ديوان الشاعر : البحتري
وعالمة وقد جهلت دوائي | بلا جهل، وقد علمت بدائي |
يموت بها المتيم كل يوم | على فوت المواعيد واللقاء |
لها ثغر ومبتسم، وريق | ينوب عن المتعتقة الطلاء |
وطرف ساحر غنج كحيل، | ووجه ليس ينكر للضياء |
فبوسى للكئيب بها إذا ما | بدت تختال في حسن الرواء |
كأن لها على قلبي رقيباً | من الصد المبرح والجفاء |
ولوعات الهوى هن اللواتي | دعونك للبلابل والغناء |
وطيف طاف بي سحراً | حرارة لوعتي وجوى حشائي |
وفي طيف الخيال شفا المعني | وري الصاديات من الظماء |
ولكني أشدهم غراماً، | وأكثرهم أصانيف البلاء |
يقول لي العذول، وليس يدري | بأن اللوم من شيع الخناء: |
أجدك، كم تغررك الأماني | وتطرحك المطامع بالعراء |
وأنت مشرق في غير عزم، | وأنت مغرب عن غير راء |
فقلت الدهر يطلبني بثأر | وأيام الحوادث بالدماء |
وما للحر في بلد مقام | إذا قام الأديب مع العياء |
وهل جرح يرب بغير آس، | وهل غرس يطول بغير ماء |
غريت بأربع: بيد، وعنس، | وليل دامس، ورحيل ناء |
ولولا أحمد وندى يديه | لبات النعتفون على الطواء |
أبو بكر، فكم آسى جريحاً | وكم عم الأعلا بالشفاء |
فتى في كفه أبداً فراتٌ | يفيض على الرجال مع النساء |
فتى ناديه مكرمة وفخر | لأرباب المفاخر والعلاء |
رأى حوز الثناء أجل كسباً، | وحسب المرء مكسبه الثناء |
ولم يك واعداً وعداً كذوباً، | ولا قولاً يقول بلا وفاء |
هو الخل الودود لكل خل | يدوم على المودة والإخاء |
هو البحر الذي حدثت عنه، | هو الغيث المغيث من السماء |
له الأخلاق أخلاق المعالي | وآيات المروءة والسخاء |
أبا بكر بنيت بناء طول | من الإحسان ليس من البناء |
فلا زالت نجومك طالعات | على رغم الحواسد والعداء |
فتبلغ فيه أقصى كل حال | تقدر نيله في الانتهاء |
وكم عانيت قبلك من جميل | قبيح الفعل عند الإجتداء |
معاشر ما لهم خلق ولكن | لهم نعم تدل عل الرخاء |
تعود وجوهم سوداً إذا ما | نزلت بهم لمدح أو جداء |
فداؤك منهم من ليس يدري | ويعلم كيف مدحي من هجائي |
فعش بسلامة وانعم هنيئاً | بطول العمر في عز البقاء |
ولا زالت سنوك عليك تجري | بإنعام يتم بلا انقضاء |
وإن وسيلتي وأجل متي | إليك بحق أًصحاب الإساء |
وأنت فعارف سلفي وجدي | فقيه الأرض في حشد الملاء |
وأعمامي فقد عدوا قديماً | من العظماء أهل الإعتلاء |
جودك كله حسن ولكن | أجل الجود حسن الإبتداء |