السؤال:
هناك بعض النساء يجتمعن لتدارس تفسير القرآن ، وعندما ينتهين من قراءة
المصحف فإنهن يبدأن بالفاتحة ، وبداية سورة البقرة ، من أجل تبيين أن
القراءة متواصلة ، وأن القرآن لا ينتهي ، فما رأيكم ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم ما يعتاده كثير من القراء عند ختم المصحف من الشروع في ختمة
جديدة ، وذلك بالرجوع إلى سورة الفاتحة وقراءتها مع الآيات الخمس الأول من سورة
البقرة فقط ، فكان خلافهم على قولين اثنين :
القول الأول : مشروعية ذلك العمل، واستحبابه . وهو ما ذهب إليه القراء ونص عليه بعض
العلماء ،
واستُدِل لهذا القول بأدلة ، منها :
الدليل الأول : حديث عن عبد الله بن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم :
أنه كان إذا قرأ : ( قل أعوذ برب الناس ) افتتح من الحمد ، ثم قرأ من البقرة إلى :
( وأولئك هم المفلحون ) ، ثم دعاء بدعاء الختمة ، ثم قام .
رواه الدارمي – كما عزاه إليه السيوطي في " الإتقان " (1/295) وقال بسند حسن - ،
والحافظ أبو عمرو الداني ، والحافظ أبو العلاء الهمذاني – كما نقل عنهما ابن الجزري
في " النشر " (688-694) ، والحسن بن علي الجوهري في " فوائد منتقاة " (2/29) ،
جميعهم من طريق :
العباس بن أحمد البرتي ، ثنا عبد الوهاب بن فليح المكي ، ثنا عبد الملك بن عبد الله
بن شعوة ، عن خاله وهب بن زمعة بن صالح ، عن زمعة بن صالح ، عن عبد الله بن كثير ،
عن درباس مولى ابن عباس وعن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن
النبي صلى الله عليه وسلم به .
قال الشيخ الألباني رحمه الله
:
" هذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان :
الأولى : أن مداره على زمعة بن صالح ، قال الذهبي في " الكاشف " :
" ضعفه أحمد ، قرنه
مسلم
بآخر ". وقال الحافظ في "التقريب" : " ضعيف ، وحديثه عند مسلم مقرون " .
والأخرى : الاضطراب في إسناده عليه على وجهين : الأول : هذا : عن درباس وعن مجاهد ؛
قرنه معه.
الثاني : عن درباس وحده ؛ لم يذكر مجاهداً معه . وقد ساق ابن الجزري في "النشر" (2/
420 - 425) الأسانيد بذلك .
وفي رواية له عن وهب بن زمعة بن صالح عن عبدالله بن كثير عن درباس عن عبدالله بن
عباس ... به مرفوعاً ؛ لم يذكر في إسناده زمعة .
وقال عَقِبَه : "حديث غريب ، لا
نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسناده حسن ؛ إلا أن الحافظ أبا الشيخ الأصبهاني وأبا
بكر الزينبي روياه عن وهب عن أبيه زمعة ... ، وهو الصواب " .
فأقول : هذا التصويب صواب ؛ لأنه عليه أكثر الروايات ، وعليه فلا وجه لتحسين
إسناده ؛ لأن مداره على - زمعة بن صالح الضعيف - كما تقدم - .
وكيف يكون حسناً وفيه درباس مولى ابن عباس ، وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما قال أبو حاتم ،
وتبعه الذهبي والعسقلاني - ؟! نعم قد قُرِنَ به مجاهد في بعض الروايات - كما في
رواية الجوهري وغيره - ، فإن كان محفوظاً ؛ فالعلة واحدة وهي زمعة . والله أعلم "
انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/6134)
الدليل الثاني : حديث مرفوع جاء فيه :
( قال رجل :
يَا
رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الْحَالُّ
الْمُرْتَحِلُ . قَالَ : وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ ؟ قَالَ : الَّذِي يَضْرِبُ
مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ )
وقد روي هذا الحديث على وجهين
:
1-
مسندا متصلا : من طريق صالح المري ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن ابن عباس به.
رواه عن صالح المري على هذا الوجه الهيثم بن الربيع – كما عند
الترمذي
(رقم/2948) -، وعمرو بن عاصم – كما عند البزار (2/213)-، وعاصم الكلابي ، وعمرو بن
مرزوق ، وزيد بن الحباب في " المستدرك " (1/757)، وإبراهيم بن أبي سويد الذارع –
كما في " معجم الطبراني " (12/168)-
2-
مرسلا من طريق صالح المري ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم ، من غير ذكر ابن عباس . رواه عن صالح المري على هذا الوجه مسلم بن إبراهيم ،
كما عند الترمذي (رقم/2948).
وإسحاق بن عيسى – كما عند الدارمي (2/560) - ، وعبد الله بن معاوية الجمحي – كما في
" النشر " لابن الجزري (ص/699)-، وقد رجح الترمذي رواية من أرسله فقال : "
هذا حديث غريب ، لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه وإسناده ليس
بالقوي...وهذا – يعني المرسل - عندي أصح من حديث نصر بن علي عن الهيثم بن الربيع "
انتهى.
وله شاهد مرفوع من حديث أبي هريرة
يرويه الحاكم في " المستدرك " (1/758) وفيه مقدام بن داود ضعيف الحديث، انظر: "
لسان الميزان " (6/84)، وله شاهد آخر من رواية زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه
وسلم مرسلا، أسنده أبو عمرو الداني – كما في " النشر " (ص/700) -.
وقد ضعف هذا الحديث جمع من أهل العلم ،
منهم : راويه الإمام الترمذي ، والحافظ ابن حجر – كما في " الفتوحات الربانية "
(3/248) - ، وكذا الشيخ الألباني في " السلسلة الضعفة " (رقم/1834) .
الدليل الثالث : عمل السلف الصالحين ، ونقل هذه
السنة من عادتهم .
قالابن الجزري رحمه الله :
" روى الحافظ أبو عمرو أيضا بإسناد صحيح عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : كانوا
يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرؤوا من أوله آيات . وهذا صريح في صحة ما اختاره
القراء وذهب إليه السلف " انتهى.
" النشر " (2/449) (ص/703)
وقال الحافظ أبو عمرو الداني :
" لابن كثير – يعني المقرئ المشهور - في فعله هذا دلائل من آثار مروية ورد التوقيف
فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة
والتابعين والخالفين " انتهى.
نقلا عن " النشر في القراءات
العشر " لابن الجزري (ص/688)
الدليل الرابع : عمل المسلمين بهذه السنة في الأمصار عامة.
قال ابن الجزري رحمه الله :
" وصار العمل على هذا في أمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها ، وقراءة العرض
وغيرها ، حتى لا يكاد أحد يختم ختمة إلا ويشرع في الأخرى ، سواء ختم ما شرع فيه أو
لم يختمه ، نوى ختمها أو لم ينوه ، بل جعل ذلك عندهم من سنة الختم ، ويسمون من يفعل
هذا " الحال المرتحل "، أي الذي حل في قراءته آخر الختمة ، وارتحل إلى ختمة أخرى "
انتهى.
" النشر " (ص/694) .
وقال النووي رحمه الله :
" يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة ؛ فقد استحبه السلف والخلف
، واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه ... " انتهى .
"التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/110) .
وقال السيوطي رحمه الله :
" يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لحديث الترمذي وغيره ...
" انتهى.
" الإتقان " (1/295)، وانظر: " سنن القراء ومناهج المجودين " (ص/227)
القول الثاني : المنع وعدم الاستحباب ، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله .
ووجه ذلك القول عدم ورود ذلك الفعل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان صلى الله
عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة ، وعرضه مرتين في العام الذي توفي
فيه ، ولم ينقل لنا أحد شيئا عن هذه السنة المتبعة اليوم .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" قال أبو طالب : سألت أحمد إذا قرأ : ( قل أعوذ برب الناس ) يقرأ من البقرة شيئا ؟
قال : لا . فلم يستحب أن يصل ختمته بقراءة شيء ، ولعله لم يثبت فيه عنده أثر
صحيح يصير إليه " انتهى.
" المغني " (1/838)
وجاء
في " الفروع " (1/554) :
" ولا يقرأ الفاتحة وخمسا من البقرة نص عليه ، قال الآمدي : يعني قبل الدعاء
، وقيل يستحب " انتهى.
وقال ابن مفلح في " الآداب الشرعية " (2/316) :
" إذا فرغ من قراءة الناس لم يزد الفاتحة وخمسا من البقرة ، نص عليه ، وذلك إلى
قوله : ( وأولئك هم المفلحون ) قال في الشرح : ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح ،
وقيل : يجوز بعد الدعاء ، وقيل : يستحب .
قال القاضي بعد ذكره لمعنى هذا الخبر من حديث أنس رواه ابن أبي داود – يعني حديث
الحال المرتحل - قال : وظاهر هذا أنه يستحب ذلك ، والجواب أن المراد به الحث على
تكرار الختم ختمة بعد ختمة ، وليس في هذا ما يدل على أن الدعاء لا يتعقب الختمة "
انتهى.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :
" وفَهِمَ بعضهم من هذا : أنه كلما فرغ من ختم القرآن ؛ قرأ فاتحة الكتاب ، وثلاث
آيات من سورة البقرة ؛ لأنه حل بالفراغ ، وارتحل بالشروع !
وهذا لم يفعله أحد من الصحابة ، ولا التابعين ، ولا استحبه أحد من الأئمة ...
وقد جاء تفسير الحديث متصلا به : أن يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل .
وهذا له معنيان : أحدهما : أنه كلما حل من سورة أو جزء ارتحل في غيره . والثاني :
أنه كلما حل من ختمة ارتحل في أخرى " انتهى.
" إعلام الموقعين " (4/306)
والقول الثاني أظهر من حيث الأدلة ، إن شاء الله ، لعدم ثبوت دليل على استحباب مثل
ذلك ، بل ظاهر السنة خلافه ، كما تقدم بيانه ، وقد سبق اختيار هذا القول في جواب
رقم :
(12032)
على أننا ننبه ـ هنا ـ إلى أن المسألة ، رغم ما رجحناه ، هي مسألة اجتهادية ، وليست
من المسائل القطعية ؛ فمن صح عنده أن السلف كانوا يفعلون ذلك ، أو اعتقد صحة الحديث
الوارد فيه : فإنه لا يبدع ولا يضلل ؛ بل لا ينكر عليه .
وهكذا من ترجح عند القول الذي اخترناه ، فإنه لا ينكر عليه ؛ بل إن الإمام ابن
الجزري ، رحمه الله ، وهو من القائلين بمشروعية ذلك ، يقول :
" وعلى كل تقدير فلا نقول : إن ذلك لازم كل قارئ ، بل نقول كما قال أئمتنا فارس بن
أحمد وغيره : من فعله فحسن ، ومن لم يفعله فلا حرج عليه " انتهى.
" النشر " (ص/704)
والله أعلم .
هناك بعض النساء يجتمعن لتدارس تفسير القرآن ، وعندما ينتهين من قراءة
المصحف فإنهن يبدأن بالفاتحة ، وبداية سورة البقرة ، من أجل تبيين أن
القراءة متواصلة ، وأن القرآن لا ينتهي ، فما رأيكم ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم ما يعتاده كثير من القراء عند ختم المصحف من الشروع في ختمة
جديدة ، وذلك بالرجوع إلى سورة الفاتحة وقراءتها مع الآيات الخمس الأول من سورة
البقرة فقط ، فكان خلافهم على قولين اثنين :
القول الأول : مشروعية ذلك العمل، واستحبابه . وهو ما ذهب إليه القراء ونص عليه بعض
العلماء ،
واستُدِل لهذا القول بأدلة ، منها :
الدليل الأول : حديث عن عبد الله بن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم :
أنه كان إذا قرأ : ( قل أعوذ برب الناس ) افتتح من الحمد ، ثم قرأ من البقرة إلى :
( وأولئك هم المفلحون ) ، ثم دعاء بدعاء الختمة ، ثم قام .
رواه الدارمي – كما عزاه إليه السيوطي في " الإتقان " (1/295) وقال بسند حسن - ،
والحافظ أبو عمرو الداني ، والحافظ أبو العلاء الهمذاني – كما نقل عنهما ابن الجزري
في " النشر " (688-694) ، والحسن بن علي الجوهري في " فوائد منتقاة " (2/29) ،
جميعهم من طريق :
العباس بن أحمد البرتي ، ثنا عبد الوهاب بن فليح المكي ، ثنا عبد الملك بن عبد الله
بن شعوة ، عن خاله وهب بن زمعة بن صالح ، عن زمعة بن صالح ، عن عبد الله بن كثير ،
عن درباس مولى ابن عباس وعن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن
النبي صلى الله عليه وسلم به .
قال الشيخ الألباني رحمه الله
:
" هذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان :
الأولى : أن مداره على زمعة بن صالح ، قال الذهبي في " الكاشف " :
" ضعفه أحمد ، قرنه
مسلم
بآخر ". وقال الحافظ في "التقريب" : " ضعيف ، وحديثه عند مسلم مقرون " .
والأخرى : الاضطراب في إسناده عليه على وجهين : الأول : هذا : عن درباس وعن مجاهد ؛
قرنه معه.
الثاني : عن درباس وحده ؛ لم يذكر مجاهداً معه . وقد ساق ابن الجزري في "النشر" (2/
420 - 425) الأسانيد بذلك .
وفي رواية له عن وهب بن زمعة بن صالح عن عبدالله بن كثير عن درباس عن عبدالله بن
عباس ... به مرفوعاً ؛ لم يذكر في إسناده زمعة .
وقال عَقِبَه : "حديث غريب ، لا
نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسناده حسن ؛ إلا أن الحافظ أبا الشيخ الأصبهاني وأبا
بكر الزينبي روياه عن وهب عن أبيه زمعة ... ، وهو الصواب " .
فأقول : هذا التصويب صواب ؛ لأنه عليه أكثر الروايات ، وعليه فلا وجه لتحسين
إسناده ؛ لأن مداره على - زمعة بن صالح الضعيف - كما تقدم - .
وكيف يكون حسناً وفيه درباس مولى ابن عباس ، وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما قال أبو حاتم ،
وتبعه الذهبي والعسقلاني - ؟! نعم قد قُرِنَ به مجاهد في بعض الروايات - كما في
رواية الجوهري وغيره - ، فإن كان محفوظاً ؛ فالعلة واحدة وهي زمعة . والله أعلم "
انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/6134)
الدليل الثاني : حديث مرفوع جاء فيه :
( قال رجل :
يَا
رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الْحَالُّ
الْمُرْتَحِلُ . قَالَ : وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ ؟ قَالَ : الَّذِي يَضْرِبُ
مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ )
وقد روي هذا الحديث على وجهين
:
1-
مسندا متصلا : من طريق صالح المري ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن ابن عباس به.
رواه عن صالح المري على هذا الوجه الهيثم بن الربيع – كما عند
الترمذي
(رقم/2948) -، وعمرو بن عاصم – كما عند البزار (2/213)-، وعاصم الكلابي ، وعمرو بن
مرزوق ، وزيد بن الحباب في " المستدرك " (1/757)، وإبراهيم بن أبي سويد الذارع –
كما في " معجم الطبراني " (12/168)-
2-
مرسلا من طريق صالح المري ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم ، من غير ذكر ابن عباس . رواه عن صالح المري على هذا الوجه مسلم بن إبراهيم ،
كما عند الترمذي (رقم/2948).
وإسحاق بن عيسى – كما عند الدارمي (2/560) - ، وعبد الله بن معاوية الجمحي – كما في
" النشر " لابن الجزري (ص/699)-، وقد رجح الترمذي رواية من أرسله فقال : "
هذا حديث غريب ، لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه وإسناده ليس
بالقوي...وهذا – يعني المرسل - عندي أصح من حديث نصر بن علي عن الهيثم بن الربيع "
انتهى.
وله شاهد مرفوع من حديث أبي هريرة
يرويه الحاكم في " المستدرك " (1/758) وفيه مقدام بن داود ضعيف الحديث، انظر: "
لسان الميزان " (6/84)، وله شاهد آخر من رواية زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه
وسلم مرسلا، أسنده أبو عمرو الداني – كما في " النشر " (ص/700) -.
وقد ضعف هذا الحديث جمع من أهل العلم ،
منهم : راويه الإمام الترمذي ، والحافظ ابن حجر – كما في " الفتوحات الربانية "
(3/248) - ، وكذا الشيخ الألباني في " السلسلة الضعفة " (رقم/1834) .
الدليل الثالث : عمل السلف الصالحين ، ونقل هذه
السنة من عادتهم .
قالابن الجزري رحمه الله :
" روى الحافظ أبو عمرو أيضا بإسناد صحيح عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : كانوا
يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرؤوا من أوله آيات . وهذا صريح في صحة ما اختاره
القراء وذهب إليه السلف " انتهى.
" النشر " (2/449) (ص/703)
وقال الحافظ أبو عمرو الداني :
" لابن كثير – يعني المقرئ المشهور - في فعله هذا دلائل من آثار مروية ورد التوقيف
فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة
والتابعين والخالفين " انتهى.
نقلا عن " النشر في القراءات
العشر " لابن الجزري (ص/688)
الدليل الرابع : عمل المسلمين بهذه السنة في الأمصار عامة.
قال ابن الجزري رحمه الله :
" وصار العمل على هذا في أمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها ، وقراءة العرض
وغيرها ، حتى لا يكاد أحد يختم ختمة إلا ويشرع في الأخرى ، سواء ختم ما شرع فيه أو
لم يختمه ، نوى ختمها أو لم ينوه ، بل جعل ذلك عندهم من سنة الختم ، ويسمون من يفعل
هذا " الحال المرتحل "، أي الذي حل في قراءته آخر الختمة ، وارتحل إلى ختمة أخرى "
انتهى.
" النشر " (ص/694) .
وقال النووي رحمه الله :
" يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة ؛ فقد استحبه السلف والخلف
، واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه ... " انتهى .
"التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/110) .
وقال السيوطي رحمه الله :
" يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لحديث الترمذي وغيره ...
" انتهى.
" الإتقان " (1/295)، وانظر: " سنن القراء ومناهج المجودين " (ص/227)
القول الثاني : المنع وعدم الاستحباب ، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله .
ووجه ذلك القول عدم ورود ذلك الفعل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان صلى الله
عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة ، وعرضه مرتين في العام الذي توفي
فيه ، ولم ينقل لنا أحد شيئا عن هذه السنة المتبعة اليوم .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" قال أبو طالب : سألت أحمد إذا قرأ : ( قل أعوذ برب الناس ) يقرأ من البقرة شيئا ؟
قال : لا . فلم يستحب أن يصل ختمته بقراءة شيء ، ولعله لم يثبت فيه عنده أثر
صحيح يصير إليه " انتهى.
" المغني " (1/838)
وجاء
في " الفروع " (1/554) :
" ولا يقرأ الفاتحة وخمسا من البقرة نص عليه ، قال الآمدي : يعني قبل الدعاء
، وقيل يستحب " انتهى.
وقال ابن مفلح في " الآداب الشرعية " (2/316) :
" إذا فرغ من قراءة الناس لم يزد الفاتحة وخمسا من البقرة ، نص عليه ، وذلك إلى
قوله : ( وأولئك هم المفلحون ) قال في الشرح : ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح ،
وقيل : يجوز بعد الدعاء ، وقيل : يستحب .
قال القاضي بعد ذكره لمعنى هذا الخبر من حديث أنس رواه ابن أبي داود – يعني حديث
الحال المرتحل - قال : وظاهر هذا أنه يستحب ذلك ، والجواب أن المراد به الحث على
تكرار الختم ختمة بعد ختمة ، وليس في هذا ما يدل على أن الدعاء لا يتعقب الختمة "
انتهى.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :
" وفَهِمَ بعضهم من هذا : أنه كلما فرغ من ختم القرآن ؛ قرأ فاتحة الكتاب ، وثلاث
آيات من سورة البقرة ؛ لأنه حل بالفراغ ، وارتحل بالشروع !
وهذا لم يفعله أحد من الصحابة ، ولا التابعين ، ولا استحبه أحد من الأئمة ...
وقد جاء تفسير الحديث متصلا به : أن يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل .
وهذا له معنيان : أحدهما : أنه كلما حل من سورة أو جزء ارتحل في غيره . والثاني :
أنه كلما حل من ختمة ارتحل في أخرى " انتهى.
" إعلام الموقعين " (4/306)
والقول الثاني أظهر من حيث الأدلة ، إن شاء الله ، لعدم ثبوت دليل على استحباب مثل
ذلك ، بل ظاهر السنة خلافه ، كما تقدم بيانه ، وقد سبق اختيار هذا القول في جواب
رقم :
(12032)
على أننا ننبه ـ هنا ـ إلى أن المسألة ، رغم ما رجحناه ، هي مسألة اجتهادية ، وليست
من المسائل القطعية ؛ فمن صح عنده أن السلف كانوا يفعلون ذلك ، أو اعتقد صحة الحديث
الوارد فيه : فإنه لا يبدع ولا يضلل ؛ بل لا ينكر عليه .
وهكذا من ترجح عند القول الذي اخترناه ، فإنه لا ينكر عليه ؛ بل إن الإمام ابن
الجزري ، رحمه الله ، وهو من القائلين بمشروعية ذلك ، يقول :
" وعلى كل تقدير فلا نقول : إن ذلك لازم كل قارئ ، بل نقول كما قال أئمتنا فارس بن
أحمد وغيره : من فعله فحسن ، ومن لم يفعله فلا حرج عليه " انتهى.
" النشر " (ص/704)
والله أعلم .