السؤال:
تعلمون حفظكم الله تعالى ما أعده
الله سبحانه من الجزاء العظيم على من قرأ القرآن الكريم ، فقال عليه الصلاة
والسلام : (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن
ويتتعتع فيه له أجران) ، وقد انتشر في وقتنا الحاضر ما يسمى بعلم المقامات ،
وهو علم يهتم بالصوت وتحسين الأداء ، طبعا في أصله أنه وضع لأهل الغناء .
فهل يجوز لي أن أتعلم هذا العلم وأستخدمه في قراءة القرآن الكريم لكي أبتعد
عن اللحن فيه ، وأدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الماهر
بالقرآن مع السفرة .... ) ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
المقامات التي جاء ذِكرها في السؤال هي أنواع الألحان التي يغني بها أهل الغناء ،
وقد حصر أهلُ ذلك الفن الألحانَ بأوزان معينة وسموها " مقامات " ، وليس هو علم
مخترع بل هو جمع بالتتبع والاستقراء لألحان الناس ، كما فعل الخليل بن أحمد
الفراهيدي في أوزان الشِّعر ، وكان ما جمعه رحمه الله ستة عشر بحراً ، وأما
المقامات التي جمعها أهل اللحن فقد بلغت ستة مقامات ، وهي :
1 . مقام البيَّات :
هو مقام يمتاز بالخشوع والرهبانية ، وهو المقام الذي يجلب القلب ويجعله يتفكر في
آيات الله ومعانيها .
2. مقام الرست :
و " الرِّست " كلمة فارسية تعني الاستقامة ، ويفضل أهل المقامات هذا المقام عند
تلاوة الآيات ذات الطابع القصصي أو التشريعي .
3. مقام النهاوند :
هذا المقام يمتاز بالعاطفة والحنان والرقة ، ويبعث على الخشوع والتفكر ، و " نهاوند
" مدينة إيرانية نسب إليها هذا المقام .
4. مقام السيكا :
هو مقام يمتاز بالبطء والترسل .
5. مقام الصبا :
وهو مقام يمتاز بالروحانية الجياشة والعاطفة والحنان .
6. مقام الحجاز
وهو مقام من أصل عربي ، نسب إلى بلاد الحجاز العربية ، وهو من أكثر المقامات
روحانية وخشوعا في القرآن .
هذا كلام أهل ذلك الفن ، وهذه تعريفاتهم بحروفها ، وكما هو ملاحظ فإنها مقامات
أعجمية إلا الأخير منها ، ومن الملاحظ أيضاً أن المقامات هي جمع لألحان الناس في
غنائهم ، فهو علم سابق على القرآن والقراءة به ، ويمكن للقراء أن يقرؤوا بإحدى
المقامات وهم لم يعرفوا عنها شيئاً ، كما يمكن أن ينوِّع القارئ بين عدة مقامات
بحسب الآيات ومعانيها .
ثانياً :
أما حكم القراءة بهذه المقامات : فقد سبق في جواب السؤال رقم (
9330 ) ذِكر فتوى الشيخ عبد
العزيز بن باز رحمه الله في المنع من القراءة بهذه المقامات الغنائية .
وفي جواب السؤال رقم ( 1377 )
تفصيل وتوسع في المسألة ، فلينظر .
ونزيد هنا فنذكر فوائد من أهل الاختصاص ، فنقول :
قال الأستاذ الدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية
السعودية للقرآن الكريم وعلومه ورئيس قسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود
:
القراءة بالألحان لا تخرج عن حالتين :
الحالة الأولى :
الألحان التي تسمح بها طبيعة الإنسان من غير تصنّع ، وهذا ما يفعله أكثر الناس عند
قراءة القرآن ، فإن كل من تغنّى بالقرآن فإنه لا يخرج عن ذلك التلحين البسيط ، وذلك
جائز ، وهو من التغني الممدوح المحمود ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ليس
منَّا من لم يتغنَّ بالقرآن ) - أخرجه البخاري في صحيحه (7527) ، وعلى هذه الحالة
يحمل الحكم بالجواز والاستحباب .
الحالة الثانية :
الألحان المصنوعة والإيقاعات الموسيقائية التي لا تحصل إلا بالتعلم والتمرين ، ولها
مقادير ونسب صوتية لا تتم إلا بها ، فذلك لا يجوز ؛ لأن أداء القرآن له مقاديره
التجويدية المنقولة التي لا يمكن أن تتوافق مع مقادير قواعد تلك الألحان إلا على
حساب الإخلال بقواعد التجويد ، وذلك أمر ممنوع .
وفي ذلك يقول ابن القيم في " زاد المعاد في هدي خير العباد " (1/493) :
" وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم برءاء من القراءة بألحان الموسيقى
المتكلفة التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة ، وأنهم أتقى لله من أن
يقرؤوا بها ويسوِّغوها ، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب ،
ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن ، ويقرؤونه بشجي تارة ، وبطرب تارة ، وبشوق تارة ، وهذا
أمر مركوز في الطباع تقاضيه ، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له ، بل أرشد
إليه وندب إليه ، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به ، وقال : ( ليس منَّا من لم
يتغنّ بالقرآن ) ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله ،
والثاني : أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته " .
ويقول ابن كثير في " فضائل القرآن " (ص 114) :
" والغرض أن المطلوب شرعاً إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه
والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة ، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على
الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزه عن هذا ويُجلّ ، ويعظم
أن يسلك في أدائه هذا المذهب " .
وما ينادي به بعض الناس من تلحين القرآن بزعم تصوير المعاني وضبط الأنغام ، وربما
تمادى بعضهم وطالب بما يقارن تلك الألحان بالآلات الموسيقية : فكل ذلك جرأة على
كتاب الله تعالى ذِكرُه وتقدس اسمُه ، ولا شك أن الاشتغال بتلك الأنغام يوقع القارئ
في تحوير الألفاظ ، ويصرف السامع عن تدبر المعاني ، بل يفضي بها إلى التغيير ،
وكتاب الله تعالى مجد المسلمين ينزه عن ذلك .
انتهى من مقال في " ملتقى أهل التفسير " .
ونعجب ممن اشتهر في العالم الإسلامي بحسن قراءته أن يكون طريقه في التعلم وإتقان
القراءة : الأغاني الماجنة ! وقد اعترف بعضهم أنه كان يستمع للأغنية ذات المعازف
حتى يتعلم طريقة القراءة ! وقد انتشرت صورة لبعض كبار القراء وهو بجانب " البيانو "
! بل وتشترط إذاعة عربية على كل مقرئ فيها أن يحمل شهادة من معهد موسيقي ! وإلا
حرِم القراءة فيها ، وقد وفق الله تعالى كثيراً من القراء في العالم الإسلامي ،
وأبكوا الناس بقراءتهم ولم يتعلموا مقاماً ولم يسمعوا أغنية ، وبعض المهووسين بهذه
المقامات يسمع القارئ المتقن الموفَّق فينسب قراءته لإحدى المقامات ويوهم نفسه
وغيره أن هذا القارئ ممن يمشي على طريقته بالقراءة على حسب أغنية أو لحن معيَّن ،
وليس الأمر كذلك ، وإنما هو وهم محض .
والله أعلم
تعلمون حفظكم الله تعالى ما أعده
الله سبحانه من الجزاء العظيم على من قرأ القرآن الكريم ، فقال عليه الصلاة
والسلام : (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن
ويتتعتع فيه له أجران) ، وقد انتشر في وقتنا الحاضر ما يسمى بعلم المقامات ،
وهو علم يهتم بالصوت وتحسين الأداء ، طبعا في أصله أنه وضع لأهل الغناء .
فهل يجوز لي أن أتعلم هذا العلم وأستخدمه في قراءة القرآن الكريم لكي أبتعد
عن اللحن فيه ، وأدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الماهر
بالقرآن مع السفرة .... ) ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
المقامات التي جاء ذِكرها في السؤال هي أنواع الألحان التي يغني بها أهل الغناء ،
وقد حصر أهلُ ذلك الفن الألحانَ بأوزان معينة وسموها " مقامات " ، وليس هو علم
مخترع بل هو جمع بالتتبع والاستقراء لألحان الناس ، كما فعل الخليل بن أحمد
الفراهيدي في أوزان الشِّعر ، وكان ما جمعه رحمه الله ستة عشر بحراً ، وأما
المقامات التي جمعها أهل اللحن فقد بلغت ستة مقامات ، وهي :
1 . مقام البيَّات :
هو مقام يمتاز بالخشوع والرهبانية ، وهو المقام الذي يجلب القلب ويجعله يتفكر في
آيات الله ومعانيها .
2. مقام الرست :
و " الرِّست " كلمة فارسية تعني الاستقامة ، ويفضل أهل المقامات هذا المقام عند
تلاوة الآيات ذات الطابع القصصي أو التشريعي .
3. مقام النهاوند :
هذا المقام يمتاز بالعاطفة والحنان والرقة ، ويبعث على الخشوع والتفكر ، و " نهاوند
" مدينة إيرانية نسب إليها هذا المقام .
4. مقام السيكا :
هو مقام يمتاز بالبطء والترسل .
5. مقام الصبا :
وهو مقام يمتاز بالروحانية الجياشة والعاطفة والحنان .
6. مقام الحجاز
وهو مقام من أصل عربي ، نسب إلى بلاد الحجاز العربية ، وهو من أكثر المقامات
روحانية وخشوعا في القرآن .
هذا كلام أهل ذلك الفن ، وهذه تعريفاتهم بحروفها ، وكما هو ملاحظ فإنها مقامات
أعجمية إلا الأخير منها ، ومن الملاحظ أيضاً أن المقامات هي جمع لألحان الناس في
غنائهم ، فهو علم سابق على القرآن والقراءة به ، ويمكن للقراء أن يقرؤوا بإحدى
المقامات وهم لم يعرفوا عنها شيئاً ، كما يمكن أن ينوِّع القارئ بين عدة مقامات
بحسب الآيات ومعانيها .
ثانياً :
أما حكم القراءة بهذه المقامات : فقد سبق في جواب السؤال رقم (
9330 ) ذِكر فتوى الشيخ عبد
العزيز بن باز رحمه الله في المنع من القراءة بهذه المقامات الغنائية .
وفي جواب السؤال رقم ( 1377 )
تفصيل وتوسع في المسألة ، فلينظر .
ونزيد هنا فنذكر فوائد من أهل الاختصاص ، فنقول :
قال الأستاذ الدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية
السعودية للقرآن الكريم وعلومه ورئيس قسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود
:
القراءة بالألحان لا تخرج عن حالتين :
الحالة الأولى :
الألحان التي تسمح بها طبيعة الإنسان من غير تصنّع ، وهذا ما يفعله أكثر الناس عند
قراءة القرآن ، فإن كل من تغنّى بالقرآن فإنه لا يخرج عن ذلك التلحين البسيط ، وذلك
جائز ، وهو من التغني الممدوح المحمود ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ليس
منَّا من لم يتغنَّ بالقرآن ) - أخرجه البخاري في صحيحه (7527) ، وعلى هذه الحالة
يحمل الحكم بالجواز والاستحباب .
الحالة الثانية :
الألحان المصنوعة والإيقاعات الموسيقائية التي لا تحصل إلا بالتعلم والتمرين ، ولها
مقادير ونسب صوتية لا تتم إلا بها ، فذلك لا يجوز ؛ لأن أداء القرآن له مقاديره
التجويدية المنقولة التي لا يمكن أن تتوافق مع مقادير قواعد تلك الألحان إلا على
حساب الإخلال بقواعد التجويد ، وذلك أمر ممنوع .
وفي ذلك يقول ابن القيم في " زاد المعاد في هدي خير العباد " (1/493) :
" وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم برءاء من القراءة بألحان الموسيقى
المتكلفة التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة ، وأنهم أتقى لله من أن
يقرؤوا بها ويسوِّغوها ، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب ،
ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن ، ويقرؤونه بشجي تارة ، وبطرب تارة ، وبشوق تارة ، وهذا
أمر مركوز في الطباع تقاضيه ، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له ، بل أرشد
إليه وندب إليه ، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به ، وقال : ( ليس منَّا من لم
يتغنّ بالقرآن ) ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله ،
والثاني : أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته " .
ويقول ابن كثير في " فضائل القرآن " (ص 114) :
" والغرض أن المطلوب شرعاً إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه
والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة ، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على
الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزه عن هذا ويُجلّ ، ويعظم
أن يسلك في أدائه هذا المذهب " .
وما ينادي به بعض الناس من تلحين القرآن بزعم تصوير المعاني وضبط الأنغام ، وربما
تمادى بعضهم وطالب بما يقارن تلك الألحان بالآلات الموسيقية : فكل ذلك جرأة على
كتاب الله تعالى ذِكرُه وتقدس اسمُه ، ولا شك أن الاشتغال بتلك الأنغام يوقع القارئ
في تحوير الألفاظ ، ويصرف السامع عن تدبر المعاني ، بل يفضي بها إلى التغيير ،
وكتاب الله تعالى مجد المسلمين ينزه عن ذلك .
انتهى من مقال في " ملتقى أهل التفسير " .
ونعجب ممن اشتهر في العالم الإسلامي بحسن قراءته أن يكون طريقه في التعلم وإتقان
القراءة : الأغاني الماجنة ! وقد اعترف بعضهم أنه كان يستمع للأغنية ذات المعازف
حتى يتعلم طريقة القراءة ! وقد انتشرت صورة لبعض كبار القراء وهو بجانب " البيانو "
! بل وتشترط إذاعة عربية على كل مقرئ فيها أن يحمل شهادة من معهد موسيقي ! وإلا
حرِم القراءة فيها ، وقد وفق الله تعالى كثيراً من القراء في العالم الإسلامي ،
وأبكوا الناس بقراءتهم ولم يتعلموا مقاماً ولم يسمعوا أغنية ، وبعض المهووسين بهذه
المقامات يسمع القارئ المتقن الموفَّق فينسب قراءته لإحدى المقامات ويوهم نفسه
وغيره أن هذا القارئ ممن يمشي على طريقته بالقراءة على حسب أغنية أو لحن معيَّن ،
وليس الأمر كذلك ، وإنما هو وهم محض .
والله أعلم