كيف نعيش ايام العيد
دعانا النبي إلى أن نصوم يوم عرفة وإلى أن نكبر الله من صبح يوم عرفة إلى عصر يوم الرابع من أيام العيد نكبر الله بعد كل صلاة سواء صلينا في جماعة أو صلينا فرادى الرجال والنساء
وإن كانت النساء تكبر بصوت خافت والرجال بصوت عالي لكن الكل يكبر الله عقب
كل صلاة سواء كانت فريضة أو سنة فمن صلى ركعتي الضحى عليه أن يكبر في هذه
الأيام حتى لو حضرتنا جنازة في هذه الأيام علينا بعد الانتهاء من صلاة
الجنازة أن نكبر الله{وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
قال النبي{مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ }[1]وقال{ما
مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلَ
اللَّهُ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدَّنْيَا فِيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ
أَهْلَ السَّمَاءِ فَلَمْ يُرَ يَوْمُ أَكْثَرُ عِتْقاً مِنَ النَّارِ
مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ}[2] وقال أيضا{صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ}[3]يكرم الله عباده المؤمنين في هذه الأيام بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
فالمؤمن الذي يقتدي بنبي الله إبراهيم ونبي الله
إسماعيل يشتري أضحية بشروطها الشرعية إن كانت من الماعز يشترط أن يكون مرّ
عليها عامين وإن كانت من الأغنام يشترط أن يكون مرّ عليها ستة أشهر وإن
كانت من الأبقار يشترط أن يكون قد مرّ عليها سنتين وإن كانت من الجمال
يشترط أن يكون قد مر عليها خمس سنوات وألا تكون بها عيوب لا عوراء ولا
جرباء ولا هزيلة ولا مريضة ولا مشقوقة الأذن ولا مكسورة القرن لأن المؤمن
لا ينال البر حتى يعطي أفضل ما يحب لله وأن يكون ذلك بعد صلاة العيد وسماعه الخطبة لقوله{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
ويجوز أن نذبحها في أول يوم أو ثاني يوم أو ثالث يوم على أن يذبح بالنهار
ويكره الذبح بالليل وأيضاً لا يعطي الجزار شيئاً منها على سبيل الأجرة كما
يفعل الكثير منا يحضر الجزار فيذبح الأضحية ثم يحمل الجلد على كتفه ويخرج
على أنه أجرته هذا ممنوع فقد قال الإمام على {أَمَرَنِي
رَسُولُ اللّهِ أَنْ أَقُومَ عَلَىٰ بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ
بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الْجَزَّارَ
مِنْهَا قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا}[4] ماذا نفعل بالجلد؟ يمكن أن نبيعه ونتبرع بثمنه لأي مشروع من مشروعات الخير أو عمل من أعمال البر
فإذا وفى المسلم بهذه الشروط خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وليس هذا فقط بل قال الحبيب {لصاحبها بكلِّ شعرةٍ حسنةٌ ويُرْوَى بِقُرُونِها}[5]من
يستطيع أن يعد؟{ولكم بكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان
بقرونها وأظفارها ولحومها ودمائها فطيبوا بها نفساً وابشروا}ثم ماذا يا
رسول الله؟قال{إِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ}[6] أي هي الركوبة التي تكربها على الصراط يوم القيامة إن شاء الله
فالأضحية سنة على الموسر يفعلها في عمره كله ولو مرة
لكن لا يجب في سبيلها أن تحدث المشكلات في البيوت كأن نريد أن نضحي حتى لا
نكون أقل من الجيران ولا يجب أن يستدين المرء ليضحي لله فالذي معه سعة
عليه أن يضحي خوفاً من قول رسول الله {مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحيَ فَلَمْ يُضَح فَلاَ يَحْضُرْ مُصَلاَّنَا}[7] لكن
الذي ليس معه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لأن المؤمن لا يعمل العمل إلا
لله فإذا ضحى فإنما يضحي طمعاً في ثواب الله ورغبة في رضاء الله لا سمعةً
بين جيرانه ولا شهرةً بين أقرانه
وقد يحدث في البيوت ما لا تحمد عقباه من هذا أن الزوجة قد تصرّ على
الأضحية ولو شكي لها الزوج ألف عذر لا ترحمه لأنها تقول له كيف أقابل
الجيران وأتحدث مع الإخوان وليس عندنا أضحية؟ وهذا لا يرضي الرحمن فالمؤمن
لا يعمل إلا لله ولا يعمل إلا ابتغاء ثواب الله وطلباً لرضوان الله لكن
المؤمن الذي ليس معه سعة عليه أن يحاول أن يضحي ولو مرة واحدة في عمره كله
وهذا ليس بالصعب العسير ليحصل على هذا الثواب يغفر الله له ولأهل بيته
وتوضع بكل ما فيها في كفة حسناته ويكون له ركوبة يركبها على الصراط يوم
لقاء الله
هذا فضلاً عن متابعته لسنة سيد الأنبياء وإمام
الأنبياء سيدنا رسول الله وسيدنا إبراهيم فإذا ضحى فإن الأضحية يصلح شأنها
ويرفع ثوابها أن يعطي المرء منها للفقراء والمساكين وعليه أن يتحرى في ذلك
فإن كثيراً منا يعطي السائلين وكثيراً منهم ليسوا محتاجين وإنما يستكثرون
من هذا الخير لعلمهم أن الناس يعطون من سألهم لكن المؤمن يتحرى موضع صدقته
وخير موضع يضعها فيه الموظف الذي عنده أولاد ودخله لا يكفيه كيف يعطيها
له؟ إن هذا أمر لو هدى الله العبد له لألهمه بالطريقة السليمة الرشيدة
التي يستطيع بها أن يضع صدقته في موضعها
لقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم {لَيْسَ
الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلاَ
اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ أبا
العيال}[8]وقال الله واصفاً الفقراء الذين يبحث عنهم الأغنياء{لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ}لا يقدر أن يمد يده لأحد{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}لا
يشكو فقره إلا إلى ربه مثل هذا يجب علينا أن نغنيه في هذا اليوم فإن
السائل الذي يمد يده إلي وإليك تعلمون جميعاً أنه يملأ ثلاجات العمارة
كلها بما تسوله من اللحوم أما الفقير المتعفف فقد لا يستطيع إحضار كيلو
واحد من اللحم لأولاده في هذا الوقت ولا يستطيع أن يمد يده ولا تطاوعه
نفسه أن يسأل لأنه رجل عفوف النفس قوي الإيمان
وهذا الذي يجب علينا أن نبحث عنه جميعاً أيها المؤمنون وإياك أن تقول
أنه ليس بموجود أو أنه أصبح مفقوداً بل موجود وكثير ولا يغرك المظهر ولا
يغرك الشأن العام ولكن ابحث في جوهر الناس وتحسس في طلبات الناس بلا تجسس
والتماس عورات ولكن ابحث عن الفقير المتعفف ذو العيال الذي أغلق بابه وكف
لسانه وسأل ربه وليسوا الذين سدوا أبواب الطرقات وغصت بهم باحات المساجد
وإن أغلبهم لتجار كما نهر عمر أحدهم لما رآه يسأل المرة تلو المرة فقال له
إنك لتاجر فلنبحث عن المتعففين المحتاجين لنضع الصدقة في موضعها الحقيقي.
[1] رواه الإمام مالك في الموطأ والبيهقي من طريقه وغيرهما عن طلحة بن عبيد الله بن كريز
[2] صحيح ابن حبان عن جابر
[3] رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري
[4] صحيح مسلم
[5] رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن زيد بن أرقم
[6] رواه السيوطي في الكبير والديلمي عن أبي هريرة
[7] رواه ابن ماجة في سننه ورواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة
[8] رواه ابن ماجة في السنن والسيوطي في الكبير عن عمران بن حصين.