السؤال:
أنا مخطوبة لشاب ملتزم ، مصر علي أني ألبس النقاب بعد كتب الكتاب ، أنا
مقتنعة جدا بالنقاب وإن كان ليس فرضا فهو أفضل ، ولست في غنى عن فضله ،
ولكن أريد أن ألبسه بإرادتي وليس رغما عني ، لذلك طلبت تأجيله سنة واحدة
بعد الزواج أو أقل ، وسألبسه بإذن الله ، فهل يجوز لي أن أشترط على زوجي
هذا وعليه الوفاء به ؟ ، وهل يجوز له أن يوافق على ذلك ؟
الجواب :
الحمد لله
نصيحتنا الشرعية لمثل حالك أن تتخذي قرارك في نفسك بعيدا عن جميع حسابات علاقتك
بخطيبك وحوارك معه حول النقاب ، فتصارحين نفسك في سبب تأخرك رغم أنك ذكرت في سؤالك
" أنك مقتنعة " به ، وتعلمين أنه الأتقى والأفضل عند الله سبحانه وتعالى ، فيبقى
التساؤل في سبب التأخر .
قد يكون الرغبة في التأني أكثر حتى لا تتعجلي في تحمل بعض تبعات لبس النقاب في
بلادكم ، فهذا من تخويف الشيطان وتسويله ، فالبلاد الإسلامية – والحمد لله – بلاد
خير وفضل ، وقد أصبحت اليوم فضاء رحبا من الحريات التي تنفس الناس منها نسائم العزة
والكرامة والعبودية لله سبحانه وتعالى ، فلن يكون النقاب سببا للأذى أو التعرض
بالمساءلة القانونية بعد اليوم بإذن الله ، كما لن يكون عائقا لك عن الاستمرار في
حياتك الاجتماعية أو التعليمية أو العملية ، والفتاة الناجحة هي التي تكون مصدر خير
وسعادة وإصلاح في جميع من حولها ، وكلها وظائف عظيمة ومهمات جليلة تحتاج همة عالية
وصبرا دؤوبا وعقلا راجحا ، ولا تحتاج كشفا للوجه أو تساهلا في اللباس الشرعي .
أما إذا كان سبب التأخير هو ترقب انبعاث النية الصادقة في القلب فهذا دليل خير
وصلاح بإذن الله ، فالمؤمن دائما يرجو بعمله وجه الله تعالى ، ويحتسب الثواب عنده
عز وجل ، ويحرص على إخلاص النية واستحضار ما عند الله في كل حركاته وسكناته ، ولكنه
في الوقت نفسه إن ترك العمل الصالح خشية أن لا تكون له فيه نية خالصة فقد خاب وخسر
؛ لِمَا فوت على نفسه من الفضل والأجر ، خاصة حين يعلم أن تحقيق النية الخالصة لله
تعالى بعد بدء العمل ، والتوبة من أي شوائب سبقت ، كل ذلك كاف في تحصيل الثواب
كاملا عند الله سبحانه ، وتكفير ما سبق من مكدرات الإخلاص .
وقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله :
" تَرْكُ العمل لأجل الناس رياء " انتهى من " الأذكار " (ص/9) .
ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :
" ما دمتَ تجد باعثا دينيا على العمل فلا تترك العمل ، وجاهد خاطر الرياء ، وألزِمْ
قلبك الحياء من الله إذا دعتك نفسك إلى أن تستبدل بحمده حمد المخلوقين ، وهو مطَّلع
على قلبك ، ولو اطلع الخلق على قلبك وأنك تريد حمدهم لَمَقَتوك ، بل إن قدرت على أن
تزيد في العمل حياء من ربك وعقوبة لنفسك فافعل ، فإن قال لك الشيطان : أنت مُراءٍ .
فاعلم كذبَه وخداعه بما تصادف في قلبك مِن كراهة الرياء وإبائه ، وخوفك منه ،
وحيائك من الله تعالى " .
انتهى من " إحياء علوم الدين " (3/ 323) .
كما جاء في " فتاوى الإمام السبكي " رحمه الله (1/166) مبحث مفيد جدا في فهم هذه
الأحوال القلبية ، فكان مما جاء فيه : " العمل بلا إخلاص خير من ترك العمل والإخلاص
، ومن الأدلة في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم : ( أسلمت على ما سلف لك من خير
) على أحد التأويلين فيه ، وهو التعليل ، أي لأجل ما سلف لك من خير ؛ لقوله تعالى :
( على ما هداكم ) [البقرة: 185] فإذا كانت تلك الأعمال لما فيها من النفع ، نفعت
صاحبها مع الكفر حتى أنقذته منه إلى الإسلام ، فما ظنك بأعمال صالحة مع الإسلام ،
خالطها شوب يضمحل بعد حين ؛ وهذا كله في المبتدئ . أما المنتهي أو المتوسط فلا
يحتاج إلى ذلك ، ولا يقع له إن شاء الله ، لأن له من القوة بالله ما يدفع عن قلبه .
وإنما المبتدئ ضعيف ، إن منعناه عن العمل حتى يُخلِصَ قلَّ السالكون ، وانقطعت
الطريق ، وبقيت قلوب أكثر الخلق على كدرها ، واستولت الشياطين عليها ، فليفتح لهم
باب يدخلون فيه إلى الخير ، والله رفيقهم ومعينهم ليحق الحق ويبطل الباطل ، ويصفي
السرائر ، ويظهر ما أكمنه في تلك المعادن ، ويخرج الخبيث وينصع الطيب ويتوكل على
العزيز الرحيم "
وهكذا نقول لكِ أيضا ، السعيد من يستغل الفرصة ويسير مع همته التي أكرمه الله
بانبعاثها في قلبه ، فمن وجد في قلبه همة اليوم للإنفاق والصدقات فلا يؤجلها إلى
الغد ، ولا يستمع إلى تسويل الشيطان بالتأجيل متذرعا بالبحث عن من هو في حاجة أشد ،
فالقلب متقلب ، والنفس تقوى وتضعف ، والعزائم إن لم تتبعها أو تعقبها الأعمال
الصادقة فترت وكلَّت ، وفاتت فرصة الفوز على صاحبها إلى أن يأذن الله عز وجل
بانبعاثها من جديد ، ويدرأ عنه المثبطات التي قد تكون غدا أقوى منها اليوم ، وبهذا
نعلم أن تأجيل الخير وتسويفه طريق خسار في جميع الأحوال .
أنا مخطوبة لشاب ملتزم ، مصر علي أني ألبس النقاب بعد كتب الكتاب ، أنا
مقتنعة جدا بالنقاب وإن كان ليس فرضا فهو أفضل ، ولست في غنى عن فضله ،
ولكن أريد أن ألبسه بإرادتي وليس رغما عني ، لذلك طلبت تأجيله سنة واحدة
بعد الزواج أو أقل ، وسألبسه بإذن الله ، فهل يجوز لي أن أشترط على زوجي
هذا وعليه الوفاء به ؟ ، وهل يجوز له أن يوافق على ذلك ؟
الجواب :
الحمد لله
نصيحتنا الشرعية لمثل حالك أن تتخذي قرارك في نفسك بعيدا عن جميع حسابات علاقتك
بخطيبك وحوارك معه حول النقاب ، فتصارحين نفسك في سبب تأخرك رغم أنك ذكرت في سؤالك
" أنك مقتنعة " به ، وتعلمين أنه الأتقى والأفضل عند الله سبحانه وتعالى ، فيبقى
التساؤل في سبب التأخر .
قد يكون الرغبة في التأني أكثر حتى لا تتعجلي في تحمل بعض تبعات لبس النقاب في
بلادكم ، فهذا من تخويف الشيطان وتسويله ، فالبلاد الإسلامية – والحمد لله – بلاد
خير وفضل ، وقد أصبحت اليوم فضاء رحبا من الحريات التي تنفس الناس منها نسائم العزة
والكرامة والعبودية لله سبحانه وتعالى ، فلن يكون النقاب سببا للأذى أو التعرض
بالمساءلة القانونية بعد اليوم بإذن الله ، كما لن يكون عائقا لك عن الاستمرار في
حياتك الاجتماعية أو التعليمية أو العملية ، والفتاة الناجحة هي التي تكون مصدر خير
وسعادة وإصلاح في جميع من حولها ، وكلها وظائف عظيمة ومهمات جليلة تحتاج همة عالية
وصبرا دؤوبا وعقلا راجحا ، ولا تحتاج كشفا للوجه أو تساهلا في اللباس الشرعي .
أما إذا كان سبب التأخير هو ترقب انبعاث النية الصادقة في القلب فهذا دليل خير
وصلاح بإذن الله ، فالمؤمن دائما يرجو بعمله وجه الله تعالى ، ويحتسب الثواب عنده
عز وجل ، ويحرص على إخلاص النية واستحضار ما عند الله في كل حركاته وسكناته ، ولكنه
في الوقت نفسه إن ترك العمل الصالح خشية أن لا تكون له فيه نية خالصة فقد خاب وخسر
؛ لِمَا فوت على نفسه من الفضل والأجر ، خاصة حين يعلم أن تحقيق النية الخالصة لله
تعالى بعد بدء العمل ، والتوبة من أي شوائب سبقت ، كل ذلك كاف في تحصيل الثواب
كاملا عند الله سبحانه ، وتكفير ما سبق من مكدرات الإخلاص .
وقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله :
" تَرْكُ العمل لأجل الناس رياء " انتهى من " الأذكار " (ص/9) .
ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :
" ما دمتَ تجد باعثا دينيا على العمل فلا تترك العمل ، وجاهد خاطر الرياء ، وألزِمْ
قلبك الحياء من الله إذا دعتك نفسك إلى أن تستبدل بحمده حمد المخلوقين ، وهو مطَّلع
على قلبك ، ولو اطلع الخلق على قلبك وأنك تريد حمدهم لَمَقَتوك ، بل إن قدرت على أن
تزيد في العمل حياء من ربك وعقوبة لنفسك فافعل ، فإن قال لك الشيطان : أنت مُراءٍ .
فاعلم كذبَه وخداعه بما تصادف في قلبك مِن كراهة الرياء وإبائه ، وخوفك منه ،
وحيائك من الله تعالى " .
انتهى من " إحياء علوم الدين " (3/ 323) .
كما جاء في " فتاوى الإمام السبكي " رحمه الله (1/166) مبحث مفيد جدا في فهم هذه
الأحوال القلبية ، فكان مما جاء فيه : " العمل بلا إخلاص خير من ترك العمل والإخلاص
، ومن الأدلة في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم : ( أسلمت على ما سلف لك من خير
) على أحد التأويلين فيه ، وهو التعليل ، أي لأجل ما سلف لك من خير ؛ لقوله تعالى :
( على ما هداكم ) [البقرة: 185] فإذا كانت تلك الأعمال لما فيها من النفع ، نفعت
صاحبها مع الكفر حتى أنقذته منه إلى الإسلام ، فما ظنك بأعمال صالحة مع الإسلام ،
خالطها شوب يضمحل بعد حين ؛ وهذا كله في المبتدئ . أما المنتهي أو المتوسط فلا
يحتاج إلى ذلك ، ولا يقع له إن شاء الله ، لأن له من القوة بالله ما يدفع عن قلبه .
وإنما المبتدئ ضعيف ، إن منعناه عن العمل حتى يُخلِصَ قلَّ السالكون ، وانقطعت
الطريق ، وبقيت قلوب أكثر الخلق على كدرها ، واستولت الشياطين عليها ، فليفتح لهم
باب يدخلون فيه إلى الخير ، والله رفيقهم ومعينهم ليحق الحق ويبطل الباطل ، ويصفي
السرائر ، ويظهر ما أكمنه في تلك المعادن ، ويخرج الخبيث وينصع الطيب ويتوكل على
العزيز الرحيم "
وهكذا نقول لكِ أيضا ، السعيد من يستغل الفرصة ويسير مع همته التي أكرمه الله
بانبعاثها في قلبه ، فمن وجد في قلبه همة اليوم للإنفاق والصدقات فلا يؤجلها إلى
الغد ، ولا يستمع إلى تسويل الشيطان بالتأجيل متذرعا بالبحث عن من هو في حاجة أشد ،
فالقلب متقلب ، والنفس تقوى وتضعف ، والعزائم إن لم تتبعها أو تعقبها الأعمال
الصادقة فترت وكلَّت ، وفاتت فرصة الفوز على صاحبها إلى أن يأذن الله عز وجل
بانبعاثها من جديد ، ويدرأ عنه المثبطات التي قد تكون غدا أقوى منها اليوم ، وبهذا
نعلم أن تأجيل الخير وتسويفه طريق خسار في جميع الأحوال .