارى لا تحل ذبيحتهم، كالمجوس والوثنيين والشيوعيين
والمشركين ومن أشبههم، وجه ذلك: نأخذه من مفهوم الذين أوتوا الكتاب.

الفائدة الخامسة:
حكمة الله عزّ وجل في تحليل طعام الذين أوتوا الكتاب؛ لأن الذين أوتوا
الكتاب عندهم علم سماوي، فهم من أقرب الناس إلى قبول الشريعة الإسلامية،
ولا شك أن أحوال أهل الكتاب تغيرت بعد نزول القرآن الكريم، تغيرت تغيراً
كبيراً، فصار بين المسلمين واليهود وبين المسلمين والنصارى حروب عظيمة
طاحنة، أدت إلى استكبار هؤلاء اليهود والنصارى وعدم قبولهم لما جاء به
الرسول عليه الصلاة والسلام.

الفائدة السادسة:
أن ما عَدَّه أهل الكتاب ذكياً فهو ذكي؛ لأنهم إذا عدوه ذكياً صار طعاماً،
وليس الذكي هنا بمعنى الفطن، بل المراد بالذكي المُذكى، فما عدُّوه ذكياً
فهو طعام لهم.

وبناءً
على ذلك: يحل من طعامهم ما ذكروا اسم غير الله عليه، يعني: لو قال
النصراني: باسم المسيح، وقال اليهودي: باسم عزير أو ما أشبه ذلك فالذبيحة
حلال؛ لأنهم يعتقدون هذا طعاماً، والله عزّ وجل أطلق فقال: {
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} }.

ومن
ذلك أيضاً: أن ما عدوه ذكياً من الموقوذ فهو حلال، والموقوذ كما تقدم الذي
قتل بغير إنهار الدم، بالصعق وشبهه، فإنه حلال؛ لأن الله تعالى قال: {
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} } فما عدوه طعاماً مذكى يأكلونه فإنه حلال.

فإذا قال قائل: هل ذهب إلى هذا أحد؟
نقول:
أما ما ذكروا عليه اسم المسيح فقد ذهب إليه بعض السلف من الصحابة وغير
الصحابة، وقالوا: إن هذا لا يعود إلى ذات المذكى أو إلى خبثه، إنما يعود
إلى القصد، ونحن لا يهمنا قصده.

وأما
الثاني وهو أن الذكي عندهم ما مات ولو بخنق، فقالوا: إن الآية مطلقة، لكن
ما علمنا أن أحداً من السلف قال به، إلا أن المتأخرين الذين قالوا به،
قالوا: إذا كان بعض السلف أجازوا ما ذكر اسم غير الله عليه فهذا مثله؛ لأن
النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل ذكر اسم الله على الذبيحة وإنهار الدم
قرينين في حكم واحد، فقال: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل»[(34)].

لكن جمهور العلماء يقولون: إن هذا الإطلاق في طعام الذين أوتوا الكتاب يجب أن يقيد بقوله تعالى: {{وَلاَ
تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}} [الأنعام: 121]
وقوله: {{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}}

[الأنعام: 118] ويقيد أيضاً بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنهر
الدم وذكر اسم الله عليه فكل» [(35)] وإذا كان هذان القيدان مقيدين لإطلاق
حل ذبيحة المسلم فتقييدهما لحل ذبيحة غير المسلم من باب أولى، وإذا كان
المسلم لو خنق الشاة مثلاً صارت حراماً، فكذلك الكتابي، إذ لا يمكن أن تكون
مقتولة الكتابي أفضل من مقتولة المسلم، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء
وهو الصحيح.

فالصحيح أن قوله: {{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} } وإن كان مطلقاً فإنه يجب أن يقيد بما ورد من تقييد ذلك بذكر اسم الله على الذبيحة وإنهار الدم.
ولكن
إذا أتتنا ذبيحة من يهودي أو نصراني ونحن لا ندري أَذَكَرَ اسم الله عليها
أم لا، أخنقها ثم قطع رقبتها أم لا، فالأصل الحل، لما ثبت في صحيح البخاري
عن عائشة رضي الله عنها «
أن قوماً أتوا إلى
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله إن قوماً يأتوننا
باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، قال: سموا أنتم وكلوا، قالت:
وكانوا حديثي عهد بكفر
» [(36)] يعني: أسلموا قريباً، والمسلم قريباً قد يخفى عليه كثير من أحكام الإسلام، ومع ذلك قال: «سموا أنتم وكلوا»[(37)].

قال
صاحب المنتقى رحمه الله: يؤخذ من هذا أن كل فعل صدر من أهله فالأصل الحل،
ولا تنقب، ولو كلفنا أن ننقب لكان حتى الذي يأتينا في أسواقنا مما ذبحه
المسلمون يجب أن نسأل: هل الذابح سمى أو لا، هل قطع الأوداج أو لا، هل هو
يصلي أو لا؟ وما أشبه ذلك.

ولو
أننا كلفنا أن ننقب لكان الرجل إذا باع علينا الثوب قلنا تعالَ من أين
ملكته؟ لاحتمال أن يكون قد سرقه، فإذا قال: ملكته من فلان، فنذهب إلى فلان
فنقول له: من أين ملكته؟ لاحتمال أن فلاناً سرقه، إلى أن نصل إلى الشجرة
التي نسج منها، وهذا شيء لا يمكن أن يطاق.

على كل حال: الأصل في الفعل الواقع من أهله الحل.
لكن لو ادعى مدعٍ أن المراد بقوله: {{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} } ما طبخوه من خبز ومرق وما أشبه ذلك، هل يقبل؟
الجواب:
لا؛ لأن هذا حل من أهل الكتاب ومن غيرهم بالإجماع، حتى لو أن مجوسياً صنع
لنا خبزاً نأكله، وذلك أن المحللات كما تقدم تنقسم إلى قسمين:

الأول : ما لا يشترط لحله فعل فاعل، وهذا حلال من الكتابي وغير الكتابي.
الثاني : ما يشترط لحله فعل فاعل، وهذا حرام من غير أهل الكتاب، وقد تقدم هذا في التفسير.
لو
قال قائل: إذا علم الإنسان أن لحم أهل الكتاب حرام لكونه ميتة أو لكونه
ذبحه من لا تحل ذبيحته، أو لكون الذابح لم يذبحه على الطريقة المشروعة، فهل
يخبر الناس أم يسكت؟

الجواب:
يجب عليه أن يخبر، وقد ذكر العلماء رحمهم الله مثل ذلك فقالوا: يجب على من
علم أن الماء النجس أن يخبر من أراد أن يستعمله، وكذلك لو رأيت إنساناً
يريد أن يأكل شيئاً مضراً يجب عليك أن تخبره أنه ضار، هذا من باب النصيحة.

لو
قال قائل: إن الدجاج الذي يرد من أوروبا إلى البلاد الإسلامية مذبوح على
غير الطريقة الإسلامية، وقد ذهب نفر من التجار إلى بعض البلاد الأوروبية
وتأكدوا من ذلك؟

الجواب:
هل الدجاج الذي يذبح على غير الطريقة الإسلامية هو الذي يرد إلى البلاد
الإسلامية أم يرد إلى بلاد أخرى، لا ندري، ثم لو أخبروا الجزارين لذبحوا
على الطريقة الإسلامية؛ لأنهم يريدون الفائدة وإلا قالوا لهم: سنقاطعكم.

الفائدة السابعة: أنه لا بأس أن نطعم أهل الكتاب ويطعموننا، لقوله: {{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} } وحينئذٍ نقول: هل تجوز المهاداة بيننا وبين أهل الكتاب؟
الجواب:
نعم، تجوز، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قَبِلَ هديتهم كما أهدت إليه
المرأة اليهودية في خيبر الشاة المسمومة؛ لأن هذه المرأة سألت: أي شيء يعجب
محمداً؟ قالوا: يعجبه من الشاة ذراعها. فملأت الذراع بالسم وأهدتها للرسول
عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب فأكل هو
ومن معه، من الذين أكلوا معه من مات، أما هو عليه الصلاة والسلام فإنه
تأثرت لهواته، ولكن بإذن الله لم يؤثر فيه السم شيئاً، لكنه قال في مرض
موته، كما روته عنه عائشة رضي الله عنها: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني، وهذا
أوان انقطاع الأبهر مني» [(38)] الأبهر: عرق معروف إذا انقطع هلك الإنسان.

ولهذا قال الزهري وغيره: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات شهيداً بقتل اليهود له.
المهم:
كون طعامهم حل لنا وطعامنا حل لهم يدل على جواز المهاداة بيننا وبين أهل
الكتاب، لاسيما إذا رجونا منهم الإسلام، أو إذا أردنا أن نبين لهم أن
الإسلام دين السلام، وأن الإسلام ما أنزله الله عزّ وجل ليفرض على الناس أن
يسلموا، إنما فرض الله عزّ وجل على البشر أن تكون كلمته هي العليا، سواء
بإسلام أم بجزية، ولذلك لو أن الكافر أراد أن يبذل الجزية ويبقى على دينه،
نقول: ابقَ على دينك ولكن سلم الجزية، وتسليم الجزية متى يكون؟ إذا كنا نحن
المسلمين لنا الكلمة، وليس كحالنا اليوم، حالنا اليوم ـ نسأل الله أن يرحم
ضعفنا ـ على العكس من ذلك، الكلمة العليا لغيرنا؛ وذلك لأننا ما قمنا بدين
الله حق القيام، لو قمنا بالدين حق القيام لكان دين الله لا بد أن يظهر
على جميع الأديان، قال تعالى: {
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}} لماذا؟ {{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}}
[التوبة: 33] لكن مَنْ منا إلا من شاء الله يريد هذا، أكثر المسلمين الآن
على خلاف ذلك، فتجد في بلاد المسلمين شركاً، لو كان الرسول حياً لكان
يقاتلهم عليه، وتجد غلواً في قوم صالحين أو غير صالحين، والأشياء لا تخفى
على كثير من الناس.

على كل حال: دين الإسلام هو دين السلام لكنه مع ذلك هو دين العزم والقوة والحذر من الأعداء، وكيدهم، ومكرهم، وخيانتهم.
الفائدة الثامنة: حل المحصنات من أهل الكتاب كحل المحصنات من المؤمنات؛ لأن الله قال: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} }
قد يقول قائل: حل المحصنات المؤمنات أمر معلوم؛ لأن المحصنات من المؤمنات
حلها مذكور، في سورة النساء وهي قبل هذه السورة وهي صريحة بذلك، فما وجه
ذكرها في هذه الآية؟

الجواب
والله أعلم: أن يبين أن المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا
الكتاب سواء في الحل، ولكن لا يلزم من تساويهن في الحل أن يتساوين في
الإقدام عليهن، قد يكون الشيء حلالاً ولكن نقول: الأفضل ألا تقدم عليه،
يعني: لا يلزم من حل المحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب أن يتساوين في
الإقدام، فقد تحل المرأة للإنسان ويقال: لا تقدم عليها.

الفائدة التاسعة: علو مرتبة المؤمن وإن لم يكن عالماً لقوله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} } فقدم المحصنات المؤمنات على المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، مع أن أهل الكتاب عندهم علم، والمؤمن قد لا يكون عنده علم.
الفائدة العاشرة: اشتراط المهر في حل المرأة، لقوله: {{إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ} } وهذه المسألة اختلف فيها العلماء ولها صور:
الصورة
الأولى : أن يتزوج الرجل المرأة بشرط ألا مهر لها، فهل يصح العقد؟ ظاهر
الآية الكريمة هنا وظاهر الآية الكريمة في سورة النساء أنه لا يصح العقد.
في سورة النساء، قال الله تعالى: {
{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}} ماذا؟ {{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}} [النساء: 24] يعني: ليس مجاناً بل لا بد من المهر، وفي الآية الكريمة هنا: {{إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ}
} وهذا القول هو الراجح، وأنه إذا تزوج امرأة بشرط أن لا مهر لها فالنكاح
باطل، ووجه ذلك: أنه إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها صار هذا النكاح نكاح
هبة، ونكاح الهبة لا يجوز إلا للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، لقوله
تعالى:
{{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا
مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ
وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِي
هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا
لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}
} [الأحزاب: 50] فإذا اشترط أن لا مهر فهذا هو نكاح الهبة.

وقال بعض العلماء: النكاح صحيح والشرط فاسد، وحينئذ يجب لها مهر المثل، ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الأدلة تمنعه.
الصورة الثانية : تزوجها وسكت ولم يذكر مهراً، فالنكاح صحيح بنص القرآن، ولكن لها مهر المثل، لقول الله تبارك وتعالى: {{لاَ
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ
أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}} [البقرة: 236] ثم قال:
{{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ}
} [البقرة: 236] فنقول: إذا دخل بها فلها مهر المثل، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة بقدر يُسر زوجها وعسره.

والفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى واضح، ففي الصورة الأولى شَرَطَ عدم المهر، وفي الثانية سكت.
الصورة الثالثة : أن يتزوجها بشرط المهر، فهذه جائزة، وشرط المهر ما هو إلا تأكيد لمقتضى العقد، وهل يشترط إذا شرط المهر أن يعين؟
الجواب: لا يشترط أن يعينه، إن عينه فلها ما عين، وإن لم يعينه فلها مهر المثل.
لو قال قائل: هل يجوز للزوج أن يؤجل المهر، وهل يجوز للمرأة أن تهب الرجل مالاً ليكون مهراً لها؟
الجواب:
يجوز للزوج أن يعطي المهر معجلاً ومؤجلاً كله ولا بأس بذلك وليس هناك
مانع؛ لأن هذا المهر ثبت في ذمته ولو مات لأُخذ من تركته، وأما المرأة
فيجوز لها أن تهب مالاً للرجل ليكون مهراً لها، ولكن أخشى إذا وهبته المال
قال: الحمد لله الآن أنظر أحسن منك، وأيضاً يجوز للمرأة إذا تم العقد أن
ترد المهر إليه وهذا يقع كثيراً، وكان الناس في السابق في بلادنا كان الرجل
يمهر المرأة، أي: يصدقها صداقاً وهو فقير، ثم ترده المرأة إليه، وحدث مرة
أن تزوج رجل امرأة وأعطاها مهراً قدره ريال واحد، وفي ضحى يوم الزواج قرع
الباب عليه رجل وهو مع أهله وقال: أعطني الريال الذي أطلبك، قال: ما عندي
شيء، قال: أعطني وإلا ذهبت إلى القاضي، وارتفعت أصواتهما، فجاءت المرأة
وقالت: ماذا يريد؟ قال: إنه يطلبني ريالاً ويقول: أعطني إياه وإلا ذهبت إلى
القاضي. قالت: خذ الريال وأعطه إياه، فأعطته المهر وأوفى به الدائن.

وكذلك يجوز لولي المرأة إذا كان راغباً في رجل ويريد أن يزوجه ابنته يجوز أن يعطيه المهر ليدفعه للبنت.
الفائدة الحادية عشرة: أن المهر بمنزلة الأجرة، لقوله: {{آتَيْتُمُوهُنَّ}
} وحينئذٍ يرد إشكال يقال: الأجرة يشترط فيها معرفة العوض والمعوض
وعلمهما، وهنا «العوض» يجوز أن يكون مجهولاً وهو المهر الذي لا يسمى،
والمعوض كذلك، المعوض هو منفعة المرأة إلى الموت أو الطلاق، وهذا أمر
مجهول، فقد تبقى مع زوجها عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو مائة سنة، وقد تموت
في أسبوعها الأول، وقد يطلقها في الأسبوع الأول، ومهر الأولى والثانية
سواء، مثال ذلك: تزوج امرأة بألف ريال وبقيت معه مائة سنة، اقْسم السنة على
المائة ريال كل سنة بريال، وامرأة أخرى تزوجها بمائة ريال وماتت بعد مائة
يوم، فاليوم بريال، فرق بين هذه وتلك، فإذا قال قائل: كيف تقولون: إنه
بمنزلة الأجرة مع هذا الاختلاف العظيم؟

قلنا:
نظراً لتطلع الشرع للنكاح من أجل كثرة الأمة، وتحصين الفروج، والمصالح
العظيمة، خفف فيه، ولو قلنا: يشترط العلم بالعوض والمعوض صار في ذلك مشقة
عظيمة، وصارت النساء تختلف في مقدار المهر، وعدنا إلى مسألة ثانية ممنوعة
في الشرع وهي نكاح المتعة؛ لأننا لو قلنا: لا بد من معرفة العوض والمعوض
قلنا: كم مدة النكاح؟ كما لو استأجرت امرأة خادمة نقول: كم مدة الخدمة؟
فلأجل هذه المصالح العظيمة عفا الشرع عن مقدار المدة والعوض والمعوض.

الفائدة الثانية عشرة : أن المقصود الأعظم من النكاح هو الإحصان، لقوله: {{مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} }.
الفائدة الثالثة عشرة : الإشارة إلى أنه ينبغي إعلان النكاح؛ لأنه قال: {{غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} }، فلا بد أن يكون النكاح معلناً ظاهراً، وهل يكفي في إعلانه أن يقع بشهود، أو لا بد من إظهاره وإعلانه؟
الجواب: الثاني على القول الراجح.
لكن
إذا كان هناك شهود مع الكتمان، فإن اشترط كتمانه فهو غير صحيح، لا بد من
إعادته وإعلانه، وإن لم يشترط ففيه خلاف، بعض العلماء يقول: لا يصح، وبعضهم
يقول: يصح، لكن العلماء كلهم متفقون على أن إعلان النكاح أفضل وأبعد عن
التهمة وأبعد عن اتخاذ الأخدان.

الفائدة الرابعة عشرة :
أن الاستمتاع بالنساء ينقسم إلى أقسام: تحصين، وسفاح، واتخاذ أخدان،
والفرق بينهما، الأول: عقد شرعي، والثاني: زنا معلن، والثالث: زنا سري.

الفائدة الخامسة عشرة : أنه إذا قصد المسافحة، أو اتخاذ الخدن فإنه لا يكون نكاحاً صحيحاً؛ لأنه اشترط فقال: {{غَيْرَ مُسَافِحِينَ}
} وقد استدل علماء السنة بذلك على بطلان نكاح المتعة؛ لأن نكاح المتعة إن
أعلن فهو سفاح؛ لأن الرجل لم يقصد إلا أن يستمتع فقط، وليس قصده إحصان
الفرج، بل لذة يقذفها في فرج هذه المرأة وينتهي، وإن كان مخفياً فهو من جنس
اتخاذ الأخدان، وهذا القول هو بإجماع أهل السنة على أن نكاح المتعة حرام.

وقد
ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إنه حرام إلى يوم القيامة»
[(39)] وهذا يدل على أنه لا يمكن نسخه؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام:
«حرام إلى يوم القيامة» خبر يتضمن حكماً مغيّاً إلى يوم القيامة، وإذا كان
الخبر يتضمن حكماً مغيّاً إلى يوم القيامة فإنه لا يمكن نسخه؛ لأن النسخ هو
رفع الحكم، وما كان غايته يوم القيامة فإنه لا يمكن أن يرفع.

الفائدة السادسة عشرة والسابعة عشرة
: طهارة بدن الكافر؛ لأنه لا بد أن يلامس الطعام، وأيضاً في النكاح لا بد
أن يكون الزوج مع زوجته الكتابية ما يقتضي التنجيس لو كانت نجسة. وفي الآية
أيضاً دليل على أن آنيتهم طاهرة، إلا ما علم نجاستها فهي نجسة، كأواني
المسلمين.

لو
قال قائل: إن في الآية دليل واضح على جواز الزواج من الكتابية، فكيف نجمع
بين هذه الآية وبين ما رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح: «ثلاثة
يدعون ولا يستجاب لهم» [(40)] وذكر منهم رجل تحته امرأة عاصية ولم يطلقها؟

الجواب:
إن صح الحديث فهو يحمل على المرأة غير العفيفة؛ لأنه إذا أبقى أهله وليس
فيهم عفة صار ديوثاً، ويكون هذا للتحذير من هذا الأمر.

الفائدة الثامنة عشرة : أن الإماء من أهل الكتاب لا يبحن للمسلم ولو خاف العنت، دليله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} } فإن قال قائل: إذاً الإماء من المؤمنات كذلك؛ لأن الله قال: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ}
قلنا: نعم، لولا آية النساء وهي قوله تعالى: {{وَمَنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ}
} [النساء: 25] لولا هذه الآية لقلنا بذلك، فالجارية المسلمة تحل للمسلم عند الضرورة على حسب ما سبق في سورة النساء.

الفائدة التاسعة عشرة : أن الأعمال داخلة في الإيمان، لقوله: {{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ}
} والمذكور في هذه الآية أعمال، فدل ذلك على أن الأعمال داخلة في الإيمان،
وهذا هو ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، أن الأعمال من الإيمان، وله
دليل من الكتاب والسنة، دليله من القرآن قال الله تبارك وتعالى حين ذكر
توجيه الناس إلى المسجد الحرام بعد أن كانوا يتجهون إلى بيت المقدس: {
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}} [البقرة: 143] قال المفسرون: أي صلاتكم إلى بيت المقدس.

وأما من السنة فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ( «الإيمان
بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله» وهذا قول «وأدناها إماطة
الأذى عن الطريق» وهذا فعل «والحياء شعبة من الإيمان»
)
[(41)] وهذا انفعال النفس من أثر القلب وهو من أعمال القلوب، فدل هذا على
أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، لكن إذا قرنت الأعمال بالإيمان صارت
الأعمال علانية والإيمان في القلب، مثل قوله تعالى: {
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}} [البقرة: 277] .

الفائدة العشرون: أن العمل قد يحبط بعد أن عمله الإنسان، وذكرنا التفصيل في هذا، وأن الردة لا تحبط الأعمال إلا إذا مات الإنسان على ذلك.
الفائدة الحادية والعشرون : إثبات الآخرة.
الفائدة الثانية والعشرون : أن الناس في الآخرة ما بين خاسر ورابح، لقوله: { {وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} } فدل هذا على أن الآخرة فيها رابح وفيها خاسر.
[/b]

description تفسير سورة المائدة ... الآية 05 .... للشيخ العلامة ابن عثيمين  Emptyرد: تفسير سورة المائدة ... الآية 05 .... للشيخ العلامة ابن عثيمين

more_horiz
بارك الله فيك و جزاك الله كل خير و كثر من امثالك و سدد خطاك

على طيب موضوعاتك المميزة و المفيدة حول ديننا الاسلامي الحنيف عظم الله من اجرك و

ادخلك الجنة و جعل مواضيعك القيمة في ميزان حسناتك يوم القيامة ... يا رب

دمت و دام ابداعك المتواصل و الباهر دائما في سماء منتدانا
 تفسير سورة المائدة ... الآية 05 .... للشيخ العلامة ابن عثيمين  886773



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي