بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
<blockquote style="margin: 0 0 0 40px; border: none; padding: 0px;">
"إنَّ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله .. أما بع
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله .. أما بع
العبودية: هي الدرجة العليا في حقيقة كل مخلوق كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
إفتقار الإنسان إلى الله تعالى، وعبوديته له سبحانه شرعاً أو كوناً
فكل
مخلوق: هو عبد لله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الحالتين، إما عبد من
الناحية الاختيارية الشرعية، أو من الناحية الإجبارية الكونية، وذلك أن كل
إنسان هو مخلوق بلا شك، ومحتاج، ومضطر، وفقير إِلَى من يطعمه، ويسقيه،
ويسيِّر له هذا الجهاز الذي يحمله في المخ والقلب والمعدة والدورة الدموية
وكل الأعضاء. فمن الذي يسير كل هذا ويحركه؟! إنه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. ففي
الحقيقة أن جميع المخلوقين في هذا الجانب -من حيث التدبير والتصريف
والقهر- بل جميع من في هذا الكون هو عبد خاضع لله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-،
إذ هو الذي يحرك هذا الجسد، ويعطيه الغذاء،وهو الذي يسير كل أعماله. ومع
كل هذه النعم إلا أن بعض النَّاس في جانبهم الإرادي: يصرفون هذه الإرادات
والحركات في غير طاعة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وفي غير تحقيق
العبودية له سبحانه، وهذا هو سبب الشقاء الذي يقع فيه الكفار -أن
الإِنسَان منهم مضاد لفطرته- فلو أنك جئت إِلَى إنسان فشققته شطرين، فكيف
يمكن أن يستقر هذا الإِنسَان، وأي آلة من الآلات أو جهاز من الأجهزة يمشي
في غير اتجاهه، فإنه يتقلب ويتصادم ويتمزق. ولذلك نجد أن
الإِنسَان الذي لا يطيع الله، ولا يحقق العبودية له سبحانه إنسان ممزق
مضطرب، وكلما ازداد عبوديةً لله ازداد سكينة، وطمأنينة، وأمناً، وسلاماً،
ورخاءً، وكلما بعد عن ذلك كلما زاد فيه الخوف، والشقاء، والتمزق،
والاضطراب. فهذه حقيقة العبودية من الناحية الكونية. أما
من الناحية الإرادية؛ فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ميز الإِنسَان عن
سائر الكائنات والمخلوقات؛ بأنه هو الذي يمكن أن يختار، وأن يفعل، وأنه قد
يقتنع بالعمل ويفعله، ثُمَّ يندم ويحاسب نفسه لماذا أفعل أو العكس كما قال
تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ
[القيامة:1-2] بخلاف غير الإِنسَان كالحيوان حتى لو أنه عمل عملاً من
الأعمال بدافع الغريزة، وكان عليه فيه ضرر أو ألم، فإنه لا يحس في داخل
نفسه أن هذا الشيء مرجعه الندم القريب. فيعمل ويستمر في العمل ثُمَّ غريزة التراجع عن العمل هي التي ترده إذا رأى فيه ما يضره، كل ذلك بدافع واحد هو: دافع الغريزة فقط. أمَّا الإِنسَان فالدوافع مختلفة فيه، ولذلك يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أصدق الأسماء حارث وهمام}
وقوله: {أصدقها} لا يدل عَلَى أفضليتها؛ لأن أفضلها عبد الله، وعبد
الرحمن، وإنما أصدقها من حيث إنها ليس فيها مدح ولا ذم، أي: كما نقول:
فلان إنسان فهو كلام صرف ليس فيه زيادة ولا نقص، والإِنسَان حارث وهمام في
طبيعته، فأي إنسان مثلاً سميته هماماً، مسلماً كَانَ أو كافراً فهو صادق
عليه؛ لأن كل إنسان يهم، ويريد، ويفكر، ويتحرك قلبه، وشعوره، وإرادته.وهو
أيضاً عامل يعمل في أي نوع من أنواع العمل فأصدق الأسماء: يعني الاسم الذي
ينطبق عليه عَلَى الحقيقة البشرية هو: أنه حارث، وهمام، وفي كل الأوقات لا
يخلو الإِنسَان من الحرث، ومن الهم.
حقيقة العبودية ومتى تتحقق في الإنسان
حقيقة
العبودية أن الإِنسَان المسلم المؤمن بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يصرف
الحرث، والهم لوجه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فيجمع بين الشطر
الإرادي، واللاإرادي في حياته، فيكون موحداً، والنفس البشرية تتوحد لذلك
التوحيد بأنها تتوجه إِلَى إله واحد وتعبد رباً واحداً يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
[يوسف:39] كما ضرب الله تَعَالَى المثلين -المؤمن والكافر بأن المؤمن مثل
(رجلٍ سلماً لرجل) أي: عبد خاص بإنسان واحد فقط، وأما الآخر: فهو عبد
مملوك فيه شركاء متشاكسون، يتنازعونه هذا يقول: نعم، وهذا يقول: لا، فهذا
إنسان ممزق، وموزع.المهم: أن حقيقة العبودية تتجلى بهذا كلما كَانَ عبداً لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- واجتهد فيها، كما جَاءَ في الحديث عند التِّرْمِذِيّ وغيره قوله تَعَالَى في الحديث القدسي {من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه -هذه الدرجة الأولى- ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه}
هنا درجات، فإذا وصل الإِنسَان إِلَى درجة محبة الله -سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى- له، ومحبته لله إِلَى درجة اليقين، وإلى درجة الصبر عَلَى
الطاعة، والصبر عن معصية الله والصبر عَلَى أقدار الله -سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى- حينئذ تحقق فيه كمال العبودية.
أكمل الناس عبودية
وأعلى
النَّاس مقاماً في العبودية هم الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم،
وأعلى الأَنْبِيَاء وأعلى البشر في ذلك هو نبينا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو أعلى النَّاس في درجة العبودية؛ ولهذا كما مر
معنا أنه في مواضع التكريم، والثناء يأتي وصفه بالعبودية كما قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1] هنا كلمة العبد كأنها تشير أنه الذي حقق العبودية، والذي أعلى صفة له العبودية.ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :{إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله} ، فاختار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآخرة عَلَى الدنيا، واختار العبودية لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى الملك. فحقيقة
العبودية في تعريف العبادة: أنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من
الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة، فكلما حقق الإِنسَان ذلك كلما كَانَ
أعلى في الكمال، وأكثر اقتداءً بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الذي هو الغاية، والذروة في كمال العبودية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. </blockquote>