قال الحافظ الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى- في كتابه الفقيه والمتفقه:
وجوب التفقه في الدين على كافة المسملين:
عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
)طلب الفقه فريضة على كل مسلم(.
قال بعض أهل العلم:
إنما عنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا القول علم التوحيد، وما يكون العاقل مؤمنا به، فإن العلم بذلك فريضة على كل مسلم، ولا يسع أحدا جهله، إذ كان وجوبه على العموم دون الخصوص.
وقيل معناه:
إن طلب العلم فريضة على كل مسلم، إذا لم يقم بطلبه من كل سقع وناحية من فيه الكفاية، وهذا القول يروى عن سفيان بن عيينة.
ثم ساق الخطيب إسناده إلى جعفر بن عامر البزاز قال:
سمعت مجاهد بن موسى، في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:
)طلب العلم فريضة على كل مسلم(
قال: كنا عند ابن عيينة، فجرى ذكر هذا الحديث، فقال ابن عيينة: "ليس على كل المسلمين فريضة، إذا طلب بعضهم أجزأ عن بعض؛ مثل الجنازة إذا قام بها بعضهم أجزأ عن بعض، ونحو ذلك".
قلت: والذي أراد ابن عيينة معرفة الأحكام الفقهية المتعلقة بفروع الدين، فأما الأصول التي هي معرفة الله - سبحانه - وتوحيده وصفاته وصدق رسله فمما يجب على كل أحد معرفته، ولا يصح أن ينوب فيه بعض المسلمين عن بعض.
وقيل: معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-:
)طلب العلم فريضة على كل مسلم(
أن على كل أحد فرضا أن يتعلم ما لا يسعه جهله من علم حاله، وقد بين ذلك عبد الله بن المبارك،
فقال حسن بن الربيع، قال: سألت ابن المبارك قلت:
)طلب العلم فريضة على كل مسلم(
أي شيء تفسيره؟ قال:
"ليس هو الذي تطلبون، إنما طلب العلم فريضة أن يقع الرجل في شيء من أمر دينه، يسأل عنه حتى يعلمه".
وقال الحسن بن شقيق، قال: سألت عبد الله بن المبارك: ما الذي يجب على الناس من تعليم العلم؟ قال: "أن لا يقدم الرجل على الشيء إلا بعلم، يسأل ويتعلم، فهذا الذي يجب على الناس من تعليم العلم" وفسره، قال: "لو أن رجلا ليس له مال، لم يكن عليه واجبا أن يتعلم الزكاة، فإذا كان له مائتا درهم، وجب عليه أن يتعلم كم يخرج؟ ومتى يخرج؟ وأين يضع؟ وسائر الأشياء على هذا".