هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

descriptionهل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟ Emptyهل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟

more_horiz
السؤال:
من المعلوم أن الله يطبع على قلب الكافر فلا يرى الحق , أو يرى الباطل حقا ,
ولكن هل يمكن أن يطبع الله عز وجل على قلب مسلم , وكيف يكون ذلك , وما
دلالاته , وهل لذلك علاج .
بارك الله فيكم ونفعنا بكم وبعلمكم .







الجواب :

الحمد لله



أولاً:



الطبع على القلوب يكون على قلوب الكفار ، وعلى قلوب المسلمين العاصين ، فأما الطبع
على قلوب الكفار : فهو طبعٌ على القلب كله ، وأما الطبع على قلوب المسلمين العاصين
: فيكون طبعاً جزئيّاً ، بحسب معصيته ، وفي كل الأحوال ليس الطبع ابتداء من الرب
تعالى ، بل هو عقوبة لأولئك المطبوع على قلوبهم ، أولئك بما كفروا ، والآخرون بما
عصوا ، كما قال تعالى في حق الكفار : ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ
وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ
وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ
يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) النساء/ 155 .



ثانياً:


من
الطبع الوارد في الشرع في حق عصاة المسلمين :


1.
الطبع بسبب كثرة الذنوب والمعاصي على العموم .



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: ( إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ
سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ،
وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي
ذَكَرَ اللَّهُ ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .



رواه الترمذي ( 3334 ) وقال : حسن صحيح ، وحسَّنه الألباني .



والريْن هو الطبع .


قال
الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :


عن
مجاهد في قوله ( بل ران على قلوبهم ) قال : ثبتت على قلوبهم الخطايا حتى غمرتها .



انتهى



والران ، والرين : الغشاوة ، وهو كالصدأ على الشيء الصقيل .


...
.


عن
مجاهد قال : كانوا يرون الرين هو الطبع .


"
فتح الباري " ( 8 / 696 ) .



وقال ابن القيم - رحمه الله - :



الذنوب إذا تكاثرت : طُبع على قلب صاحبها ، فكان من الغافلين ، كما قال بعض السلف
في قوله تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : هو الذنب بعد الذنب
، وقال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى يعمي القلب ، حتى قال : وأصل هذا أن القلب
يصدأ من المعصية ، فاذا زادت : غلب الصدأ حتى يصير راناً ، ثم يغلب حتى يصير طبْعاً
، وقفلاً ، وختماً ، فيصير القلب في غشاوة وغلاف ، فاذا حصل له ذلك بعد الهدى
والبصيرة : انتكس ، فصار أعلاه أسفله ، فحينئذ يتولاه عدوه ، ويسوقه حيث أراد .



" الجواب الكافي " ( ص 139 ) .


2.
التعرض لفتن الشهوات ، والشبهات .


عن
حُذَيْفَة قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : ( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ،
فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ
أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ :
عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ
مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ
مِنْ هَوَاهُ ) .



رواه مسلم ( 144 ) .



مرباداً : الذي في لون رُبدة ، وهي بين السواد والغبرة .



كالكوز مجخياً : كالإناء المائل عن الاستقامة والاعتدال .


قال
النووي – رحمه الله - :


قال
القاضي رحمه الله – أي : القاضي عياض - : شبَّه القلب الذى لا يعي خيراً : بالكوز
المنحرف الذي لا يثبت الماء فيه .



وقال " صاحب التحرير " –
وهو
محمد بن إسماعيل الأصبهاني
- : معنى الحديث : أن الرجل إذا تبع هواه ، وارتكب المعاصي : دخل قلبَه بكل معصية
يتعاطاها : ظلمةٌ ، وإذا صار كذلك : افتُتن ، وزال عنه نور الإسلام ، والقلب مثل
الكوز ، فإذا انكب : انصب ما فيه ، ولم يدخله شيء بعد ذلك .


"
شرح مسلم " ( 2 / 173 ) .



وقال ابن القيم – رحمه الله - :



والفتن التي تُعرض على القلوب هي أسباب مرضها ، وهي فتن الشهوات ، وفتن الشبهات ،
فتن الغي والضلال ، فتن المعاصي والبدع ، فتن الظلم والجهل ، فالأولى : توجب فساد
القصد والإرادة ، والثانية : توجب فساد العلم والاعتقاد .


"
إغاثة اللهفان " ( 1 / 12 ) .


3.
الطبع بسبب التخلف عن صلاة الجمعة .


أ.
عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ
عَلَى قَلْبِهِ ) .



رواه الترمذي ( 500 ) وأبو داود ( 1052 ) والنسائي ( 1369 ) وابن ماجه ( 1126 ) .


قال
ابن الجوزي – رحمه الله - :



أَصْلُ الطَّبْعِ : الوَسَخُ ، والدَّرَنُ ، ويحتمل أَنْ يُراد به : الخَتْمُ عَلَى
القَلْبِ ، حَتَّى لاَ يَفْهَمَ الصَّوابَ .


"
غريب الحديث " ( 2 / 26 ، 27 ) .



والمعني الثاني هو الأظهر عند عامة الشرَّاح .


قال
السيوطي :


قال
الباجي : معنى الطبع على القلب : أن يُجعل بمنزلة المختوم عليه ، لا يصل إليه شيء
من الخير .


"
تنوير الحوالك شرح موطأ مالك " ( 1 / 102 ) .



وقال المباركفوري – رحمه الله - :



قوله ( تهاوناً بها ) قال العراقي : المراد بالتهاون : الترك عن غير عذر ، والمراد
بالطبع : أنه يصير قلبُه قلبَ منافق . انتهى .


"
تحفة الأحوذي " ( 3 / 11 ) .


ب.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ
عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ
لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ) .



رواه مسلم ( 865 ) .


قال
الصنعاني – رحمه الله - :


(
لينتهين أقوام عن وَدْعهم ) بفتح الواو وسكون الدال المهملة وكسر العين المهملة أي
: تركهم الجمعات .


(
أو ليختمن الله على قلوبهم ) الختم : الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه ؛ كتماً
له ، وتغطية ؛ لئلا يتوصل إليه ، ولا يطلع عليه ، شبهت القلوب بسبب إعراضهم عن الحق
واستكبارهم عن قبوله وعدم نفوذ الحق إليها : بالأشياء التي استوثق عليها بالختم ،
فلا ينفذ إلى باطنها شيء ، وهذه عقوبة على عدم الامتثال لأمر الله ، وعدم إتيان
الجمعة من باب تيسير العسرى .


(
ثم ليكونن من الغافلين ) بعد ختمه تعالى على قلوبهم ، فيغفلون عن اكتساب ما ينفعهم
من الأعمال ، وعن ترك ما يضرهم منها .



وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن ترك الجمعة والتساهل فيها .



وفيه إخبار بأن تركها من أعظم أسباب الخذلان بالكلية .


"
سبل السلام " ( 2 / 45 ) .



ومعنى " من باب تيسير العسرى " : من بخل بطاعة ربه ، وتأخر عنها : صار ذلك الكسل
والتأخر عن الطاعة عادة ملازمة له ، يسهل عليه إتيانها ، ويشق عليه تركها ، وهي
طريق موصلة للعسرى . قال ابن كثير رحمه الله :


" {
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } أي: لطريق الشر، كما قال تعالى: {
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام: 11]، والآيات في
هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يُجازي من قصد الخير بالتوفيق له ، ومن
قصد الشر بالخذلان . وكل ذلك بقدر مُقدّر . " انتهى . "تفسير ابن كثير" (8/417) .







والخلاصة :


أن
الناس أربعة أصناف : كافر ، ومنافق ، ومؤمن ، ومسلم عاصٍ ، ولكل واحدٍ من أولئك
قلبه الخاص به ، ومن طبع عليه من الكفار والمنافقين : فهو طبع كلي ، لا يدخل إليهم
نور الإسلام ، ولا يخرج منهم ظلمة الكفر ، وأما الطبع على قلب المسلم العاصي : فهو
بحسب ما ارتكب من ذنوب يكون حاله ، وهو دائر بين قلبين ، وقد يصل حاله لقلب المنافق
- أو الكافر - ، وذلك بحسب زيادة المعاصي تأثير المعاصي في قلبه ، وتكاثرها عليه .



قال
ابن القيم – رحمه الله - :


وقد
قسَّم الصحابة رضي الله تعالى عنهم القلوبَ إلى أربعة ، كما صح عن حذيفة بن اليمان
: " القلوب أربعة : قلب أجرد ، فيه سراج يُزهِر ، فذلك قلب المؤمن ، وقلب أغلف ،
فذلك قلب الكافر ، وقلب منكوس ، فذلك قلب المنافق ، عَرفَ ثم أنكر ، وأبصر ثم عمى ،
وقلبٌ تُمِدُّه مادتان : مادة إيمان ، ومادة نفاق ، وهو لما غلب عليه منهما " .




فقوله : " قلب أجرد " أي : متجرد مما سوى الله ورسوله ، فقد تجرد وسلِم مما سوى
الحق ، و " فيه سراج يزهر " وهو مصباح الإيمان ، فأشار بتجرده إلى سلامته من شبهات
الباطل ، وشهوات الغي ، وبحصول السراج فيه إلى إشراقه ، واستنارته بنور العلم ،
والإيمان .



وأشار بالقلب الأغلف : إلى قلب الكافر ؛ لأنه داخل في غلافه ، وغشائه ، فلا يصل
إليه نور العلم والإيمان ، كما قال تعالى حاكياً عن اليهود : ( وَقَالُوا
قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) البقرة/ 88 ، وهو جمع أغلف ، وهو الداخل في غلافه ، كقُلف
وأقلف ، وهذه الغشاوة هي الأكِنَّة التي ضربها الله على قلوبهم عقوبة لهم على رد
الحق ، والتكبر عن قبوله ، فهي أكنة على القلوب ، ووقْر في الأسماع ، وعمًى في
الأبصار ، وهي الحجاب المستور عن العيون في قوله تعالى : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا
بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً . وجعلنا على قلوبهم أكنة أن
يفقهوه وفي آذانهم وقراً ) الإسراء/ 45 ، 46 ، فإذا ذكر لهذه القلوب تجريد التوحيد
وتجريد المتابعة ولى أصحابها على أدبارهم نفورا



وأشار بالقلب المنكوس ، وهو المكبوب : إلى قلب المنافق ، كما قال تعالى : ( فما
لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ) النساء/ 88 ، أي : نكسهم ، وردهم
في الباطل الذي كانوا فيه بسبب كسبهم ، وأعمالهم الباطلة ، وهذا شر القلوب ،
وأخبثها ؛ فإنه يعتقد الباطل حقّاً ، ويوالي أصحابه ، والحقَّ باطلاً ، ويعادي أهله
، فالله المستعان .



وأشار بالقلب الذي له مادتان : إلى القلب الذي لم يتمكن فيه الإيمان ، ولم يزهر فيه
سراجه ، حيث لم يتجرد للحق المحض الذي بعث الله به رسوله ، بل فيه مادة منه ، ومادة
من خلافه ، فتارة يكون للكفر أقرب منه للإيمان ، وتارة يكون للإيمان أقرب منه للكفر
، والحكم للغالب ، وإليه يرجع .


"
إغاثة اللهفان " ( 1 / 12 ، 13 ) .






ثالثا :



ليعلم أن معرفة أسباب النجاة من ذلك البلاء ، وفك قفل القلوب ، وفتحها لأسباب الهدى
: ليعلم أن ذلك هو أهم ما ينبغي للعبد أن يصرف همته إليه ، فإن ذلك هو نجاته في
الدنيا والآخرة .



وقد مر معنا في حديث أبي هريرة : (فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ
سُقِلَ قَلْبُهُ ) ؛ فهذا أول ما يعمل العبد إذا أراد لنفسه النجاة : أن يعلم
الذنب الذي أتي من قبله ، والباب الذي دخل عليه البلاء منه ، ثم يطهر نفسه من رجس
ذلك الذنب ، ويغلق عن نفسه باب ذلك البلاء .


وفي
الحديث الآخر ، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :


(
تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ
أُشْرِبَهَا : نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا
نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ : عَلَى
أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ
مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ) رواه مسلم
(144) .


فقد
بين أن صمود القلب أمام ما يطرقه من فتن الشبهات والشهوات ، وثباته في مواقف الفتن
: هو من أعظم أسباب هدايته ، وحفظ صحته ، وأن تعرضه للفتن ، واستجابته لها : هو من
أعظم أسباب ضلاله وفساد حاله .



وفوق ذلك كله ، وقبل ذلك كله ، وأيضا : بعد ذلك كله : أن يلازم الافتقار إلى من
بيده مقاليد كل شيء : أن يزيل عنه ما أصابه ، وأن يفتح قلبه للهدى والنور .



قال
ابن القيم رحمه الله :


"
ومما ينبغي أن يعلم : أنه لا يمتنع مع الطبع والختم والقفل حصول الإيمان ؛ بأن يفَك
الذي ختم على القلب وطبع عليه وضرب عليه القفلَ ، ذلك الختمَ والطابع والقفل ،
ويهديه بعد ضلاله ، ويعلمه بعد جهله ، ويرشده بعد غيه ، ويفتح قفل قلبه بمفاتيح
توفيقه التي هي بيده ، حتى لو كتب على جبينه الشقاوة والكفر : لم يمتنع أن يمحوها
ويكتب عليه السعادة والإيمان . وقرا قارئ عند عمر بن الخطاب : ( أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) وعنده شاب فقال : (
اللهم عليها أقفالها ، ومفاتيحها بيدك لا يفتحها سواك ) ، فعرفها له عمر وزادته
عنده خيرا . وكان عمر يقول في دعائه : ( اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني
سعيدا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ) ...



والمقصود : أنه مع الطبع والختم والقفل ، لو تعرض العبد أمكنه فك ذلك الختم والطابع
وفتح ذلك القفل ؛ يفتحه من بيده مفاتيح كل شيء .



وأسباب الفتح مقدورة للعبد غير ممتنعة عليه ، وإن كان فك الختم وفتح القفل غير
مقدور له ؛ كما أن شرب الدواء مقدور له ، وزوال العلة وحصول العافية غير مقدور ،
فإذا استحكم به المرض وصار صفة لازمة له ، لم يكن له عذر في تعاطي ما إليه من أسباب
الشفاء ، وإن كان غير مقدور له ، ولكن لما ألف العلة وساكنها ، ولم يحب زوالها ولا
آثر ضدها عليها ، مع معرفته بما بينها وبين ضدها من التفاوت : فقد سد على نفسه باب
الشفاء بالكلية ...



فإذا عرف الهدى فلم يحبه ولم يرض به ، وآثر عليه الضلال مع تكرار تعريفه منفعة هذا
وخيره ، ومضرة هذا وشره : فقد سد على نفسه باب الهدى بالكلية .


فلو
أنه في هذه الحال تعرض وافتقر إلى من بيده هداه ، وعلم أنه ليس إليه هدى نفسه ،
وأنه إن لم يهده الله فهو ضال ، وسأل الله أن يُقبِل بقلبه ، وأن يقيه شر نفسه :
وفَّقَه وهداه ، بل لو علم الله منه كراهيةً لما هو عليه من الضلال ، وأنه مرض قاتل
، إن لم يشفه منه أهلكه : لكانت كراهته وبغضه إياه ، مع كونه مبتلي به ، من أسباب
الشفاء والهداية ؛ ولكن من أعظم أسباب الشقاء والضلال : محبته له ورضاه به ،
وكراهته الهدى والحق .


فلو
أن المطبوع على قلبه ، المختوم عليه ، كره ذلك ورغب إلى الله في فك ذلك عنه ، وفعل
مقدوره
: لكان هداه أقرب شيء إليه ، ولكن إذا استحكم الطبع والختم حال بينه وبين كراهة ذلك
، وسؤال الرب فكه وفتح قلبه " . انتهى .


"
شفاء العليل" ، لابن القيم (192-193) .






والله أعلم

descriptionهل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟ Emptyرد: هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟

more_horiz
شكرا لك اخي
واصل ابداعك
جزاك الله كل خير
يعطيك العافية
♥♥♥

descriptionهل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟ Emptyرد: هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟

more_horiz
شكرا و بـارك الله فيك ع المرور
هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟ 886773

descriptionهل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟ Emptyرد: هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟

more_horiz
شكرا لك اخي
واصل ابداعك
جزاك الله كل خير
يعطيك العافية
♥♥♥

descriptionهل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟ Emptyرد: هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟

more_horiz
جـــزاكم الله خيرا ع المرور

هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟ 886773

descriptionهل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟ Emptyرد: هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟

more_horiz
شكرا على الموضوع الرائع
يعطيك الف عافيه
تقبل مروري وشكرا

descriptionهل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟ Emptyرد: هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر ؟

more_horiz
شكرا لك .. موضوع رائع



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي