السؤال :
هل لكم أن تزودوني بمعلومات إضافية عن الحديث التالي ، جزاك الله خيرا ،
"حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية
امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) صحيح
البخاري ، المجلد 5 (كتاب 62) .
الجواب :
أولاً :- اختلف العلماء في معنى كمال النساء ، فقال بعضهم :
يعني : كمال النبوة .
قال ابن حجر في " الفتح " :
.. فكأنه قال : لم ينبأ من النساء إلا فلانة وفلانة
. " الفتح " ( 6 / 447 ) .
وهذا القول خطأ !
والرد عليه :
أنه وقع في بعض الروايات " وخديجة بنت خويلد
وفاطمة بنت محمد " . أخرجه الطبراني .
وقد علمنا يقيناً أن خديجة وفاطمة ليستا نبيتين
، وهما ممن كمل من النساء ، فيكون المراد بـ " كمل
من النساء " كمال الولاية وليس كمال النبوة .
قال النووي :
قال القاضي : هذا الحديث يستدل به من يقول بنبوة
النساء ونبوة آسية ومريم !!
والجمهور : على أنهما ليستا نبيتين , بل هما صدِّيقتان
ووليَّتان من أولياء الله تعالى .
ولفظة ( الكمال ) تطلق على تمام الشيء وتناهيه في
بابه .
والمراد هنا : التناهي في جميع الفضائل وخصال البر
والتقوى .
.. والله أعلم . " شرح مسلم " ( 15
/ 198 ، 199 ) .
قال شيخ الإسلام :
وقد ذكر القاضي أبو بكر ، والقاضي أبو يعلى ، وأبو
المعالي ، وغيرهم : الإجماع على أنه ليس في النساء نبيَّة .
والقرآن والسنة دلا على ذلك ، كما في قوله تعالى
{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى } ، وقوله { ما المسيح
ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدِّيقة } .
ذكر أن غاية ما انتهت إليه أمه : الصدِّيقيَّة .
" مجموع الفتاوى " ( 4 / 396 ) .
ثانياً : حديث " فاطمة سيدة نساء أهل الجنة
إلا ما كان من مريم بنت عمران " . رواه احمد ( 11347 ) ، وحسَّن
الحافظ ابن حجر إسناده في " الفتح " ( 7 / 111 ) .
فقد ثبت بهذا أن فاطمة خير من آسية ولو كانت آسية
نبية : لما كانت فاطمة خيراً منها ؛ لاٌن فاطمة ليست نبيَّة .
ثالثاً : قال الكرماني :
لا يلزم من لفظة الكمال ثبوت نبوتها لأنه يطلق لكمال
الشيء أو تناهيه في بابه فالمراد بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء .
" الفتح " ( 6 / 447 ) . وهذا هو الراجح في كمال النساء المقصود
في الحديث .
رابعاً : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر
الطعام :
قال ابن القيم :
الثريد مركَّب من لحم وخبز واللحم سيد الآدام ، والخبز
سيد الأقوات ، فإذا اجتمعا لم يكن بعدها غاية . زاد المعاد ( 4 /271
) .
وقال النووي :
قال العلماء : معناه أن الثريد من كلّ الطعام أفضل
من المرق , فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد , وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه
, والمراد بالفضيلة نفعه , والشبع منه , وسهولة مساغه , والالتذاذ به , وتيسر تناوله
, وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة , وغير ذلك , فهو أفضل من المرق كله ومن
سائر الأطعمة ، وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة
. وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية ; لاحتمال أن المراد تفضيلها على
نساء هذه الأمة . " شرح مسلم " ( 15 / 199 ) .
قال ابن القيم - في مبحث التفضيل بين عائشة وفاطمة
- :
فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم ، فإن أريد بالفضل
كثرة الثواب عند الله عز وجل : فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص ؛ لأنه بحسب تفاضل
أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر
أرفع درجة منه في الجنة .
وإن أريد بالتفضيل التفضيل بالعلم فلا ريب أن عائشة
أعلم وأنفع للأمة وأدّت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة
وعامتها .
وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب : فلا
ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم وذلك اختصاص لم يشركها
فيه غير أخواتها .
وإن أريد السيادة : ففاطمة سيدة نساء الأمة .
وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار
الكلام بعلم وعدل .
وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يُفصِّل جهات
الفضل ولم يوازن بينهما فيبخس الحق ، وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضِّله
تكلم بالجهل والظلم . " بدائع الفوائد " ( 3 / 682 ، 683 ) .
وأما خصائص عائشة فكثيرة ( ينظر السؤال رقم 7878
) والله تعالى أعلم .