هل تشريع الأحكام الوضعية ، ووضع دستور للحكم به
بدلا من شرع الله أمر مختلف فيه بين أهل العلم ، وكلا القولين من أقوال أهل
السنة ؟ حيث دار نقاش بين إخوة في : هل هذا العمل كفر مخرج من الملة أم هو
معصية ؟ نرجو البيان والتوضيح .
وهل يحق للمقلد أخذ أي القولين أم لا ؟
وهل للعلامة ابن العثيمين قول في آخر حياته يقول إن التشريع معصية خلافا
لقوله الأول أنه كفر أكبر ؟ .
الحمد الله
أولا :
تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله في الدماء والأعراض والأموال ،
كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام ، لا شك في ذلك ولا ريب ، ولا خلاف فيه بين علماء
الإسلام ، فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه ، ومضادة له في شرعه ، وقد قال
تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ
بِهِ اللَّهُ ) الشورى/21 .
وقال سبحانه في طاعة من أباح الميتة: ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ
اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى
أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
) الأنعام/121 .
وقال سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ
صُدُودًا ) النساء/60، 61 .
وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت ، فكيف بالطاغوت نفسه الذي
يشرع من دون الله .
وكيف لا يكون التشريع المخالف لشرع الله كفرا ، وهو لابد يتضمن تحليل الحرام ،
وتحريم الحلال ، أو إعطاء المشرعين الحق في ذلك ، فلهم أن يحلوا ما شاءوا ، وأن
يحرموا ما أرادوا ، وما اتفق عليه أغلبيتهم كان واجب التنفيذ ، يعاقب ويجرّم من
يخالفه ، وهذا غاية الكفر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو
حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدا باتفاق
الفقهاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/267).
وقال ابن كثير رحمه الله : " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله
خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى
الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين " انتهى من "البداية
والنهاية" (13/139).
و(الياسا) ويقال : (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم
إليها .
ولاشك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرا وضلالا ممن تحاكم إليه .
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا
يشرك في حكمه أحدا) ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله.
وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة
الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق
وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم
مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله
تعالى ـ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا
تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ، وقوله تعالى عن
نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) ، وقوله تعالى:
(إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا،
أي وذلك باتباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي
شركاء في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم...) الآية.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله
تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله...) الآية ، فبين له أنهم
أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو
اتخاذهم إياهم أربابا.
ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن
يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم
الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في
قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم
ضلالا بعيدا) .
وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين
الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على
ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله
بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" .
إلى أن قال : " وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر
بخالق السموات والأرض. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف،
وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم
للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم
وأديانهم ـ كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق
الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ،(قل أرأيتم ما أنزل الله
لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون قل إن
الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) " انتهى من "أضواء البيان" في تفسير قوله
تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26.
وينظر جواب السؤال رقم (11309)
و (974) .
ثانيا :
المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما
أنزل الله كفر أكبر ، وقد ذكر هذا في مواضع من كتبه ، كشرح كتاب التوحيد ، وشرح
الأصول الثلاثة ، وشرح السياسة الشرعية ، وفتاواه المطبوعة في العقيدة ، ولقاءات
الباب المفتوح ، وكلامه في هذه المواضع متفق يجري على قاعدة واحدة ، وهي أن التشريع
ووضع القوانين المخالفة لشريعة الله من الكفر الأكبر ، وأما الحاكم بغير ما أنزل
الله فهو الذي قد يكون كافراً أو ظالماً أو فاسقاً حسب الجرم الذي ارتكبه ، ولا
نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر ، ولو كان للشيخ
قول آخر لذاع وانتشر ، ولصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول ، وسعى في منع نشره ، ومن
ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه ، ثم يستمر في نشر القول الخطأ
حتى يموت دون إنكار له ، أو وصية بحذفه ، فقد أساء به الظن ، وقدح في دينه وأمانته
، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه ، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة
كبيرة كهذه .
ومن كلامه رحمه الله في هذه المسألة : ما جاء في "شرح الأصول الثلاثة" : " من لم
يحكم بما أَنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه،
وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس
تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه ، فإنهم لم يضعوا
تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ،
إذ من المعلوم بالضرورة العقلية ، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى
منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " انتهى من
"مجمع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (6/161).
والله أعلم .
بدلا من شرع الله أمر مختلف فيه بين أهل العلم ، وكلا القولين من أقوال أهل
السنة ؟ حيث دار نقاش بين إخوة في : هل هذا العمل كفر مخرج من الملة أم هو
معصية ؟ نرجو البيان والتوضيح .
وهل يحق للمقلد أخذ أي القولين أم لا ؟
وهل للعلامة ابن العثيمين قول في آخر حياته يقول إن التشريع معصية خلافا
لقوله الأول أنه كفر أكبر ؟ .
الحمد الله
أولا :
تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله في الدماء والأعراض والأموال ،
كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام ، لا شك في ذلك ولا ريب ، ولا خلاف فيه بين علماء
الإسلام ، فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه ، ومضادة له في شرعه ، وقد قال
تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ
بِهِ اللَّهُ ) الشورى/21 .
وقال سبحانه في طاعة من أباح الميتة: ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ
اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى
أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
) الأنعام/121 .
وقال سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ
صُدُودًا ) النساء/60، 61 .
وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت ، فكيف بالطاغوت نفسه الذي
يشرع من دون الله .
وكيف لا يكون التشريع المخالف لشرع الله كفرا ، وهو لابد يتضمن تحليل الحرام ،
وتحريم الحلال ، أو إعطاء المشرعين الحق في ذلك ، فلهم أن يحلوا ما شاءوا ، وأن
يحرموا ما أرادوا ، وما اتفق عليه أغلبيتهم كان واجب التنفيذ ، يعاقب ويجرّم من
يخالفه ، وهذا غاية الكفر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو
حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدا باتفاق
الفقهاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/267).
وقال ابن كثير رحمه الله : " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله
خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى
الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين " انتهى من "البداية
والنهاية" (13/139).
و(الياسا) ويقال : (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم
إليها .
ولاشك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرا وضلالا ممن تحاكم إليه .
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا
يشرك في حكمه أحدا) ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله.
وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة
الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق
وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم
مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله
تعالى ـ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا
تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ، وقوله تعالى عن
نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) ، وقوله تعالى:
(إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا،
أي وذلك باتباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي
شركاء في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم...) الآية.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله
تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله...) الآية ، فبين له أنهم
أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو
اتخاذهم إياهم أربابا.
ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن
يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم
الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في
قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم
ضلالا بعيدا) .
وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين
الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على
ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله
بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" .
إلى أن قال : " وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر
بخالق السموات والأرض. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف،
وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم
للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم
وأديانهم ـ كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق
الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ،(قل أرأيتم ما أنزل الله
لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون قل إن
الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) " انتهى من "أضواء البيان" في تفسير قوله
تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26.
وينظر جواب السؤال رقم (11309)
و (974) .
ثانيا :
المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما
أنزل الله كفر أكبر ، وقد ذكر هذا في مواضع من كتبه ، كشرح كتاب التوحيد ، وشرح
الأصول الثلاثة ، وشرح السياسة الشرعية ، وفتاواه المطبوعة في العقيدة ، ولقاءات
الباب المفتوح ، وكلامه في هذه المواضع متفق يجري على قاعدة واحدة ، وهي أن التشريع
ووضع القوانين المخالفة لشريعة الله من الكفر الأكبر ، وأما الحاكم بغير ما أنزل
الله فهو الذي قد يكون كافراً أو ظالماً أو فاسقاً حسب الجرم الذي ارتكبه ، ولا
نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر ، ولو كان للشيخ
قول آخر لذاع وانتشر ، ولصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول ، وسعى في منع نشره ، ومن
ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه ، ثم يستمر في نشر القول الخطأ
حتى يموت دون إنكار له ، أو وصية بحذفه ، فقد أساء به الظن ، وقدح في دينه وأمانته
، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه ، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة
كبيرة كهذه .
ومن كلامه رحمه الله في هذه المسألة : ما جاء في "شرح الأصول الثلاثة" : " من لم
يحكم بما أَنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه،
وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس
تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه ، فإنهم لم يضعوا
تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ،
إذ من المعلوم بالضرورة العقلية ، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى
منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " انتهى من
"مجمع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (6/161).
والله أعلم .