في سورة البقرة ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) البقرة /
87
يقول زميلي المسيحي انظر كيف عطف جملة الماضي ( تقتلون ) على جملة الماضي ( كذبتم ) .
فيجب أن تكون الآية - والعياذ بالله أن نبدل بكتابه العزيز - ( ففريقا
كذبتم وفريقا قتلتم ) ، ويجب أن يكون الفعل تقتلون بالماضي ؛ لأن الأنبياء
قد انتهوا ومحمد هو خاتم الأنبياء - علما بأنه لا يعتقد بأن النبي محمد هو
نبي بل النبي عيسى هو آخر الرسل .
وفي سورة آل عمران آية 47 ( فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ،
ويعتقد زميلي المسيحي بأنها ضعيفة أيضا ، ويقول الأصح أن تكون - والعياذ
بالله من أن نبدل كتابه العزيز - كن فكان ، الرجاء التوضيح لأستطيع الرد
عليه ، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
أولا : ينبغي لمن لا قدرة له على النقاش أن يتقى الله في نفسه ، ولا
يدخل نفسه في نقاش مع الغير ، بل يحرص على صيانة دينه من المراء مع
الجهلة ، أو أصحاب الشبه .
ثانيا : بالنسبة لما ذكر من الشبه - والتي هي أوهى من بيت العنكبوت – الجواب عنها من طريقين :
الطريق الأولى : طريق مجمل ، وهي :
أن القرآن كتاب الله ، نزل على عرب أقحاح ، فاقوا الأمم في ميدان
الفصاحة والبلاغة ، واعتنوا بذلك أتم العناية ، وبلغوا المنزلة العظمى
في التفنن في البيان ، فأقاموا الأسواق في الشعر والخطابة ، وعلقوا
معلقاتهم على الكعبة رفعا لشأن البلاغة والبيان ، وتنافسوا في جميل القصائد
، وروائع
الخطب ، وكانت قصائدهم تجري في عروقهم ، فلا تنفك عنهم في فرح ولا حزن ،
ولا موت ولا حياة ، ولا سعادة و شقاء ، ولا نصر ولا هزيمة ، وشهد لهم به
القاصي
والداني ، ولم يعرف مثل هذا لأمة سواهم .
لهذا كان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن أنزل لهم هذا القرآن بهذه اللغة
التي يفتخرون بها ، وتعالوا بها على الأمم ، فبهرهم القرآن ببديع
ألفاظه ، وجميل معانيه ، وعظيم مقاصده ومبانيه ، فخضعوا وخنعوا له هيبةً أن
يتكلموا فيه طعنا في لفظ ، أو إعراب ، أو بيان .!!
وتحداهم الله سبحانه في كتابه أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، فلم يستطيعوا
أن يأتوا بمثله ، فضلا أن يأتوا بما يخل به من إعراب أو فصيح في
الكمال ، فقال تعالى : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ
عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
وَلَوْ
كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الاسراء / 88 .
ثم تحداهم الله أن يأتوا بعشر سور مثله ، فقال تعالى : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ
مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) هود / 13
فلما عجزوا عن ذلك انتقل التحدي إلى أن تحداهم الله بأن يأتوا بسورة
مثله ، قال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا
عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) البقرة / 23
فما كان لمن جاء بعد فساد اللغة ، واختلاط لغته بلغة العجم أن يأتي بمثل
هذه الترهات التي لا تدل إلا على عمق الجهل ، وضحالة الفكر والمنطق ، وعجمة
اللغة ،
وكما قيل :
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
أما الطريق الثاني : وهو الجواب المفصل ببيان وجوه البلاغة والفصاحة فيما انتقده ، فنقول :
أما قوله تعالى : ( فريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون ) .
قال العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره ( التحرير والتنوير 1/598) :
" وجاء ( تقتلون ) بالمضارع عوضا عن الماضي لاستحضار الحالة الفظيعة ،
وهي حال قتلهم رسلهم ، كقوله تعالى : ( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ
الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ ) فاطر / 9 ، مع ما في صيغة (
تقتلون ) من مراعاة الفواصل ، فاكتمل بذلك بلاغة المعنى
وحسن النظم ." انتهى كلامه .
ونقل الشيخ ابن عثيمين في تفسيره ( 1 / 283 ) عن بعض العلماء فائدة أخرى
من التعبير بالفعل المضارع ( تقتلون ) الذي يفيد الاستمرار وهي (
أن هؤلاء اليهود استمر قتلهم الرسل حتى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم
فإنهم قتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالسم الذي وضعوه له في خيبر ، فإنه
صلى الله
عليه وسلم ما زال يتأثر منه حتى إنه صلى الله عليه وسلم في مرض موته قال : (
ما زالت أكلت خيبر تعاودني ، وهذا أوان انقطاع الأبهر مني ) أبو داود (
4512 ) والبخاري معلقاً ، وقال الألباني في صحيح أبي داود حسن صحيح ( 3784 )
.
وأما قوله تعالى ( وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) آل عمران /
47 ، فهذه أدل وأدل على جهل هذا المعترض
لأن الآية إنما تتحدث عن إرادة الله للشيء في المستقبل لا في الماضي بدليل
ظرف الزمان ( إذا ) وهو ظرف لما يستقبل من الزمان ، ولذلك أتى الفعل ( يقول
)
بالمضارع الدال على الاستقبال ، وتلاه الفعل ( يكون ) بالمضارع الدال على
الاستقبال أيضاً .
والله اعلم .
الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) البقرة /
87
يقول زميلي المسيحي انظر كيف عطف جملة الماضي ( تقتلون ) على جملة الماضي ( كذبتم ) .
فيجب أن تكون الآية - والعياذ بالله أن نبدل بكتابه العزيز - ( ففريقا
كذبتم وفريقا قتلتم ) ، ويجب أن يكون الفعل تقتلون بالماضي ؛ لأن الأنبياء
قد انتهوا ومحمد هو خاتم الأنبياء - علما بأنه لا يعتقد بأن النبي محمد هو
نبي بل النبي عيسى هو آخر الرسل .
وفي سورة آل عمران آية 47 ( فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ،
ويعتقد زميلي المسيحي بأنها ضعيفة أيضا ، ويقول الأصح أن تكون - والعياذ
بالله من أن نبدل كتابه العزيز - كن فكان ، الرجاء التوضيح لأستطيع الرد
عليه ، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
الحمد لله
أولا : ينبغي لمن لا قدرة له على النقاش أن يتقى الله في نفسه ، ولا
يدخل نفسه في نقاش مع الغير ، بل يحرص على صيانة دينه من المراء مع
الجهلة ، أو أصحاب الشبه .
ثانيا : بالنسبة لما ذكر من الشبه - والتي هي أوهى من بيت العنكبوت – الجواب عنها من طريقين :
الطريق الأولى : طريق مجمل ، وهي :
أن القرآن كتاب الله ، نزل على عرب أقحاح ، فاقوا الأمم في ميدان
الفصاحة والبلاغة ، واعتنوا بذلك أتم العناية ، وبلغوا المنزلة العظمى
في التفنن في البيان ، فأقاموا الأسواق في الشعر والخطابة ، وعلقوا
معلقاتهم على الكعبة رفعا لشأن البلاغة والبيان ، وتنافسوا في جميل القصائد
، وروائع
الخطب ، وكانت قصائدهم تجري في عروقهم ، فلا تنفك عنهم في فرح ولا حزن ،
ولا موت ولا حياة ، ولا سعادة و شقاء ، ولا نصر ولا هزيمة ، وشهد لهم به
القاصي
والداني ، ولم يعرف مثل هذا لأمة سواهم .
لهذا كان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن أنزل لهم هذا القرآن بهذه اللغة
التي يفتخرون بها ، وتعالوا بها على الأمم ، فبهرهم القرآن ببديع
ألفاظه ، وجميل معانيه ، وعظيم مقاصده ومبانيه ، فخضعوا وخنعوا له هيبةً أن
يتكلموا فيه طعنا في لفظ ، أو إعراب ، أو بيان .!!
وتحداهم الله سبحانه في كتابه أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، فلم يستطيعوا
أن يأتوا بمثله ، فضلا أن يأتوا بما يخل به من إعراب أو فصيح في
الكمال ، فقال تعالى : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ
عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
وَلَوْ
كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الاسراء / 88 .
ثم تحداهم الله أن يأتوا بعشر سور مثله ، فقال تعالى : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ
مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) هود / 13
فلما عجزوا عن ذلك انتقل التحدي إلى أن تحداهم الله بأن يأتوا بسورة
مثله ، قال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا
عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) البقرة / 23
فما كان لمن جاء بعد فساد اللغة ، واختلاط لغته بلغة العجم أن يأتي بمثل
هذه الترهات التي لا تدل إلا على عمق الجهل ، وضحالة الفكر والمنطق ، وعجمة
اللغة ،
وكما قيل :
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
أما الطريق الثاني : وهو الجواب المفصل ببيان وجوه البلاغة والفصاحة فيما انتقده ، فنقول :
أما قوله تعالى : ( فريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون ) .
قال العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره ( التحرير والتنوير 1/598) :
" وجاء ( تقتلون ) بالمضارع عوضا عن الماضي لاستحضار الحالة الفظيعة ،
وهي حال قتلهم رسلهم ، كقوله تعالى : ( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ
الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ ) فاطر / 9 ، مع ما في صيغة (
تقتلون ) من مراعاة الفواصل ، فاكتمل بذلك بلاغة المعنى
وحسن النظم ." انتهى كلامه .
ونقل الشيخ ابن عثيمين في تفسيره ( 1 / 283 ) عن بعض العلماء فائدة أخرى
من التعبير بالفعل المضارع ( تقتلون ) الذي يفيد الاستمرار وهي (
أن هؤلاء اليهود استمر قتلهم الرسل حتى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم
فإنهم قتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالسم الذي وضعوه له في خيبر ، فإنه
صلى الله
عليه وسلم ما زال يتأثر منه حتى إنه صلى الله عليه وسلم في مرض موته قال : (
ما زالت أكلت خيبر تعاودني ، وهذا أوان انقطاع الأبهر مني ) أبو داود (
4512 ) والبخاري معلقاً ، وقال الألباني في صحيح أبي داود حسن صحيح ( 3784 )
.
وأما قوله تعالى ( وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) آل عمران /
47 ، فهذه أدل وأدل على جهل هذا المعترض
لأن الآية إنما تتحدث عن إرادة الله للشيء في المستقبل لا في الماضي بدليل
ظرف الزمان ( إذا ) وهو ظرف لما يستقبل من الزمان ، ولذلك أتى الفعل ( يقول
)
بالمضارع الدال على الاستقبال ، وتلاه الفعل ( يكون ) بالمضارع الدال على
الاستقبال أيضاً .
والله اعلم .