السؤال :
قرأت حديثاً يقول فيه عمر رضي الله عنه : " كنت أقرأ ( فامْضوا إلى ذكر
الله ) بدلاً من ( فاسعوا ) في سورة الجمعة " . " الدر المنثور ، الجزء
السادس ، صفحة 219 .
وقرأت أحاديث أخرى تفيد بأن القرآن ليس كاملاً ، مثل :
حديث عمر في السقيفة حيث قال : " كان القرآن 102700 حرفاً " . " الإتقان "
للسيوطي ، ص 88 .
وقوله : " لا يدّعيّن أحدٌ أن القرآن مكتمل لأنه قد فُقد معظمه " . تفسير "
الدر المنثور " للسيوطي ، المجلد الأول ص 104 .
وقول أبيّ بن كعب أن لديه في مصحفه سورتين زائدتين ، " الخلع " و " الحفد "
. " الإتقان " للسيوطي المجلد الثاني ص 66 .
أمّا سيد أنور شاه كشميري فقد قال : " إن تحليلي مبني على ما في " صحيح
البخاري " من أن القرآن قد حُرفت فيه بعض الكلمات قصداً أو من دون قصد ،
وذلك بشهادة عثمان رضي الله عنه . " فيض الباري " ، المجلد الثالث ، ص 395 ،
تحت فصل " الشهادات " .
أما عثمان فقد نقل عنه السيوطي في " إتقانه " في المجلد الأول صفحة 174 أنه
قال : " هناك بعض الأخطاء في المصحف الذي لدينا اليوم " .
أما هشام بن عروة فيقول : سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن : ( إن
الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) و ( والمقيمين الصلاة والمؤتون
الزكاة ) و ( إنَّ هذان لساحران ) فقالت : " يا ابن أختي ! هذا عمل
الكُتَّاب ، أخطؤوا في الكِتاب " . " الإتقان " المجلد الأول ، ص 183 ، 184
، وقد قال عنه جلال الدين السيوطي أنه " صحيح على شرط الشيخين " .
وورد كذلك في " الدر المنثور " في المجلد الخامس ، ص 180 ، و " الإتقان "
المجلد الثاني ، ص 25 " أن سورة الأحزاب كانت على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم 200 آية ، ثم نقصت إلى ما هي عليه بعد جمع عثمان للمصحف .
حديث عائشة : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ، ثم
نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " . رواه
مسلم في كتاب الرضاع .
فكيف يمكننا القول بعد كل هذا إن القرآن محفوظ ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
قراءة عمر رضي الله عنه لآية سورة الجمعة ( فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ الله ) قد رواها
الإمام البخاري عنه في صحيحه معلَّقة بصيغة الجزم ، ورواها مسندةً الإمامُ ابن جرير
الطبري بإسناد صحيح ، وهي ليست موافقة لرسم المصحف العثماني ، وليست قراءة سبعية ،
وقد ذهب بعض العلماء إلى عدِّها وجهاً تُقرأ به الآية ، وقال آخرون إنها قراءة
تفسيرية ، وأنه أراد تفسير " السعي " في الآية وأنه ليس " المشي بسرعة " ، وقد وُجد
في مصاحف بعض الصحابة مثل هذا فكانوا يفسرون بعض ألفاظ الآية بشرح تفسيري لها ،
ويرويها بعض تلامذتهم على أنها قراءة للآية ، وإن كان الأظهر في هذه أنها قراءة
لعمر رضي الله عنه ، كان يقرأ بها الآية ، وصح إسنادها إليه ؛ لكن ذلك لا يعني أنها
بدل من الآية التي أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على إثباتها في مصحف عثمان
، وتواتر النقل بها بين المسلمين تواترا ضروريا قطعيا ، بل هي حرف كان يقرأ به عمر
، مع أنه لا ينكر ما سواه ، وما أثبت في المصحف هو حرف آخر في الآية ، وكل شاف واف
، لكن المثبت في المصاحف هو المقطوع بنقله وثبوته .
ثانياً:
وأما قولك " حديث عمر في السقيفة حيث قال : " كان القرآن 102700 حرفاً " . "
الإتقان " للسيوطي ، ص 88 " : ففيه خطأ وتدليس ، أما الخطأ ففي كتابة عدد حروف حيث
أن الوارد في عددها هو " مليون وسبعة وعشرون ألف حرف " ، وأما التدليس : فبذكرك
للمتن بزيادة لفظة " كان " لتوهم وجود نقصان في القرآن ، وبذكرك للحديث بصيغة توهم
أن السيوطي رحمه الله نقل هذا وأيَّده أو صححه ، وهو خلاف الواقع ، بل إن الرواية
عن عمر مكذوبة وقد تكلم السيوطي نفسه على إسنادها ناقلاً نقد الذهبي لها – وقد قال
الذهبي في " ميزان الاعتدال " ( 3 / 639 ) عن الحديث " خبر باطل " ووافقه ابن حجر
العسقلاني في " لسان الميزان " ( 5 / 276 ) – ولم يكن ثمة حاجة لتفسير الحديث وهذه
حاله ، وأما متنه : فغاية في النكارة ؛ فإن عدَّ حروف القرآن لم يثبت في حديث ، ولا
كان من عمل الصحابة رضي الله عنهم .
قال السيوطي – رحمه الله - : " وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعاً ( القرآن
ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من
الحور العين ) رجاله ثقات إلا شيخ الطبراني محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس تكلم
فيه الذهبي لهذا الحديث " انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " ( 1 / 242 ، 243 ) .
وقال الشيخ الألباني – رحمه الله - : " لوائح الوضع على حديثه ظاهرة ، فمثله لا
يحتاج إلى كلام ينقل في تجريحه بأكثر مما أشار إليه الحافظ الذهبي ثم العسقلاني ؛
من روايته لمثل هذا الحديث وتفرده به ! " انتهى من " سلسلة الأحاديث الضعيفة
والموضوعة " ( 9 / 71 ) .
وفي أصل مسألة عد حروف القرآن قال السيوطي – رحمه الله – : " وقد قال السخاوي : لا
أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة ؛ لأن ذلك إن أفاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه
الزيادة والنقصان ، والقرآن لا يمكن فيه ذلك " انتهى من " الإتقان في علوم القرآن "
( 1 / 242 ) .
ثالثاً:
وأما قولك : " وقوله – أي : عمر بن الخطاب - : " لا يدّعيّن أحدٌ أن القرآن مكتمل
لأنه قد فُقد معظمه " . تفسير " الدر المنثور " للسيوطي ، المجلد الأول ص 104 " :
فالرد عليه : أنه لا أصل لهذه الجملة بهذا اللفظ في كتاب السيوطي " الإتقان " ولا
في غيره من كتب المسلمين ، وأصل الجملة رواه سعيد بن منصور في " تفسيره " قال :
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال " لا يقولن أحدكم : أخذت
القرآن كله ، وما يدريه ما كله ، قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن يقول : أخذنا ما ظهر
منه " انتهى .
والمقصود من كلام ابن عمر رضي الله عنهما : أنه لا يستطيع أحد الجزم بإحاطته بحفظ
كل ما نزل من القرآن ؛ لأنه ثمة آيات نزلت ثم رفعت ، وهو ما يسمى " نسخ التلاوة " ،
وقد صرَّح ابن عمر بذلك بنفسه في قوله " كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ؛
إنَّ منه قرآناً قد رُفع " كما في رواية " ابن الضرِّيس " عنه ، ولذا فقد روى هذا
الأثر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم وبوَّب عليه " باب ما رُفع من القرآن بعد
نزوله ولم يثبت في المصاحف " ، وذكره السيوطي في كتابه " الإتقان " في " باب نسخ
التلاوة " .
ولينظر – لمزيد بيان – جوابا السؤالين (
110237 ) و (
105746 ) .
رابعاً:
وأما قولك " وقول أبيّ بن كعب أن لديه في مصحفة سورتين زائدتين ، " الخَلع " و "
الحَفد " . " الإتقان " للسيوطي المجلد الثاني ص 66 " : فالمقصود بما يسمَّى سورة "
الخلع " هو " بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إنا نستعينك ونستغفرك . ونثني عليك
ولا نكفرك . ونخلع ونترك من يفجُرك " ، وأما ما يسمَّى سورة " الحفد " فهي " بسم
الله الرحمن الرحيم . اللهم إياك نعبد . ولك نصلي ونسجد . وإليك نسعى ونحفِد . نرجو
رحمتك ونخشى عذابك . إن عذابك الجِدَّ بالكفار مُلحِق " .
ومعنى " وإليك نسعى ونحفِد " أي : نُسرع في طاعتك .
وأما الجواب عن كون السورتين كانتا في " مصحف أبيّ بن كعب " : فنعم يمكن أن يكون
هذا ! لكن ليس على أساس أنهما من القرآن الذي استقر أمره بالعرضة الأخيرة ؛ فإن
مصاحف الصحابة رضي الله عنهم كان فيها الشرح والفقه ، وكان فيها ما نُسخت تلاوته ،
وهاتان السورتان كانتا مما نزل من القرآن ثم نسخت تلاوتهما ، وبقي بعض الصحابة
يقرؤهما في قنوته ؛ لما احتوتاه من دعاء وثناء على الله ، ومن رغب أن يعرف ما استقر
عليه الأمر ، فليعلم أن ما في المصحف الذي جمعه الصدِّيق ثم عثمان رضي الله عنهما
هو المحفوظ الثابت المحكم ، وليس فيه هاتان السورتان ، ولذا لم يقرأهما أحد في
الصلاة ، ولا ذُكر تفسير لهما ، ولا نقلت قراءات لحروفهما ، وكونهما كانتا سورتين
ثم نسختا هو قول السيوطي نفسه ! .
قال السيوطي – رحمه الله - : " قال الحسين بن المنادي في كتابه " الناسخ والمنسوخ "
: " ومما رُفع رسمُه من القرآن ولم يُرفع من القلوب حفظه سورتا " القنوت في الوتر "
وتُسمَّى سورتي الخلع والحفد " انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " ( 2 / 68 ) .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - : " ومثال نسخ الكتاب بالسنَّة : نسخ
آية عشر رضعات تلاوة وحكماً بالسنة المتواترة ، ونسخ سورة " الخَلع " وسورة "
الحَفد " تلاوة وحكماً بالسنة المتواترة ، وسورة الخلع وسورة الحفد : هما القنوت في
الصبح عند المالكية ، وقد أوضح صاحب " الدر المنثور " – وهو السيوطي - وغيره تحقيق
أنهما كانتا سورتين من كتاب الله ثم نُسختا " انتهى من " أضواء البيان " ( 2 / 451
) .
وقد نقل عن أبي بن كعب قراءتُه التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو ، وغيرهم ،
وليس فيها سورتا " الحفد والخلع " ، كما أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة ، قال
أبو الحسن الأشعري : " قد رأيت مصحف أنسٍ بالبصرة عند قومٍ من ولدِه فوجدتُه
مساويًا لمصحف الجماعة ، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خطُّ أنسٍ وإملاء أُبَي بن كعب " .
انتهى .
وهذا كله على اعتبار صحة الرواية عن أبي بن كعب أنه عدَّ الدعاءين سورتين ، وإلا
ففي ثبوت ذلك عنه نظر قوي ، فلم ينقل ذلك عنه بإسناد صحيح .
فخلاصة الجواب عن ذلك أن يقال : إما أنه لم يصح عن أبي بن كعب ، ومن ادعى ذلك
فليذكر إسناده الصحيح إليه . أو يقال فيه ـ على افتراض صحته ـ : إنه من القرآن
المنسوخ تلاوة ، الباقي لفظاً ، وبما أنه ثناء ودعاء ، فيصح القنوت به .
قال محمد بن عبد العظيم الزرقاني – رحمه الله - : " قال صاحب " الانتصار " ما نصه :
" إن كلام القنوت المروي أن " أبيّ بن كعب " أثبته في مصحفه : لم تقم الحجة بأنه
قرآن منزَّل ، بل هو ضرب من الدعاء ، وأنه لو كان قرآناً لنُقل إلينا نقل القرآن
وحصل العلم بصحته " .
ثم قال :
" ويمكن أن يكون منه كلام كان قرآناً منزلاً ثم نسخ ، وأبيح الدعاء به وخلط بما ليس
بقرآن .
ولم يصح ذلك عنه ، إنما روي عنه أنه أثبته في مصحفه ، وقد أثبت في مصحفه ما ليس
بقرآن من دعاء أو تأويل ا.هـ.
وهذا الدعاء هو القنوت الذي أخذ به السادة الحنفية ، وبعضهم ذكر أن أبيّاً رضي الله
عنه كتبه في مصحفه وسماه سورة " الخَلع والحَفد " لورود مادة هاتين الكلمتين فيه،
وقد عرفت توجيه ذلك.
والخلاصة :
أن بعض الصحابة الذين كانوا يكتبون القرآن لأنفسهم في مصحف أو مصاحف خاصة بهم ربما
كتبوا فيها ما ليس بقرآن مما يكون تأويلاً لبعض ما غمض عليهم من معاني القرآن ، أو
مما يكون دعاء يجري مجرى أدعية القرآن في أنه يصح الإتيان به في الصلاة عند القنوت
أو نحو ذلك ، وهم يعلمون أن ذلك كله ليس بقرآن ، ولكن ندرة أدوات الكتابة ، وكونهم
يكتبون القرآن لأنفسهم وحدهم دون غيرهم ، هوَّن عليهم ذلك ؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم
اللبس واشتباه القرآن بغيره ، فظن بعض قصار النظر أن كل ما كتبوه فيها إنما كتبوه
على أنه قرآن ، مع أن الحقيقة ليست كذلك ، إنما هي ما علمت " انتهى من " مناهل
العرفان في علوم القرآن " ( 1 / 271 ) .
وانظر مقالاً بعنوان " فيض الرب في الرد على من ادَّعى أن هناك سورتين زائدتين في
مصحف أبيّ بن كعب " .
خامساً:
وأما قولك " أمّا سيد أنور شاه كشميري فقد قال : " إن تحليلي مبني على ما في " صحيح
البخاري " من أن القرآن قد حُرفت فيه بعض الكلمات قصداً أو من دون قصد ، وذلك
بشهادة عثمان رضي الله عنه . " فيض الباري " ، المجلد الثالث ، ص 395 ، تحت فصل "
الشهادات " " : فنأسف أن نقول : إن هذا كذب لا أصل له لا عن سيد أنور ولا عن غيره
من علماء المسلمين ! .
سادساً:
وأما قولك " أما عثمان فقد نقل عنه السيوطي في " إتقانه " في المجلد الأول صفحة 174
أنه قال : " هناك بعض الأخطاء في المصحف الذي لدينا اليوم " : فليس هذا نص كلامه ،
ولم يثبت معناه عن عثمان رضي الله عنه ولا عن غيره من الصحابة ، ولو صحَّ فله معنى
مستقيم ، وقد بينَّا هذا بتفصيل في جواب السؤال رقم (
135752 ) فلينظر فهو مهم .
سابعاً:
وأما قولك " أما هشام بن عروة فيقول : سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن : (
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) و ( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ) و
( إنَّ هذان لساحران ) فقالت : " يا ابن أختي ! هذا عمل الكُتَّاب ، أخطؤوا في
الكِتاب " . " الإتقان " المجلد الأول ، ص 183 ، 184 ، وقد قال عنه جلال الدين
السيوطي أنه " صحيح على شرط الشيخين " : فالأثر غير صحيح عنها ، وبيان ذلك في جواب
السؤال رقم ( 135752 ) .
ثامناً:
وأما قولك " وورد كذلك في " الدر المنثور " في المجلد الخامس ، ص 180 ، و " الإتقان
" المجلد الثاني ، ص 25 " أن سورة الأحزاب كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
200 آية ، ثم نقصت إلى ما هي عليه بعد جمع عثمان للمصحف " : ففي هذا اللفظ إيهام
بالتحريف ! وأما اللفظ الصحيح فقد رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 10 / 273 ) ،
والحاكم في " مستدركه " ( 2 / 450 ) عَنْ زِرِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : "
كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ تُوَازِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَكَانَ فِيهَا : (
الشَّيْخُ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) " ورواه النسائي في " الكبرى " ( 4 /
271 ، 272 ) بمعناه ، وهو من أدلة نسخ التلاوة ، وقد مرَّ معنا فيما ذكرناه آنفاً
وما أحلنا عليه ما يؤكد وقوع هذا النوع من النسخ .
تاسعاً:
وأما قولك " حديث عائشة : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ،
ثم نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " . رواه مسلم
في كتاب الرضاع " : فهو صحيح ، وقد اشتمل هذا النقل على نوعين من أنواع النسخ ،
الأول منهما : نسخ التلاوة والحكم وهو في الآية المنسوخة والتي فيها تحريم الرضاع
بعشر رضعات ، والنوع الثاني : نسخ التلاوة دون الحكم وهو الآية المنسوخة والتي فيها
تحريم الرضاع بخمس رضعات ، فمع رفعها وعدم وجودها إلا أنها اشتملت على الحكم الشرعي
الصحيح الذي دلت عليه بالسنَّة المشرَّفة .
وغاية ما في قول عائشة رضي الله عنها " وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن
" على أنه قد تأخر نسخ هذه الآية حتى أنه لم يبلغ بعضهم هذا النسخ ، ولكن عدم وجود
هذه الآية في أي نسخة من نسخ مصحف عثمان رضي الله عنه يدل على أنها ليست من القرآن
في عرضته الأخيرة ، ولذا لا يُعرف لها لفظ فضلاً عن قراءة أو تفسير .
قال النووي – رحمه الله - : " وقولها " فتوفى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهن
فيما يُقرأ " هو بضم الياء من يقرأ ، ومعناه : أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله
جدّاً حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفى وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً
متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده ، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك
وأجمعوا على أن هذا لا يتلى .
والنسخ ثلاثة أنواع ، أحدها : ما نُسخ حكمُه وتلاوته كعشر رضعات ، والثاني : ما
نسخت تلاوته دون حكمة كخمس رضعات وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ، والثالث :
ما نُسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر ومنه قوله تعالى ( والذين يتوفون منكم
ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم ) الآية " انتهى من " شرح مسلم " ( 10 / 29 ) .
وينظر جواب الحديث رقم
175355
عاشراً:
وأما قولك " فكيف يمكننا القول بعد كل هذا إن القرآن محفوظ ؟ " : فالجواب عليه :
نعم ! نقول ذلك وبكل اطمئنان وثقة : إن القرآن محفوظ بحفظ الله تعالى له ، وإن مَن
شك في ذلك فهو من الكافرين ، ليس في قلبه من الإيمان مثقال ذرة . وانظر تفصيل ذلك
في جواب السؤال رقم ( 129170 ) .
والله أعلم
قرأت حديثاً يقول فيه عمر رضي الله عنه : " كنت أقرأ ( فامْضوا إلى ذكر
الله ) بدلاً من ( فاسعوا ) في سورة الجمعة " . " الدر المنثور ، الجزء
السادس ، صفحة 219 .
وقرأت أحاديث أخرى تفيد بأن القرآن ليس كاملاً ، مثل :
حديث عمر في السقيفة حيث قال : " كان القرآن 102700 حرفاً " . " الإتقان "
للسيوطي ، ص 88 .
وقوله : " لا يدّعيّن أحدٌ أن القرآن مكتمل لأنه قد فُقد معظمه " . تفسير "
الدر المنثور " للسيوطي ، المجلد الأول ص 104 .
وقول أبيّ بن كعب أن لديه في مصحفه سورتين زائدتين ، " الخلع " و " الحفد "
. " الإتقان " للسيوطي المجلد الثاني ص 66 .
أمّا سيد أنور شاه كشميري فقد قال : " إن تحليلي مبني على ما في " صحيح
البخاري " من أن القرآن قد حُرفت فيه بعض الكلمات قصداً أو من دون قصد ،
وذلك بشهادة عثمان رضي الله عنه . " فيض الباري " ، المجلد الثالث ، ص 395 ،
تحت فصل " الشهادات " .
أما عثمان فقد نقل عنه السيوطي في " إتقانه " في المجلد الأول صفحة 174 أنه
قال : " هناك بعض الأخطاء في المصحف الذي لدينا اليوم " .
أما هشام بن عروة فيقول : سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن : ( إن
الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) و ( والمقيمين الصلاة والمؤتون
الزكاة ) و ( إنَّ هذان لساحران ) فقالت : " يا ابن أختي ! هذا عمل
الكُتَّاب ، أخطؤوا في الكِتاب " . " الإتقان " المجلد الأول ، ص 183 ، 184
، وقد قال عنه جلال الدين السيوطي أنه " صحيح على شرط الشيخين " .
وورد كذلك في " الدر المنثور " في المجلد الخامس ، ص 180 ، و " الإتقان "
المجلد الثاني ، ص 25 " أن سورة الأحزاب كانت على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم 200 آية ، ثم نقصت إلى ما هي عليه بعد جمع عثمان للمصحف .
حديث عائشة : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ، ثم
نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " . رواه
مسلم في كتاب الرضاع .
فكيف يمكننا القول بعد كل هذا إن القرآن محفوظ ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
قراءة عمر رضي الله عنه لآية سورة الجمعة ( فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ الله ) قد رواها
الإمام البخاري عنه في صحيحه معلَّقة بصيغة الجزم ، ورواها مسندةً الإمامُ ابن جرير
الطبري بإسناد صحيح ، وهي ليست موافقة لرسم المصحف العثماني ، وليست قراءة سبعية ،
وقد ذهب بعض العلماء إلى عدِّها وجهاً تُقرأ به الآية ، وقال آخرون إنها قراءة
تفسيرية ، وأنه أراد تفسير " السعي " في الآية وأنه ليس " المشي بسرعة " ، وقد وُجد
في مصاحف بعض الصحابة مثل هذا فكانوا يفسرون بعض ألفاظ الآية بشرح تفسيري لها ،
ويرويها بعض تلامذتهم على أنها قراءة للآية ، وإن كان الأظهر في هذه أنها قراءة
لعمر رضي الله عنه ، كان يقرأ بها الآية ، وصح إسنادها إليه ؛ لكن ذلك لا يعني أنها
بدل من الآية التي أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على إثباتها في مصحف عثمان
، وتواتر النقل بها بين المسلمين تواترا ضروريا قطعيا ، بل هي حرف كان يقرأ به عمر
، مع أنه لا ينكر ما سواه ، وما أثبت في المصحف هو حرف آخر في الآية ، وكل شاف واف
، لكن المثبت في المصاحف هو المقطوع بنقله وثبوته .
ثانياً:
وأما قولك " حديث عمر في السقيفة حيث قال : " كان القرآن 102700 حرفاً " . "
الإتقان " للسيوطي ، ص 88 " : ففيه خطأ وتدليس ، أما الخطأ ففي كتابة عدد حروف حيث
أن الوارد في عددها هو " مليون وسبعة وعشرون ألف حرف " ، وأما التدليس : فبذكرك
للمتن بزيادة لفظة " كان " لتوهم وجود نقصان في القرآن ، وبذكرك للحديث بصيغة توهم
أن السيوطي رحمه الله نقل هذا وأيَّده أو صححه ، وهو خلاف الواقع ، بل إن الرواية
عن عمر مكذوبة وقد تكلم السيوطي نفسه على إسنادها ناقلاً نقد الذهبي لها – وقد قال
الذهبي في " ميزان الاعتدال " ( 3 / 639 ) عن الحديث " خبر باطل " ووافقه ابن حجر
العسقلاني في " لسان الميزان " ( 5 / 276 ) – ولم يكن ثمة حاجة لتفسير الحديث وهذه
حاله ، وأما متنه : فغاية في النكارة ؛ فإن عدَّ حروف القرآن لم يثبت في حديث ، ولا
كان من عمل الصحابة رضي الله عنهم .
قال السيوطي – رحمه الله - : " وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعاً ( القرآن
ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من
الحور العين ) رجاله ثقات إلا شيخ الطبراني محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس تكلم
فيه الذهبي لهذا الحديث " انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " ( 1 / 242 ، 243 ) .
وقال الشيخ الألباني – رحمه الله - : " لوائح الوضع على حديثه ظاهرة ، فمثله لا
يحتاج إلى كلام ينقل في تجريحه بأكثر مما أشار إليه الحافظ الذهبي ثم العسقلاني ؛
من روايته لمثل هذا الحديث وتفرده به ! " انتهى من " سلسلة الأحاديث الضعيفة
والموضوعة " ( 9 / 71 ) .
وفي أصل مسألة عد حروف القرآن قال السيوطي – رحمه الله – : " وقد قال السخاوي : لا
أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة ؛ لأن ذلك إن أفاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه
الزيادة والنقصان ، والقرآن لا يمكن فيه ذلك " انتهى من " الإتقان في علوم القرآن "
( 1 / 242 ) .
ثالثاً:
وأما قولك : " وقوله – أي : عمر بن الخطاب - : " لا يدّعيّن أحدٌ أن القرآن مكتمل
لأنه قد فُقد معظمه " . تفسير " الدر المنثور " للسيوطي ، المجلد الأول ص 104 " :
فالرد عليه : أنه لا أصل لهذه الجملة بهذا اللفظ في كتاب السيوطي " الإتقان " ولا
في غيره من كتب المسلمين ، وأصل الجملة رواه سعيد بن منصور في " تفسيره " قال :
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال " لا يقولن أحدكم : أخذت
القرآن كله ، وما يدريه ما كله ، قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن يقول : أخذنا ما ظهر
منه " انتهى .
والمقصود من كلام ابن عمر رضي الله عنهما : أنه لا يستطيع أحد الجزم بإحاطته بحفظ
كل ما نزل من القرآن ؛ لأنه ثمة آيات نزلت ثم رفعت ، وهو ما يسمى " نسخ التلاوة " ،
وقد صرَّح ابن عمر بذلك بنفسه في قوله " كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ؛
إنَّ منه قرآناً قد رُفع " كما في رواية " ابن الضرِّيس " عنه ، ولذا فقد روى هذا
الأثر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم وبوَّب عليه " باب ما رُفع من القرآن بعد
نزوله ولم يثبت في المصاحف " ، وذكره السيوطي في كتابه " الإتقان " في " باب نسخ
التلاوة " .
ولينظر – لمزيد بيان – جوابا السؤالين (
110237 ) و (
105746 ) .
رابعاً:
وأما قولك " وقول أبيّ بن كعب أن لديه في مصحفة سورتين زائدتين ، " الخَلع " و "
الحَفد " . " الإتقان " للسيوطي المجلد الثاني ص 66 " : فالمقصود بما يسمَّى سورة "
الخلع " هو " بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إنا نستعينك ونستغفرك . ونثني عليك
ولا نكفرك . ونخلع ونترك من يفجُرك " ، وأما ما يسمَّى سورة " الحفد " فهي " بسم
الله الرحمن الرحيم . اللهم إياك نعبد . ولك نصلي ونسجد . وإليك نسعى ونحفِد . نرجو
رحمتك ونخشى عذابك . إن عذابك الجِدَّ بالكفار مُلحِق " .
ومعنى " وإليك نسعى ونحفِد " أي : نُسرع في طاعتك .
وأما الجواب عن كون السورتين كانتا في " مصحف أبيّ بن كعب " : فنعم يمكن أن يكون
هذا ! لكن ليس على أساس أنهما من القرآن الذي استقر أمره بالعرضة الأخيرة ؛ فإن
مصاحف الصحابة رضي الله عنهم كان فيها الشرح والفقه ، وكان فيها ما نُسخت تلاوته ،
وهاتان السورتان كانتا مما نزل من القرآن ثم نسخت تلاوتهما ، وبقي بعض الصحابة
يقرؤهما في قنوته ؛ لما احتوتاه من دعاء وثناء على الله ، ومن رغب أن يعرف ما استقر
عليه الأمر ، فليعلم أن ما في المصحف الذي جمعه الصدِّيق ثم عثمان رضي الله عنهما
هو المحفوظ الثابت المحكم ، وليس فيه هاتان السورتان ، ولذا لم يقرأهما أحد في
الصلاة ، ولا ذُكر تفسير لهما ، ولا نقلت قراءات لحروفهما ، وكونهما كانتا سورتين
ثم نسختا هو قول السيوطي نفسه ! .
قال السيوطي – رحمه الله - : " قال الحسين بن المنادي في كتابه " الناسخ والمنسوخ "
: " ومما رُفع رسمُه من القرآن ولم يُرفع من القلوب حفظه سورتا " القنوت في الوتر "
وتُسمَّى سورتي الخلع والحفد " انتهى من " الإتقان في علوم القرآن " ( 2 / 68 ) .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - : " ومثال نسخ الكتاب بالسنَّة : نسخ
آية عشر رضعات تلاوة وحكماً بالسنة المتواترة ، ونسخ سورة " الخَلع " وسورة "
الحَفد " تلاوة وحكماً بالسنة المتواترة ، وسورة الخلع وسورة الحفد : هما القنوت في
الصبح عند المالكية ، وقد أوضح صاحب " الدر المنثور " – وهو السيوطي - وغيره تحقيق
أنهما كانتا سورتين من كتاب الله ثم نُسختا " انتهى من " أضواء البيان " ( 2 / 451
) .
وقد نقل عن أبي بن كعب قراءتُه التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو ، وغيرهم ،
وليس فيها سورتا " الحفد والخلع " ، كما أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة ، قال
أبو الحسن الأشعري : " قد رأيت مصحف أنسٍ بالبصرة عند قومٍ من ولدِه فوجدتُه
مساويًا لمصحف الجماعة ، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خطُّ أنسٍ وإملاء أُبَي بن كعب " .
انتهى .
وهذا كله على اعتبار صحة الرواية عن أبي بن كعب أنه عدَّ الدعاءين سورتين ، وإلا
ففي ثبوت ذلك عنه نظر قوي ، فلم ينقل ذلك عنه بإسناد صحيح .
فخلاصة الجواب عن ذلك أن يقال : إما أنه لم يصح عن أبي بن كعب ، ومن ادعى ذلك
فليذكر إسناده الصحيح إليه . أو يقال فيه ـ على افتراض صحته ـ : إنه من القرآن
المنسوخ تلاوة ، الباقي لفظاً ، وبما أنه ثناء ودعاء ، فيصح القنوت به .
قال محمد بن عبد العظيم الزرقاني – رحمه الله - : " قال صاحب " الانتصار " ما نصه :
" إن كلام القنوت المروي أن " أبيّ بن كعب " أثبته في مصحفه : لم تقم الحجة بأنه
قرآن منزَّل ، بل هو ضرب من الدعاء ، وأنه لو كان قرآناً لنُقل إلينا نقل القرآن
وحصل العلم بصحته " .
ثم قال :
" ويمكن أن يكون منه كلام كان قرآناً منزلاً ثم نسخ ، وأبيح الدعاء به وخلط بما ليس
بقرآن .
ولم يصح ذلك عنه ، إنما روي عنه أنه أثبته في مصحفه ، وقد أثبت في مصحفه ما ليس
بقرآن من دعاء أو تأويل ا.هـ.
وهذا الدعاء هو القنوت الذي أخذ به السادة الحنفية ، وبعضهم ذكر أن أبيّاً رضي الله
عنه كتبه في مصحفه وسماه سورة " الخَلع والحَفد " لورود مادة هاتين الكلمتين فيه،
وقد عرفت توجيه ذلك.
والخلاصة :
أن بعض الصحابة الذين كانوا يكتبون القرآن لأنفسهم في مصحف أو مصاحف خاصة بهم ربما
كتبوا فيها ما ليس بقرآن مما يكون تأويلاً لبعض ما غمض عليهم من معاني القرآن ، أو
مما يكون دعاء يجري مجرى أدعية القرآن في أنه يصح الإتيان به في الصلاة عند القنوت
أو نحو ذلك ، وهم يعلمون أن ذلك كله ليس بقرآن ، ولكن ندرة أدوات الكتابة ، وكونهم
يكتبون القرآن لأنفسهم وحدهم دون غيرهم ، هوَّن عليهم ذلك ؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم
اللبس واشتباه القرآن بغيره ، فظن بعض قصار النظر أن كل ما كتبوه فيها إنما كتبوه
على أنه قرآن ، مع أن الحقيقة ليست كذلك ، إنما هي ما علمت " انتهى من " مناهل
العرفان في علوم القرآن " ( 1 / 271 ) .
وانظر مقالاً بعنوان " فيض الرب في الرد على من ادَّعى أن هناك سورتين زائدتين في
مصحف أبيّ بن كعب " .
خامساً:
وأما قولك " أمّا سيد أنور شاه كشميري فقد قال : " إن تحليلي مبني على ما في " صحيح
البخاري " من أن القرآن قد حُرفت فيه بعض الكلمات قصداً أو من دون قصد ، وذلك
بشهادة عثمان رضي الله عنه . " فيض الباري " ، المجلد الثالث ، ص 395 ، تحت فصل "
الشهادات " " : فنأسف أن نقول : إن هذا كذب لا أصل له لا عن سيد أنور ولا عن غيره
من علماء المسلمين ! .
سادساً:
وأما قولك " أما عثمان فقد نقل عنه السيوطي في " إتقانه " في المجلد الأول صفحة 174
أنه قال : " هناك بعض الأخطاء في المصحف الذي لدينا اليوم " : فليس هذا نص كلامه ،
ولم يثبت معناه عن عثمان رضي الله عنه ولا عن غيره من الصحابة ، ولو صحَّ فله معنى
مستقيم ، وقد بينَّا هذا بتفصيل في جواب السؤال رقم (
135752 ) فلينظر فهو مهم .
سابعاً:
وأما قولك " أما هشام بن عروة فيقول : سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن : (
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) و ( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ) و
( إنَّ هذان لساحران ) فقالت : " يا ابن أختي ! هذا عمل الكُتَّاب ، أخطؤوا في
الكِتاب " . " الإتقان " المجلد الأول ، ص 183 ، 184 ، وقد قال عنه جلال الدين
السيوطي أنه " صحيح على شرط الشيخين " : فالأثر غير صحيح عنها ، وبيان ذلك في جواب
السؤال رقم ( 135752 ) .
ثامناً:
وأما قولك " وورد كذلك في " الدر المنثور " في المجلد الخامس ، ص 180 ، و " الإتقان
" المجلد الثاني ، ص 25 " أن سورة الأحزاب كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
200 آية ، ثم نقصت إلى ما هي عليه بعد جمع عثمان للمصحف " : ففي هذا اللفظ إيهام
بالتحريف ! وأما اللفظ الصحيح فقد رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 10 / 273 ) ،
والحاكم في " مستدركه " ( 2 / 450 ) عَنْ زِرِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : "
كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ تُوَازِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَكَانَ فِيهَا : (
الشَّيْخُ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) " ورواه النسائي في " الكبرى " ( 4 /
271 ، 272 ) بمعناه ، وهو من أدلة نسخ التلاوة ، وقد مرَّ معنا فيما ذكرناه آنفاً
وما أحلنا عليه ما يؤكد وقوع هذا النوع من النسخ .
تاسعاً:
وأما قولك " حديث عائشة : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ،
ثم نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " . رواه مسلم
في كتاب الرضاع " : فهو صحيح ، وقد اشتمل هذا النقل على نوعين من أنواع النسخ ،
الأول منهما : نسخ التلاوة والحكم وهو في الآية المنسوخة والتي فيها تحريم الرضاع
بعشر رضعات ، والنوع الثاني : نسخ التلاوة دون الحكم وهو الآية المنسوخة والتي فيها
تحريم الرضاع بخمس رضعات ، فمع رفعها وعدم وجودها إلا أنها اشتملت على الحكم الشرعي
الصحيح الذي دلت عليه بالسنَّة المشرَّفة .
وغاية ما في قول عائشة رضي الله عنها " وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن
" على أنه قد تأخر نسخ هذه الآية حتى أنه لم يبلغ بعضهم هذا النسخ ، ولكن عدم وجود
هذه الآية في أي نسخة من نسخ مصحف عثمان رضي الله عنه يدل على أنها ليست من القرآن
في عرضته الأخيرة ، ولذا لا يُعرف لها لفظ فضلاً عن قراءة أو تفسير .
قال النووي – رحمه الله - : " وقولها " فتوفى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهن
فيما يُقرأ " هو بضم الياء من يقرأ ، ومعناه : أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله
جدّاً حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفى وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً
متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده ، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك
وأجمعوا على أن هذا لا يتلى .
والنسخ ثلاثة أنواع ، أحدها : ما نُسخ حكمُه وتلاوته كعشر رضعات ، والثاني : ما
نسخت تلاوته دون حكمة كخمس رضعات وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ، والثالث :
ما نُسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر ومنه قوله تعالى ( والذين يتوفون منكم
ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم ) الآية " انتهى من " شرح مسلم " ( 10 / 29 ) .
وينظر جواب الحديث رقم
175355
عاشراً:
وأما قولك " فكيف يمكننا القول بعد كل هذا إن القرآن محفوظ ؟ " : فالجواب عليه :
نعم ! نقول ذلك وبكل اطمئنان وثقة : إن القرآن محفوظ بحفظ الله تعالى له ، وإن مَن
شك في ذلك فهو من الكافرين ، ليس في قلبه من الإيمان مثقال ذرة . وانظر تفصيل ذلك
في جواب السؤال رقم ( 129170 ) .
والله أعلم