ما هي العقيدة الطحاوية ؟ وما هو مقصدها ؟
الحمد لله
العقيدة الطحاوية هي كتاب يحوي العقيدة التي كتبها الإمام الطحاوي فنسبت إليه ،
والتعريف بهذه العقيدة يقتضي النظر فيها من عدة جوانب :
أولا :
المؤلف : هو الإمام المحدث الفقيه أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي – نسبة
إلى قرية بصعيد مصر - ، تخرَّج على كثير من الشيوخ وأخذ عنهم وأفاد منهم ، وقد أربى
عددهم على ثلاثمائة شيخ .
أثنى عليه غير واحد من أهل العلم :
قال ابن يونس : كان الطحاوي ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف مثله .
وقال الذهبي : الفقيه المحدث الحافظ أحد الأعلام وكان ثقة ثبتا فقيها عاقلا .
وقال ابن كثير : هو أحد الثقات الأثبات والحفاظ الجهابذة .
وله من التصانيف ما هو في غاية التحقيق والجمع وكثرة الفوائد منها كتابه العظيم
"معاني الآثار" فيه من الأبحاث الفقيهة المقرونة بدليلها مع مناقشة الخلاف والترجيح
. ومنها كتاب "مشكل الآثار" وغيرها .
توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة (321هـ) ودفن في مصر بالقرافة .
انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء"
(15/27-33) ، "البداية والنهاية" (11/174)
ثانيا :
هذه العقيدة التي كتبها الطحاوي ذكر فيها جُمَلا من عقائد السلف الصالحين ومن تبعهم
من أهل السنة والجماعة ، والتي يقررها أئمة الأحناف – فقد كان الطحاوي على مذهب أبي
حنيفة - وقد بين في مقدمته مقصوده من ذلك فقال :
" هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء المِلَّة : أبي حنيفة
النعمان بن ثابت الكوفي ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، وأبي عبد الله
محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين ، وما يعتقدون من أصول الدين ،
ويدينون به رب العالمين " انتهى
.
ثم شرع في ذكر أصول هذه العقائد ، فبلغ ما ذكره (105) جملة من الأمور التي يؤمن بها
أهل السنة والجماعة عامة .
ابتدأها ببيان وحدانية الله تعالى وذكر شيء من صفات ربوبيته سبحانه كالحياة
والقيومية والخلق والرزق ، وإثبات صفات الكمال إثباتا بلا تكييف ولا تشبيه لقوله
سبحانه وتعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )
الشورى/11
، ثم أعقبه بذكر وجوب الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعموم بعثته ، ثم
التعريف بالقرآن الكريم وأنه كلام الله غير مخلوق ، وإثبات رؤية الله في الآخرة ،
ثم ذكر بعض ما يؤمن به أهل السنة من الغيبيات كالحوض والشفاعة والعرش والكرسي ،
وبعدها ذكر من أركان الإيمان القضاء والقدر ، وما يعتقد أهل السنة والجماعة في هذا
الباب ، ثم انتقل إلى تعريف الإيمان وبيان أركانه وأنه يزيد وينقص ووضح مذهب أهل
السنة بين مذاهب الخوارج والمرجئة ، كما قرر ما يؤمن به أهل السنة في الصحابة
الكرام رضوان الله عليهم ، وأن حبهم من الدين والإيمان والإحسان ، وبغضهم من الكفر
والنفاق والعصيان ، ثم عرج على شيء من أشراط الساعة وما يكون يوم القيامة ، ثم ختم
رسالته ببيان وسطية هذا الدين ، وأنه وسط بين الغلو والتقصير .
ثالثا :
وهي عقيدة سهلة العبارة ، واضحة المعنى ، تتسم بالجمع والاختصار ، وقد اجتمع على
مجملها أهل السنة والجماعة ، فكانت – في معظمها – محل إجماع واتفاق بين أهل العلم .
وقد اهتم كثير من العلماء بشرح هذه العقيدة وتفسير كلماتها ومعانيها ، ومن أشهرهم
ابن أبي العز الحنفي ، حيث كتب شرحا مطولا عليها ، ثم من المتأخرين الشيخ عبد
العزيز بن باز والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمهما الله ، وكذا فضيلة الشيخ سفر
بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله ، فيمكن لمن أراد التوسع في فهم معاني الطحاوية
الرجوع إلى هذه الشروح .
رابعا :
عقيدة الطحاوي اقتصرت على جمل المسائل ، وإنما الذي كتب لها الذيوع والشهرة في
أوساط السلفيين خاصة ، هو شرحها الذي كتبه العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله ،
وهو أهم شروحها وأوسعها مادة ، وقد استقى مادة هذا الشرح من كتب أهل السنة ، لاسيما
كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وتلميذه ابن القيم رحمه الله .
خامسا :
رغم ما أشرنا إليه من محاسن هذه العقيدة ، وشرحها للعلامة ابن أبي العز ؛ ففيها ـ
أيضا ـ عدة مسائل قد انتقدت ، لمخالفتها لما عليه السلف ؛ مثل قوله في تعريف
الإيمان : " والإيمان هو الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان " ؛ فإن الاقتصار على
ذلك هو مذهب مرجئة الفقهاء الذين يخرجون أعمال الجوارح من حقيقة الإيمان . وهكذا
قوله بعدها : " والإيمان واحد ، وأهله في أصله سواء " .
وفيها أيضا بعض العبارات المجملة التي تحتمل معاني باطلة ، بل كثر استعمالها من أهل
البدع في مقاصد تخالف ما عليه السلف الصالح ؛ مثل قوله : " وتعالى عن الحدود
والغايات ، والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات كسائر المبتدعات " ؛ فمثل
هذه العبارات يستعملها المعطلة في نفي ما ثبت لله تعالى في كتابه وسنة رسوله ، من
الصفات الحسنى اللائقة بكماله سبحانه ، مثل الوجه واليدين والعينين .. ، فيسمونها
الجوارح والأعضاء ، وينزهون الله عنها .
ومثل علوه سبحانه فوق خلقه ، واستوائه على عرشه في سمائه ، فيسمون هذه " جهة ،
ومكانا " وينزهون الله تعالى عنها .
ولأجل ذلك كان من المهم لطالب العلم أن يعتني بأخذ هذه العقيدة عمن شرحها من أهل
السنة ، كابن أبي العز قديما ، ومن علمائنا المعاصرين من علق عليها تعليقات مختصرة
، كما أشرنا إليه.
ويوجد لها شروح صوتية كثيرة ، وبعضها مفرغ ، مثل شرح الشيخ صالح آل الشيخ ، وشرح
الشيخ يوسف الغفيص ، وغيرهما من أهل العلم .
وللشيخ سفر الحوالي حفظه الله وعافاه ، شرح وتعليق مطول على شرح ابن أبي العز ،
يمكن الرجوع إليه في موقعه .
والله أعلم .
الحمد لله
العقيدة الطحاوية هي كتاب يحوي العقيدة التي كتبها الإمام الطحاوي فنسبت إليه ،
والتعريف بهذه العقيدة يقتضي النظر فيها من عدة جوانب :
أولا :
المؤلف : هو الإمام المحدث الفقيه أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي – نسبة
إلى قرية بصعيد مصر - ، تخرَّج على كثير من الشيوخ وأخذ عنهم وأفاد منهم ، وقد أربى
عددهم على ثلاثمائة شيخ .
أثنى عليه غير واحد من أهل العلم :
قال ابن يونس : كان الطحاوي ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف مثله .
وقال الذهبي : الفقيه المحدث الحافظ أحد الأعلام وكان ثقة ثبتا فقيها عاقلا .
وقال ابن كثير : هو أحد الثقات الأثبات والحفاظ الجهابذة .
وله من التصانيف ما هو في غاية التحقيق والجمع وكثرة الفوائد منها كتابه العظيم
"معاني الآثار" فيه من الأبحاث الفقيهة المقرونة بدليلها مع مناقشة الخلاف والترجيح
. ومنها كتاب "مشكل الآثار" وغيرها .
توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة (321هـ) ودفن في مصر بالقرافة .
انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء"
(15/27-33) ، "البداية والنهاية" (11/174)
ثانيا :
هذه العقيدة التي كتبها الطحاوي ذكر فيها جُمَلا من عقائد السلف الصالحين ومن تبعهم
من أهل السنة والجماعة ، والتي يقررها أئمة الأحناف – فقد كان الطحاوي على مذهب أبي
حنيفة - وقد بين في مقدمته مقصوده من ذلك فقال :
" هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء المِلَّة : أبي حنيفة
النعمان بن ثابت الكوفي ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، وأبي عبد الله
محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين ، وما يعتقدون من أصول الدين ،
ويدينون به رب العالمين " انتهى
.
ثم شرع في ذكر أصول هذه العقائد ، فبلغ ما ذكره (105) جملة من الأمور التي يؤمن بها
أهل السنة والجماعة عامة .
ابتدأها ببيان وحدانية الله تعالى وذكر شيء من صفات ربوبيته سبحانه كالحياة
والقيومية والخلق والرزق ، وإثبات صفات الكمال إثباتا بلا تكييف ولا تشبيه لقوله
سبحانه وتعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )
الشورى/11
، ثم أعقبه بذكر وجوب الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعموم بعثته ، ثم
التعريف بالقرآن الكريم وأنه كلام الله غير مخلوق ، وإثبات رؤية الله في الآخرة ،
ثم ذكر بعض ما يؤمن به أهل السنة من الغيبيات كالحوض والشفاعة والعرش والكرسي ،
وبعدها ذكر من أركان الإيمان القضاء والقدر ، وما يعتقد أهل السنة والجماعة في هذا
الباب ، ثم انتقل إلى تعريف الإيمان وبيان أركانه وأنه يزيد وينقص ووضح مذهب أهل
السنة بين مذاهب الخوارج والمرجئة ، كما قرر ما يؤمن به أهل السنة في الصحابة
الكرام رضوان الله عليهم ، وأن حبهم من الدين والإيمان والإحسان ، وبغضهم من الكفر
والنفاق والعصيان ، ثم عرج على شيء من أشراط الساعة وما يكون يوم القيامة ، ثم ختم
رسالته ببيان وسطية هذا الدين ، وأنه وسط بين الغلو والتقصير .
ثالثا :
وهي عقيدة سهلة العبارة ، واضحة المعنى ، تتسم بالجمع والاختصار ، وقد اجتمع على
مجملها أهل السنة والجماعة ، فكانت – في معظمها – محل إجماع واتفاق بين أهل العلم .
وقد اهتم كثير من العلماء بشرح هذه العقيدة وتفسير كلماتها ومعانيها ، ومن أشهرهم
ابن أبي العز الحنفي ، حيث كتب شرحا مطولا عليها ، ثم من المتأخرين الشيخ عبد
العزيز بن باز والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمهما الله ، وكذا فضيلة الشيخ سفر
بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله ، فيمكن لمن أراد التوسع في فهم معاني الطحاوية
الرجوع إلى هذه الشروح .
رابعا :
عقيدة الطحاوي اقتصرت على جمل المسائل ، وإنما الذي كتب لها الذيوع والشهرة في
أوساط السلفيين خاصة ، هو شرحها الذي كتبه العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله ،
وهو أهم شروحها وأوسعها مادة ، وقد استقى مادة هذا الشرح من كتب أهل السنة ، لاسيما
كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وتلميذه ابن القيم رحمه الله .
خامسا :
رغم ما أشرنا إليه من محاسن هذه العقيدة ، وشرحها للعلامة ابن أبي العز ؛ ففيها ـ
أيضا ـ عدة مسائل قد انتقدت ، لمخالفتها لما عليه السلف ؛ مثل قوله في تعريف
الإيمان : " والإيمان هو الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان " ؛ فإن الاقتصار على
ذلك هو مذهب مرجئة الفقهاء الذين يخرجون أعمال الجوارح من حقيقة الإيمان . وهكذا
قوله بعدها : " والإيمان واحد ، وأهله في أصله سواء " .
وفيها أيضا بعض العبارات المجملة التي تحتمل معاني باطلة ، بل كثر استعمالها من أهل
البدع في مقاصد تخالف ما عليه السلف الصالح ؛ مثل قوله : " وتعالى عن الحدود
والغايات ، والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات كسائر المبتدعات " ؛ فمثل
هذه العبارات يستعملها المعطلة في نفي ما ثبت لله تعالى في كتابه وسنة رسوله ، من
الصفات الحسنى اللائقة بكماله سبحانه ، مثل الوجه واليدين والعينين .. ، فيسمونها
الجوارح والأعضاء ، وينزهون الله عنها .
ومثل علوه سبحانه فوق خلقه ، واستوائه على عرشه في سمائه ، فيسمون هذه " جهة ،
ومكانا " وينزهون الله تعالى عنها .
ولأجل ذلك كان من المهم لطالب العلم أن يعتني بأخذ هذه العقيدة عمن شرحها من أهل
السنة ، كابن أبي العز قديما ، ومن علمائنا المعاصرين من علق عليها تعليقات مختصرة
، كما أشرنا إليه.
ويوجد لها شروح صوتية كثيرة ، وبعضها مفرغ ، مثل شرح الشيخ صالح آل الشيخ ، وشرح
الشيخ يوسف الغفيص ، وغيرهما من أهل العلم .
وللشيخ سفر الحوالي حفظه الله وعافاه ، شرح وتعليق مطول على شرح ابن أبي العز ،
يمكن الرجوع إليه في موقعه .
والله أعلم .