أرجو مساعدتي في فهم ما يلي : 1) من هم الأولياء ؟ 2) ما هي درجات الولاية ؟ 3) هل يجوز تسمية الأولياء " أصحاب الله " ؟
الحمد لله
أولا :
أولياء
الله – بكل وضوح واختصار – هم أهل الإيمان والتقوى ، الذين يراقبون الله
تعالى في جميع شؤونهم ، فيلتزمون أوامره ، ويجتنبون نواهيه .
قال الله
تعالى : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمْ الْبُشْرَى
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ
اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يونس/62-64.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (4/278) :
"
يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ، كما فسرهم ربهم ،
فكل من كان تقيا كان لله وليا : أنه ( لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) فيما
يستقبلون من أهوال القيامة ، ( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) على ما وراءهم في
الدنيا .
وقال عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وغير واحد من السلف : أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذُكِر الله . وقد ورد هذا في حديث مرفوع .
عن
أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن
من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء . قيل : من هم يا رسول الله ؟
لعلنا نحبهم . قال : هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب ،
وجوههم نور على منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا
حزن الناس . ثم قرأ : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) رواه أبو داود بإسناد جيد – وصححه
الألباني في "السلسلة الصحيحة" (7/1369) - " انتهى باختصار وتصرف يسير .
ثانيا :
الولاية
متفاوتة بحسب إيمان العبد وتقواه ، فكل مؤمن له نصيب من ولاية الله ومحبته
وقربه ، ولكن هذا النصيب يتفاوت بحسب الأعمال الصالحة البدنية والقلبية
التي يتقرب بها إلى الله ، وعليه يمكن تقسيم درجات الولاية إلى ثلاث درجات :
1- درجة الظالم لنفسه : وهو المؤمن العاصي ، فهذا له من الولاية بقدر إيمانه وأعماله الصالحة .
2-
المقتصد : وهو المؤمن الذي يحافظ على أوامر الله ، ويجتنب معاصيه ، ولكنه
لا يجتهد في أداء النوافل : وهذا أعلى درجة في الولاية من سابقه .
3-
السابق بالخيرات : وهو الذي يأتي بالنوافل مع الفرائض ، ويبلغ بالعبادات
القلبية لله عز وجل مبالغ عالية ، فهذا في درجات الولاية العالية .
ثم لا شك أن النبوة هي أعلى وأرقى درجات الولاية لله عز وجل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/6) – :
" الناس على ثلاث درجات : ظالم لنفسه ، ومقتصد ، وسابق بالخيرات .
فالظالم لنفسه : العاصي بترك مأمور أو فعل محظور .
والمقتصد : المؤدي الواجبات والتارك المحرمات .
والسابق بالخيرات : المتقرب بما يقدر عليه من فعل واجب ومستحب ، والتارك للمحرم والمكروه .
وإن
كان كل من المقتصد والسابق قد يكون له ذنوب تمحى عنه : إما بتوبة - والله
يحب التوابين ويحب المتطهرين - وإما بحسنات ماحية ، وإما بمصائب مكفرة ،
وإما بغير ذلك . وكل من الصنفين المقتصدين والسابقين من أولياء الله الذين
ذكرهم في كتابه بقوله :
( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون ) ، فحد أولياء الله هم : المؤمنون المتقون .
ولكن ذلك ينقسم : إلى " عام " : وهم المقتصدون .
و " خاص " وهم السابقون ، وإن كان السابقون هم أعلى درجات كالأنبياء والصديقين .
وقد
ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم القسمين في الحديث الذي رواه البخاري
في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أنه قال : (يقول الله : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، وما تقرب
إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى
أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده
التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، فبي يسمع وبي يبصر ، وبي يبطش ، وبي
يمشي ؛ ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء
أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد
له منه) .
وأما الظالم لنفسه من أهل الإيمان : فمعه من ولاية الله بقدر
إيمانه وتقواه ، كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره ، إذ الشخص الواحد قد يجتمع
فيه الحسنات المقتضية للثواب ، والسيئات المقتضية للعقاب ، حتى يمكن أن
يثاب ويعاقب ، وهذا قول جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأئمة الإسلام وأهل السنة والجماعة الذين يقولون : إنه لا يخلد في النار من
في قلبه مثقال ذرة من إيمان " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين – كما في "فتاوى مهمة" (ص/83) -:
"
من كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً ، ومَن لم يكن كذلك فليس بولي لله ،
وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيءٌ من الولاية " انتهى .
ثالثا :
الولاية
ليست حكرا على أحد ، وليست علامة مميزة لطبقة معينة من الناس ، ولا تنال
بالوراثة ولا بالأوسمة ، بل هي رتبة ربانية تبدأ بالقلب محبة وتعظيما لله
عز وجل ، وتترجم إلى واقع عملي ، فيكسب صاحبها حب الله تعالى وولايته .
رابعا :
الولاية
لا تبيح لصاحبها فعل المحرمات ولا ترك الواجبات ، بل إن فعل ذلك فهو دليل
على نقص ولايته لله ، وكذلك لا تبيح لأحد أن يتوجه إلى من يسمون بالأولياء ـ
وقد لا يكونون يستحقون ذلك ـ فيرفعونهم إلى مقام النبوة فلا يردون لهم
أمرا ، ولا يناقشون لهم فكرا ولا رأيا ، وهذا كله من الغلو الذي نهى الله
تعالى عنه ، ومن أعظم أسباب وقوع الشرك في الناس .
وقد يتعدى بعض الناس
هذا الحد فيقع في الشرك الأكبر بسبب الفهم الخاطئ للولاية ومنزلة الأولياء
فتراه يدعوهم من دون الله ويذبح لهم ويقدم لهم القرابين ويطوف حول أضرحتهم .
خامساً :
أما إطلاق "أصحاب الله" على الأولياء ، فلا نعلم ما يدل على صحة هذه التسمية .
وأفضل
أولياء الله تعالى هم الرسل والأنبياء ثم أصحاب الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ولا نعلم أنه ورد إطلاق اسم
"أصحاب الله" على أحد منهم .
وإنما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم تسمية "أهل القرآن" بـ "أهل الله" .
فقد
روى الإمام أحمد (11870) وابن ماجة (215) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: (إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ
وَخَاصَّتُهُ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
(أهلين) جمع أهل .
(أهل القرآن) حفظته القارئون له العاملون بما فيه .
(أهل الله) أي : أولياؤه المختصون به اختصاص أهل الإنسان به .
والله أعلم .