لدي مشكلة غريبة جدّاً ، زوجي الذي يتميز بطبعه
الحريص جدّاً ، لديه طابع سيء جدّاً ، فعندما تواجهنا بعض الصعوبات : يقول
أشياء مثل : " لماذا يفعل الله معنا نحن هكذا من دون الناس ؟ " ، و " إن
الله تعالى يستهزئ بنا ، وهو الآن يضحك علينا !! " ( أستغفر الله ) ،
ولكنني أرى هذه الصعوبات كفارة لسيئاتنا ، أما هو فليس عنده سوى هذه
الكلمات ، وإنني في هذه الحالة أظل صامتة ؛ لأنني من خلال تجربتي معه :
رأيت أن محاولة إسكاته تزيد الطين بلة ، أما إن بقيت صامتة : فإنه يسكت بعد
جملة ، أو جملتين .
وسؤالي هو : هل أفعل الصواب ؟ أشعر أنه عليَّ إسكاته بطريقة ما ، وأن أجعله
يظل صامتاً ، ولكنني بالفعل لا أدري ماذا أفعل ؟ أسأل الله تعالي أن يغفر
لزوجي ، ولكن ماذا ترى أني فاعلة ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
ما قاله الزوج عظيم في حق الله ، يبعث على الأسى ، ويصيب القلب بالكمد ، فكيف لمسلم
أنعم الله تعالى بخير دين ، وأنعم الله بنعَم لا يمكنه إحصاءها ، ثم يأتي ويعترض
على قدر الله تعالى ، ويطعن بحكمته ؟! إنها لإحدى الكُبَر ، ثم لا يكتفي بهذا حتى
يجعل ربه تعالى في موقف الساخر منه ، المستهزئ به ، الضاحك عليه ! فكيف يجرؤ من
أنعم الله عليه بلسان يتكلم أن ينطق بهذا ؟! وكيف لمنتسب للإسلام أن يتفوه بذلك
الكلام العظيم في حق ربه عز وجل ؟! .
إن ما قاله الزوج من الاعتراض على قدر الله تعالى ، والطعن بحكمته ، وسؤاله لماذا
يفعل الله معنا هكذا " : فهو من التسخط على قدر الله ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد
يؤدي به إلى الكفر المخرج من الملة ؛ فهو طريق موصل إلى الردة ، والله تعالى له
الحكمة البالغة فيما يفعل ويقدِّر ، وهو تعالى ( لاً يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ
وَهُمْ يُسْئَلونَ ) الأنبياء/ 23 .
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ
عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا
ابْتَلاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) .
رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
الناس حال المصيبة على مراتب أربع :
المرتبة الأولى : التسخط وهو على أنواع :
النوع الأول : أن يكون بالقلب ، كأن يتسخط على ربه ، يغتاظ مما قدَّره الله عليه :
فهذا حرام ، وقد يؤدي إلى الكفر ، قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ
اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ
فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ) .
النوع الثاني : أن يكون باللسان ، كالدعاء بالويل ، والثبور ، وما أشبه ذلك ، وهذا
حرام .
النوع الثالث : أن يكون بالجوارح ، كلطم الخدود ، وشق الجيوب ، ونتف الشعور ، وما
أشبه ذلك ، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / 110 ) .
ثانيا :
إذا ابتلى الله عبده بالمصائب لم يكن ذلك علامة على أنه غير مرضي عند الله ، وقد
صحح الله تعالى هذا الظن الخاطئ عند الناس ، فقال تعالى : ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ
إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي
أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ
رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ
عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا *
وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) الفجر/15-20 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو ، وأنه جاهل ظالم ، لا علم له بالعواقب ،
يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول ، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه
عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه ، وأنه إذا { قدر عَلَيْهِ رِزْقُهُ } أي :
ضيقه ، فصار بقدر قوته لا يفضل منه ، أن هذا إهانة من الله له ، فرد الله عليه هذا
الحسبان بقوله { كَلا } أي : ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليَّ ، ولا
كل من قَدَرْتُ عليه رزقه فهو مهان لدي ، وإنما الغنى والفقر ، والسعة والضيق :
ابتلاء من الله ، وامتحان يمتحن به العباد ، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر ،
فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل " انتهى . "
تفسير السعدي" (924) .
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير الناس ، وأعلم الناس ، وأخشاهم ، وأتقاهم ،
قد ابتلي كثيراً ، فاتهم في عقله ، وطعن في عرضه ، وجُرح وكُسرت رَباعيته ، مع ما
لاقاه صلى الله عليه وسلم من الأذى من كفار قريش ، وسفهاء الطائف ، وغيرهم ، بل إنه
صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه أنه قال (
إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) رواه أحمد .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله – تعليقاً على الحديث السابق وما في معناه - :
و في هذه الأحاديث : دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً : ازداد
ابتلاء ، وامتحاناً ، والعكس بالعكس ، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام ، الذين
يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء ، كالحبس ، أو الطرد ، أو الإقالة من الوظيفة ،
ونحوها : أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى ! و هو ظن باطل ، فهذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر : كان أشد الناس - حتى الأنبياء -
بلاءً ، فالبلاء – غالباً - دليل خير ، وليس نذير شر .
" السلسلة الصحيحة " ( 1 / 144 ) .
وينظر جواب السؤال رقم (
71236 ) ففيه بيان موقف المؤمن من الابتلاء .
وينظر جواب السؤال رقم (
112905 ) ففيه بيان كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع
درجاته .
ثالثا :
إن تصوير زوجكِ الربَّ تعالى بما قاله في حقه : من استهزائه به ، وضحكه عليه : من
ظن السوء بالله جل جلاله ، الذي هو أولى بكل جميل ؛ بل ذلك من الكفر المخرج من
الملة ؛ لدخوله في تنقص قدر الرب تعالى ، ولدخوله في حكم الاستهزاء به عز وجل ،
ولتشبيه الله تعالى بأفعال الناقصين من البشر ، وكل ذلك كفر بالله تعالى ، لا
يُختلف فيه .
قال تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ
وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ
تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ
مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ) التوبة/ 65 .
وليس شرطاً أن يكون ذلك الزوج عالماً أنه قد جاء بالكفر المخرج من الملة ، فالحكم
على فعله وقوله هو للشرع ، وليس له .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في شرح الآيات السابقة - :
فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً ، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفرٍ ،
فبيَّن أن الاستهزاء بالله ، وآياته ، ورسوله : كفرٌ ، يكفر به صاحبه بعد إيمانه ،
فدلَّ على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ، ففعلوا هذا المحرم الذي عرَفوا أنَّه محرم ،
ولكن لم يظنوه كفراً ، وكان كفراً كفروا به ، فإنهم لم يعتقدوا جوازه .
" مجموع الفتاوى " ( 7 / 273 ) .
رابعا :
على الأخت السائلة أن تعلم هذا ، وأن تُخبر به زوجها ، وعليها أن تطلب منه أن يتلفظ
بالشهادتين ، ويتوب على ما صدر منه من كلمات ، ويندم عليها ، ويعزم على عدم العود
لها ، أو لمثلها .
وإذا كان زوجك بهذه الحال التي وردت في السؤال ، من الجهل والتمادي في غيه عند نصحك
له : فحاولي أن تكلميه في وقت هدوئه وراحة باله ، وبيني له عاقبة ما يقول ويفعل ،
وإذا كان في إمكانك أن تستعيني عليه بشيخ ثقة ، يبين له سوء ما هو عليه : فهو حسن
إن شاء الله ، ولعل احتشامه من شخص غريب له هيئة ومنزلة : لعل ذلك أن يمنعه عن
المبالغة في غيه وضلاله عند نصحه .
بل لا تمكنيه من نفسك حتى يتوب ، وأعلميه أنه لا يحل لك البقاء مع زوج يقول مثل ذلك
في حق الله تعالى .
فإن أصر على ما هو فيه من سوء الطباع ، ورذيل الأقوال والأفعال ، ولم يبد ندما على
ما بدر منه ، ولا توبة إلى الله عز وجل ، وانتهاء عما يقول ويفعل : فلا خير لك في
البقاء مع زوج هذه حاله ، فاتركيه وما هو فيه ، واحفظي ـ أنت عليك ـ دينك ، وعرضك .
وانظري أجوبة الأسئلة : (
103082 ) و (
21690 ) و (
89722 ) .
(
126019 ) كلمات وأمثال فيها اعتراض على أفعال الله ، وطعن في حكمته ، وعدله .
والله أعلم
الحريص جدّاً ، لديه طابع سيء جدّاً ، فعندما تواجهنا بعض الصعوبات : يقول
أشياء مثل : " لماذا يفعل الله معنا نحن هكذا من دون الناس ؟ " ، و " إن
الله تعالى يستهزئ بنا ، وهو الآن يضحك علينا !! " ( أستغفر الله ) ،
ولكنني أرى هذه الصعوبات كفارة لسيئاتنا ، أما هو فليس عنده سوى هذه
الكلمات ، وإنني في هذه الحالة أظل صامتة ؛ لأنني من خلال تجربتي معه :
رأيت أن محاولة إسكاته تزيد الطين بلة ، أما إن بقيت صامتة : فإنه يسكت بعد
جملة ، أو جملتين .
وسؤالي هو : هل أفعل الصواب ؟ أشعر أنه عليَّ إسكاته بطريقة ما ، وأن أجعله
يظل صامتاً ، ولكنني بالفعل لا أدري ماذا أفعل ؟ أسأل الله تعالي أن يغفر
لزوجي ، ولكن ماذا ترى أني فاعلة ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
ما قاله الزوج عظيم في حق الله ، يبعث على الأسى ، ويصيب القلب بالكمد ، فكيف لمسلم
أنعم الله تعالى بخير دين ، وأنعم الله بنعَم لا يمكنه إحصاءها ، ثم يأتي ويعترض
على قدر الله تعالى ، ويطعن بحكمته ؟! إنها لإحدى الكُبَر ، ثم لا يكتفي بهذا حتى
يجعل ربه تعالى في موقف الساخر منه ، المستهزئ به ، الضاحك عليه ! فكيف يجرؤ من
أنعم الله عليه بلسان يتكلم أن ينطق بهذا ؟! وكيف لمنتسب للإسلام أن يتفوه بذلك
الكلام العظيم في حق ربه عز وجل ؟! .
إن ما قاله الزوج من الاعتراض على قدر الله تعالى ، والطعن بحكمته ، وسؤاله لماذا
يفعل الله معنا هكذا " : فهو من التسخط على قدر الله ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد
يؤدي به إلى الكفر المخرج من الملة ؛ فهو طريق موصل إلى الردة ، والله تعالى له
الحكمة البالغة فيما يفعل ويقدِّر ، وهو تعالى ( لاً يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ
وَهُمْ يُسْئَلونَ ) الأنبياء/ 23 .
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ
عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا
ابْتَلاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) .
رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
الناس حال المصيبة على مراتب أربع :
المرتبة الأولى : التسخط وهو على أنواع :
النوع الأول : أن يكون بالقلب ، كأن يتسخط على ربه ، يغتاظ مما قدَّره الله عليه :
فهذا حرام ، وقد يؤدي إلى الكفر ، قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ
اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ
فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ) .
النوع الثاني : أن يكون باللسان ، كالدعاء بالويل ، والثبور ، وما أشبه ذلك ، وهذا
حرام .
النوع الثالث : أن يكون بالجوارح ، كلطم الخدود ، وشق الجيوب ، ونتف الشعور ، وما
أشبه ذلك ، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / 110 ) .
ثانيا :
إذا ابتلى الله عبده بالمصائب لم يكن ذلك علامة على أنه غير مرضي عند الله ، وقد
صحح الله تعالى هذا الظن الخاطئ عند الناس ، فقال تعالى : ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ
إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي
أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ
رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ
عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا *
وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) الفجر/15-20 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو ، وأنه جاهل ظالم ، لا علم له بالعواقب ،
يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول ، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه
عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه ، وأنه إذا { قدر عَلَيْهِ رِزْقُهُ } أي :
ضيقه ، فصار بقدر قوته لا يفضل منه ، أن هذا إهانة من الله له ، فرد الله عليه هذا
الحسبان بقوله { كَلا } أي : ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليَّ ، ولا
كل من قَدَرْتُ عليه رزقه فهو مهان لدي ، وإنما الغنى والفقر ، والسعة والضيق :
ابتلاء من الله ، وامتحان يمتحن به العباد ، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر ،
فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل " انتهى . "
تفسير السعدي" (924) .
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير الناس ، وأعلم الناس ، وأخشاهم ، وأتقاهم ،
قد ابتلي كثيراً ، فاتهم في عقله ، وطعن في عرضه ، وجُرح وكُسرت رَباعيته ، مع ما
لاقاه صلى الله عليه وسلم من الأذى من كفار قريش ، وسفهاء الطائف ، وغيرهم ، بل إنه
صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه أنه قال (
إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) رواه أحمد .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله – تعليقاً على الحديث السابق وما في معناه - :
و في هذه الأحاديث : دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً : ازداد
ابتلاء ، وامتحاناً ، والعكس بالعكس ، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام ، الذين
يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء ، كالحبس ، أو الطرد ، أو الإقالة من الوظيفة ،
ونحوها : أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى ! و هو ظن باطل ، فهذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر : كان أشد الناس - حتى الأنبياء -
بلاءً ، فالبلاء – غالباً - دليل خير ، وليس نذير شر .
" السلسلة الصحيحة " ( 1 / 144 ) .
وينظر جواب السؤال رقم (
71236 ) ففيه بيان موقف المؤمن من الابتلاء .
وينظر جواب السؤال رقم (
112905 ) ففيه بيان كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع
درجاته .
ثالثا :
إن تصوير زوجكِ الربَّ تعالى بما قاله في حقه : من استهزائه به ، وضحكه عليه : من
ظن السوء بالله جل جلاله ، الذي هو أولى بكل جميل ؛ بل ذلك من الكفر المخرج من
الملة ؛ لدخوله في تنقص قدر الرب تعالى ، ولدخوله في حكم الاستهزاء به عز وجل ،
ولتشبيه الله تعالى بأفعال الناقصين من البشر ، وكل ذلك كفر بالله تعالى ، لا
يُختلف فيه .
قال تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ
وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ
تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ
مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ) التوبة/ 65 .
وليس شرطاً أن يكون ذلك الزوج عالماً أنه قد جاء بالكفر المخرج من الملة ، فالحكم
على فعله وقوله هو للشرع ، وليس له .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في شرح الآيات السابقة - :
فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً ، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفرٍ ،
فبيَّن أن الاستهزاء بالله ، وآياته ، ورسوله : كفرٌ ، يكفر به صاحبه بعد إيمانه ،
فدلَّ على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ، ففعلوا هذا المحرم الذي عرَفوا أنَّه محرم ،
ولكن لم يظنوه كفراً ، وكان كفراً كفروا به ، فإنهم لم يعتقدوا جوازه .
" مجموع الفتاوى " ( 7 / 273 ) .
رابعا :
على الأخت السائلة أن تعلم هذا ، وأن تُخبر به زوجها ، وعليها أن تطلب منه أن يتلفظ
بالشهادتين ، ويتوب على ما صدر منه من كلمات ، ويندم عليها ، ويعزم على عدم العود
لها ، أو لمثلها .
وإذا كان زوجك بهذه الحال التي وردت في السؤال ، من الجهل والتمادي في غيه عند نصحك
له : فحاولي أن تكلميه في وقت هدوئه وراحة باله ، وبيني له عاقبة ما يقول ويفعل ،
وإذا كان في إمكانك أن تستعيني عليه بشيخ ثقة ، يبين له سوء ما هو عليه : فهو حسن
إن شاء الله ، ولعل احتشامه من شخص غريب له هيئة ومنزلة : لعل ذلك أن يمنعه عن
المبالغة في غيه وضلاله عند نصحه .
بل لا تمكنيه من نفسك حتى يتوب ، وأعلميه أنه لا يحل لك البقاء مع زوج يقول مثل ذلك
في حق الله تعالى .
فإن أصر على ما هو فيه من سوء الطباع ، ورذيل الأقوال والأفعال ، ولم يبد ندما على
ما بدر منه ، ولا توبة إلى الله عز وجل ، وانتهاء عما يقول ويفعل : فلا خير لك في
البقاء مع زوج هذه حاله ، فاتركيه وما هو فيه ، واحفظي ـ أنت عليك ـ دينك ، وعرضك .
وانظري أجوبة الأسئلة : (
103082 ) و (
21690 ) و (
89722 ) .
(
126019 ) كلمات وأمثال فيها اعتراض على أفعال الله ، وطعن في حكمته ، وعدله .
والله أعلم