كان ابونواس 'الحسن بن هانيء' من شعراء الدولة العباسية وكان شاعرا ماجنا محبا للخمر وقد ولد سنة 139هـ
علي ارجح الاقوال، وقد حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة كما تفتحت موهبته الشعرية في سن صغيرة ايضا
وقد درس بجانب الشعر اللغة الفقة والتفسير وعلم الكلام، كما كان يجيد الفارسية لانه من اصل فارسي.
وكان بجانب ذلك يحب الفكاهة وهي التي قربته من الخلفاء والوزراء.
فخرج من البصرة الي بغداد.. حيث تعرف علي الرشيد الذي اغدق عليه الكثير من المال وما كاد يجري في يده المال حتي اخذ ينفقه
في الحانات وشرب الخمر، وتمرغ في اوحال النساء وقد رحل الي مصر حيث كان والي الخراج بها فارسيا مثله ولكن لم يطق العيش
في مصر فقد شده الحنين الي بغداد ولياليها..
وقد اقترب من الامين بعد وفاة الرشيد، حتي ان اخاه المأمون قد جعل من تقريبه ابونواس ذريعة للهجوم عليه.. لأنه قرب
الي مجلسه من كان ينهم بالشراب وهتك المحارم.. فهو القائل
ألافاسقني خمرا وقل لي هي الخمر
ولاتسقني سرا اذا امكن الجهر
دبح باسم من تهوي ودعني من الكني
فلا خير في اللذات من دونها ستر
ويبدو ان الخليفة العباسي الامين قد ضاق ذرعا بفضائحه مما اغري وزيره الفضل بطلب الي الخليفة ان يحبسه فحبسه في سجين
'المطبق'.. وهذا السجن كان قد اقامة الخليفة ابوجعفر المنصور عندما قام بتخطيط مدينة بغداد.. وقد شيد هذا السجن بصورة
يصعب علي السجين الهروب منه، وربما فعة الي ذلك انه كان هناك سجن في 'الهاشمية' بناه ابوالعباس السفاح، وقد استغلت
جماعة 'الراوندية' وهم اتباع ابي مسلم الخرساني، ضعف بناء هذا السجن، فقاموا باخراج المساجين موا بعد
مهاجمته، في محاولة منهم لمهاجمة قصر المنصور
ومن هنا فقد قرر المنصور ان يكون سجن المطبق حصينا من الصعب مهاجمته اوالهروب منه وكان هذا السجن
يسجن فيه من يخاف الخليفة غدرهم او اذا غضب علي احدهم من كبار القواد او الساسة
***
وقد اتهم الشاعر ابونواس بالفساد والزندقة ودخل هذا السجن، ولم يطق الحياة فيه في عهد الرشيد فأرسل استعطافا
الي الرشيد حتي يفك سجنه.. يقول في رسالته تلك.
بعفوك بل بجودك عذت بل
بفضلك يا امير المؤمينا
فاني لم اخنك بظهر غيب
ولاحدثت نفسي ان اخونا
***
ودخل السجن مرة اخري في عهد الامين، واخذ يتمني ان يئول الحكم للمأمون حتي ينقذه من هذا السجن وقال:
اما الامين فلست ارجو دفعه
عني، فمن لي اليوم بالمأمون؟!
حتي يقول الرواة ان المأمون عندما سمع هذه الابيات التي قالها ابونواس مستنجدا به من عذابات سجنه، وكان
الخلاف علي اشده بين الاخوين الامين والمأمون فقال:
والله لئن لحقته لاغنينه غني لايؤمله
ولكن الشاعر ابونواس مات قبل دخول المأمون بغداد.. فقد مات سنة 198ه
***
ولم ينس ابدا هذا الشاعر ماشعر به من هوان داخل السجن، وطاعته للسجان، الذي وصفه بأنه جعل من حياته جحيما
ايطاق، حتي انه شعر بأنه أثقل علي قلبه من الحديد الذي يكبل يديه، وكان هذا السجان الذي دخل التاريخ لان
ابونواس ذكره في اشعاره، وشكواه الي الخليفة منه.. وقال له فيما قال من شكواه
واعف مسامعي من صوت رجس
ثقيل شخصه يدعي 'سعيدا'
ويقول عنه الباحث محمد عبدالغني حسن:
وقد احاطت تهمة الزندقة والكفر بأبي نواس من كل جانب حتي لم ينقطع الاتهام عنه لحظة طوال حياته، وهو ملوم في ذلك
كل اللوم، فما كان اغناه* لو عقل* عن ركوب هذه المزالق الخطرة وكثيرا ما كان يلجأ الي الخلاص من تهمة الزندقة بحركات
وافعال تدل علي ايمانه، وقد أجدت عليه هذه الوسيلة مرة، وخذلته غير مرة فقد حدث عاصم بن حميد بن غنيم الوراق، وعنه
روي ابن منظور المصري صاحب لسان العرب قال: رأيت ابانواس وهو في سراويل، والناس يجرونه، ويضربونه في قفاه بالنعال
ويقولون: زنديق.. ويرمونه بالحجارة حتي ادخلوه الي محمد بن زبيده* يعني الخليفة العباس الامين
فقال: ما هذا؟
قالوا: زنذيق
فقال: علي بالسيف والنطع!
فقال ابونواس: دعوني اصلي ركعتين، فأفرجوا عنه؟ فتهيأ للصلاة ثم رفع رأسه الي
السماء وكبر وصلي ركعتين وقال:
سبحان من خلق الخلق
من ضعيف مهين
فساقة من قرار
الي قرار مكين
في الحجب شيئا فشيئا
تحاردون العيون
حتي بدت حركات
مخلوقة من سكون.
فقال الامين:
* ماهذا زنديق.. أعطوه ألف درهم، واخلعوا عليه، فخرج تحت الخلع، وطردوا الناس عنه
***
ولم يكن سجنه بسبب الزندقة فقط، فقد سجن ايضا بسبب تعاطيه الخمر، اكثر من مرة وفي احدي المرات استعطف
الخليفة الامين من وراء قضبان السجن بقصيده طويلة قال في احد ابياتها وهو يمدح الخليفة:
فديتك ان ليل السجن ياس
وقد ارسلت: ليس عليك باس
فلما بلغت الابيات الخليفة، عفا عنه واخرجه من السجن الي عالم الحرية ويقول عنه الدكتور شوقي ضيف:
......... وفي اخباره مايدل علي نه تنسك مرارا ثم عاد الي غيه او ربما رقيت فيرات هذا النسك الي زمن الرشيد، وحين كان يلقي به في
السجن، اذ يقال انه حج سنة 190ه وكأنما هي صحوات كان يفيق فيها ثم يرجع الي حكاياه، وتوفي الامين، ولم يلبث ان توفي بعده.
وقد اختلف الرواة في تاريخ وفاته.. فمنهم من تقدم به الي سنة 195ه ومنهم من تأخر به الي سنة 199ه وقيل بل توفي
بعد المائتين بقليل، وفي ديوانه رثاء للأمين يشهد بأن وفاته لم تكن قبل سنة 198ه.
واختلف الرواة ايضا في سبب وفاته.
فقيل انه توفي وفاة طبيعية.. وقيل بل هجا اسماعيل بن فوبخت هجاء فقد مقذعا فيه أمه ورماه بالبخل والرفض، فوس
له شربة من سم قتلته بعد اربعة اشهر، وقيل بل وشي له من ضربه حتي مات!
***
ولاشك ان ابانواس كان شاعرا كبيرا، ولكن افسد حياته بشعره الماجن الناجم عن نفسية معقدة، مليئة بالعقد النفسية والتي يرجعه
بعض النقاد انه كان يتأزم من سيرة أمه المنحرفة، وهذا مادفعه ان يعيش حياته بالطول والعرص، ضاربا عرض الحائط
بالاعراف والتقاليد بل وبالدين ايضا فهو القائل:
انما العيش سماع وفدام وندام
فاذا فاتك هذا فعلي الدنيا سلام
ويظهر عدم مبالاته بالقيم ولابالناس، عندما قال بمرأة عجيبة:
لاتبك ليلي ولاتطرب الي هند
واشرب علي الورد من حمراء كالورد
كأسا اذا انحدرت في حلق شاربها
اجدته حمرتها في العين والخد
فالخمر ياقوته والكأس لؤلؤة
في كف جارية ممشوقة القد تسقيك من يدها خمرا ومن فمها
خمرا فمالك من سكرين من بد
وكان من الطبيعي ان يجر هذا الشعر عليه المشاكل خاصة عندما تتلاعب برأسه الخمر فيعلن بأنه لايؤمن
ببعث ولاحساب ولابجنة ولانار..!
ولو كان هذا الشاعر الماجن قد وعي الحقيقة حقيقة الحياة والموت ومابعد الموت، التي تحدث عنها في بعض لحظات
جده بعيدا عن الخمريات التي اذهلت عقله فنأي عن الصواب، ودخل بسببها السجن.. لو عرف البعد عن المجون
والهلوسة، وكتب شعره الجميل وهو متمسك بالقيم والفضائل لكان واحدا من اعظم الشعراء الذين عرفهم التاريخ الادبي
ولما عرف ايضا ظلام السجون!
علي ارجح الاقوال، وقد حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة كما تفتحت موهبته الشعرية في سن صغيرة ايضا
وقد درس بجانب الشعر اللغة الفقة والتفسير وعلم الكلام، كما كان يجيد الفارسية لانه من اصل فارسي.
وكان بجانب ذلك يحب الفكاهة وهي التي قربته من الخلفاء والوزراء.
فخرج من البصرة الي بغداد.. حيث تعرف علي الرشيد الذي اغدق عليه الكثير من المال وما كاد يجري في يده المال حتي اخذ ينفقه
في الحانات وشرب الخمر، وتمرغ في اوحال النساء وقد رحل الي مصر حيث كان والي الخراج بها فارسيا مثله ولكن لم يطق العيش
في مصر فقد شده الحنين الي بغداد ولياليها..
وقد اقترب من الامين بعد وفاة الرشيد، حتي ان اخاه المأمون قد جعل من تقريبه ابونواس ذريعة للهجوم عليه.. لأنه قرب
الي مجلسه من كان ينهم بالشراب وهتك المحارم.. فهو القائل
ألافاسقني خمرا وقل لي هي الخمر
ولاتسقني سرا اذا امكن الجهر
دبح باسم من تهوي ودعني من الكني
فلا خير في اللذات من دونها ستر
ويبدو ان الخليفة العباسي الامين قد ضاق ذرعا بفضائحه مما اغري وزيره الفضل بطلب الي الخليفة ان يحبسه فحبسه في سجين
'المطبق'.. وهذا السجن كان قد اقامة الخليفة ابوجعفر المنصور عندما قام بتخطيط مدينة بغداد.. وقد شيد هذا السجن بصورة
يصعب علي السجين الهروب منه، وربما فعة الي ذلك انه كان هناك سجن في 'الهاشمية' بناه ابوالعباس السفاح، وقد استغلت
جماعة 'الراوندية' وهم اتباع ابي مسلم الخرساني، ضعف بناء هذا السجن، فقاموا باخراج المساجين موا بعد
مهاجمته، في محاولة منهم لمهاجمة قصر المنصور
ومن هنا فقد قرر المنصور ان يكون سجن المطبق حصينا من الصعب مهاجمته اوالهروب منه وكان هذا السجن
يسجن فيه من يخاف الخليفة غدرهم او اذا غضب علي احدهم من كبار القواد او الساسة
***
وقد اتهم الشاعر ابونواس بالفساد والزندقة ودخل هذا السجن، ولم يطق الحياة فيه في عهد الرشيد فأرسل استعطافا
الي الرشيد حتي يفك سجنه.. يقول في رسالته تلك.
بعفوك بل بجودك عذت بل
بفضلك يا امير المؤمينا
فاني لم اخنك بظهر غيب
ولاحدثت نفسي ان اخونا
***
ودخل السجن مرة اخري في عهد الامين، واخذ يتمني ان يئول الحكم للمأمون حتي ينقذه من هذا السجن وقال:
اما الامين فلست ارجو دفعه
عني، فمن لي اليوم بالمأمون؟!
حتي يقول الرواة ان المأمون عندما سمع هذه الابيات التي قالها ابونواس مستنجدا به من عذابات سجنه، وكان
الخلاف علي اشده بين الاخوين الامين والمأمون فقال:
والله لئن لحقته لاغنينه غني لايؤمله
ولكن الشاعر ابونواس مات قبل دخول المأمون بغداد.. فقد مات سنة 198ه
***
ولم ينس ابدا هذا الشاعر ماشعر به من هوان داخل السجن، وطاعته للسجان، الذي وصفه بأنه جعل من حياته جحيما
ايطاق، حتي انه شعر بأنه أثقل علي قلبه من الحديد الذي يكبل يديه، وكان هذا السجان الذي دخل التاريخ لان
ابونواس ذكره في اشعاره، وشكواه الي الخليفة منه.. وقال له فيما قال من شكواه
واعف مسامعي من صوت رجس
ثقيل شخصه يدعي 'سعيدا'
ويقول عنه الباحث محمد عبدالغني حسن:
وقد احاطت تهمة الزندقة والكفر بأبي نواس من كل جانب حتي لم ينقطع الاتهام عنه لحظة طوال حياته، وهو ملوم في ذلك
كل اللوم، فما كان اغناه* لو عقل* عن ركوب هذه المزالق الخطرة وكثيرا ما كان يلجأ الي الخلاص من تهمة الزندقة بحركات
وافعال تدل علي ايمانه، وقد أجدت عليه هذه الوسيلة مرة، وخذلته غير مرة فقد حدث عاصم بن حميد بن غنيم الوراق، وعنه
روي ابن منظور المصري صاحب لسان العرب قال: رأيت ابانواس وهو في سراويل، والناس يجرونه، ويضربونه في قفاه بالنعال
ويقولون: زنديق.. ويرمونه بالحجارة حتي ادخلوه الي محمد بن زبيده* يعني الخليفة العباس الامين
فقال: ما هذا؟
قالوا: زنذيق
فقال: علي بالسيف والنطع!
فقال ابونواس: دعوني اصلي ركعتين، فأفرجوا عنه؟ فتهيأ للصلاة ثم رفع رأسه الي
السماء وكبر وصلي ركعتين وقال:
سبحان من خلق الخلق
من ضعيف مهين
فساقة من قرار
الي قرار مكين
في الحجب شيئا فشيئا
تحاردون العيون
حتي بدت حركات
مخلوقة من سكون.
فقال الامين:
* ماهذا زنديق.. أعطوه ألف درهم، واخلعوا عليه، فخرج تحت الخلع، وطردوا الناس عنه
***
ولم يكن سجنه بسبب الزندقة فقط، فقد سجن ايضا بسبب تعاطيه الخمر، اكثر من مرة وفي احدي المرات استعطف
الخليفة الامين من وراء قضبان السجن بقصيده طويلة قال في احد ابياتها وهو يمدح الخليفة:
فديتك ان ليل السجن ياس
وقد ارسلت: ليس عليك باس
فلما بلغت الابيات الخليفة، عفا عنه واخرجه من السجن الي عالم الحرية ويقول عنه الدكتور شوقي ضيف:
......... وفي اخباره مايدل علي نه تنسك مرارا ثم عاد الي غيه او ربما رقيت فيرات هذا النسك الي زمن الرشيد، وحين كان يلقي به في
السجن، اذ يقال انه حج سنة 190ه وكأنما هي صحوات كان يفيق فيها ثم يرجع الي حكاياه، وتوفي الامين، ولم يلبث ان توفي بعده.
وقد اختلف الرواة في تاريخ وفاته.. فمنهم من تقدم به الي سنة 195ه ومنهم من تأخر به الي سنة 199ه وقيل بل توفي
بعد المائتين بقليل، وفي ديوانه رثاء للأمين يشهد بأن وفاته لم تكن قبل سنة 198ه.
واختلف الرواة ايضا في سبب وفاته.
فقيل انه توفي وفاة طبيعية.. وقيل بل هجا اسماعيل بن فوبخت هجاء فقد مقذعا فيه أمه ورماه بالبخل والرفض، فوس
له شربة من سم قتلته بعد اربعة اشهر، وقيل بل وشي له من ضربه حتي مات!
***
ولاشك ان ابانواس كان شاعرا كبيرا، ولكن افسد حياته بشعره الماجن الناجم عن نفسية معقدة، مليئة بالعقد النفسية والتي يرجعه
بعض النقاد انه كان يتأزم من سيرة أمه المنحرفة، وهذا مادفعه ان يعيش حياته بالطول والعرص، ضاربا عرض الحائط
بالاعراف والتقاليد بل وبالدين ايضا فهو القائل:
انما العيش سماع وفدام وندام
فاذا فاتك هذا فعلي الدنيا سلام
ويظهر عدم مبالاته بالقيم ولابالناس، عندما قال بمرأة عجيبة:
لاتبك ليلي ولاتطرب الي هند
واشرب علي الورد من حمراء كالورد
كأسا اذا انحدرت في حلق شاربها
اجدته حمرتها في العين والخد
فالخمر ياقوته والكأس لؤلؤة
في كف جارية ممشوقة القد تسقيك من يدها خمرا ومن فمها
خمرا فمالك من سكرين من بد
وكان من الطبيعي ان يجر هذا الشعر عليه المشاكل خاصة عندما تتلاعب برأسه الخمر فيعلن بأنه لايؤمن
ببعث ولاحساب ولابجنة ولانار..!
ولو كان هذا الشاعر الماجن قد وعي الحقيقة حقيقة الحياة والموت ومابعد الموت، التي تحدث عنها في بعض لحظات
جده بعيدا عن الخمريات التي اذهلت عقله فنأي عن الصواب، ودخل بسببها السجن.. لو عرف البعد عن المجون
والهلوسة، وكتب شعره الجميل وهو متمسك بالقيم والفضائل لكان واحدا من اعظم الشعراء الذين عرفهم التاريخ الادبي
ولما عرف ايضا ظلام السجون!