صاحبة القرآن
(زبيدة زوجة الرشيد)
أنصتْ.. استمعْ
جيدًا.. تُرَى ما هذا الصوت الغريب القادم من قصر أمير المؤمنين هارون
الرشيد، إنه صوتٌ يشبه دَوِىَّ النحل، تعالَ نقترب من القصر، ها قد اتضح
الصوت: إنهن جوارى زبيدة زوجة الخليفة يحفظْنَ ويرتلْنَ القرآن الكريم.
كانت
زبيدة تتمنى بينها وبين نفسها أن تتزوج من ذلك الشاب اليافع، وها قد تحقق
حلمها الذي كانت تحلم به، فقد عاد ابن عمها هارون الرشيد مع أبيه الخليفة
"المهدى" من ميدان المعركة بعد أن حققا النصر على الروم، وستكون الفرحة
فرحتين، فرحة النصر، وفرحة الزواج من هارون، نصبت الزينات وأقيمت الولائم
التي لم يشهدها أحد من قبل فى بلاد العرب وازينت زبيدة بالحلى والجواهر،
والمسك والعنبر والروائح الطيبة تنتشر فى مكان العرس، والناس مسرورون بهذا
الزواج المبارك.
وتزوجت زبيدة من هارون الرشيد، فملأ الحب قلبيهما،
واستطاعت بذكائها ولباقتها أن تزيد من حبه لها حتى أصبح لايطيق فراقها ولا
يملُّ صحبتها، ولا يرفض لها طلبًا.
ومرت الأيام، وأنجبت زبيدة من هارون
الرشيد ابنها "محمدًا" الأمين وقد أحبته كثيرًا، وكانت شديدة العطف عليه
والرفق به لدرجة أنها بعثت ذات يوم جاريتها إلى الكسائى مؤدبه ومعلمه، وكان
شديدًا عليه، تقول له : "ترفق بالأمين فهو ثمرة فؤادى وقرة عيني".
وتولى
هارون الرشيد الخلافة، فازداد الخير فى البلاد، واتسع ملكه، لدرجة جعلته
يقول للغمامة حين تمر فوقه : "اذهبي فأمطري أَنَّى شئت، فإن خراجك سوف يأتى
إلىَّ".
ورأت "زبيدة" زوجة خليفة المسلمين أن تساهم فى الخير، وفى
إعمار بلاد الإسلام، فحين حجت إلى بيت الله الحرام سنة 186هـ ، وأدركت ما
يتحمله أهل مكة من المشاق والصعوبات فى الحصول على ماء الشرب، دعت خازن
أموالها، وأمرته أن يجمع المهندسين والعمال من أنحاء البلاد، وقالت له :
اعمل ولو تكلَّفتْ ضَرْبةُ الفأس دينارًا. وحُفر البئر ليشرب منه أهل مكة
والحجاج وعرف بعد ذلك ببئر زبيدة.
ولم تكتفِ زبيدة بذلك، بل بَنَتْ
العديد من المساجد والمبانى المفيدة للمسلمين، وأقامتْ الكثير من الآبار
والمنازل على طريق بغداد، حتى يستريح المسافرون، وأرادت زبيدة أن تولى
ابنها الأمين الخلافة بعد أبيه، لكن هارون الرشيد كان يرى أن المأمون وهو
ابنه من زوجة أخرى أحق بالخلافة لذكائه وحلمه، رغم أنه أصغر من الأمين؛
فدخلت زبيدة على الرشيد تعاتبه وتؤاخذه، فقال لها الرشيد : ويحك، إنما هي
أمة محمد (، ورعاية من استرعانى طوقًا بعنقى، وقد عرفت ما بين ابنى، وابنك
يا زبيدة، ابنك ليس أهلا للخلافة؛ فقد زينه فى عينيك ما يزين الولد فى عين
الأبوين، فاتَّقى الله ؛ فوالله إن ابنك لأحب إلىّ، إلا أنها الخلافة لا
تصلح إلا لمن كان أهلا لها، ونحن مسئولون عن هذا الخلق ؛ فما أغنانا أنا
نلقى الله بوِزْرِهِمْ، وننقلبَ إليه بإثمهم ؛ فدعينى حتى أنظر فى أمرى.
وعلى الرغم من ذلك فقد عهد بولاية العهد لابنه "محمد الأمين"، ثم للمأمون
من بعده.
وحين دخل المأمون بغداد بعد مقتل الأمين، وكان صراع قد شب
بينهما حول منصب الخلافة استقبلتْهُ، وقالت له: أهنيكَ بخلافة قد هنأتُ
نفسى بها عنكَ، قبل أن أراكَ، ولئن كنتُ قد فقدتُ ابنًا خليفةً؛ لقد
عُوِّضْتُ ابنًا خليفة لم ألِدْه، وما خسر من اعتاض مثلك، ولا ثكلت أم ملأت
يدها منك، وأنا أسأل الله أجرًا على ما أخذ، وإمتاعًا بما عوض . فقال
المأمون: ما تلد النساء مثل هذه. وماذا أبقت فى هذا الكلام لبلغاء الرجال.
وتُوُفِّيت السيدة زبيدة فى بغداد سنة 216هـ بعد حياة حافلة بالخير والبر، فرحمة الله عليها.
(زبيدة زوجة الرشيد)
أنصتْ.. استمعْ
جيدًا.. تُرَى ما هذا الصوت الغريب القادم من قصر أمير المؤمنين هارون
الرشيد، إنه صوتٌ يشبه دَوِىَّ النحل، تعالَ نقترب من القصر، ها قد اتضح
الصوت: إنهن جوارى زبيدة زوجة الخليفة يحفظْنَ ويرتلْنَ القرآن الكريم.
كانت
زبيدة تتمنى بينها وبين نفسها أن تتزوج من ذلك الشاب اليافع، وها قد تحقق
حلمها الذي كانت تحلم به، فقد عاد ابن عمها هارون الرشيد مع أبيه الخليفة
"المهدى" من ميدان المعركة بعد أن حققا النصر على الروم، وستكون الفرحة
فرحتين، فرحة النصر، وفرحة الزواج من هارون، نصبت الزينات وأقيمت الولائم
التي لم يشهدها أحد من قبل فى بلاد العرب وازينت زبيدة بالحلى والجواهر،
والمسك والعنبر والروائح الطيبة تنتشر فى مكان العرس، والناس مسرورون بهذا
الزواج المبارك.
وتزوجت زبيدة من هارون الرشيد، فملأ الحب قلبيهما،
واستطاعت بذكائها ولباقتها أن تزيد من حبه لها حتى أصبح لايطيق فراقها ولا
يملُّ صحبتها، ولا يرفض لها طلبًا.
ومرت الأيام، وأنجبت زبيدة من هارون
الرشيد ابنها "محمدًا" الأمين وقد أحبته كثيرًا، وكانت شديدة العطف عليه
والرفق به لدرجة أنها بعثت ذات يوم جاريتها إلى الكسائى مؤدبه ومعلمه، وكان
شديدًا عليه، تقول له : "ترفق بالأمين فهو ثمرة فؤادى وقرة عيني".
وتولى
هارون الرشيد الخلافة، فازداد الخير فى البلاد، واتسع ملكه، لدرجة جعلته
يقول للغمامة حين تمر فوقه : "اذهبي فأمطري أَنَّى شئت، فإن خراجك سوف يأتى
إلىَّ".
ورأت "زبيدة" زوجة خليفة المسلمين أن تساهم فى الخير، وفى
إعمار بلاد الإسلام، فحين حجت إلى بيت الله الحرام سنة 186هـ ، وأدركت ما
يتحمله أهل مكة من المشاق والصعوبات فى الحصول على ماء الشرب، دعت خازن
أموالها، وأمرته أن يجمع المهندسين والعمال من أنحاء البلاد، وقالت له :
اعمل ولو تكلَّفتْ ضَرْبةُ الفأس دينارًا. وحُفر البئر ليشرب منه أهل مكة
والحجاج وعرف بعد ذلك ببئر زبيدة.
ولم تكتفِ زبيدة بذلك، بل بَنَتْ
العديد من المساجد والمبانى المفيدة للمسلمين، وأقامتْ الكثير من الآبار
والمنازل على طريق بغداد، حتى يستريح المسافرون، وأرادت زبيدة أن تولى
ابنها الأمين الخلافة بعد أبيه، لكن هارون الرشيد كان يرى أن المأمون وهو
ابنه من زوجة أخرى أحق بالخلافة لذكائه وحلمه، رغم أنه أصغر من الأمين؛
فدخلت زبيدة على الرشيد تعاتبه وتؤاخذه، فقال لها الرشيد : ويحك، إنما هي
أمة محمد (، ورعاية من استرعانى طوقًا بعنقى، وقد عرفت ما بين ابنى، وابنك
يا زبيدة، ابنك ليس أهلا للخلافة؛ فقد زينه فى عينيك ما يزين الولد فى عين
الأبوين، فاتَّقى الله ؛ فوالله إن ابنك لأحب إلىّ، إلا أنها الخلافة لا
تصلح إلا لمن كان أهلا لها، ونحن مسئولون عن هذا الخلق ؛ فما أغنانا أنا
نلقى الله بوِزْرِهِمْ، وننقلبَ إليه بإثمهم ؛ فدعينى حتى أنظر فى أمرى.
وعلى الرغم من ذلك فقد عهد بولاية العهد لابنه "محمد الأمين"، ثم للمأمون
من بعده.
وحين دخل المأمون بغداد بعد مقتل الأمين، وكان صراع قد شب
بينهما حول منصب الخلافة استقبلتْهُ، وقالت له: أهنيكَ بخلافة قد هنأتُ
نفسى بها عنكَ، قبل أن أراكَ، ولئن كنتُ قد فقدتُ ابنًا خليفةً؛ لقد
عُوِّضْتُ ابنًا خليفة لم ألِدْه، وما خسر من اعتاض مثلك، ولا ثكلت أم ملأت
يدها منك، وأنا أسأل الله أجرًا على ما أخذ، وإمتاعًا بما عوض . فقال
المأمون: ما تلد النساء مثل هذه. وماذا أبقت فى هذا الكلام لبلغاء الرجال.
وتُوُفِّيت السيدة زبيدة فى بغداد سنة 216هـ بعد حياة حافلة بالخير والبر، فرحمة الله عليها.