السؤال :
ما هي التقية ؟ ومن هم الذين يمارسونها ؟ ففي الفتوى رقم (101272) قلتم
أنها مصطلح خاص بالشيعة وهم وحدهم مَن يمارسها ، لكني تناقشت مع بعض
الأشخاص فقالوا : إن أهل السنة أيضاً يمارسونها. فهل هذا صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
" التقية " بمعناها المعروف المشهور من أصول الرافضة الاثني عشرية التي يخالفون بها
أهل السنة والجماعة ويخرجون بها عن صراط الله المستقيم .
فالتقية في دين هؤلاء هي أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن تديّنا ؛ فينسبون الكذب
والخداع لدين الله ظلما وعدوا .
وليست هذه العقيدة الفاسدة من عقيدة أهل السنة في شيء ؛ فالكذب عند أهل السنة من
صفات المنافقين ، ولا يزال الإنسان يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ،
وهؤلاء يكذبون ويتحرون الكذب في كل شيء ، ثم يجعلون من ذلك اعتقادا ودينا !!
ومنهج أهل السنة والجماعة قائم على الصدق والعدل ، وليس الكذب من دينهم بحمد
الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الرَّافِضَة أَجْهَلُ الطَّوَائِفِ وَأَكْذَبُهَا وَأَبْعَدُهَا عَنْ مَعْرِفَةِ
الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ التَّقِيَّةَ مِنْ أُصُولِ
دِينِهِمْ ، وَيَكْذِبُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ كَذِبًا لَا يُحْصِيهِ إلَّا
اللَّهُ ، حَتَّى يَرْوُوا عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ قَالَ : التَّقِيَّةُ
دِينِي وَدِينُ آبَائِي ، و " التَّقِيَّةُ " هِيَ شِعَارُ النِّفَاقِ ؛ فَإِنَّ
حَقِيقَتَهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ وَهَذَا حَقِيقَةُ النِّفَاقِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (13 /263) .
وقال أيضا :
" وأما الرافضة فأصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد وتعمد الكذب كثير فيهم ، وهم يقرون
بذلك حيث يقولون : ديننا التقية ، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه وهذا
هو الكذب والنفاق ، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة ،
ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق ! فهم في ذلك كما قيل : رمتني بدائها
وانسلّت ، إذ ليس في المظهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم ، ولا يوجد
المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم " .
انتهى من "منهاج السنة النبوية" (1 /30) .
جاء في "الموسوعة الميسرة" في بيان أصول الشيعة (1/ 54) :
" التقية : وهم – يعني الشيعة الإمامية - يعدونها أصلاً من أصول الدين، ومن تركها
كان بمنزلة من ترك الصلاة ، وهي واجبة لا يجوز رفعها حتى يخرج القائم ، فمن تركها
قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية " انتهى .
وقال الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري :
" يعرف المفيد التقية عندهم بقوله: " التقية كتمان الحق ، وستر الاعتقاد فيه ،
وكتمان المخالفين ، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررًا في الدين أو الدنيا " .
فالمفيد يعرف التقية بأنها الكتمان للاعتقاد خشية الضرر من المخالفين - وهم أهلُ
السنة كما هو الغالب في إطلاق هذا اللفظ عندهم - أي هي إظهار مذهب أهل السنة (الذي
يرونه باطلاً) ، وكتمان مذهب الرافضة الذي يرونه هو الحق ، من هنا يرى بعض أهل
السنة : أن أصحاب هذه العقيدة هم شر من المنافقين ؛ لأن المنافقين يعتقدون أن ما
يبطنون من كفر هو باطل، ويتظاهرون بالإسلام خوفًا، وأما هؤلاء فيرون أن ما يبطنون
هو الحق ، وأن طريقتهم هي منهج الرسل والأئمة " انتهى من "أصول مذهب الشيعة
الإمامية" (2/ 805) .
ثانيا :
توجد التقية - كفكرة طارئة ، أو رخصة عارضة- عند أهل السنة ، ولكنها تختلف عن
التقية عند الرافضة جملا وتفصيلا ؛ فهي عند أهل السنة حالة اضطرارية خلاف الأصل
ألجأت إليها الضرورة والحاجة الشديدة .
قال ابن القيم رحمه الله :
" التقية أن يقول العبد خلاف ما يعتقده لاتقاء مكروه يقع به لو لم يتكلم بالتقية "
.
انتهى من "أحكام أهل الذمة" (2 /1038) .
وأصل جوازها قول الله تعالى : ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ
اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران/ 28.
قال ابن كثير رحمه الله :
" قوله: ( إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) أي: إلا من خاف في بعض البلدان
أو الأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ؛ كما حكاه البخاري عن
أبي الدرداء أنه قال: " إنَّا لَنَكْشرُ فِي وُجُوهِ أقْوَامٍ وَقُلُوبُنَا
تَلْعَنُهُمْ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 /30) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/186-187) :
" مَذْهَبُ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْل السُّنَّةِ أَنَّ الأْصْل فِي التَّقِيَّةِ
هُوَ الْحَظْرُ ، وَجَوَازُهَا ضَرُورَةٌ ، فَتُبَاحُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ، قَال
الْقُرْطُبِيُّ : وَالتَّقِيَّةُ لاَ تَحِل إِلاَّ مَعَ خَوْفِ الْقَتْل أَوِ
الْقَطْعِ أَوِ الإْيذَاءِ الْعَظِيمِ ، وَلَمْ يُنْقَل مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ
فِيمَا نَعْلَمُ إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ،
وَمُجَاهِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ " انتهى .
ويُشْتَرَطُ لِجَوَازِ التَّقِيَّةِ عندَ أهلِ السنّةِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خَوْفٌ
مِنْ مَكْرُوهٍ ، وأَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمُكَلَّفِ مُخَلِّصٌ مِنَ الأْذَى إِلاَّ
بِالتَّقِيَّةِ ، وَيُشْتَرَطُ أيْضا أَنْ يَكُونَ الأْذَى الْمَخُوفُ وُقُوعُهُ
مِمَّا يَشُقُّ احْتِمَالُهُ.
كما يَنْبَغِي لِمَنْ يَأْخُذُ بِالتَّقِيَّةِ أَنْ يُلاَحِظَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ
لَهُ مُخَلِّصٌ غَيْرُ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَلْجَأَ إِلَيْهِ ،
وأَنْ يُلاَحِظَ عَدَمَ الاِنْسِيَاقِ مَعَ الرُّخْصَةِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَدِّ
التَّقِيَّةِ إِلَى حَدِّ الاِنْحِلاَل بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ
انْقِضَاءِ الضَّرُورَةِ ، وَأَصْل ذَلِكَ مَا قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ
الْمُضْطَرِّ : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ التَّقِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَال
: ( لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ
أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) فَحَذَّرَ
تَعَالَى مِنْ نَفْسِهِ لِئَلاَّ يَغْتَرَّ الْمُتَّقِي وَيَتَمَادَى .
وَأَنْ يُلاَحِظَ النِّيَّةَ ، فَيَنْوِيَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَل الْحَرَامَ
لِلضَّرُورَةِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ إِلاَّ أَنَّهُ يَأْخُذُ
بِرُخْصَةِ اللَّهِ ، فَإِنْ فَعَلَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ سَهْلٌ وَلاَ بَأْسَ
بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الإْثْمِ ".
راجع : "الموسوعة الفقهية" (191-200) .
وقال الدكتور ناصر القفاري :
" التقية في الإسلام غالبًا إنما هي مع الكفار، قال تعالى: ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ
مِنْهُمْ تُقَاةً ) ، قال ابن جرير الطبري : "التقية التي ذكرها الله في هذه الآية
إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم"
ولهذا يرى بعض السلف أنه لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام ، قال معاذ بن جبل،
ومجاهد: كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين ، أما اليوم فقد أعز الله
المسلمين أن يتقوا منهم تقاة .
ولكن تقية الشيعة هي مع المسلمين ، ولاسيما أهل السنة ، حتى إنهم يرون عصر القرون
المفضلة عهد تقية كما قرره شيخهم المفيد ، وكما تلحظ ذلك في نصوصهم التي ينسبونها
للأئمة ؛ لأنهم يرون أهل السنة أشد كفرًا من اليهود والنصارى ؛ لأن مُنكِر إمامة
الاثني عشر أشد من منكر النبوة .
والتقية – يعني عند أهل السنة - رخصة في حالة الاضطرار، ولذلك استثناها الله -
سبحانه - من مبدأ النهي عن موالاة الكفار فقال - سبحانه -: ( لاَّ يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ
ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً
وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) .
فنهى الله - سبحانه - عن موالاة الكفار، وتوعد على ذلك أبلغ الوعيد فقال: ( وَمَن
يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ) أي ومن يرتكب نهي الله في هذا ،
فقد برئ من الله ، ثم قال - سبحانه -: ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً )
أي: إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه
ونيته.
وأجمع أهل العلم على أن التقية رخصة في حال الضرورة ، قال ابن المنذر: "أجمعوا على
أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل ، فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان : أنه لا
يحكم عليه بالكفر".
ولكن من اختار العزيمة في هذا المقام فهو أفضل ، قال ابن بطال: "وأجمعوا على أن من
أكره على الكفر واختار القتل : أنه أعظم أجرًا عند الله ".
ولكن التقية التي عند الشيعة خلاف ذلك ، فهي عندهم ليست رخصة ، بل هي ركن من أركان
دينهم ، كالصلاة أو أعظم " انتهى من "أصول مذهب الشيعة الإمامية" (2/ 806-807) .
والخلاصة :
أن هناك فرقا كبيرا بين التقية في دين الله وبين التقية في دين الرافضة , فهي في
الإسلام رخصة عند الضرورة ، وعند الرافضة تسعة أعشار الدين ولا دين لمن لا تقية له
عندهم .
قال ابن بابويه : " اعتقادنا في التقية أنها واجبة ، من تركها كان بمنزلة من ترك
الصلاة " .
انتهى من "الاعتقادات" ( ص114) .
وقال الصادق : " لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقًا " .
"جامع الأخبار" (ص110) ، "بحار الأنوار" (75/412،414) .
فشتان ما بين الأمرين !!
والله أعلم .
ما هي التقية ؟ ومن هم الذين يمارسونها ؟ ففي الفتوى رقم (101272) قلتم
أنها مصطلح خاص بالشيعة وهم وحدهم مَن يمارسها ، لكني تناقشت مع بعض
الأشخاص فقالوا : إن أهل السنة أيضاً يمارسونها. فهل هذا صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
" التقية " بمعناها المعروف المشهور من أصول الرافضة الاثني عشرية التي يخالفون بها
أهل السنة والجماعة ويخرجون بها عن صراط الله المستقيم .
فالتقية في دين هؤلاء هي أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن تديّنا ؛ فينسبون الكذب
والخداع لدين الله ظلما وعدوا .
وليست هذه العقيدة الفاسدة من عقيدة أهل السنة في شيء ؛ فالكذب عند أهل السنة من
صفات المنافقين ، ولا يزال الإنسان يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ،
وهؤلاء يكذبون ويتحرون الكذب في كل شيء ، ثم يجعلون من ذلك اعتقادا ودينا !!
ومنهج أهل السنة والجماعة قائم على الصدق والعدل ، وليس الكذب من دينهم بحمد
الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الرَّافِضَة أَجْهَلُ الطَّوَائِفِ وَأَكْذَبُهَا وَأَبْعَدُهَا عَنْ مَعْرِفَةِ
الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ التَّقِيَّةَ مِنْ أُصُولِ
دِينِهِمْ ، وَيَكْذِبُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ كَذِبًا لَا يُحْصِيهِ إلَّا
اللَّهُ ، حَتَّى يَرْوُوا عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ قَالَ : التَّقِيَّةُ
دِينِي وَدِينُ آبَائِي ، و " التَّقِيَّةُ " هِيَ شِعَارُ النِّفَاقِ ؛ فَإِنَّ
حَقِيقَتَهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ وَهَذَا حَقِيقَةُ النِّفَاقِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (13 /263) .
وقال أيضا :
" وأما الرافضة فأصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد وتعمد الكذب كثير فيهم ، وهم يقرون
بذلك حيث يقولون : ديننا التقية ، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه وهذا
هو الكذب والنفاق ، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة ،
ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق ! فهم في ذلك كما قيل : رمتني بدائها
وانسلّت ، إذ ليس في المظهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم ، ولا يوجد
المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم " .
انتهى من "منهاج السنة النبوية" (1 /30) .
جاء في "الموسوعة الميسرة" في بيان أصول الشيعة (1/ 54) :
" التقية : وهم – يعني الشيعة الإمامية - يعدونها أصلاً من أصول الدين، ومن تركها
كان بمنزلة من ترك الصلاة ، وهي واجبة لا يجوز رفعها حتى يخرج القائم ، فمن تركها
قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية " انتهى .
وقال الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري :
" يعرف المفيد التقية عندهم بقوله: " التقية كتمان الحق ، وستر الاعتقاد فيه ،
وكتمان المخالفين ، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررًا في الدين أو الدنيا " .
فالمفيد يعرف التقية بأنها الكتمان للاعتقاد خشية الضرر من المخالفين - وهم أهلُ
السنة كما هو الغالب في إطلاق هذا اللفظ عندهم - أي هي إظهار مذهب أهل السنة (الذي
يرونه باطلاً) ، وكتمان مذهب الرافضة الذي يرونه هو الحق ، من هنا يرى بعض أهل
السنة : أن أصحاب هذه العقيدة هم شر من المنافقين ؛ لأن المنافقين يعتقدون أن ما
يبطنون من كفر هو باطل، ويتظاهرون بالإسلام خوفًا، وأما هؤلاء فيرون أن ما يبطنون
هو الحق ، وأن طريقتهم هي منهج الرسل والأئمة " انتهى من "أصول مذهب الشيعة
الإمامية" (2/ 805) .
ثانيا :
توجد التقية - كفكرة طارئة ، أو رخصة عارضة- عند أهل السنة ، ولكنها تختلف عن
التقية عند الرافضة جملا وتفصيلا ؛ فهي عند أهل السنة حالة اضطرارية خلاف الأصل
ألجأت إليها الضرورة والحاجة الشديدة .
قال ابن القيم رحمه الله :
" التقية أن يقول العبد خلاف ما يعتقده لاتقاء مكروه يقع به لو لم يتكلم بالتقية "
.
انتهى من "أحكام أهل الذمة" (2 /1038) .
وأصل جوازها قول الله تعالى : ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ
اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران/ 28.
قال ابن كثير رحمه الله :
" قوله: ( إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) أي: إلا من خاف في بعض البلدان
أو الأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ؛ كما حكاه البخاري عن
أبي الدرداء أنه قال: " إنَّا لَنَكْشرُ فِي وُجُوهِ أقْوَامٍ وَقُلُوبُنَا
تَلْعَنُهُمْ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 /30) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/186-187) :
" مَذْهَبُ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْل السُّنَّةِ أَنَّ الأْصْل فِي التَّقِيَّةِ
هُوَ الْحَظْرُ ، وَجَوَازُهَا ضَرُورَةٌ ، فَتُبَاحُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ، قَال
الْقُرْطُبِيُّ : وَالتَّقِيَّةُ لاَ تَحِل إِلاَّ مَعَ خَوْفِ الْقَتْل أَوِ
الْقَطْعِ أَوِ الإْيذَاءِ الْعَظِيمِ ، وَلَمْ يُنْقَل مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ
فِيمَا نَعْلَمُ إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ،
وَمُجَاهِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ " انتهى .
ويُشْتَرَطُ لِجَوَازِ التَّقِيَّةِ عندَ أهلِ السنّةِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خَوْفٌ
مِنْ مَكْرُوهٍ ، وأَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمُكَلَّفِ مُخَلِّصٌ مِنَ الأْذَى إِلاَّ
بِالتَّقِيَّةِ ، وَيُشْتَرَطُ أيْضا أَنْ يَكُونَ الأْذَى الْمَخُوفُ وُقُوعُهُ
مِمَّا يَشُقُّ احْتِمَالُهُ.
كما يَنْبَغِي لِمَنْ يَأْخُذُ بِالتَّقِيَّةِ أَنْ يُلاَحِظَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ
لَهُ مُخَلِّصٌ غَيْرُ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَلْجَأَ إِلَيْهِ ،
وأَنْ يُلاَحِظَ عَدَمَ الاِنْسِيَاقِ مَعَ الرُّخْصَةِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَدِّ
التَّقِيَّةِ إِلَى حَدِّ الاِنْحِلاَل بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ
انْقِضَاءِ الضَّرُورَةِ ، وَأَصْل ذَلِكَ مَا قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ
الْمُضْطَرِّ : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ التَّقِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَال
: ( لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ
أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) فَحَذَّرَ
تَعَالَى مِنْ نَفْسِهِ لِئَلاَّ يَغْتَرَّ الْمُتَّقِي وَيَتَمَادَى .
وَأَنْ يُلاَحِظَ النِّيَّةَ ، فَيَنْوِيَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَل الْحَرَامَ
لِلضَّرُورَةِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ إِلاَّ أَنَّهُ يَأْخُذُ
بِرُخْصَةِ اللَّهِ ، فَإِنْ فَعَلَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ سَهْلٌ وَلاَ بَأْسَ
بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الإْثْمِ ".
راجع : "الموسوعة الفقهية" (191-200) .
وقال الدكتور ناصر القفاري :
" التقية في الإسلام غالبًا إنما هي مع الكفار، قال تعالى: ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ
مِنْهُمْ تُقَاةً ) ، قال ابن جرير الطبري : "التقية التي ذكرها الله في هذه الآية
إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم"
ولهذا يرى بعض السلف أنه لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام ، قال معاذ بن جبل،
ومجاهد: كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين ، أما اليوم فقد أعز الله
المسلمين أن يتقوا منهم تقاة .
ولكن تقية الشيعة هي مع المسلمين ، ولاسيما أهل السنة ، حتى إنهم يرون عصر القرون
المفضلة عهد تقية كما قرره شيخهم المفيد ، وكما تلحظ ذلك في نصوصهم التي ينسبونها
للأئمة ؛ لأنهم يرون أهل السنة أشد كفرًا من اليهود والنصارى ؛ لأن مُنكِر إمامة
الاثني عشر أشد من منكر النبوة .
والتقية – يعني عند أهل السنة - رخصة في حالة الاضطرار، ولذلك استثناها الله -
سبحانه - من مبدأ النهي عن موالاة الكفار فقال - سبحانه -: ( لاَّ يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ
ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً
وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) .
فنهى الله - سبحانه - عن موالاة الكفار، وتوعد على ذلك أبلغ الوعيد فقال: ( وَمَن
يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ) أي ومن يرتكب نهي الله في هذا ،
فقد برئ من الله ، ثم قال - سبحانه -: ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً )
أي: إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه
ونيته.
وأجمع أهل العلم على أن التقية رخصة في حال الضرورة ، قال ابن المنذر: "أجمعوا على
أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل ، فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان : أنه لا
يحكم عليه بالكفر".
ولكن من اختار العزيمة في هذا المقام فهو أفضل ، قال ابن بطال: "وأجمعوا على أن من
أكره على الكفر واختار القتل : أنه أعظم أجرًا عند الله ".
ولكن التقية التي عند الشيعة خلاف ذلك ، فهي عندهم ليست رخصة ، بل هي ركن من أركان
دينهم ، كالصلاة أو أعظم " انتهى من "أصول مذهب الشيعة الإمامية" (2/ 806-807) .
والخلاصة :
أن هناك فرقا كبيرا بين التقية في دين الله وبين التقية في دين الرافضة , فهي في
الإسلام رخصة عند الضرورة ، وعند الرافضة تسعة أعشار الدين ولا دين لمن لا تقية له
عندهم .
قال ابن بابويه : " اعتقادنا في التقية أنها واجبة ، من تركها كان بمنزلة من ترك
الصلاة " .
انتهى من "الاعتقادات" ( ص114) .
وقال الصادق : " لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقًا " .
"جامع الأخبار" (ص110) ، "بحار الأنوار" (75/412،414) .
فشتان ما بين الأمرين !!
والله أعلم .