السؤال:
لديَّ سؤال صغير يتعلق بالموت : فقد سمعتُ من كثيرين : أن كل شخص يموت فى
الموعد الذى حدده الله من قبل ، وهذا يعني أن الله قد حدد موعداً معيناً
بالفعل لوفاة كل شخص ، وأن الملائكة تقوم حينها بأخذ روحه ، فهل يعني هذا
أنه كلما مات شخص فإن أجله يكون قد حان لترك الدنيا ، وهو الأجل الذى حدده
الله من قبل بالفعل حتى وإن كان قد مات مقتولاً ، أو جرَّاء حادث ؟ وأنا فى
حيرة بالغة من هذا الأمر ، فهل بوسعكم توضيحه ؟
الجواب :
الحمد لله
خلق الله تعالى الخلق وقضى لهم آجالهم في ساعة معينة ، وقد أعلم الله تعالى الملَك
الذي يأتي الجنين في بطن أمه بهذا الأجل ، فإذا جاء أجلهم – بموت طبيعي أو مرض أو
قتل أو حادث – فإنه لا يتقدم عن الموعد ولا يتأخر ، وفي تلك الكتابة الكونية التي
لا تتغير قطع على تعلق الناس بغير الله في زيادة عمر أحدٍ أو إنقاصه ، وليس الذي
حافظ على صحته قد أطال عمر نفسه ، بل الله تعالى قدَّر له ذلك ، وليس الذي قتلَ
أحداً قد أنقص عمر ذلك المقتول ، بل الله تعالى قدَّر ذلك أزلاً ، ويُحاسب القاتل
على تعديه على الحكم الشرعي إن كان قتَل بغير حق .
وقالت المعتزلة – وهي من فرق الضلال - : إن الإنسان لو لم يمت بالقتل أو المرض لطال
عمره ! وهذا باطل ليس عليه دليل من كتاب ولا سنَّة ، ولا هو قول أحد من أهل السنَّة
، بل قد قدَّر الله أجل كل أحد من خلقه وقدَّر السبب الذي ينتهي به أجله ، وهو أجل
واحد ، وهو معلوم لله تعالى ، وقد أعلمه ملائكته التي أمرها بكتابة أجل الإنسان في
بطن أمه .
قال الشيخ ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
" الله سبحانه وتعالى قدَّر آجال الخلائق بحيث إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا
يستقدمون ، قال تعالى ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً
وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) الأعراف/ 34 والنحل/ 61 ، وقال تعالى ( وَمَا كَانَ
لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ) آل عمْران/
145 .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ
زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :
اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ ،
وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (قَدْ سَأَلَتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ،
وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ أَجَلِهِ ، وَلَنْ
يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ أَجَلِهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ
مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ) .
فالمقتول ميت بأجله ، فعلَم الله تعالى وقدَّر وقضى أن هذا يموت بسبب المرض ، وهذا
بسبب القتل ، وهذا بسبب الهدم ، وهذا بسبب الحرق ، وهذا بالغرق ، إلى غير ذلك من
الأسباب ، والله سبحانه خلق الموت والحياة ، وخلق سبب الموت والحياة .
وعند المعتزلة : المقتول مقطوع عليه أجله ، ولو لم يُقتل لعاش إلى أجله ! فكان له
أجلان ، وهذا باطل ؛ لأنه لا يليق أن يُنسب إلى الله تعالى أنه جعل له أجلاً يعلم
أنه لا يعيش إليه البتة ، أو يجعل أجلَه أحد الأمرين ، كفعل الجاهل بالعواقب .
ووجوب القصاص والضمان على القاتل لارتكابه المنهي عنه ومباشرته السبب المحظور .
وعلى هذا يخرج قوله صلى الله عليه وسلم (صِلَةُ الرَّحِم تَزِيدُ فِي العُمُرِ) أي
: سبب طول العمر ، وقد قدر الله أن هذا يصِلُ رحمه فيعيش بهذا السبب إلى هذه الغاية
، ولولا ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية ، ولكن قدَّر هذا السبب وقضاه ، وكذلك
قدَّر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا ، كما قلنا في القتل وعدمه " انتهى من "شرح
العقيدة الطحاوية" (ص 100 ، 101) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " في شرح قوله تعالى ( ثُمَّ قَضَى أَجَلًا
وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) : وأما أجل الموت : فهذا تعرفه الملائكة الذين يكتبون
رزق العبد وأجله وعمله وشقي أو سعيد ، كما قال في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله
عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - : (إنَّ
أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خُلُقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً
ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ
يُبْعَثُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُقَالُ : اُكْتُبْ
رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ
الرُّوحُ) ، فهذا الأجل الذي هو أجل الموت قد يُعلمه الله لمن شاء من عباده ، وأما
أجل القيامة المسمى عنده : فلا يعلمه إلا هو " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/489) .
وسئل أيضاً رحمه الله : عن المقتول : هل مات بأجله ؟ أم قطع القاتل أجلَه ؟
فأجاب :
" المقتول كغيره من الموتى ؛ لا يموت أحدٌ قبل أجله ، ولا يتأخر أحد عن أجله ، بل
سائر الحيوان والأشجار لها آجال لا تتقدم ولا تتأخر ، فإن أجل الشيء هو نهاية
عُمُره ، وعمره : مدة بقائه ، فالعمُر : مدة البقاء ، والأجل : نهاية العمر
بالانقضاء ، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) ، وثبت في
صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ
شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ
شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، وفي لَفْظٍ (ثُمَّ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، وقَد قَالَ تَعَالَى : (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) ، والله يعلم ما كان قبل أن يكون ،
وقد كتب ذلك فهو يعلم أن هذا يموت بالبطن أو ذات الجنب أو الهدم أو الغرق ، أو غير
ذلك من الأسباب ، وهذا يموت مقتولاً : إما بالسم وإما بالسيف وإما بالحجر وإما بغير
ذلك من أسباب القتل ، وعلْم الله بذلك وكتابتُه له ، بل مشيئته لكل شيء ، وخلقه لكل
شيء : لا يمنع المدح والذم ، والثواب والعقاب ؛ بل القاتل : إن قتل قتيلاً أمر الله
به ورسوله - كالمجاهد في سبيل الله - : أثابه الله على ذلك ، وإن قتل قتيلاً حرَّمه
الله ورسوله - كقتل القطاع والمعتدين - : عاقبه الله على ذلك ، وإن قتل قتيلاً
مباحاً - كقتيل المقتص - : لم يُثب ولم يعاقب ، إلا أن يكون له نية حسنة أو سيئة في
أحدهما .
والأجل أجلان : " أجل مطلق " يعلمه الله " ، وأجل مقيد " ؛ وبهذا يتبين معنى قوله
صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ
فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال : " إن
وصل رحمه زدته كذا وكذا " والملك لا يعلم أيزداد أم لا ، لكن الله يعلم ما يستقر
عليه الأمر ، فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر .
ولو لم يُقتل المقتول : فقد قال بعض القدرية : إنه كان يعيش ! وقال بعض نفاة
الأسباب : إنه يموت ! وكلاهما خطأ ؛ فإن الله علم أنه يموت بالقتل ؛ فإذا قدر خلاف
معلومه ، كان تقديراً لما لا يكون لو كان كيف كان يكون ، وهذا قد يعلمه بعض الناس
وقد لا يعلمه ، فلو فرضنا أن الله علم أنه لا يُقتل ، أمكن أن يكون قدر موته في هذا
الوقت وأمكن أن يكون قدر حياته إلى وقت آخر ، فالجزم بأحد هذين على التقدير الذي لا
يكون : جهل ، وهذا كمن قال : لو لم يأكل هذا ما قُدر له من الرزق : كان يموت أو
يرزق شيئاً آخر ، وبمنزلة من قال : لو لم يحبل هذا الرجل هذه المرأة هل تكون عقيماً
أو يحبلها رجل آخر ؟ ولو لم تزدرع هذه الأرض هل كان يزدرعها غيره أم كانت تكون
مواتاً لا يزرع فيها ؟ وهذا الذي تعلم القرآن من هذا لو لم يعلمه : هل كان يتعلم من
غيره أم لم يكن يتعلم القرآن ألبتة ؟ ومثل هذا كثير " انتهى من "مجموع الفتاوى"
(8/516 – 518) .
والله أعلم
لديَّ سؤال صغير يتعلق بالموت : فقد سمعتُ من كثيرين : أن كل شخص يموت فى
الموعد الذى حدده الله من قبل ، وهذا يعني أن الله قد حدد موعداً معيناً
بالفعل لوفاة كل شخص ، وأن الملائكة تقوم حينها بأخذ روحه ، فهل يعني هذا
أنه كلما مات شخص فإن أجله يكون قد حان لترك الدنيا ، وهو الأجل الذى حدده
الله من قبل بالفعل حتى وإن كان قد مات مقتولاً ، أو جرَّاء حادث ؟ وأنا فى
حيرة بالغة من هذا الأمر ، فهل بوسعكم توضيحه ؟
الجواب :
الحمد لله
خلق الله تعالى الخلق وقضى لهم آجالهم في ساعة معينة ، وقد أعلم الله تعالى الملَك
الذي يأتي الجنين في بطن أمه بهذا الأجل ، فإذا جاء أجلهم – بموت طبيعي أو مرض أو
قتل أو حادث – فإنه لا يتقدم عن الموعد ولا يتأخر ، وفي تلك الكتابة الكونية التي
لا تتغير قطع على تعلق الناس بغير الله في زيادة عمر أحدٍ أو إنقاصه ، وليس الذي
حافظ على صحته قد أطال عمر نفسه ، بل الله تعالى قدَّر له ذلك ، وليس الذي قتلَ
أحداً قد أنقص عمر ذلك المقتول ، بل الله تعالى قدَّر ذلك أزلاً ، ويُحاسب القاتل
على تعديه على الحكم الشرعي إن كان قتَل بغير حق .
وقالت المعتزلة – وهي من فرق الضلال - : إن الإنسان لو لم يمت بالقتل أو المرض لطال
عمره ! وهذا باطل ليس عليه دليل من كتاب ولا سنَّة ، ولا هو قول أحد من أهل السنَّة
، بل قد قدَّر الله أجل كل أحد من خلقه وقدَّر السبب الذي ينتهي به أجله ، وهو أجل
واحد ، وهو معلوم لله تعالى ، وقد أعلمه ملائكته التي أمرها بكتابة أجل الإنسان في
بطن أمه .
قال الشيخ ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
" الله سبحانه وتعالى قدَّر آجال الخلائق بحيث إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا
يستقدمون ، قال تعالى ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً
وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) الأعراف/ 34 والنحل/ 61 ، وقال تعالى ( وَمَا كَانَ
لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ) آل عمْران/
145 .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ
زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :
اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ ،
وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (قَدْ سَأَلَتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ،
وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ أَجَلِهِ ، وَلَنْ
يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ أَجَلِهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ
مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ) .
فالمقتول ميت بأجله ، فعلَم الله تعالى وقدَّر وقضى أن هذا يموت بسبب المرض ، وهذا
بسبب القتل ، وهذا بسبب الهدم ، وهذا بسبب الحرق ، وهذا بالغرق ، إلى غير ذلك من
الأسباب ، والله سبحانه خلق الموت والحياة ، وخلق سبب الموت والحياة .
وعند المعتزلة : المقتول مقطوع عليه أجله ، ولو لم يُقتل لعاش إلى أجله ! فكان له
أجلان ، وهذا باطل ؛ لأنه لا يليق أن يُنسب إلى الله تعالى أنه جعل له أجلاً يعلم
أنه لا يعيش إليه البتة ، أو يجعل أجلَه أحد الأمرين ، كفعل الجاهل بالعواقب .
ووجوب القصاص والضمان على القاتل لارتكابه المنهي عنه ومباشرته السبب المحظور .
وعلى هذا يخرج قوله صلى الله عليه وسلم (صِلَةُ الرَّحِم تَزِيدُ فِي العُمُرِ) أي
: سبب طول العمر ، وقد قدر الله أن هذا يصِلُ رحمه فيعيش بهذا السبب إلى هذه الغاية
، ولولا ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية ، ولكن قدَّر هذا السبب وقضاه ، وكذلك
قدَّر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا ، كما قلنا في القتل وعدمه " انتهى من "شرح
العقيدة الطحاوية" (ص 100 ، 101) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " في شرح قوله تعالى ( ثُمَّ قَضَى أَجَلًا
وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) : وأما أجل الموت : فهذا تعرفه الملائكة الذين يكتبون
رزق العبد وأجله وعمله وشقي أو سعيد ، كما قال في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله
عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - : (إنَّ
أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خُلُقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً
ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ
يُبْعَثُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُقَالُ : اُكْتُبْ
رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ
الرُّوحُ) ، فهذا الأجل الذي هو أجل الموت قد يُعلمه الله لمن شاء من عباده ، وأما
أجل القيامة المسمى عنده : فلا يعلمه إلا هو " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/489) .
وسئل أيضاً رحمه الله : عن المقتول : هل مات بأجله ؟ أم قطع القاتل أجلَه ؟
فأجاب :
" المقتول كغيره من الموتى ؛ لا يموت أحدٌ قبل أجله ، ولا يتأخر أحد عن أجله ، بل
سائر الحيوان والأشجار لها آجال لا تتقدم ولا تتأخر ، فإن أجل الشيء هو نهاية
عُمُره ، وعمره : مدة بقائه ، فالعمُر : مدة البقاء ، والأجل : نهاية العمر
بالانقضاء ، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) ، وثبت في
صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ
شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ
شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، وفي لَفْظٍ (ثُمَّ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، وقَد قَالَ تَعَالَى : (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) ، والله يعلم ما كان قبل أن يكون ،
وقد كتب ذلك فهو يعلم أن هذا يموت بالبطن أو ذات الجنب أو الهدم أو الغرق ، أو غير
ذلك من الأسباب ، وهذا يموت مقتولاً : إما بالسم وإما بالسيف وإما بالحجر وإما بغير
ذلك من أسباب القتل ، وعلْم الله بذلك وكتابتُه له ، بل مشيئته لكل شيء ، وخلقه لكل
شيء : لا يمنع المدح والذم ، والثواب والعقاب ؛ بل القاتل : إن قتل قتيلاً أمر الله
به ورسوله - كالمجاهد في سبيل الله - : أثابه الله على ذلك ، وإن قتل قتيلاً حرَّمه
الله ورسوله - كقتل القطاع والمعتدين - : عاقبه الله على ذلك ، وإن قتل قتيلاً
مباحاً - كقتيل المقتص - : لم يُثب ولم يعاقب ، إلا أن يكون له نية حسنة أو سيئة في
أحدهما .
والأجل أجلان : " أجل مطلق " يعلمه الله " ، وأجل مقيد " ؛ وبهذا يتبين معنى قوله
صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ
فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال : " إن
وصل رحمه زدته كذا وكذا " والملك لا يعلم أيزداد أم لا ، لكن الله يعلم ما يستقر
عليه الأمر ، فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر .
ولو لم يُقتل المقتول : فقد قال بعض القدرية : إنه كان يعيش ! وقال بعض نفاة
الأسباب : إنه يموت ! وكلاهما خطأ ؛ فإن الله علم أنه يموت بالقتل ؛ فإذا قدر خلاف
معلومه ، كان تقديراً لما لا يكون لو كان كيف كان يكون ، وهذا قد يعلمه بعض الناس
وقد لا يعلمه ، فلو فرضنا أن الله علم أنه لا يُقتل ، أمكن أن يكون قدر موته في هذا
الوقت وأمكن أن يكون قدر حياته إلى وقت آخر ، فالجزم بأحد هذين على التقدير الذي لا
يكون : جهل ، وهذا كمن قال : لو لم يأكل هذا ما قُدر له من الرزق : كان يموت أو
يرزق شيئاً آخر ، وبمنزلة من قال : لو لم يحبل هذا الرجل هذه المرأة هل تكون عقيماً
أو يحبلها رجل آخر ؟ ولو لم تزدرع هذه الأرض هل كان يزدرعها غيره أم كانت تكون
مواتاً لا يزرع فيها ؟ وهذا الذي تعلم القرآن من هذا لو لم يعلمه : هل كان يتعلم من
غيره أم لم يكن يتعلم القرآن ألبتة ؟ ومثل هذا كثير " انتهى من "مجموع الفتاوى"
(8/516 – 518) .
والله أعلم