السؤال:
معلمة القرآن تقرأ لنا الآيات ، ثم تفسر لنا الآيات تفسيراً صحيحاً ، ثم في
حالة وجود صعوبة عندنا في استرسال الآيات تقول لنا المعلمة " علامة ذهنية "
تيسر لنا الاسترسال في الآيات ، مثال ذلك في سورة الإسراء ( وكان الإنسان
عجولاً ) بعدها ( وجعلنا الليل والنهار ) فتقول : إن الجيم فى ( عجولاً )
يمكن أن تذكرنا بالجيم في ( وجعلنا ) ، ومثال : تقول في سورة القصص ( وضل
عنهم ما كانوا يفترون ) بعدها ( إن قارون ) فتقول كلمة يفترون يمكن أن
تذكرنا بقارون ، ونحن على علم أن هذا ليس له علاقة بالتفسير وإنما هو علامة
للاسترسال فقط ، فهل هذا بدعة أو لا يجوز ؟ .
أرجو الرد للأهمية .
الجواب :
الحمد لله
نرى أن هذا الأمر وما يشبهه لا يدخل في البدعة ، بل هي قواعد يُبدِع فيها العلماء
والحفَّاظ للوصول بالطلاب إلى الحفظ المتقن بأيسر طريق وأسهل سبيل .
ومن هذا الباب جاءت الوصية من الحفَّاظ المتقنين – من خلال التجربة – لطلابهم
الالتزام برسم مصحف واحد لا يتغير ؛ حتى تنطبع الآيات في ذهن الحافظ ، فهذه علامة
ذهنية لكنها كتابية لا سمعية .
قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق – حفظه الله - :
القاعدة الخامسة : حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك .
مما يعين تماماً على الحفظ : أن يجعل الحافظُ لنفسه مصحفاً خاصّاً لا يغيِّره
مطلقاً ، وذلك أن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع ، وذلك أن صور الآيات
ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن مع كثرة القراءة والنظر في المصحف ، فإذا غيَّر
الحافظُ مصحفَه الذي يحفظ فيه أو حفظ من مصاحف شتى متغيرة مواضع الآيات : فإن حفظه
يتشتت ، ويصعب عليه الحفظ جدّاً ، ولذلك : فالواجب أن يحافظ حافظ القرآن على رسم
واحد للآيات لا يغيِّره .
" القواعد الذهبية في حفظ القرآن " .
وعدا عن رسم الصحف في ذهن الحافظ فإن المصحف الواحد قد يكون سبيلاً له لضبط الآيات
المتشابهات .
مثال :
تكرر في كتاب الله تعالى في عدة آيات كلمتي " النفع " و " الضر " ، فما السبيل لضبط
تلك الآيات من خلال اعتماد مصحف واحد ؟ .
قال بعض الحفَّاظ : في طبعة " مجمع الملك فهد " تتقدم دائماً كلمة ( نَفْعاً ) على
( ضرّاً ) في الوجه الأيمن ، و ( ضرّاً ) على ( نَفْعاً ) في الوجه الأيسر .
و " الوجه الأيمن " فيه حرف " النون " وهو كذلك في كلمة ( نـفعاً ) ، والوجه الأيسر
فيه حرف " الراء " ، وهو كذلك في كلمة ( ضرّاً ) .
ولعل أجود مما ذكرته المدرِّسة الكريمة أن يتدرب الحافظ والمتعلم على ربط الآية
بالتي قبلها والتي بعدها من خلال معاني الآيات ، وقد ألِّفت في ذلك مؤلفات مستقلة ،
وأشهرها : كتاب " نظم الدرر في تناسب الآيات والسور " ، لمؤلفه : برهان الدين أبي
الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي .
مثال :
قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النحل/ 90 ، فهي على علاقة بالتي قبلها وهي قوله تعالى
( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) النحل/ 89 ،
فإنها تفصيل لما أُجمل في الآية التي جاءت قبلها.
وهذا فرع من علم يطلق عليه " علم المناسبات " .
قال السيوطي – رحمه الله - :
وقال ابن العربي في " سراج المريدين " : ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون
كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد
عمل فيه " سورة البقرة " ، ثم فتح الله لنا فيه ، فلما لم نجد له حملة ، ورأينا
الخلق بأوصاف البطلة ختمنا عليه ، وجعلناه بيننا وبين الله ، ورددناه إليه .
" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 369 ) .
كما اعتنى العلماء والحفَّاظ بالآيات المتشابهات
وذكروا قواعد لضبطها وحفظها ، ومن أعظم تلك القواعد ما يتعلق بمعاني الآيات .
مثال :
التفريق بين قوله تعالى ( قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) آل عمران/
40 ، وقوله ( قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) آل عمران/ 47 ، فإذا
عرف الحافظ أن الآية الأولى في سياق قصة زكريا وله زوجة ، فرَّق بينها وبين الآية
الثانية وهي في مريم وليس لها زوج ، فكانت الآية الأولى فيها ( يفعل ) والثانية (
يخلق ) .
كما أوصى بعض العلماء والحفَّاظ بطريقة النحت لمعرفة خواتيم آيات متشابهة .
مثال :
جاء في سورة آل عمران قوله تعالى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) آل عمران/ 176 ، ثم
بعدها قوله تعالى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) آل عمران/ 177 ، ثم بعدها قوله
تعالى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) آل عمران/ 178 ، وكلها آيات متتالية ، فكيف ضبط
بعضهم قاعدة لحفظ تلك الخواتيم ؟ لقد استعمل طريقة " النحت " فأخذ الحرف الأول من (
عظيم ) والأول من ( أليم ) والأول من ( مهين ) فصار معه كلمة " عام " ، فإذا جاءت
التسميع للآيات علم أن الآية الأولى تختم بكلمة ( عظيم ) والثانية بكلمة ( أليم )
والثالثة ) بكلمة ( مهين ) .
ومنهم من ربط بين الآية واسم السورة لضبط المتشابهات .
مثال :
قال تعالى ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ
) الإسراء/ 89 ، وقال تعالى ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ
مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ) الكهف/ 54 ، فكيف يمكن للحافظ أن يميِّز بين الآيتين ؟ يمكن
ذلك من خلال قاعدة الربط بين الآية واسم سورتها ، فالأولى في " الإسراء " وفيها حرف
السين فيقدم كلمة " الناس" ، والثانية في " الكهف " وفيها حرف الفاء فيقدم ( في هذا
) .
والخلاصة : أننا لا نرى حرجاً في استعمال قواعد لضبط
الحفظ من خلال الضوابط اللفظية ، وأما الربط من خلال تناسب المعاني ، فالواجب فيه
عدم تعريض معنى الآيات للتحريف ، وعدم التكلف في التماس المناسبات بين الآيات أو
السور .
قال السيوطي – رحمه الله - :
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : المناسبة علم حسَنٌ ، لكن يشترط في حسن ارتباط
الكلام : أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره ، فإن وقع على أسباب مختلفة : لم يقع
فيه ارتباط ، ومن ربط ذلك : فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله
حسَن الحديث فضلاً عن أحسنه ؛ فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنَة في أحكام مختلفة
شرعت لأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض .
" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 370 ) .
والله أعلم
معلمة القرآن تقرأ لنا الآيات ، ثم تفسر لنا الآيات تفسيراً صحيحاً ، ثم في
حالة وجود صعوبة عندنا في استرسال الآيات تقول لنا المعلمة " علامة ذهنية "
تيسر لنا الاسترسال في الآيات ، مثال ذلك في سورة الإسراء ( وكان الإنسان
عجولاً ) بعدها ( وجعلنا الليل والنهار ) فتقول : إن الجيم فى ( عجولاً )
يمكن أن تذكرنا بالجيم في ( وجعلنا ) ، ومثال : تقول في سورة القصص ( وضل
عنهم ما كانوا يفترون ) بعدها ( إن قارون ) فتقول كلمة يفترون يمكن أن
تذكرنا بقارون ، ونحن على علم أن هذا ليس له علاقة بالتفسير وإنما هو علامة
للاسترسال فقط ، فهل هذا بدعة أو لا يجوز ؟ .
أرجو الرد للأهمية .
الجواب :
الحمد لله
نرى أن هذا الأمر وما يشبهه لا يدخل في البدعة ، بل هي قواعد يُبدِع فيها العلماء
والحفَّاظ للوصول بالطلاب إلى الحفظ المتقن بأيسر طريق وأسهل سبيل .
ومن هذا الباب جاءت الوصية من الحفَّاظ المتقنين – من خلال التجربة – لطلابهم
الالتزام برسم مصحف واحد لا يتغير ؛ حتى تنطبع الآيات في ذهن الحافظ ، فهذه علامة
ذهنية لكنها كتابية لا سمعية .
قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق – حفظه الله - :
القاعدة الخامسة : حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك .
مما يعين تماماً على الحفظ : أن يجعل الحافظُ لنفسه مصحفاً خاصّاً لا يغيِّره
مطلقاً ، وذلك أن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع ، وذلك أن صور الآيات
ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن مع كثرة القراءة والنظر في المصحف ، فإذا غيَّر
الحافظُ مصحفَه الذي يحفظ فيه أو حفظ من مصاحف شتى متغيرة مواضع الآيات : فإن حفظه
يتشتت ، ويصعب عليه الحفظ جدّاً ، ولذلك : فالواجب أن يحافظ حافظ القرآن على رسم
واحد للآيات لا يغيِّره .
" القواعد الذهبية في حفظ القرآن " .
وعدا عن رسم الصحف في ذهن الحافظ فإن المصحف الواحد قد يكون سبيلاً له لضبط الآيات
المتشابهات .
مثال :
تكرر في كتاب الله تعالى في عدة آيات كلمتي " النفع " و " الضر " ، فما السبيل لضبط
تلك الآيات من خلال اعتماد مصحف واحد ؟ .
قال بعض الحفَّاظ : في طبعة " مجمع الملك فهد " تتقدم دائماً كلمة ( نَفْعاً ) على
( ضرّاً ) في الوجه الأيمن ، و ( ضرّاً ) على ( نَفْعاً ) في الوجه الأيسر .
و " الوجه الأيمن " فيه حرف " النون " وهو كذلك في كلمة ( نـفعاً ) ، والوجه الأيسر
فيه حرف " الراء " ، وهو كذلك في كلمة ( ضرّاً ) .
ولعل أجود مما ذكرته المدرِّسة الكريمة أن يتدرب الحافظ والمتعلم على ربط الآية
بالتي قبلها والتي بعدها من خلال معاني الآيات ، وقد ألِّفت في ذلك مؤلفات مستقلة ،
وأشهرها : كتاب " نظم الدرر في تناسب الآيات والسور " ، لمؤلفه : برهان الدين أبي
الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي .
مثال :
قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النحل/ 90 ، فهي على علاقة بالتي قبلها وهي قوله تعالى
( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) النحل/ 89 ،
فإنها تفصيل لما أُجمل في الآية التي جاءت قبلها.
وهذا فرع من علم يطلق عليه " علم المناسبات " .
قال السيوطي – رحمه الله - :
وقال ابن العربي في " سراج المريدين " : ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون
كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد
عمل فيه " سورة البقرة " ، ثم فتح الله لنا فيه ، فلما لم نجد له حملة ، ورأينا
الخلق بأوصاف البطلة ختمنا عليه ، وجعلناه بيننا وبين الله ، ورددناه إليه .
" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 369 ) .
كما اعتنى العلماء والحفَّاظ بالآيات المتشابهات
وذكروا قواعد لضبطها وحفظها ، ومن أعظم تلك القواعد ما يتعلق بمعاني الآيات .
مثال :
التفريق بين قوله تعالى ( قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) آل عمران/
40 ، وقوله ( قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) آل عمران/ 47 ، فإذا
عرف الحافظ أن الآية الأولى في سياق قصة زكريا وله زوجة ، فرَّق بينها وبين الآية
الثانية وهي في مريم وليس لها زوج ، فكانت الآية الأولى فيها ( يفعل ) والثانية (
يخلق ) .
كما أوصى بعض العلماء والحفَّاظ بطريقة النحت لمعرفة خواتيم آيات متشابهة .
مثال :
جاء في سورة آل عمران قوله تعالى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) آل عمران/ 176 ، ثم
بعدها قوله تعالى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) آل عمران/ 177 ، ثم بعدها قوله
تعالى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) آل عمران/ 178 ، وكلها آيات متتالية ، فكيف ضبط
بعضهم قاعدة لحفظ تلك الخواتيم ؟ لقد استعمل طريقة " النحت " فأخذ الحرف الأول من (
عظيم ) والأول من ( أليم ) والأول من ( مهين ) فصار معه كلمة " عام " ، فإذا جاءت
التسميع للآيات علم أن الآية الأولى تختم بكلمة ( عظيم ) والثانية بكلمة ( أليم )
والثالثة ) بكلمة ( مهين ) .
ومنهم من ربط بين الآية واسم السورة لضبط المتشابهات .
مثال :
قال تعالى ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ
) الإسراء/ 89 ، وقال تعالى ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ
مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ) الكهف/ 54 ، فكيف يمكن للحافظ أن يميِّز بين الآيتين ؟ يمكن
ذلك من خلال قاعدة الربط بين الآية واسم سورتها ، فالأولى في " الإسراء " وفيها حرف
السين فيقدم كلمة " الناس" ، والثانية في " الكهف " وفيها حرف الفاء فيقدم ( في هذا
) .
والخلاصة : أننا لا نرى حرجاً في استعمال قواعد لضبط
الحفظ من خلال الضوابط اللفظية ، وأما الربط من خلال تناسب المعاني ، فالواجب فيه
عدم تعريض معنى الآيات للتحريف ، وعدم التكلف في التماس المناسبات بين الآيات أو
السور .
قال السيوطي – رحمه الله - :
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : المناسبة علم حسَنٌ ، لكن يشترط في حسن ارتباط
الكلام : أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره ، فإن وقع على أسباب مختلفة : لم يقع
فيه ارتباط ، ومن ربط ذلك : فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله
حسَن الحديث فضلاً عن أحسنه ؛ فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنَة في أحكام مختلفة
شرعت لأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض .
" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 370 ) .
والله أعلم