السؤال :
سمعت في إحدى القنوات الدينية عن حديث لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه
فيما معناه : أنه كان يعلِّم رجلاً القرآن ، وكان الرجل لا يستطيع أن ينطق
كلمة (الأثيم) في قول الله تعالى (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) فبدَّلها له
عبد الله بن مسعود بكلمة "الفاجر" ، مع العلم بأن المشايخ في القناة أقروا
أن الحديث صحيح ، والسؤال هو : كيف يكون ذلك في وجود قول الرسول (قل ما
يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
القرآن كلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , ولا يمكن لأحدٍ أن
يبدله ، لا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا غيره من باب أولى ، وفي ذلك يقول تعالى
: (وَإِذَا
تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ
أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي
أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس/15 .
قال
ابن كثير رحمه الله :
أي
: ليس هذا إليَّ ، إنما أنا عبد مأمور ، ورسولٌ مبلِّغ عن الله .
"تفسير ابن كثير" (4/253) .
وقال الزرقاني رحمه الله :
وليس بعد كلام الله ورسوله كلام ، كذلك أجمعت الأمة على أنه لا مدخل لبشر في نظم
هذا القرآن ، لا من ناحية أسلوبه ، ولا من ناحية ألفاظه ، بل ولا من ناحية قانون
أدائه ، فمَن يخرج على هذا الإجماع ، ويتبع غير سبيل المؤمنين : يولِّه الله ما
تولى ، ويصله جهنم ، وساءت مصيراً .
وها
نحن أولاء قد رأينا القرآن في تلك الآية يمنع الرسول من محاولة ذلك منعاً باتّاً ،
مشفوعاً بالوعيد الشديد ، ومصحوباً بالعقاب الأليم ، فما يكون لابن مسعود ، ولا
لأكبر من ابن مسعود بعد هذا أن يبدِّل لفظاً من ألفاظ القرآن بلفظٍ من تلقاء نفسه .
"مناهل العرفان في علوم القرآن" (1/188) .
ثانياً:
أما
الأثر المذكور عن ابن مسعود : فقد أخرجه عنه : أبو عبيد وابن الأنباري وابن المنذر
– كما قال السيوطي - عن عون بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلاً : (إن شجرة الزقوم
طعام الأثيم) فقال الرجل : "طعام اليتيم" ، فرددها عليه ، فلم يستقم بها لسانه ،
فقال : أتستطيع أن تقول : طعام الفاجر ؟ قال : نعم ، قال : فافعل .
وقد
روي مثل ذلك أبي الدرداء رضي الله عنه ، أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن
جرير وابن المنذر والحاكم وصححه .
انظر : "الدر المنثور" للسيوطي (7/418) .
وقد
أجاب العلماء عن هذا بأجوبة سديدة ترفع الإشكال الوارد في السؤال ، ومن تلك الأوجه
:
1.
أن هذا كان من ابن مسعود تقريباً للمتعلم ؛ ليفهم معنى الكلمة ، حتى يسهل عليه بعد
ذلك نطقها نطقا صحيحاً .
قال
القرطبي رحمه الله بعد أن ذكَر الأثرين عن ابن مسعود وأبي الدرداء :
ولا
حجة في هذا للجهَّال من أهل الزيغ أنه يجوز إبدال الحرف من القرآن بغيره ؛ لأن ذلك
إنما كان من عبد الله تقريباً – (وفي نسخة تقريعاً) - للمتعلم ، وتوطئة منه له
للرجوع إلى الصواب ، واستعمال الحق والتكلم بالحرف على إنزال الله ، وحكاية رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
"تفسير القرطبي" (16/149) .
2.
أن يُحمل قول ابن مسعود على أنه جاءت قراءة تلك الكلمة على الوجهين ، وأن ابن مسعود
سمع الوجهين من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويؤيد هذا القول ثبوته عن أبي
الدرداء أيضاً .
قال
الزرقاني رحمه الله :
أما
هذه الرواية المنسوبة إلى ابن مسعود من أنه أقرأ الرجل بكلمة "الفاجر" بدلاً من
كلمة (الأثيم) في قول الله تعالى : (إن شجرت الزقوم طعام الأثيم) : فتدل على أن
ابن مسعود سمع الروايتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولما رأى الرجل قد تعسر
عليه النطق بالأولى: أشار عليه أن يقرأ بالثانية ، وكلاهما منزَّل من عند الله .
"مناهل العرفان" (1/133) .
3.
أن يُحمل هذا الفعل من الصحابييْن على أنه تفسير للآية ، وليس تغييراً للفظها ،
وأنهما أرادا أن يفسرا للقارئ معنى (الأثيم) بأنه الفاجر.
قال
أبو بكر الجصَّاص رحمه الله :
يجوز أن يكون أراد التفسير لا نص القراءة ، كما قال ابن مسعود للأعجمي الذي كان
يلقنه (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) فكان يقول : "طعام اليتيم" ، فلما أعياه قال له
: "طعام الفاجر" ، وإنما أراد إفهامه المعنى .
"أحكام القرآن" (5/337) .
وهذا الوجه الأخير هو المشهور عند العلماء حتى كان أبو حيان الأندلسي المفسر يحمل
كل ما ورد عن بعض الصحابة من قراءةٍ مخالفةٍ لرسم المصحف المجمع عليه ، على أنها
تفسير للآية وليست قرآناً .
وانظر : "تفسير البحر المحيط" (1/313) .
ولا
يُظن بابن مسعود رضي الله عنه أن يتلفظ بقول من عنده ، ثم ينسبه لربه تعالى على أنه
من القرآن الكريم ! وقد اشتد نكير العلماء على من اعتقد أن ذلك هو فعل أحد من
الصحابة الأجلاء ، أو من بعدهم من الأئمة ، وليس في دين الله تعالى ما يُسمى "
القراءة بالمعنى " ، وما يحاوله نفر من المستشرقين الكفار ، وفئام من الرافضة
الزنادقة الطعن في ثبوت ألفاظ القرآن ثبوتاً قطعيّاً ، وأنه محفوظ من التبديل
والتحريف : محاولات بائسة ، لا ترقى لمجرد سماعها ، ولا تثبت مع التحقيق العلمي .
قال
القرطبي رحمه الله :
قال
ابن الأنباري : وذهب بعض الزائغين إلى أن من قال : إن من قرأ بحرف يوافق معنى حرف
من القرآنِ : فهو مصيب إذا لم يخالف ، ولم يأت بغير ما أراد الله ، وقصد له ،
واحتجوا بقول أنس هذا ، وهو قولٌ لا يعرَّج عليه ، ولا يلتفت إلى قائله ، لأنه لو
قرىء بألفاظ القرآن إذا قاربت معانيها ، واشتملت على غايتها : لجاز أن يقرأ في موضع
(الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين) : "الشكر للباري ملك المخلوقين" ، ويتسع الأمر في
هذا ، حتى يبطل لفظ جميع القرآن ، ويكون التالي له مفترياً على الله تعالى كاذباً
على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا حجة لهم في قول ابن مسعود : "نَزلَ القرآنُ على
سَبْعَةِ أحْرُفٍ ، إنما هو كقول أحدكم : هلم ، وتعال ، وأقبل" : لأن هذا الحديث
يوجب أن القراءات المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا
اختلفت ألفاظها ، واتفقت معانيها ، كان ذلك فيها بمنزلة الخلاف في "هَلُمَّ" ، و
"تعال" ، و "أقبل" ، فأما ما لم يَقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،
وتابعوهم : فإن من أورد حرفاً منه في القرآن : بُهت ، ومال ، وخرج عن مذهب الصواب ،
وحديثهم الذي جعلوه قاعدتهم في هذه الضلالة لا يصححه أهل العلم .
"تفسير القرطبي" (19/41 ، 42) .
وقول أنس المشار إليه في أول الكلام :هو ما رواه عنه الأعمش قال : قرأ أنس بن مالك
"إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلاً" ، فقيل له : ( وَأَقْوَمُ قِيلاً ) فقال
: أقوم ، وأصوب ، وأهيأ : سواء . انتهى .
وهذا الأثر عن أنس هو الحديث الذي قال عنه القرطبي في آخر كلامه المنقول عنه أنفاً
: لا يصححه أهل العلم . فهذا الأثر لم يثبت عن أنس رضي الله عنه .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما من قال عن ابن مسعود أنه كان يجوز القراءة بالمعنى : فقد كذب عليه ، وإنما قال
: "قد نظرت إلى القراء فرأيتُ قراءتهم متقاربة ، وإنما هو كقول أحدكم : أقبل ، وهلم
، وتعال ، فاقرؤوا كما علمتم" ، أو كما قال .
"مجموع الفتاوى" (13/397) .
والله أعلم
سمعت في إحدى القنوات الدينية عن حديث لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه
فيما معناه : أنه كان يعلِّم رجلاً القرآن ، وكان الرجل لا يستطيع أن ينطق
كلمة (الأثيم) في قول الله تعالى (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) فبدَّلها له
عبد الله بن مسعود بكلمة "الفاجر" ، مع العلم بأن المشايخ في القناة أقروا
أن الحديث صحيح ، والسؤال هو : كيف يكون ذلك في وجود قول الرسول (قل ما
يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
القرآن كلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , ولا يمكن لأحدٍ أن
يبدله ، لا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا غيره من باب أولى ، وفي ذلك يقول تعالى
: (وَإِذَا
تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ
أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي
أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس/15 .
قال
ابن كثير رحمه الله :
أي
: ليس هذا إليَّ ، إنما أنا عبد مأمور ، ورسولٌ مبلِّغ عن الله .
"تفسير ابن كثير" (4/253) .
وقال الزرقاني رحمه الله :
وليس بعد كلام الله ورسوله كلام ، كذلك أجمعت الأمة على أنه لا مدخل لبشر في نظم
هذا القرآن ، لا من ناحية أسلوبه ، ولا من ناحية ألفاظه ، بل ولا من ناحية قانون
أدائه ، فمَن يخرج على هذا الإجماع ، ويتبع غير سبيل المؤمنين : يولِّه الله ما
تولى ، ويصله جهنم ، وساءت مصيراً .
وها
نحن أولاء قد رأينا القرآن في تلك الآية يمنع الرسول من محاولة ذلك منعاً باتّاً ،
مشفوعاً بالوعيد الشديد ، ومصحوباً بالعقاب الأليم ، فما يكون لابن مسعود ، ولا
لأكبر من ابن مسعود بعد هذا أن يبدِّل لفظاً من ألفاظ القرآن بلفظٍ من تلقاء نفسه .
"مناهل العرفان في علوم القرآن" (1/188) .
ثانياً:
أما
الأثر المذكور عن ابن مسعود : فقد أخرجه عنه : أبو عبيد وابن الأنباري وابن المنذر
– كما قال السيوطي - عن عون بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلاً : (إن شجرة الزقوم
طعام الأثيم) فقال الرجل : "طعام اليتيم" ، فرددها عليه ، فلم يستقم بها لسانه ،
فقال : أتستطيع أن تقول : طعام الفاجر ؟ قال : نعم ، قال : فافعل .
وقد
روي مثل ذلك أبي الدرداء رضي الله عنه ، أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن
جرير وابن المنذر والحاكم وصححه .
انظر : "الدر المنثور" للسيوطي (7/418) .
وقد
أجاب العلماء عن هذا بأجوبة سديدة ترفع الإشكال الوارد في السؤال ، ومن تلك الأوجه
:
1.
أن هذا كان من ابن مسعود تقريباً للمتعلم ؛ ليفهم معنى الكلمة ، حتى يسهل عليه بعد
ذلك نطقها نطقا صحيحاً .
قال
القرطبي رحمه الله بعد أن ذكَر الأثرين عن ابن مسعود وأبي الدرداء :
ولا
حجة في هذا للجهَّال من أهل الزيغ أنه يجوز إبدال الحرف من القرآن بغيره ؛ لأن ذلك
إنما كان من عبد الله تقريباً – (وفي نسخة تقريعاً) - للمتعلم ، وتوطئة منه له
للرجوع إلى الصواب ، واستعمال الحق والتكلم بالحرف على إنزال الله ، وحكاية رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
"تفسير القرطبي" (16/149) .
2.
أن يُحمل قول ابن مسعود على أنه جاءت قراءة تلك الكلمة على الوجهين ، وأن ابن مسعود
سمع الوجهين من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويؤيد هذا القول ثبوته عن أبي
الدرداء أيضاً .
قال
الزرقاني رحمه الله :
أما
هذه الرواية المنسوبة إلى ابن مسعود من أنه أقرأ الرجل بكلمة "الفاجر" بدلاً من
كلمة (الأثيم) في قول الله تعالى : (إن شجرت الزقوم طعام الأثيم) : فتدل على أن
ابن مسعود سمع الروايتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولما رأى الرجل قد تعسر
عليه النطق بالأولى: أشار عليه أن يقرأ بالثانية ، وكلاهما منزَّل من عند الله .
"مناهل العرفان" (1/133) .
3.
أن يُحمل هذا الفعل من الصحابييْن على أنه تفسير للآية ، وليس تغييراً للفظها ،
وأنهما أرادا أن يفسرا للقارئ معنى (الأثيم) بأنه الفاجر.
قال
أبو بكر الجصَّاص رحمه الله :
يجوز أن يكون أراد التفسير لا نص القراءة ، كما قال ابن مسعود للأعجمي الذي كان
يلقنه (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) فكان يقول : "طعام اليتيم" ، فلما أعياه قال له
: "طعام الفاجر" ، وإنما أراد إفهامه المعنى .
"أحكام القرآن" (5/337) .
وهذا الوجه الأخير هو المشهور عند العلماء حتى كان أبو حيان الأندلسي المفسر يحمل
كل ما ورد عن بعض الصحابة من قراءةٍ مخالفةٍ لرسم المصحف المجمع عليه ، على أنها
تفسير للآية وليست قرآناً .
وانظر : "تفسير البحر المحيط" (1/313) .
ولا
يُظن بابن مسعود رضي الله عنه أن يتلفظ بقول من عنده ، ثم ينسبه لربه تعالى على أنه
من القرآن الكريم ! وقد اشتد نكير العلماء على من اعتقد أن ذلك هو فعل أحد من
الصحابة الأجلاء ، أو من بعدهم من الأئمة ، وليس في دين الله تعالى ما يُسمى "
القراءة بالمعنى " ، وما يحاوله نفر من المستشرقين الكفار ، وفئام من الرافضة
الزنادقة الطعن في ثبوت ألفاظ القرآن ثبوتاً قطعيّاً ، وأنه محفوظ من التبديل
والتحريف : محاولات بائسة ، لا ترقى لمجرد سماعها ، ولا تثبت مع التحقيق العلمي .
قال
القرطبي رحمه الله :
قال
ابن الأنباري : وذهب بعض الزائغين إلى أن من قال : إن من قرأ بحرف يوافق معنى حرف
من القرآنِ : فهو مصيب إذا لم يخالف ، ولم يأت بغير ما أراد الله ، وقصد له ،
واحتجوا بقول أنس هذا ، وهو قولٌ لا يعرَّج عليه ، ولا يلتفت إلى قائله ، لأنه لو
قرىء بألفاظ القرآن إذا قاربت معانيها ، واشتملت على غايتها : لجاز أن يقرأ في موضع
(الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين) : "الشكر للباري ملك المخلوقين" ، ويتسع الأمر في
هذا ، حتى يبطل لفظ جميع القرآن ، ويكون التالي له مفترياً على الله تعالى كاذباً
على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا حجة لهم في قول ابن مسعود : "نَزلَ القرآنُ على
سَبْعَةِ أحْرُفٍ ، إنما هو كقول أحدكم : هلم ، وتعال ، وأقبل" : لأن هذا الحديث
يوجب أن القراءات المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا
اختلفت ألفاظها ، واتفقت معانيها ، كان ذلك فيها بمنزلة الخلاف في "هَلُمَّ" ، و
"تعال" ، و "أقبل" ، فأما ما لم يَقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،
وتابعوهم : فإن من أورد حرفاً منه في القرآن : بُهت ، ومال ، وخرج عن مذهب الصواب ،
وحديثهم الذي جعلوه قاعدتهم في هذه الضلالة لا يصححه أهل العلم .
"تفسير القرطبي" (19/41 ، 42) .
وقول أنس المشار إليه في أول الكلام :هو ما رواه عنه الأعمش قال : قرأ أنس بن مالك
"إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلاً" ، فقيل له : ( وَأَقْوَمُ قِيلاً ) فقال
: أقوم ، وأصوب ، وأهيأ : سواء . انتهى .
وهذا الأثر عن أنس هو الحديث الذي قال عنه القرطبي في آخر كلامه المنقول عنه أنفاً
: لا يصححه أهل العلم . فهذا الأثر لم يثبت عن أنس رضي الله عنه .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما من قال عن ابن مسعود أنه كان يجوز القراءة بالمعنى : فقد كذب عليه ، وإنما قال
: "قد نظرت إلى القراء فرأيتُ قراءتهم متقاربة ، وإنما هو كقول أحدكم : أقبل ، وهلم
، وتعال ، فاقرؤوا كما علمتم" ، أو كما قال .
"مجموع الفتاوى" (13/397) .
والله أعلم