الإيمان بوجود الله تعالى:
المسلم يؤمن بأن وجود الله حقيقة لا ريب فيها، دلت عليها أدلة كثيرة منها: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس والمشاهدة.
الفطرة تنطق بوجود الله:
كانت
الأمواج هادئة عندما ركب بعض الكفار في سفينة، وانطلقوا في البحر، وفي أول
الرحلة سخَّر الله لهم ريحًا طيبة جعلتهم يسيرون في البحر بسرعة، ففرحوا
بها، وفجأة هاجت الأمواج، واشتدت الرياح والعواصف فأصبحوا في مأزق عصيب،
عندئذ صاح هؤلاء الكفار بأعلى أصواتهم يدعون الله -عز وجل- ويلجئون إليه،
ويطلبون منه النجاة، قال تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا
كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم
الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن
أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} [يونس:22] .
وهكذا فطرة البشر تلجأ
إلى الله -عز وجل-، وتظهر حقيقتها في وقت الشدة والكرب حتى وإن وجد عليها
الصدأ، وطُمِست شفافيتها في أوقات الغفلة واللهو والرخاء، ذلك لأن الله
-عز وجل- خلق الإنسان مفطورًا على الإسلام والإحساس بوجود الله، قال
تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 30]. قال
(: (ما من مولود إلا يولدُ على الفِطْرةِ فأبواه يُهوِّدانه (يجعلانه
يهوديًا)، أو ينصِّرانه (يجعلانه نصرانيًا)، أو يمجِّسَانه (يجعلانه
مجوسيًّا) [البخاري].
والمسلم يؤمن بوجود الله -عز وجل-، فهو يدرك ذلك
بفطرته التي وضعها الله فيه. وهناك أقوام لا يؤمنون بوحدانيَّة الله ولا
باليوم الآخر، ويرون أن الطبيعة خلقت نفسها، وقد جاء سبعة عشر رجلاً من
هؤلاء الزنادقة إلى الإمام
الشافعي -رحمه الله- وسألوه: ما الدليل على
وجود الله؟ فقال: ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدودة فيخرج منها الإبريسم
(الحرير)، ويأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام
فتلقيه بعرًا وروثًا، فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد. فاستحسنوا
كلام الإمام وأسلموا على يديه.
ويروى أن بعض الزنادقة -أيضًا- جاءوا
إلى جعفر الصادق، فقال جعفر لأحدهم: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال جعفر:
حدثني عن أغرب شيء حدث لك؟ قال الرجل: هاجت يومًا رياح هائلة، فكسرت
السفينة، وأغرقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، فإذا أنا مدفوع في
تلاطم الأمواج، وفُقد اللوح، ودُفعتُ إلى الساحل. فقال جعفر: قد كان
اعتمادك على السفينة والملاح ثم على اللوح حتى ينجيك. فلما ذهبت عنك هذه
الأشياء، هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعد؟
قال: بل رجوت
السلامة. قال جعفر: ممن كنت ترجوها؟ فسكت الرجل، فقال جعفر: إن الصانع
الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت، هو الذي نجاك من الغرق. فاعترف الرجل بوجود
الله وأسلم على يديه.
دلالة العقل على وجود الله:
سأل بعض القدرية-
الذين ينفون قدرة الله، ويغالون في قدرة الإنسان- أبا حنيفة عن وجود الله
-عز وجل- فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر أُخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة
في البحر مملوءة بالبضائع، وليس فيها أحد يحرسها أو يسوقها، ومع ذلك فإنها
تسير بنفسها، وتخترق الأمواج، وتسير حيث شاءت فماذا تقولون؟ قالوا: هذا
شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله، إذا لم يجر في العقل
سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه
الدنيا على اختلاف أحوالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع
وحافظ؟! فبكوا جميعًا، وقالوا: صدقت وتابوا إلى الله، وحسن إسلامهم.
وقد
سُئِل أعرابي عن الدليل على وجود الله؟ فقال: البعرة تدل على البعير،
والروثة تدل على الحمير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج،
وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!
والمسلم
يدرك أن هذا الكون قد أبدعه خالق مبدع قدير. وقد سمع أحد الصحابة بعض آيات
من القرآن، فقال: كاد قلبي أن يطير، إنها قول الله تعالى: {أم خلقوا من
غير شيء أم هم الخالقون . أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون . أم
عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون} [الطور: 35-37].
دلالة الشرع على وجود الله:
والمسلم
يؤمن بأن جميع الكتب السماوية نطقت بأن الله موجود، والأحكام التي فيها
دلت على أنها من عند إله حكيم عليم. قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال
تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله} [النحل: 36]. وقال:
{وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 65]. وقال:
{وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 85] وقال:
{ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله} [المؤمنون: 23].
وقال: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه} [العنكبوت: 16].
دلالة المشاهدة على وجود الله:
والمسلم
يؤمن بكل ما يشاهده من نصر الله للمستغيثين والمكروبين، فالمؤمنون في غزوة
بدر عندما دعوا الله -عز وجل- وطلبوا منه النصر، استجاب الله دعاءهم،
وأيدهم بجنود من عنده يقاتلون معهم، قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب
لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9].
وزكريا -عليه
السلام- دعا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فاستجاب الله دعاءه
ووهب له يحيي -عليه السلام-، فبعد أن كانت زوجته عاقرًا لا تلد أصبحت
لديها القدرة على الحمل والولادة بإذن الله، قال تعالى: {وزكريا إذ نادي
ربه رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين . فاستجبنا له ووهبنا له يحيى
وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا
وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 89-90] .
وفي عهد الرسول ( أصاب المدينة
جفاف وقحط، فقام أعرابي والرسول ( يخطب الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلك
المال، وجاع العيال، فادع الله لنا.
فأخذ الرسول ( يدعو وهو رافع يديه،
فتجمع السحاب، ونزل المطر قبل أن يُنزل ( يديه، حتى إن المطر كان ينزل على
رسول الله (، ورأى الصحابة قطرات الماء تنزل من كفيه، وظلت السماء تمطر
طوال الأسبوع، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال،
فادع الله لنا، فرفع الرسول ( يديه يدعو الله، ويقول: (اللهم حوالينا، لا
علينا) فتوقف المطر. [متفق عليه].
معجزات الأنبياء دليل على وجود الله:
اجتمع
المشركون في مكة، وطلبوا من الرسول ( أن يشق لهم القمر نصفين، فقال لهم:
(إن فعلت تؤمنوا؟) قالوا: نعم. فأشار الرسول ( إلى القمر -وكان بدرًا-
فانفلق فلقتين، ورآه الناس. ولكن المشركين المعاندين رفضوا أن يستجيبوا
لنداء الحق، وأبوا أن يذعنوا لمعجزة الله، قال تعالى: {اقتربت الساعة
وانشق القمر} [القمر: 1].
والمعجزة تدل على وجود الله تعالى، لأنها أمر
خارج عن مقدرة البشر، يؤيد الله بها رسله وأنبياءه، ومن هذه المعجزات ما
أيَّد الله به نبيه موسى -عليه السلام- من معجزة العصا، فكان يضرب بها
الحجر فيخرج منه الماء، ويضرب بها الماء فيتجمد، ويتحول إلى أرض يابسة،
بإذن الله تعالى، قال تعالى: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا
عشرة عينًا} [البقرة: 60].
وبينما يوجد في كل شيء في هذا الكون دليل
على وجود الله تعالى، نجد الملحدين المنكرين لوجود الله ولا دليل من أي
نوع معهم ولا حجة في أيديهم. وفطرة الإنسان وعقله يدلان على وجود الله -عز
وجل- ويأتي الشرع ليؤكد هذه الدلالة، ويرشد الإنسان إلى أن خيره وسعادته
في توحيد الله.
الإيمان بوحدانية الله:
قسم العلماء توحيد الله إلى توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
1- توحيد الألوهية:
أحد..
أحد، إنها كلمات بلال التي يوحد بها ربه، عندما أرقده المشركون، وألقوا
على صدره حجرًا كبيرًا يكتم أنفاسه في صحراء مكة، على الرمال الملتهبة في
وقت الظهيرة. وهذا هو حال المسلم الحق، يوحد الله بأداء العبادة له وحده،
فهو سبحانه المعبود بحق، ولا معبود غيره، فنصلى له، ونزكي له، ولا نعبد
إلا إياه ولا نستعين إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، فهو سبحانه المتصرف في
الكون المستحق للعبادة.
والمسلم يعلم أن ألوهية شيء آخر غير الله
باطلة، قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل
وأن الله هو العلي الكبير} [الحج: 62].
والنصارى ما عبدوا الله -عز
وجل-، ولكن عبدوا ثلاثة أقانيم (أي: الإله الأب، والإله الابن، وروح
القدس)، فقال عنهم الله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة
وما من إله إلا إله واحد} [المائدة: 73].
والعرب وغيرهم اعترفوا لله
بالخلق، ولكنهم أشركوا مع الله غيره في العبادة، فقال عنهم الله -عز وجل-:
{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
[يوسف: 106].
بل إن البشرية
في أول ضلالها لم تمتنع عن عبادة الله، ولكنها عبدت الله، وعبدت معه آلهة
أخرى، وكانت حجتهم أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}
[الزمر:3]. فكان الردُّ: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون
مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من
ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزغ عن قلوبهم قالوا
ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} [سبأ: 22-23].
وتوحيد
الألوهية هو أول أمر دعا الرسل أقوامهم إليه. فكان أول ما يدعو النبي قومه
يقول لهم: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود: 84].
ولما بعث
الرسولُ ( معاذًا قاضيا على اليمن، قال له: (إِنَّكَ تَقْدُمُ على قومٍ من
أهل الكتاب، فليكن أوَّلَ ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا
اللهَ -تعالى-
فَإذا عَرَفُوا ذلك، فأخبِرْهُم أن الله فرض عليهم خمسَ صلوات في يومهم
وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن اللهَ افترضَ عليهم زكاةً تُؤْخَذُ منْ
غَنِيِّهم فتردُّ على فَقيرِهم، فإذا أقرُّوا ذلك، فخذْ منهم، وتوقَّ
-تجنب- كرائِمَ أموالِ النَّاس) [البخاري].
وتوحيد الله -عز وجل- حقيقة
يدركها العقل السليم، فالله -عز وجل- إله واحد ليس معه إله آخر، وهو رب كل
شيء ومليكه، ولا رب سواه، فماذا يحدث لو كان معه آلهة أخرى؟ هذه الآلهة لن
تخرج عن شيئين؛ إما أنها ستتفق في تصريف الكون وإما ستختلف، فإن اتفقت
فإما أن تتفق أن تعمل برأي إله منها، فلا معنى إذن لوجود الباقين، وإما أن
يعمل كل إله بما يريد، وهذا يستلزم أن يختلفوا
ويتنازعوا، وتكون النتيجة أن تفسد السماوات والأرض، وقد قدم لنا
الله -عز وجل- هذه الحقيقة فقال: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [الأنبياء: 22].
وقال: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [سورة الإخلاص: 1-4].
وإن كان توحيد الألوهية جوهر الإيمان فإن لا إله إلا الله، هي جوهر التوحيد.
كلمة التوحيد:
هي
كلمة التقوى، أرسل الله الرسل من أجلها، وأنزل الكتب للدعوة إليها، وقام
سوق الجنة والنار من أجلها، وانقسم الناس في الآخرة من أجلها فريقين؛
فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير، قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} [النحل: 2].
لا إله إلا الله:
هي
مفتاح الجنة، وتوجب المغفرة؛ لأن الرسول ( قال يومًا لأصحابه: (ارفعوا
أيديكم بالدعاء، وقولوا: لا إله إلا الله)، فرفعوا أيديهم ساعة، فوضع رسول
الله ( يده، وقال: (الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها،
ووعدتني عليها الجنة، وأنت لا تخلف الميعاد)، ثم قال: (أبشروا فإن الله قد
غفر لكم) [أحمد].
وهي أفضل ما قاله النبيون، قال (: (أفضل ما قلته أنا
والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) [مالك]. ومعنى (لا
إله إلا الله) أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا مقصود إلا هو، ولا مشرع
سواه، وهي تتضمن نفي الألوهية عن كل الآلهة الباطلة وإثباتها لله- عز وجل-.
وهي
سبب شفاعة الرسول ( للمؤمنين، قال (: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من
قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ونفسه) [البخاري]. وهي (القول
الثابت) الذي يثبت الله به المؤمنين في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {يثبت
الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم:
27]. وهي (العروة الوثقى) التي أمر الله عباده أن يتمسكوا بها. قال تعالى:
{فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها
والله سميع عليم} [البقرة: 256].
وهي سبب النجاة في الآخرة، قال (: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؛حرّم الله عليه النار) [مسلم].
ولا إله إلا الله ليست كلمة تُنطق باللسان فحسب، بل لها شروط لقبولها من صاحبها، وهي:
*
العلم بحقيقتها المنافي للجهل بها، فالمسلم يعلم معنى لا إله إلا الله،
وحقيقتها، قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19].
* الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقولها صادقًا من قلبه، قال (: (منْ قال: لا إله إلا الله. مُصدِّقًا بها قلبه؛ دخل الجنة) [مسلم].
* الإخلاص المنافي للرياء، وهو أن يقولها خالصًا من قلبه قال (: (من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه، دخل الجنة) [البزار].
*
القبول لها والانقياد لمدلولاتها، فلا يكفي مجرد النطق بها، ولكن لابد من
القيام بمقتضياتها حتى يقبلها الله من المسلم. فقد خاطب الرسول ( أبا
هريرة فقال له: (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله
مستيقنًا بها قلبه، بشِّرْهُ بالجنة) [مسلم].
* المحبة لها ولأهلها،
والمعاداة من أجلها، فالمسلم يحب كل من يعبد الله -عز وجل- ويطيعه، ويبغض
أهل الشرك وكل من يعصي الله -عز وجل-، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71].
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله)
لها مقتضيات تدل عليها، ومن مقتضياتها أن يمتنع صاحبها عن فعل المعاصي،
ويتقرب إلى الله تعالى بالعبادة الخالصة، ومن مقتضياتها أن يمتثل العبد
أوامر الله، وينتهي عن نواهيه.
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله) هي
اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، فقد سمع الرسول
( رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا
أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال (:
(والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا
سئل به أعطى) [الترمذي].
وقال (: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين:
{وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}. وفاتحة آل عمران: {ألم .
الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [رواه الترمذي وابن ماجه].
2- توحيد الربوبـية:
قال الله -عز وجل- على لسان موسى -عليه السلام -: {كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62].
والإيمان بربوبية الله -عز وجل- هو أن يعتقد المسلم أن الله رب كل شيء
وخالقه
ولا رب سواه، وأنه -سبحانه- بيده الرزق والخلق والإحياء والإماتة، وهو
-سبحانه- الخافض الرافع المعز المذل المحيي القادر على كل شيء. قال تعالى:
{ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54].
والخلق والإحياء والإماتة...إلخ،
هي أفعال الله -عز وجل-، فيمكن أن نعرف الإيمان بربوبية الله -عز وجل-
بأنه توحيد الله بأفعاله هو، وكان المشركون في الجاهلية يعترفون بأن الله
هو الخالق، وهو الرازق، وهو النافع، وهو الضار، ولكنهم لم يطيعوه، ولم
يؤمنوا به، فلم ينفعهم ذلك الاعتراف بربوبيته دون ألوهيته، قال تعالى:
{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}
[العنكبوت: 61].
وقال: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون
لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون
لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن
كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [المؤمنون: 84-89].
وهنا
سؤال؟! هل الإيمان بربوبية الله، أو الاعتراف لله بالخلق والإعادة ينقل
الإنسان من الكفر إلى الإيمان؟ والإجابة أن ذلك وحده لا يكفي، فمن آمن
بوجود الله، وقدرته على الخلق، ثم لم يعبد الله ولم يوحده في ألوهيته،
فليس مؤمنًا، ودليل ذلك أن مشركي مكة كانوا يعترفون لله بالربوبية، ومع
ذلك كانوا مشركين، وقد أنكر توحيد الربوبية طائفتان الأولى تسمى بـ
(الدهرية)، كما حكى الله قولهم: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24].
فهم بذلك قد نسبوا الموت
والحياة إلى الدهر، ولم ينسبوها إلى الله -عز وجل-. والأخرى ظهرت في العصر
الحديث وتسمى بـ (الشيوعية): والشيوعيون هم الذين ينكرون وجود الله،
ويقولون: لا إله، والكون مادة. (أي: لا إله موجود والكون جاء وحده بدون
خالق). ولكن المسلم يتعجب من تفكير هؤلاء الضالين ويحمد الله -عز وجل- على
نعمة الإيمان والإسلام. والمسلم عندما يؤمن بأن الله هو النافع وهو الضار،
فهذا يطمئنه لأنه يؤمن بمن في يديه النفع والضر، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه،
ويرضى بقضائه وقدره، ويوحده في ألوهيته.
3- توحيد الأسماء والصفات:
والمسلم
يؤمن بأن لله صفات عليا وأسماء حسنى، ذكر البعض منها في القرآن، وبعضها في
الحديث، ولم نُخبر ببعضها، واستأثر الله بها في علمه، كما كان ( يقول في
دعائه: (اللهمَّ إنِّي أسألكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سمَّيْتَ به نَفْسَكَ،
أو أنزلتَهُ في كتابك، أو علَّمْتَهُ أحدًا من خَلْقِكَ، أو استأثرْتَ بهِ
في علمِ الغيبِ عِنْدَكَ) [أحمد].
والمسلم يتعرف على أسماء الله ويدعوه
بها، قال تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعوا فله الأسماء
الحسنى} [الإسراء: 110]. وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوها بها}
[الأعراف: 180].
وهذه الأسماء عددها تسعة وتسعون اسمًا، قال (: (إن لله
تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة) [متفق عليه].
وأسماء الله خاصة به فلا يسمى -سبحانه- إلا بما سمى به نفسه، ولا يوصف إلا
بما وصف نفسه، أو وصفه رسول الله ( به، وهذه الأسماء هي: الرحمن، الرحيم،
الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر،
الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم،
القابض، الباسط، الخافض، الرافع، الجامع، المعز، المذل، السميع، البصير،
الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي،
الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع،
الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين،
الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم،
الواحد، الماجد، الواجد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول،
الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو،
الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني،
المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد،
الصبور.
ولقد وردت آيات وأحاديث تضيف أسماء لله تعالى غير المذكورة من هذه الأسماء:
* عالم الغيب والشهادة، قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا} [الجن: 26].
وقال: {عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير} [الأنعام: 73].
* سريع الحساب، قال تعالى: {إن الله سريع الحساب} [إبراهيم:51].
*
مقلب القلوب، فالمسلم يعلم أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن
يقلبها كيف يشاء، وكان النبي ( يدعو ويقول: (اللهمّ يا مقلِّبَ القلوبِ
ثَبِّتْ قلوبَنَا على دِينِكَ)) [الترمذي وأحمد].
والمسلم دائمًا يطلب
من ربه -عز وجل- الثبات على الإيمان: قال تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد
إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}
[آل عمران: 8].
* رفيع الدرجات، قال تعالى: {رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق} [غافر: 15].
والرسول ( يقول: (إن اللَّهَ رفيقٌ يحبُّ الرفقَ، ويعطي عليه ما لا يُعْطِي على العُنْفِ) [مسلم].
وقال- أيضًا-: (إن اللَّهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ) [مسلم].
وقال: (إِنَّ اللَّهَ تعالى جَوَادٌ يحبُّ الجودَ، ويحبُّ معالي الأخلاقِ، ويكْرَهُ سِفاسفها) [البيهقي].
وقال (إن الله -عز وجل- حليم حيي سِتِّيرٌ ، يحبُّ الحياءَ والسَّتْرَ) [أبو داود والنسائي وأحمد].
*
والمسلم يؤمن بأسماء الله على الوجه الذي يرضاه الله -عز وجل-، فالله عليم
لا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماوات، وكل علم من علوم البشر
إنما هو مستمدٌّ من علم الله الذي لا يحصيه أحد، وأن أسماءه هي على ما يليق
بالله -جل وعلا- من معنى، {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85].
صفات الله:
المسلم
يؤمن بأن لله صفات عليا، كما أن له أسماء حسني، وأن هذه الصفات هي من
لوازم ربوبيته وعظمة ألوهيته، والمسلم يعلم أن لهذه الأسماء إشراقة تظهر
في القلوب، وهذه الصفات منها صفات كمال وصفات جلال، والبعض يقسم الصفات
إلى صفات سلبية وصفات ثبوتية.
أما صفات الكمال -أو الصفات السلبية- فهي
التي تنزه الله عن كل نقص لا يليق بجلاله وكماله، أو هي التي سلبت عنه ما
لا يليق بكماله، وهي أبرز ما تكون في الأسماء التي ذكرت أضدادها مثل:
الأول والآخر، والظاهر والباطن، والضار والنافع، والمعز والمذل، والعفو
والمنتقم، والمحيي والمميت...
الأول: فالله سبحانه وتعالى أول بلا
بداية، وجوده غير مسبوق بعدم، قال تعالى: {هو الأول والأخر والظاهر
والباطن وهو بكل شيء عليم} [الحديد: 3].
وقال (: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض..) [البخاري].
الآخر:
فالله سبحانه لا آخر لوجوده، فهو الآخر بلا نهاية، لا يسبقه عدم ولا يلحقه
فناء. قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88].
وقال تعالى: {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}
[الرحمن: 26-27].
وقال (: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) [مسلم].
* ليس كمثله شيء: بمعنى أنه لا يمكن أن يكون مشابهًا لشيء مما يخلق، قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11].
فالمسلم
يعلم أن الله منزه عن مماثلة غيره، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، وأن
الكون بأرضه وسمائه وما فيهما وما بينهما ملك لله -عز وجل-، ولما سُئِلَ
الرسول ( عن وصف الله، أنزل الله تعالى: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم
يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 1-4].
* الأحد: أي أن الله واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله.
*
وحدة الذات: تعني أن ذاته الكريمة ليست مركبة من أجزاء، وأنه واحد لا شريك
له في ملكه، قال تعالى: {سبحانه هو الله الواحد القهار} [الزمر: 4].
*
وحدة الصفات: تعني أنه ليس لأحد من خلقه صفة تشبه صفة من صفاته، وإذا كان
فهي صفة محدودة بحدود الطاقة الإنسانية لا يتعداها، وإن أطلقت على الإنسان
فلا تشابه بينها إلا في اللفظ، فمثلا يقال: إن فلانًا رحيم. هل معنى ذلك
أن رحمته كرحمة الله، أو يقال عن فلان إنه كريم، فليس بحال أن يكون كرمه
مثل كرم الله.
* وحدة الأفعال: تعني أن الله فعَّال لما يريد، وليس
لأحد فعل يشبه فعله تعالى، فالله يفعل ما يشاء ويختار، ولا يحتاج إلى
مزاولة الفعل، فهو خالق مبدع لكل شيء، قال تعالى: {وربك يخلق ما يشاء
ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} [القصص: 68].
وقال: {فعال لما يريد} [البروج: 16].
* أما الصفات الثبوتية: هي ما أثبته الله -تعالى- لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله (، ومن هذه الصفات:
*
القدرة: المسلم يؤمن بأن الله -سبحانه- قادر لا يعجزه شيء، وهذا الكون خير
دليل على قدرته، وأنه سبحانه قادر على إيجاد كل شيء وإعدامه، وأنه صاحب
القهر والسلطان، له الأمر في السماوات والأرض وبيده مقادير الكون كله.
قال
تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من
لغوب} [ق: 38]. وقال: {أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}
[فصلت: 15].
* العلم: المسلم يؤمن بأن الله بكل شيء عليم، وأنه أحاط
بكل شيء علمًا، سواء أكان هذا العلم في الماضي أو الحاضر أو المستقبل،
فالزمن لا يؤثر في علم الله، لأن علمه لم يسبقه جهل، وعلمه سبحانه
بالجزئيات كعلمه بالكليات، وهو سبحانه لا ينسى شيئًا أبدًا، ولقد جاء في
القرآن الكريم على لسان سيدنا موسى -عليه السلام- قوله تعالى: {لا يضل ربي
ولا ينسى} [طه: 52]، وقال تعالى: {وهو بكل شيء عليم} [الأنعام: 101].
وعلمه
سبحانه محيط بالأشياء جميعًا، ولا تخفى عليه خافية في هذا الكون، قال
تعالى: {وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما
تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطبًا ولا يابس إلا
في كتاب مبين} [الأنعام: 59].
وعلم الله قديم أزلي، يعلم الأشياء قبل
وقوعها، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، خلافًا لما يقوله بعض
الجهلاء من أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها: {كبرت كلمة تخرج من
أفواههم إن يقولون إلا كذبًا} [الكهف: 5].
* الإرادة: المسلم يؤمن بأن
الله -عز وجل- يفعل في ملكه ما يشاء، فلا يقع في ملكه شيء إلا بقدرته
وإرادته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يحدث شيء في الكون كبيرًا
كان أو صغيرًا إلا وفق مشيئته سبحانه. والمسلم يؤمن أن من إرادة الله ما
يقع حتمًا، وهي إرادته إذا تعلقت بالأمور الكونية، قال تعالى: {فإذا قضى
أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [غافر: 68].
ومنها ما جعل الله إرادة
العبد شرطًا منه، كالتوبة مثلا، والله تعالى يقول: {والله يريد أن يتوب
عليكم} [النساء: 27]. فالله -عز وجل- يريد للناس أن يتوبوا، ورغم هذا قد
يتوب البعض دون البعض الآخر، لأن الله أراد أن يتوب الناس إليه ليتوب
عليهم.
* الحياة: والمسلم يؤمن بأن الله حي لا يموت، وأن حياته لا تشبه
حياة المخلوقين، فلا يقضي عليها بالفناء ولا يسبقها عدم. قال تعالى:
{وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان: 58]
وقال: {هو الحي لا إله إلا هو فاعبدوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} [غافر: 65].
*
السمع: والمسلم يؤمن بأن الله سميع، وأن سمعه ليس كسمع المخلوقين، إنه
يسمع الأصوات كلها في وقت واحد، فلا يخفى عليه شيء، ولا يحجبه عن الأصوات
شيء. قال تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله
والله يسمع تحاوركما إن الله سميع عليم بصير} [المجادلة: 1].
وكان
الرسول ( مع أصحابه في سفر، فكانوا يرفعون أصواتهم بالدعاء، فقال لهم
النبي (: (أيها الناس ارْبَعُوا على أنفسِكُمْ (ارفقوا بها)، إنَّكُم ليس
تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غائبًا، إنَّكُم تَدْعُونَ سميعًا قريبًا وهو
مَعكم) [مسلم].
* البصر: المسلم يؤمن بأن الله بصير، ولكن بصره تعالى
لا يشبه بصر المخلوقين، وهو سبحانه يرى كل شيء رؤية شاملة تستوعب كل
المدركات، ولا يخفى على الله شيء وإن دق (صغر)، ولا يخفى عنه شيء وإن بعد،
ولا يحجب عنه الرؤية حاجب، يقول تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك
الأبصار وهو اللطيف الخبير} [الأنعام: 103]. وقال سبحانه لموسى وهارون:
{إني معكما أسمع وأرى}
[طه: 46].
* الضحك: والمسلم يؤمن بصفات الله
كلها، ومن هذه الصفات أن الله-عز وجل- متصف بصفة الضحك على الوجه الذي
يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو سبحانه: {ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير} [الشورى: 11].
فالمسلم لا يشبِّه صفات الله بصفات المخلوقين،
فضحك الله ليس كضحك المخلوقين، ولا يصف كيفية صفة ضحك الله -عز وجل-، ولا
يبحث عن كيفيتها، ولكنه مع ذلك يؤمن بصفة الضحك لله.
فقد جاء رجل إلى
الرسول ( يطلب طعامًا عندما أصابه الجهد من شدة الجوع، فأرسل الرسول إلى
نسائه يسألهن عن طعام، فلم يجد، فقال لأصحابه: (من يضيِّفُ هذا؟). فقام
أبو طلحة قال: أنا يا رسول الله. ثم ذهب به إلى بيته ولكنه لم يجد طعامًا
غير طعام أطفاله الصغار، فقال أبو طلحة لزوجته: داعبي الأطفال ليناموا،
حتى يأكل ضيف رسول الله (. ففعلت وأكل الضيف.
وبات أبو طلحة وزوجته
جائعين حتى لكرمهما ضيف رسول الله (، وذهب أبو طلحة في الصباح إلى رسول
الله ( فقال له الرسول (: (ضحك الله الليلة -أو عجب- من فعلكما)، أنزل
الله -عز وجل-: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9].
*
الغيرة: الله يغار عندما تُنتهك محارمه، ولذلك فقد حرم الله الفواحش، ونهى
عنها. قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربتُه بالسيف. فبلغ
ذلك النبي ( فقال: (تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير
منِّي، ومن أجل غيرة الله، حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن..) [البخاري].
*
رؤية المسلم: والمسلم يؤمن بأن المؤمنين سيرون الله -عز وجل- في الآخرة،
قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22-23].
وقال (: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته..) [متفق
عليه].
وقال (: (إنكم سترون ربكم عيانًا) [البخاري].
* الكلام:
والمسلم يؤمن أن الله -عز وجل- يتكلم بكلام، لقوله تعالى: {وكلم الله موسى
تكليمًا} [النساء: 164]، ولكنه لا يعلم كيفية هذا الكلام؛ لأن
الله -عز
وجل- لم يخبرنا بها، ولكن المسلم يعلم أنه من أساليب خطاب الله للبشر أن
يوحي إلى رسوله أو يكلمه من وراء حجاب. قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه
الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء}
[الشورى: 51]. إن الله -عز وجل- سيكلم المؤمنين في الآخرة، وسيكلم الناس
جميعًا ليس بينه وبينهم ترجمان.
والمسلم يؤمن بكل صفات الله الثابتة عنه، ويعلم أنه لا يجوز وصف
الله
-عز وجل- إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به الرسول (، كما يؤمن بصفات ذات
الله كالحياة أو القدرة، ويؤمن أيضًا بصفات فعل الله كالإحياء والإماتة
والرزق والخلق، كما يؤمن بكل صفة ثبتت عن الله -عز وجل، كاستوائه على
العرش ومجيئه ونزوله، وأنه سبحانه له يد ووجه وقدم، على الوجه الذي يليق
بجلاله وكماله، فلا يشبهه شيء.
فالمسلم يؤمن بهذه الصفات من غير تفكير
في كيفيتها من حيث التجسيم أو التشبيه، فهو يؤمن مثلا بأن الله - عز وجل-
له وجه لقوله تعالى: {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} [الليل: 20].
وقوله تعالى: {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 26-27].
ولكنه
لا يزيد على ذلك، فلا يذكر كيفية لهذا الوجه ولا يجسمه، فالله تعالى أخبر
أن له وجهًا، فالمسلم يؤمن بذلك ولا يزيد عليه، ويذكر أسماء الله وصفاته
ويحبها، ويعلم أن محبة الله تأتي بمحبة أسمائه وكثرة ذكره.
وقد بعث النبي ( رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته، فيختم بـ {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1].
فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي (، فقال: (سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟) فسألوه
فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال (:(أخبروه أن الله
يحبه) [متفق عليه].
المسلم يؤمن بأن وجود الله حقيقة لا ريب فيها، دلت عليها أدلة كثيرة منها: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس والمشاهدة.
الفطرة تنطق بوجود الله:
كانت
الأمواج هادئة عندما ركب بعض الكفار في سفينة، وانطلقوا في البحر، وفي أول
الرحلة سخَّر الله لهم ريحًا طيبة جعلتهم يسيرون في البحر بسرعة، ففرحوا
بها، وفجأة هاجت الأمواج، واشتدت الرياح والعواصف فأصبحوا في مأزق عصيب،
عندئذ صاح هؤلاء الكفار بأعلى أصواتهم يدعون الله -عز وجل- ويلجئون إليه،
ويطلبون منه النجاة، قال تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا
كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم
الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن
أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} [يونس:22] .
وهكذا فطرة البشر تلجأ
إلى الله -عز وجل-، وتظهر حقيقتها في وقت الشدة والكرب حتى وإن وجد عليها
الصدأ، وطُمِست شفافيتها في أوقات الغفلة واللهو والرخاء، ذلك لأن الله
-عز وجل- خلق الإنسان مفطورًا على الإسلام والإحساس بوجود الله، قال
تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 30]. قال
(: (ما من مولود إلا يولدُ على الفِطْرةِ فأبواه يُهوِّدانه (يجعلانه
يهوديًا)، أو ينصِّرانه (يجعلانه نصرانيًا)، أو يمجِّسَانه (يجعلانه
مجوسيًّا) [البخاري].
والمسلم يؤمن بوجود الله -عز وجل-، فهو يدرك ذلك
بفطرته التي وضعها الله فيه. وهناك أقوام لا يؤمنون بوحدانيَّة الله ولا
باليوم الآخر، ويرون أن الطبيعة خلقت نفسها، وقد جاء سبعة عشر رجلاً من
هؤلاء الزنادقة إلى الإمام
الشافعي -رحمه الله- وسألوه: ما الدليل على
وجود الله؟ فقال: ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدودة فيخرج منها الإبريسم
(الحرير)، ويأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام
فتلقيه بعرًا وروثًا، فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد. فاستحسنوا
كلام الإمام وأسلموا على يديه.
ويروى أن بعض الزنادقة -أيضًا- جاءوا
إلى جعفر الصادق، فقال جعفر لأحدهم: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال جعفر:
حدثني عن أغرب شيء حدث لك؟ قال الرجل: هاجت يومًا رياح هائلة، فكسرت
السفينة، وأغرقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، فإذا أنا مدفوع في
تلاطم الأمواج، وفُقد اللوح، ودُفعتُ إلى الساحل. فقال جعفر: قد كان
اعتمادك على السفينة والملاح ثم على اللوح حتى ينجيك. فلما ذهبت عنك هذه
الأشياء، هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعد؟
قال: بل رجوت
السلامة. قال جعفر: ممن كنت ترجوها؟ فسكت الرجل، فقال جعفر: إن الصانع
الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت، هو الذي نجاك من الغرق. فاعترف الرجل بوجود
الله وأسلم على يديه.
دلالة العقل على وجود الله:
سأل بعض القدرية-
الذين ينفون قدرة الله، ويغالون في قدرة الإنسان- أبا حنيفة عن وجود الله
-عز وجل- فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر أُخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة
في البحر مملوءة بالبضائع، وليس فيها أحد يحرسها أو يسوقها، ومع ذلك فإنها
تسير بنفسها، وتخترق الأمواج، وتسير حيث شاءت فماذا تقولون؟ قالوا: هذا
شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله، إذا لم يجر في العقل
سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه
الدنيا على اختلاف أحوالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع
وحافظ؟! فبكوا جميعًا، وقالوا: صدقت وتابوا إلى الله، وحسن إسلامهم.
وقد
سُئِل أعرابي عن الدليل على وجود الله؟ فقال: البعرة تدل على البعير،
والروثة تدل على الحمير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج،
وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!
والمسلم
يدرك أن هذا الكون قد أبدعه خالق مبدع قدير. وقد سمع أحد الصحابة بعض آيات
من القرآن، فقال: كاد قلبي أن يطير، إنها قول الله تعالى: {أم خلقوا من
غير شيء أم هم الخالقون . أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون . أم
عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون} [الطور: 35-37].
دلالة الشرع على وجود الله:
والمسلم
يؤمن بأن جميع الكتب السماوية نطقت بأن الله موجود، والأحكام التي فيها
دلت على أنها من عند إله حكيم عليم. قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال
تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله} [النحل: 36]. وقال:
{وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 65]. وقال:
{وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 85] وقال:
{ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله} [المؤمنون: 23].
وقال: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه} [العنكبوت: 16].
دلالة المشاهدة على وجود الله:
والمسلم
يؤمن بكل ما يشاهده من نصر الله للمستغيثين والمكروبين، فالمؤمنون في غزوة
بدر عندما دعوا الله -عز وجل- وطلبوا منه النصر، استجاب الله دعاءهم،
وأيدهم بجنود من عنده يقاتلون معهم، قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب
لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9].
وزكريا -عليه
السلام- دعا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فاستجاب الله دعاءه
ووهب له يحيي -عليه السلام-، فبعد أن كانت زوجته عاقرًا لا تلد أصبحت
لديها القدرة على الحمل والولادة بإذن الله، قال تعالى: {وزكريا إذ نادي
ربه رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين . فاستجبنا له ووهبنا له يحيى
وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا
وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 89-90] .
وفي عهد الرسول ( أصاب المدينة
جفاف وقحط، فقام أعرابي والرسول ( يخطب الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلك
المال، وجاع العيال، فادع الله لنا.
فأخذ الرسول ( يدعو وهو رافع يديه،
فتجمع السحاب، ونزل المطر قبل أن يُنزل ( يديه، حتى إن المطر كان ينزل على
رسول الله (، ورأى الصحابة قطرات الماء تنزل من كفيه، وظلت السماء تمطر
طوال الأسبوع، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال،
فادع الله لنا، فرفع الرسول ( يديه يدعو الله، ويقول: (اللهم حوالينا، لا
علينا) فتوقف المطر. [متفق عليه].
معجزات الأنبياء دليل على وجود الله:
اجتمع
المشركون في مكة، وطلبوا من الرسول ( أن يشق لهم القمر نصفين، فقال لهم:
(إن فعلت تؤمنوا؟) قالوا: نعم. فأشار الرسول ( إلى القمر -وكان بدرًا-
فانفلق فلقتين، ورآه الناس. ولكن المشركين المعاندين رفضوا أن يستجيبوا
لنداء الحق، وأبوا أن يذعنوا لمعجزة الله، قال تعالى: {اقتربت الساعة
وانشق القمر} [القمر: 1].
والمعجزة تدل على وجود الله تعالى، لأنها أمر
خارج عن مقدرة البشر، يؤيد الله بها رسله وأنبياءه، ومن هذه المعجزات ما
أيَّد الله به نبيه موسى -عليه السلام- من معجزة العصا، فكان يضرب بها
الحجر فيخرج منه الماء، ويضرب بها الماء فيتجمد، ويتحول إلى أرض يابسة،
بإذن الله تعالى، قال تعالى: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا
عشرة عينًا} [البقرة: 60].
وبينما يوجد في كل شيء في هذا الكون دليل
على وجود الله تعالى، نجد الملحدين المنكرين لوجود الله ولا دليل من أي
نوع معهم ولا حجة في أيديهم. وفطرة الإنسان وعقله يدلان على وجود الله -عز
وجل- ويأتي الشرع ليؤكد هذه الدلالة، ويرشد الإنسان إلى أن خيره وسعادته
في توحيد الله.
الإيمان بوحدانية الله:
قسم العلماء توحيد الله إلى توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
1- توحيد الألوهية:
أحد..
أحد، إنها كلمات بلال التي يوحد بها ربه، عندما أرقده المشركون، وألقوا
على صدره حجرًا كبيرًا يكتم أنفاسه في صحراء مكة، على الرمال الملتهبة في
وقت الظهيرة. وهذا هو حال المسلم الحق، يوحد الله بأداء العبادة له وحده،
فهو سبحانه المعبود بحق، ولا معبود غيره، فنصلى له، ونزكي له، ولا نعبد
إلا إياه ولا نستعين إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، فهو سبحانه المتصرف في
الكون المستحق للعبادة.
والمسلم يعلم أن ألوهية شيء آخر غير الله
باطلة، قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل
وأن الله هو العلي الكبير} [الحج: 62].
والنصارى ما عبدوا الله -عز
وجل-، ولكن عبدوا ثلاثة أقانيم (أي: الإله الأب، والإله الابن، وروح
القدس)، فقال عنهم الله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة
وما من إله إلا إله واحد} [المائدة: 73].
والعرب وغيرهم اعترفوا لله
بالخلق، ولكنهم أشركوا مع الله غيره في العبادة، فقال عنهم الله -عز وجل-:
{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
[يوسف: 106].
بل إن البشرية
في أول ضلالها لم تمتنع عن عبادة الله، ولكنها عبدت الله، وعبدت معه آلهة
أخرى، وكانت حجتهم أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}
[الزمر:3]. فكان الردُّ: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون
مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من
ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزغ عن قلوبهم قالوا
ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} [سبأ: 22-23].
وتوحيد
الألوهية هو أول أمر دعا الرسل أقوامهم إليه. فكان أول ما يدعو النبي قومه
يقول لهم: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود: 84].
ولما بعث
الرسولُ ( معاذًا قاضيا على اليمن، قال له: (إِنَّكَ تَقْدُمُ على قومٍ من
أهل الكتاب، فليكن أوَّلَ ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا
اللهَ -تعالى-
فَإذا عَرَفُوا ذلك، فأخبِرْهُم أن الله فرض عليهم خمسَ صلوات في يومهم
وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن اللهَ افترضَ عليهم زكاةً تُؤْخَذُ منْ
غَنِيِّهم فتردُّ على فَقيرِهم، فإذا أقرُّوا ذلك، فخذْ منهم، وتوقَّ
-تجنب- كرائِمَ أموالِ النَّاس) [البخاري].
وتوحيد الله -عز وجل- حقيقة
يدركها العقل السليم، فالله -عز وجل- إله واحد ليس معه إله آخر، وهو رب كل
شيء ومليكه، ولا رب سواه، فماذا يحدث لو كان معه آلهة أخرى؟ هذه الآلهة لن
تخرج عن شيئين؛ إما أنها ستتفق في تصريف الكون وإما ستختلف، فإن اتفقت
فإما أن تتفق أن تعمل برأي إله منها، فلا معنى إذن لوجود الباقين، وإما أن
يعمل كل إله بما يريد، وهذا يستلزم أن يختلفوا
ويتنازعوا، وتكون النتيجة أن تفسد السماوات والأرض، وقد قدم لنا
الله -عز وجل- هذه الحقيقة فقال: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [الأنبياء: 22].
وقال: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [سورة الإخلاص: 1-4].
وإن كان توحيد الألوهية جوهر الإيمان فإن لا إله إلا الله، هي جوهر التوحيد.
كلمة التوحيد:
هي
كلمة التقوى، أرسل الله الرسل من أجلها، وأنزل الكتب للدعوة إليها، وقام
سوق الجنة والنار من أجلها، وانقسم الناس في الآخرة من أجلها فريقين؛
فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير، قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} [النحل: 2].
لا إله إلا الله:
هي
مفتاح الجنة، وتوجب المغفرة؛ لأن الرسول ( قال يومًا لأصحابه: (ارفعوا
أيديكم بالدعاء، وقولوا: لا إله إلا الله)، فرفعوا أيديهم ساعة، فوضع رسول
الله ( يده، وقال: (الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها،
ووعدتني عليها الجنة، وأنت لا تخلف الميعاد)، ثم قال: (أبشروا فإن الله قد
غفر لكم) [أحمد].
وهي أفضل ما قاله النبيون، قال (: (أفضل ما قلته أنا
والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) [مالك]. ومعنى (لا
إله إلا الله) أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا مقصود إلا هو، ولا مشرع
سواه، وهي تتضمن نفي الألوهية عن كل الآلهة الباطلة وإثباتها لله- عز وجل-.
وهي
سبب شفاعة الرسول ( للمؤمنين، قال (: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من
قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ونفسه) [البخاري]. وهي (القول
الثابت) الذي يثبت الله به المؤمنين في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {يثبت
الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم:
27]. وهي (العروة الوثقى) التي أمر الله عباده أن يتمسكوا بها. قال تعالى:
{فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها
والله سميع عليم} [البقرة: 256].
وهي سبب النجاة في الآخرة، قال (: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؛حرّم الله عليه النار) [مسلم].
ولا إله إلا الله ليست كلمة تُنطق باللسان فحسب، بل لها شروط لقبولها من صاحبها، وهي:
*
العلم بحقيقتها المنافي للجهل بها، فالمسلم يعلم معنى لا إله إلا الله،
وحقيقتها، قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19].
* الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقولها صادقًا من قلبه، قال (: (منْ قال: لا إله إلا الله. مُصدِّقًا بها قلبه؛ دخل الجنة) [مسلم].
* الإخلاص المنافي للرياء، وهو أن يقولها خالصًا من قلبه قال (: (من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه، دخل الجنة) [البزار].
*
القبول لها والانقياد لمدلولاتها، فلا يكفي مجرد النطق بها، ولكن لابد من
القيام بمقتضياتها حتى يقبلها الله من المسلم. فقد خاطب الرسول ( أبا
هريرة فقال له: (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله
مستيقنًا بها قلبه، بشِّرْهُ بالجنة) [مسلم].
* المحبة لها ولأهلها،
والمعاداة من أجلها، فالمسلم يحب كل من يعبد الله -عز وجل- ويطيعه، ويبغض
أهل الشرك وكل من يعصي الله -عز وجل-، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71].
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله)
لها مقتضيات تدل عليها، ومن مقتضياتها أن يمتنع صاحبها عن فعل المعاصي،
ويتقرب إلى الله تعالى بالعبادة الخالصة، ومن مقتضياتها أن يمتثل العبد
أوامر الله، وينتهي عن نواهيه.
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله) هي
اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، فقد سمع الرسول
( رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا
أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال (:
(والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا
سئل به أعطى) [الترمذي].
وقال (: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين:
{وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}. وفاتحة آل عمران: {ألم .
الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [رواه الترمذي وابن ماجه].
2- توحيد الربوبـية:
قال الله -عز وجل- على لسان موسى -عليه السلام -: {كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62].
والإيمان بربوبية الله -عز وجل- هو أن يعتقد المسلم أن الله رب كل شيء
وخالقه
ولا رب سواه، وأنه -سبحانه- بيده الرزق والخلق والإحياء والإماتة، وهو
-سبحانه- الخافض الرافع المعز المذل المحيي القادر على كل شيء. قال تعالى:
{ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54].
والخلق والإحياء والإماتة...إلخ،
هي أفعال الله -عز وجل-، فيمكن أن نعرف الإيمان بربوبية الله -عز وجل-
بأنه توحيد الله بأفعاله هو، وكان المشركون في الجاهلية يعترفون بأن الله
هو الخالق، وهو الرازق، وهو النافع، وهو الضار، ولكنهم لم يطيعوه، ولم
يؤمنوا به، فلم ينفعهم ذلك الاعتراف بربوبيته دون ألوهيته، قال تعالى:
{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}
[العنكبوت: 61].
وقال: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون
لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون
لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن
كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [المؤمنون: 84-89].
وهنا
سؤال؟! هل الإيمان بربوبية الله، أو الاعتراف لله بالخلق والإعادة ينقل
الإنسان من الكفر إلى الإيمان؟ والإجابة أن ذلك وحده لا يكفي، فمن آمن
بوجود الله، وقدرته على الخلق، ثم لم يعبد الله ولم يوحده في ألوهيته،
فليس مؤمنًا، ودليل ذلك أن مشركي مكة كانوا يعترفون لله بالربوبية، ومع
ذلك كانوا مشركين، وقد أنكر توحيد الربوبية طائفتان الأولى تسمى بـ
(الدهرية)، كما حكى الله قولهم: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24].
فهم بذلك قد نسبوا الموت
والحياة إلى الدهر، ولم ينسبوها إلى الله -عز وجل-. والأخرى ظهرت في العصر
الحديث وتسمى بـ (الشيوعية): والشيوعيون هم الذين ينكرون وجود الله،
ويقولون: لا إله، والكون مادة. (أي: لا إله موجود والكون جاء وحده بدون
خالق). ولكن المسلم يتعجب من تفكير هؤلاء الضالين ويحمد الله -عز وجل- على
نعمة الإيمان والإسلام. والمسلم عندما يؤمن بأن الله هو النافع وهو الضار،
فهذا يطمئنه لأنه يؤمن بمن في يديه النفع والضر، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه،
ويرضى بقضائه وقدره، ويوحده في ألوهيته.
3- توحيد الأسماء والصفات:
والمسلم
يؤمن بأن لله صفات عليا وأسماء حسنى، ذكر البعض منها في القرآن، وبعضها في
الحديث، ولم نُخبر ببعضها، واستأثر الله بها في علمه، كما كان ( يقول في
دعائه: (اللهمَّ إنِّي أسألكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سمَّيْتَ به نَفْسَكَ،
أو أنزلتَهُ في كتابك، أو علَّمْتَهُ أحدًا من خَلْقِكَ، أو استأثرْتَ بهِ
في علمِ الغيبِ عِنْدَكَ) [أحمد].
والمسلم يتعرف على أسماء الله ويدعوه
بها، قال تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعوا فله الأسماء
الحسنى} [الإسراء: 110]. وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوها بها}
[الأعراف: 180].
وهذه الأسماء عددها تسعة وتسعون اسمًا، قال (: (إن لله
تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة) [متفق عليه].
وأسماء الله خاصة به فلا يسمى -سبحانه- إلا بما سمى به نفسه، ولا يوصف إلا
بما وصف نفسه، أو وصفه رسول الله ( به، وهذه الأسماء هي: الرحمن، الرحيم،
الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر،
الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم،
القابض، الباسط، الخافض، الرافع، الجامع، المعز، المذل، السميع، البصير،
الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي،
الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع،
الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين،
الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم،
الواحد، الماجد، الواجد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول،
الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو،
الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني،
المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد،
الصبور.
ولقد وردت آيات وأحاديث تضيف أسماء لله تعالى غير المذكورة من هذه الأسماء:
* عالم الغيب والشهادة، قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا} [الجن: 26].
وقال: {عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير} [الأنعام: 73].
* سريع الحساب، قال تعالى: {إن الله سريع الحساب} [إبراهيم:51].
*
مقلب القلوب، فالمسلم يعلم أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن
يقلبها كيف يشاء، وكان النبي ( يدعو ويقول: (اللهمّ يا مقلِّبَ القلوبِ
ثَبِّتْ قلوبَنَا على دِينِكَ)) [الترمذي وأحمد].
والمسلم دائمًا يطلب
من ربه -عز وجل- الثبات على الإيمان: قال تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد
إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}
[آل عمران: 8].
* رفيع الدرجات، قال تعالى: {رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق} [غافر: 15].
والرسول ( يقول: (إن اللَّهَ رفيقٌ يحبُّ الرفقَ، ويعطي عليه ما لا يُعْطِي على العُنْفِ) [مسلم].
وقال- أيضًا-: (إن اللَّهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ) [مسلم].
وقال: (إِنَّ اللَّهَ تعالى جَوَادٌ يحبُّ الجودَ، ويحبُّ معالي الأخلاقِ، ويكْرَهُ سِفاسفها) [البيهقي].
وقال (إن الله -عز وجل- حليم حيي سِتِّيرٌ ، يحبُّ الحياءَ والسَّتْرَ) [أبو داود والنسائي وأحمد].
*
والمسلم يؤمن بأسماء الله على الوجه الذي يرضاه الله -عز وجل-، فالله عليم
لا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماوات، وكل علم من علوم البشر
إنما هو مستمدٌّ من علم الله الذي لا يحصيه أحد، وأن أسماءه هي على ما يليق
بالله -جل وعلا- من معنى، {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85].
صفات الله:
المسلم
يؤمن بأن لله صفات عليا، كما أن له أسماء حسني، وأن هذه الصفات هي من
لوازم ربوبيته وعظمة ألوهيته، والمسلم يعلم أن لهذه الأسماء إشراقة تظهر
في القلوب، وهذه الصفات منها صفات كمال وصفات جلال، والبعض يقسم الصفات
إلى صفات سلبية وصفات ثبوتية.
أما صفات الكمال -أو الصفات السلبية- فهي
التي تنزه الله عن كل نقص لا يليق بجلاله وكماله، أو هي التي سلبت عنه ما
لا يليق بكماله، وهي أبرز ما تكون في الأسماء التي ذكرت أضدادها مثل:
الأول والآخر، والظاهر والباطن، والضار والنافع، والمعز والمذل، والعفو
والمنتقم، والمحيي والمميت...
الأول: فالله سبحانه وتعالى أول بلا
بداية، وجوده غير مسبوق بعدم، قال تعالى: {هو الأول والأخر والظاهر
والباطن وهو بكل شيء عليم} [الحديد: 3].
وقال (: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض..) [البخاري].
الآخر:
فالله سبحانه لا آخر لوجوده، فهو الآخر بلا نهاية، لا يسبقه عدم ولا يلحقه
فناء. قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88].
وقال تعالى: {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}
[الرحمن: 26-27].
وقال (: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) [مسلم].
* ليس كمثله شيء: بمعنى أنه لا يمكن أن يكون مشابهًا لشيء مما يخلق، قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11].
فالمسلم
يعلم أن الله منزه عن مماثلة غيره، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، وأن
الكون بأرضه وسمائه وما فيهما وما بينهما ملك لله -عز وجل-، ولما سُئِلَ
الرسول ( عن وصف الله، أنزل الله تعالى: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم
يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 1-4].
* الأحد: أي أن الله واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله.
*
وحدة الذات: تعني أن ذاته الكريمة ليست مركبة من أجزاء، وأنه واحد لا شريك
له في ملكه، قال تعالى: {سبحانه هو الله الواحد القهار} [الزمر: 4].
*
وحدة الصفات: تعني أنه ليس لأحد من خلقه صفة تشبه صفة من صفاته، وإذا كان
فهي صفة محدودة بحدود الطاقة الإنسانية لا يتعداها، وإن أطلقت على الإنسان
فلا تشابه بينها إلا في اللفظ، فمثلا يقال: إن فلانًا رحيم. هل معنى ذلك
أن رحمته كرحمة الله، أو يقال عن فلان إنه كريم، فليس بحال أن يكون كرمه
مثل كرم الله.
* وحدة الأفعال: تعني أن الله فعَّال لما يريد، وليس
لأحد فعل يشبه فعله تعالى، فالله يفعل ما يشاء ويختار، ولا يحتاج إلى
مزاولة الفعل، فهو خالق مبدع لكل شيء، قال تعالى: {وربك يخلق ما يشاء
ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} [القصص: 68].
وقال: {فعال لما يريد} [البروج: 16].
* أما الصفات الثبوتية: هي ما أثبته الله -تعالى- لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله (، ومن هذه الصفات:
*
القدرة: المسلم يؤمن بأن الله -سبحانه- قادر لا يعجزه شيء، وهذا الكون خير
دليل على قدرته، وأنه سبحانه قادر على إيجاد كل شيء وإعدامه، وأنه صاحب
القهر والسلطان، له الأمر في السماوات والأرض وبيده مقادير الكون كله.
قال
تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من
لغوب} [ق: 38]. وقال: {أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}
[فصلت: 15].
* العلم: المسلم يؤمن بأن الله بكل شيء عليم، وأنه أحاط
بكل شيء علمًا، سواء أكان هذا العلم في الماضي أو الحاضر أو المستقبل،
فالزمن لا يؤثر في علم الله، لأن علمه لم يسبقه جهل، وعلمه سبحانه
بالجزئيات كعلمه بالكليات، وهو سبحانه لا ينسى شيئًا أبدًا، ولقد جاء في
القرآن الكريم على لسان سيدنا موسى -عليه السلام- قوله تعالى: {لا يضل ربي
ولا ينسى} [طه: 52]، وقال تعالى: {وهو بكل شيء عليم} [الأنعام: 101].
وعلمه
سبحانه محيط بالأشياء جميعًا، ولا تخفى عليه خافية في هذا الكون، قال
تعالى: {وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما
تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطبًا ولا يابس إلا
في كتاب مبين} [الأنعام: 59].
وعلم الله قديم أزلي، يعلم الأشياء قبل
وقوعها، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، خلافًا لما يقوله بعض
الجهلاء من أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها: {كبرت كلمة تخرج من
أفواههم إن يقولون إلا كذبًا} [الكهف: 5].
* الإرادة: المسلم يؤمن بأن
الله -عز وجل- يفعل في ملكه ما يشاء، فلا يقع في ملكه شيء إلا بقدرته
وإرادته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يحدث شيء في الكون كبيرًا
كان أو صغيرًا إلا وفق مشيئته سبحانه. والمسلم يؤمن أن من إرادة الله ما
يقع حتمًا، وهي إرادته إذا تعلقت بالأمور الكونية، قال تعالى: {فإذا قضى
أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [غافر: 68].
ومنها ما جعل الله إرادة
العبد شرطًا منه، كالتوبة مثلا، والله تعالى يقول: {والله يريد أن يتوب
عليكم} [النساء: 27]. فالله -عز وجل- يريد للناس أن يتوبوا، ورغم هذا قد
يتوب البعض دون البعض الآخر، لأن الله أراد أن يتوب الناس إليه ليتوب
عليهم.
* الحياة: والمسلم يؤمن بأن الله حي لا يموت، وأن حياته لا تشبه
حياة المخلوقين، فلا يقضي عليها بالفناء ولا يسبقها عدم. قال تعالى:
{وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان: 58]
وقال: {هو الحي لا إله إلا هو فاعبدوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} [غافر: 65].
*
السمع: والمسلم يؤمن بأن الله سميع، وأن سمعه ليس كسمع المخلوقين، إنه
يسمع الأصوات كلها في وقت واحد، فلا يخفى عليه شيء، ولا يحجبه عن الأصوات
شيء. قال تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله
والله يسمع تحاوركما إن الله سميع عليم بصير} [المجادلة: 1].
وكان
الرسول ( مع أصحابه في سفر، فكانوا يرفعون أصواتهم بالدعاء، فقال لهم
النبي (: (أيها الناس ارْبَعُوا على أنفسِكُمْ (ارفقوا بها)، إنَّكُم ليس
تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غائبًا، إنَّكُم تَدْعُونَ سميعًا قريبًا وهو
مَعكم) [مسلم].
* البصر: المسلم يؤمن بأن الله بصير، ولكن بصره تعالى
لا يشبه بصر المخلوقين، وهو سبحانه يرى كل شيء رؤية شاملة تستوعب كل
المدركات، ولا يخفى على الله شيء وإن دق (صغر)، ولا يخفى عنه شيء وإن بعد،
ولا يحجب عنه الرؤية حاجب، يقول تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك
الأبصار وهو اللطيف الخبير} [الأنعام: 103]. وقال سبحانه لموسى وهارون:
{إني معكما أسمع وأرى}
[طه: 46].
* الضحك: والمسلم يؤمن بصفات الله
كلها، ومن هذه الصفات أن الله-عز وجل- متصف بصفة الضحك على الوجه الذي
يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو سبحانه: {ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير} [الشورى: 11].
فالمسلم لا يشبِّه صفات الله بصفات المخلوقين،
فضحك الله ليس كضحك المخلوقين، ولا يصف كيفية صفة ضحك الله -عز وجل-، ولا
يبحث عن كيفيتها، ولكنه مع ذلك يؤمن بصفة الضحك لله.
فقد جاء رجل إلى
الرسول ( يطلب طعامًا عندما أصابه الجهد من شدة الجوع، فأرسل الرسول إلى
نسائه يسألهن عن طعام، فلم يجد، فقال لأصحابه: (من يضيِّفُ هذا؟). فقام
أبو طلحة قال: أنا يا رسول الله. ثم ذهب به إلى بيته ولكنه لم يجد طعامًا
غير طعام أطفاله الصغار، فقال أبو طلحة لزوجته: داعبي الأطفال ليناموا،
حتى يأكل ضيف رسول الله (. ففعلت وأكل الضيف.
وبات أبو طلحة وزوجته
جائعين حتى لكرمهما ضيف رسول الله (، وذهب أبو طلحة في الصباح إلى رسول
الله ( فقال له الرسول (: (ضحك الله الليلة -أو عجب- من فعلكما)، أنزل
الله -عز وجل-: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9].
*
الغيرة: الله يغار عندما تُنتهك محارمه، ولذلك فقد حرم الله الفواحش، ونهى
عنها. قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربتُه بالسيف. فبلغ
ذلك النبي ( فقال: (تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير
منِّي، ومن أجل غيرة الله، حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن..) [البخاري].
*
رؤية المسلم: والمسلم يؤمن بأن المؤمنين سيرون الله -عز وجل- في الآخرة،
قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22-23].
وقال (: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته..) [متفق
عليه].
وقال (: (إنكم سترون ربكم عيانًا) [البخاري].
* الكلام:
والمسلم يؤمن أن الله -عز وجل- يتكلم بكلام، لقوله تعالى: {وكلم الله موسى
تكليمًا} [النساء: 164]، ولكنه لا يعلم كيفية هذا الكلام؛ لأن
الله -عز
وجل- لم يخبرنا بها، ولكن المسلم يعلم أنه من أساليب خطاب الله للبشر أن
يوحي إلى رسوله أو يكلمه من وراء حجاب. قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه
الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء}
[الشورى: 51]. إن الله -عز وجل- سيكلم المؤمنين في الآخرة، وسيكلم الناس
جميعًا ليس بينه وبينهم ترجمان.
والمسلم يؤمن بكل صفات الله الثابتة عنه، ويعلم أنه لا يجوز وصف
الله
-عز وجل- إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به الرسول (، كما يؤمن بصفات ذات
الله كالحياة أو القدرة، ويؤمن أيضًا بصفات فعل الله كالإحياء والإماتة
والرزق والخلق، كما يؤمن بكل صفة ثبتت عن الله -عز وجل، كاستوائه على
العرش ومجيئه ونزوله، وأنه سبحانه له يد ووجه وقدم، على الوجه الذي يليق
بجلاله وكماله، فلا يشبهه شيء.
فالمسلم يؤمن بهذه الصفات من غير تفكير
في كيفيتها من حيث التجسيم أو التشبيه، فهو يؤمن مثلا بأن الله - عز وجل-
له وجه لقوله تعالى: {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} [الليل: 20].
وقوله تعالى: {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 26-27].
ولكنه
لا يزيد على ذلك، فلا يذكر كيفية لهذا الوجه ولا يجسمه، فالله تعالى أخبر
أن له وجهًا، فالمسلم يؤمن بذلك ولا يزيد عليه، ويذكر أسماء الله وصفاته
ويحبها، ويعلم أن محبة الله تأتي بمحبة أسمائه وكثرة ذكره.
وقد بعث النبي ( رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته، فيختم بـ {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1].
فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي (، فقال: (سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟) فسألوه
فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال (:(أخبروه أن الله
يحبه) [متفق عليه].