الإيمان باليوم الآخر
قال تعالى: {تبارك الذي بيده
الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن
عملاً وهو العزيز الغفور} [الملك: 1-2].
عذاب القبر ونعيمه:
والمسلم
يؤمن باليوم الذي ينتقل فيه من الحياة الدنيا إلى الآخرة عندما يموت،
ويؤمن بما أخبر به رسول ( من فتنة القبر وسؤال الملكين، فالعبد يُختبر في
قبره، ويسأله الملكان عن ربه ودينه ونبيه (، فإن كان مؤمنًا قال: ربي
الله، وديني الإسلام، ومحمد ( نبيي.
وأما المرتاب فيقول: لا أدري، سمعت
الناس يقولون شيئًا فقلته. فيضرب ويعذب. عن قتادة عن أنس بن مالك -رضي
الله عنهما- قال: قال رسول الله (: (إنَّ العبد إذا وُضع في قبره، وتولى
عنه أصحابه -وإنه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان، فيُقعدانه فيقولان: ما
كنتَ تقول في هذا الرجل (لمحمد ()؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبدالله
ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من
الجنة، فيراهما جيعًا).
قال قتادة: وذُكر لنا أنه يُفسح له في قبره، ثم
رجع إلى حديث أنس قال: (وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا
الرجل فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت،
ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين)
[البخاري].
والمسلم يؤمن أن الله -عز وجل- يثبت المؤمنين عند السؤال في
القبر، لأنهم استقاموا على أوامر الله -عز وجل- ونهجه، فعن البراء بن عازب
-رضي الله عنهما- عن النبي ( قال: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)،
فقال:(نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد
(، فذلك قوله {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة} [إبراهيم: 27] [رواه مسلم].
والمسلم يؤمن -بعد ذلك- بما أخبره الرسول ( في أن العبد وهو في قبره إما أن يكون في نعيم أو في جحيم إلى يوم القيامة، ولقد أشار
الله
-عز وجل- إلى العذاب الذي يحدث بعد الموت، فقال: {ولو ترى إذ الظالمون في
غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب
الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}
[الأنعام: 93]. قال ابن عباس في تفسيرها: هذا عند الموت، والبسط: الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم.
والمسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( من أحاديث كثيرة، يؤكد فيها عذاب القبر، فعن
زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: بينما النبي ( في حائط (حديقة أو بستان)
لبني النجار على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به، فكادت تلقيه، وإذا بقبر
ستة أو خمسة أو أربعة، فقال (: (من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟). فقال رجل:
أنا. قال: (فمتى مات هؤلاء؟) قال: ماتوا في الإشراك. فقال: (إن هذه الأمة
تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يُسمعكم من عذاب
القبر الذي أسمع منه).
ثم أقبل علينا بوجهه فقال: (تعوذوا بالله من
عذاب النار). قالوا: نعوذُ بالله من عذاب النار. قال: (تعوذوا بالله من
عذاب القبر) قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: (تعوذوا بالله من
الفتن ما ظهر منها وما بطن) قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما
بطن. قال: (تعوذوا بالله من فتنة الدجال). قالوا: نعوذ بالله من فتنة
الدجال) [مسلم].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي ( على
قبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان يمشي
بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) [مسلم].
وقال (: (إن
أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي؛ إن كان من أهل الجنة فمن
أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك حتى
يبعثك الله يوم القيامة) [متفق عليه].
فهذا حال المؤمن والكافر في
القبر، فالمؤمن في نعيم إلى يوم الدين، والكافر في عذاب إلى يوم القيامة،
والمؤمن يتمني قيام الساعة حتى يتم له النعيم في جنة الخلد، أما الكافر
فيقول: رب لا تُقم الساعة، لخوفه الشديد من عذاب الله -عز وجل- في جهنم،
فعلى المسلم أن يعمل على أن يكون من الناجين من عذاب القبر بتقوى الله
والعمل الصالح.
علامات الساعة:
ولا يعلم وقت الساعة إلا الله وحده،
قال تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما
تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}
[لقمان: 34]، وقال تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها
عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا
بغتة يسألونك كأنك حفي عنها} [الأعراف: 187].
وعندما جاء جبريل -عليه
السلام- إلى الرسول ( يسأله عن موعد الساعة. قال له (: (ما المسئول عنها
بأعلم من السائل) [البخاري]. وقد أخبرنا ( بعلامات الساعة، وبين لنا أن
لها علامات صغرى، وعلامات كبرى.
العلامات الصغرى: وهي مثل فساد الناس
في آخر الزمان، وكثرة القتل، وبعد الناس عن شرع الله -عز وجل-، وبعثة
النبي (، فقد قال (: (بُعثتُ أنا والساعة كهاتين. (وأشار بإصبعيه :السبابة
والوسطى)) [متفق عليه].
وسأل رجل الرسول (: متى الساعة؟ فقال: (إذا
ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة). قال: وكيف إضاعتها؟ قال: (إذا وُسِّد الأمر
إلى غير أهله فانتظر الساعة) [البخاري].
والمسلم يؤمن بما أخبر به
الرسول ( من كثرة القتل والحروب قبل قيام الساعة، قال (: (إن بين يدي
الساعة أيامًا يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهَرَج،
والهرج القتل) [البخاري]. والمسلم يؤمن بما أخبر به الرسول ( أن رفع العلم
وظهور الجهل وكثرة المعاصي من علامات الساعة، قال (: (إن من أشراط الساعة
أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنى، ويشرب الخمر، ويذهب الرجال،
وتبقى النساء، حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد) [متفق عليه].
والمسلم
يؤمن أن الفتن تكثر في آخر الزمان، وأن الخير له في تجنبها، قال (: (ستكون
فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي
فيها خير من الساعي) [مسلم].
والمسلم يؤمن بأن في آخر الزمان سوف يتمنى
الإنسان الموت، ويفضله على الحياة؛ لكثرة الفتن وبُعد الناس عن الله، قال
(: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه) [متفق
عليه]. والمسلم يؤمن بأن الساعة لا تقوم إلا على أكثر الناس شرًّا، قال (:
(لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق) [مسلم].
العلامات الكبرى:
المسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( من علامات كبرى تقع قبل الساعة مباشرة، وقد جاء
عشرة منها في حديث حذيفة بن أسد الغفاري حيث قال: طلع النبي ( علينا ونحن
نتذاكر، فقال: (ما تذاكرون؟) قالوا: نذكر الساعة. قال: (إنها لن تقوم حتى
ترون قبلها عشر آيات). فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من
مغربها، ونزول عيسى بن مريم (، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق،
وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس
إلى محشرهم. [ مسلم].
الدجال:
خروج الدجال يكون هو المؤشر بتغير نظام الأرض، وينتهي ذلك بنزول
عيسى -عليه السلام- وقضائه عليه، ويكون خروج الشمس من مغربها هو المؤشر بتغير الأحوال العلوية للكون.
والمسلم
يؤمن- أيضًا-بطلوع الشمس من مغربها، قال (: (لا تقوم الساعة حتى تطلع
الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع
نفسًا إيمانها، ثم قرأ الآية) [متفق عليه]. فإذا خرجت الشمس من مغربها،
ورآها الناس آمنوا بالله جميعًا، ففي هذا الوقت لا ينفع الإيمان، ولا تنفع
التوبة إلا أن يكون الإنسان قد آمن من قبلُ، وإلى هذا المعنى أشار
الله -عز وجل- فقال: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا} [الأنعام: 158].
والمسلم
يؤمن بما أخبر الرسول ( من خروج الدابة، وهي دابة يخرجها الله -عز وجل-
ويجعلها من العلامات التي تشير إلى قرب الساعة، فهي دابة تكلم الناس،
وتميز بينهم، فتشير إلى المؤمن وتقول له: يا مؤمن. وتشير إلى الكافر،
وتقول له: يا كافر. قال تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من
الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82].
والمسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( عن الدجال، وحذرنا منه، ويؤمن أن كل نبي حذر
قومه منه،. فقد قام ( في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر الدجال
فقال: (إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولكني سأقول لكم
فيه قولا لم يقله نبي لقومه: إنه أعور وإن الله ليس بأعور) [متفق عليه].
والرسول
( يبين ما يمد الله به الدجال من الخوارق التي يفتن العباد بها. قال (:
(لأنا أعلم بما مع الدجال منه. معه نهران يجريان، أحدهما- رأي العين- ماء
أبيض، والآخر- رأي العين- نار تأجج، فإما أَدْرَكَنَّ أحدٌ فلْيأتِ النهر
الذي يراه نارًا، ولْيغمض، ثم لْيطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد. وإن
الدجال ممسوح العين عليها ظفرة -جلدة تغشى البصر- غليظة مكتوب بين عينيه:
كافر. يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب) [مسلم].
والمسلم يعلم كيف يقي نفسه من فتنة الدجال، قال (: (...فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف) [مسلم].
وعندما
سئل الرسول ( عن الفترة التي يقضيها الدجال في الأرض قال: (أربعون يومًا:
يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم) [مسلم].
والمسلم
يعلم أن الدجال سيدَّعي الألوهية، ويأتي على القوم فيدعوهم إلى عبادته،
فإن أجابوه إلى ذلك كثر عندهم الخير، وإن لم يجيبوه أصبحوا في جفاف وفقر،
ويأمر الأرض الخراب أن تخرج كنوزها، فتخرج. ويأمر السماء أن تمطر، فتمطر.
والأرض فتنبت، وهذا كله على سبيل الفتنة للعباد، وسوف ينزل عيسى- عليه
السلام- إلى الأرض في آخر الزمان قرب وقوع الساعة، أثناء وجود الدجال،
فيقتله، ويحكم بشريعة الإسلام.
يأجوج ومأجوج:
والمسلم يؤمن
بما أخبر الرسول ( من خروج أمة مفسدة في آخر الزمان، وهي يأجوج ومأجوج،
قال الله -تعالى-: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون.
واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في
غفلة من هذا بل كنا ظالمين} [الأنبياء: 96-97].
وعن
زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن رسول الله دخل عليها يومًا فزعًا يقول:
(لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج
ومأجوج مثل هذا (حلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها)). قالت زينب بنت جحش:
يا رسول الله، أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) [البخاري].
وقد
أخبر الله عنهم في القرآن الكريم موضحًا ما صنعه العبد الصالح ذو القرنين
معهم، وكيف حمي الناس من شرهم، قال تعالى: {حتى إذا بلغ بين السدين وجد من
دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولاً. قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج
ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا.
قال ما مكني فيه ربي خيرًا فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردمًا. آتوني
زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارًا قال
آتوني أفرغ عليه قطرًا. فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا. قال
هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقًّا} [الكهف:
93-98].
إن الله مكن لذي القرنين في الأرض، فأخذ بالأسباب، وتجول في
الأرض حتى وصل إلى قوم لا يكادون يفقهون قولا، فرأوا على وجهه علامات
الصلاح، ووجدوا فيه القوة، فعرضوا عليه أن يمنع عنهم هذه الأمة المفسدة
التي كانت تظلمهم، وتأخذ خيراتهم مقابل جزء من المال، فأسرع ذو القرنين-
الذي يعلم أن هذه القدرة إنما هي من عند الله تعالى، فقبل أن يحميهم من شر
يأجوج ومأجوج فردم الفجوة التي كانت بين السدين بالحديد والنحاس المنصهر.
فلم يستطع هؤلاء المفسدون أن يقفزوا من فوق هذا السد، ولن يستطيعوا أن
يهدموه، حتى تقترب الساعة فيأذن الله -عز وجل- لهؤلاء المفسدين بالخروج،
فيمرون على بحيرة طبرية في فلسطين فيشربون ماءها كله لكثرة عددهم حتى إن
آخرهم يتعجب ويقول لقد كان بهذه مرة ماء!!
كما قال (: (ويبعث الله
يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية،
فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: قد كان بهذه مرة ماء) [مسلم].
أهوال القيامة:
والمسلم
يؤمن بما أخبر الرسول ( من خروج نار من أرض الحجاز، قال (: (لا تقوم
الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى) [متفق عليه].
والمسلم
يؤمن بأن هناك مؤشرات أخرى ليوم القيامة مثلما يحدث من تغيير شامل للكون
من انشقاق السماء، وتصادم الكواكب، وتفتت الأرض، وتناثر النجوم، وتخريب كل
شيء، وتدمير كل ما عرفه الناس في هذا الوجود. قال تعالى: {إذا السماء
انشقت} [الانشقاق: 1]. وقال: {إذا السماء انفطرت. وإذا الكواكب انتثرت}
[الانفطار: 1-2] وقال تعالى: {إذا الشمس كورت} [التكوير: 1]. وقال سبحانه:
{فإذا النجوم طمست} [المرسلات: 8]. وقال: {إذا رجت الأرض رجًا. وبست
الجبال بسًا. فكانت هباء منبثًا} [الواقعة: 4-6]. وقال: {يوم ترجف الأرض
والجبال وكانت الجبال كثيبًا مهيلاً} [المزمل: 14]. وقال: {ويسألونك عن
الجبال فقل ينسفها ربي نفسًا. فيذرها قاعًا صفصفًا. لا ترى فيها عوجًا ولا
أمتًا} [طه: 105- 107]. وقال: {وإذا البحار فجرت} [الانفطار: 3] وقال:
{وإذا البحار سجرت} [التكوير: 6]. وقال: {يوم تبدل الأرض غير الأرض
والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} [إبراهيم: 48].
وقال أيضًا: {يا
أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل
مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى
ولكن عذاب الله شديد} [الحج: 1-2]. ويكون ذلك على أثر النفخة الأولى التي
يأمر الله -عز وجل- بها إسرافيل الملك الموكل بالنفخ في الصور، فيصعق كل
من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، قال تعالى: {ونفخ في الصور
فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام
ينظرون} [الزمر: 68].
وقال أيضًا: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة.
وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة. وانشقت السماء
فهي يومئذ واهية}
[الحاقة: 13-16].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-
قال: قال رسول الله (: (يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول:
أنا الملك، أين ملوك الأرض؟) [البخاري].
والمسلم يؤمن بما أخبر به الله
-عز وجل- وأخبر به الرسول ( عن البعث وخروج الناس من قبورهم مرة أخرى،
ويكون ذلك بعد أن ينفخ إسرافيل النفخة الثانية، فيقوم الناس للحساب. قال
(: (يصعق الناس حين يصعقون فأكون أول من قام، فإذا موسى آخذ بالعرش فما
أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله) [البخاري].
قال تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعًا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد} [المجادلة: 6].
وتعود
الأرواح إلى الأبدان كما كانت في الدنيا، فيقول الكافرون والمنافقون:
{قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}
[يس: 52]. ويقول المؤمنون: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} [يس: 52]
البعث:
والمسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( حيث قال: (يبعث كل عبد على ما مات عليه)
[مسلم]. وقد أنكر المشركون البعث والإحياء بعد الموت فقالوا: {أئذا متنا
وكنا ترابًا ذلك رجع بعيد} [ق: 3].
وقال تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} [الجاثية: 24].
فهم أنكروا حقيقة ذلك اليوم، ولكن الله -عز وجل- ردَّ عليهم وبيَّن لهم أن
الله
-عز وجل- قادر على أن يعيدهم مرة أخرى كما خلقهم فقال تعالى: {والله
أنبتكم من الأرض نباتًا. ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجًا} [نوح: 17-18]،
فليس من المعقول أن يعيش الناس في الحياة الدنيا، فيظلم الظالم ويفجر
الفاجر، ثم يموتون فلا يبعثون، ليجزيهم الله على أعمالهم، هذا يتنافى مع
عدل الله -عز وجل-، لذلك أمر الله نبيه محمدًا ( أن يقسم بالله على حدوث
البعث، قال تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن}
[التغابن: 7]. فما أعظمه من قسم يؤكد الله -عز وجل- به إحياء الناس
وحسابهم على كل صغيرة وكبيرة فعلوها في دنياهم.
الحشر:
والمسلم يؤمن
بما أخبر الله به عن الحشر، حيث يُحشر الناس على أرض بيضاء مستوية لا
ارتفاع فيها ولا انحراف، قال (: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء)
[متفق عليه]. وأنه سبحانه يحشر الناس حفاة لا يلبسون نعالا في أقدامهم،
ويحشرهم عراة ليس عليهم ملابس، غرلا غير مختونين، كما ولدتهم أمهاتم، قال
(: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا). قالت عائشة: يا رسول الله،
النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال (: (يا عائشة، الأمر أشد
من أن ينظر بعضهم إلى بعض) [مسلم].
والناس يوم القيامة يحشرون على
أصناف، فمنهم الماشي، ومنهم الراكب، ومنهم الذين تسحبهم الملائكة على
وجوههم. قال (: (يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، صنفًا مشاة، وصنفًا
ركبانًا، وصنفًا على وجوههم). قيل: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟
قال: (إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يُمشيهم على وجوههم)
[الترمذي].
الموقف العظيم:
المسلم يؤمن بتبشير الملائكة للمؤمنين
برضا الله ودخول الجنة قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا
تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم
توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي
أنفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلاً من غفور رحيم} [فصلت: 30-32].
والمسلم
يؤمن بأن الموقف يوم القيامة يكون عظيمًا، يذهل الناس ويفزعهم، لما فيه من
مصاعب وأهوال، قال الله -عز وجل-: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة
الساعة شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل
حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}
[الحج: 1-2].
ويكون
الناس في كرب عظيم حينما تدنو الشمس من الرءوس، ويكثر العرق، كل بحسب عمله
قال (: (تُدْنَى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل،
فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من
يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه (وسطه)، ومنهم من يُلْجِمه
العرق إلجامًا). وأشار الرسول ( بيده إلى فيه (فمه) [مسلم] .
وفي هذا
الموقف الرهيب يوجد أناس آمنون في ظل عرش الرحمن، وهم سبعة أصناف كما أخبر
النبي (: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب
نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله،
اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف
الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر
الله خاليًا ففاضت عيناه) [مسلم].
الشفاعة يوم القيامة:
والمسلم يؤمن بشفاعة الرسول ( للمؤمنين حتى ينقذهم
الله
-عز وجل- من صعوبة هذا الموقف، وتلك هي الشفاعة الكبرى، وهي أعظم الشفاعات
وهي المقام المحمود لنبينا محمد (، قال تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا
محمودًا} [الإسراء: 79]. فبعدما يذهب الناس إلى الأنبياء طلبًا
للشفاعة، يحيلهم كل نبي إلى من بعده، حتى يأتوا الرسول ( فيسجد تحت العرش،
ويشفع عند الله لعباده المؤمنين، قال (: (إن الشمس تدنو يوم القيامة، حتى
يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك، استغاثوا بآدم، فيقول: لست بصاحب
ذلك، ثم بموسى فيقول كذلك، ثم محمد ( فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى
يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا يحمده أهل الجمع كلهم)
[البخاري].
والمسلم يؤمن أن الشفاعة تكون للأنبياء والعلماء والشهداء، قال (: (يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء،
ثم العلماء، ثم الشهداء) [ابن ماجه]. وهذه الشفاعات لا تكون إلا لمن أذن
الله -عز وجل- له، قال تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له
الرحمن ورضي له قولاً} [طه: 109]. وقال ( عن ثواب الشهيد: (يغفر له في أول
دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُزَوَّج حواريُّون ويشفع في سبعين من
أهل بيته) [الطبراني].
وقال (: (إن من أمتي من يشفع للفئام
(الجماعة من الناس)، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم
من يشفع للرجال حتى يدخلوا الجنة) [الترمذي].
والمسلم يؤمن بأن العمل
الصالح يشفع لصاحبه مثل الصيام وقراءة القرآن، قال (: (القرآن والصيام
يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات،
فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان)
[أحمد].
محاسبة الناس يوم القيامة:
والمسلم يؤمن أنَّ الله -عز وجل-
يحاسب الناس على ما كسبوه في الحياة الدنيا من خير أو شر، قال تعالى: {من
جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين ظلموا إلا ما
كانوا يعملون} [القصص: 84].
وهذه الأعمال هي التي أحصتها ملائكة الله..
قال الله -عز وجل- في حديثه القدسي: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها
لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا
يلومن إلا نفسه) [مسلم].
والمسلم يؤمن أن الجزاء يوم القيامة يكون بعد
محاكمة عادلة تُعرض فيها الأعمال، ويطلع الناس على أعمالهم، ويقرأ كل واحد
منهم كتابه، قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم
القيامة كتابًا يلقاه منشورًا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا}
[الإسراء: 13-14].
والمسلم يعلم أن كل واحد سيقف أمام الله -عز وجل-
ليحاسب على أعماله، قال تعالى: {لقد أحصاهم وعدهم عدًا. وكلهم آتيه يوم
القيامة فردًا}
[مريم: 94-95].
وقال (: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة، ليس بين الله وبينه ترجمان) [البخاري].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- لا يناقش إلا من كثرت معاصيه. فعن
عائشة
-رضي الله عنها- أن الرسول ( قال: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك).
فقلتُ: يا رسول الله أليس قد قال الله -تعالى-: {فأما من أوتي كتابه
بيمينه. فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} [الانشقاق: 7-8]. فقال رسول الله (:
(إنما ذلك العَرْض، وليس أحد يُنَاقَش الحساب يوم القيامة إلا عُذِّب)
[البخاري] . ومناقشة الحساب هي أن يحاسب الله -عز وجل- العبد على كل صغيرة
وكبيرة فعلها ويترك مسامعته.
والمسلم يؤمن بأنه في يوم القيامة يأخذ كل
إنسان كتابه الذي دونت فيه الملائكة أعماله في الدنيا من حسنات وسيئات،
فالمؤمن يأخذ كتابه بيمينه، فيفرح ويسعد. أما الكافر، فيأخذه بشماله،
فيدرك أن مكانه في دار الجحيم، قال تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه
فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه. فهو في عيشة راضية.
في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام
الخالية. وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم
أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية. ما أغنى عني مالي. هلك عني
سلطانيه. خذوه فغلوه. ثم الجحيم صلوه} [الحاقة: 19-31].
والمسلم يؤمن
بأن الناس يتفاوتون في الحساب، فمنهم من يحاسب حسابًا يسيرًا، فيعرض الله
عليه أعماله، ويُطْلعه عليها دون أن يَطَّلع عليها أحد غيره، ويستره
الله
-عز وجل- ويعفو عنه، ثم يأمر به إلى الجنة، ومنهم من يُنَاقَش في حسابه،
ويُسْأل عن كل شيء، ويُفتضح أمره بين الناس جميعًا، قال تعالى: {فمن يعمل
مثقال ذرة خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره} [الزلزلة: 7-8].
ويقول
(: (لا تزولُ قدما عبد يوم القيامة حتى يُسْأل عن عمره فيم أفناه، وعن
علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)
[الترمذي].
والمسلم يؤمن أن هناك أناسًا يدخلهم الله -عز وجل- الجنة بغير حساب، قال (: (يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب) [مسلم].
والمسلم
يؤمن أن هناك شهودًا تشهد عليه أمام الله -عز وجل- يوم القيامة، مثل:
السمع، والبصر، والجلد، والأيدي، والأرجل، والمال، والأيام، والحفظة
الكرام، والأرض، والليل، والنهار. قال تعالى: {حتى إذا ما جاءوها شهد
عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} [فصلت: 20]. وقال: {يوم
تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24].
والمسلم
يؤمن بما جاء عن شهادة الأرض، وإخبارها عما حدث على ظهرها، قال تعالى:
{إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان ما لها.
يومئذ تحدث أخبارها. بأن ربك أوحى لها. يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليروا
أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره}
[سورة الزلزلة].
وعن
أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قرأ الرسول (: {يومئذ تحدث أخبارها}
[الزلزلة: 4]. قال: (أتدرون ما أخبارها؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:
(فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل
كذا وكذا يوم كذا وكذا. قال: فهذه أخبارها) [الترمذي والنسائي] .
والمسلم
يؤمن أن المال يشهد على صاحبه إذا لم يؤدِّ حقه، قال (: (إن هذا المال
خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم، هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن
السبيل، وإنه من يأخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه
شهيدًا يوم القيامة) [مسلم].
كما أن المسلم يعلم أن أول ما يحاسب عليه
العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر
عمله قال (: (إن أول ما يُنظر فيه من عمل يوم القيامة الصلاة، فإن وجدت
تامة، قبلت منه وسائر عمله، وإن وجدت ناقصة، ردت عليه وسائر عمله)
[الحاكم].
وأول ما يُحاسب به الناس يوم القيامة من حقوق العباد هي
الدماء، قال (: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) [متفق عليه]. ثم يسأل
الإنسان عن عمره وعلمه وماله.
الميزان:
والمسلم يؤمن بأن
أعمال العباد توزن بالميزان العادل، فلا يظلم الله -عز وجل- أحدًا، قال
تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا وإن كان
مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء:
47]. وقال سبحانه: {فأما من ثقلت موازينه. فهو في عيشة راضية. وأما من خفت
موازينه. فأمه هاوية. وما أدراك ماهيه. نار حامية} [القارعة: 6-11].
وعن
عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكرت النار فبكت، فقال لها رسول الله (: (ما
يبكيك؟). قالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال
رسول الله (: (أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا: عند الميزان، حتى
يعلم أيخف ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال: {هاؤم اقرءوا كتابيه}
[الحاقة: 19] . حتى يعلم أين يقع كتابه، في يمينه أم في شماله أم من وراء
ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم) [أبو داود].
الحوض:
المسلم
يؤمن أن لكل نبي حوضًا ولكن أكبرهم وأعظمهم هو حوض النبي (، فقد قال (:
(حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم
السماء، من شرب منها، فلا يظمأ أبدًا) [متفق عليه].
وعن أنس -رضي الله
عنه قال: بينا رسول الله ( ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع
رأسه مبتسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: (أُنزلت علي آنفًا
سورة). فقرأ: إنا أعطيناك الكوثر. ثم قال: (أتدرون ما الكوثر؟). فقلنا:
الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه نهر وعدنيه ربي -عز وجل- عليه خير كثير، هو
حوض تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم،
فأقول: إنه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك) [ مسلم].
الصراط:
المسلم
يؤمن بأنه لابد للإنسان أن يمر على الصراط حتى ينجو من عذاب الله في
الآخرة، وهذا الصراط منصوب على جهنم، يكون أمام الكافر أدقَّ من الشعرة،
وأحدَّ من السيف، تحته خطاطيف تخطف الكافرين والعاصين إلى قعر جهنم، ويمر
على الصراط جميع الناس حتى الأنبياء،
والصديقون، والمؤمنون، والكفار، ومن يحاسب ومن لا يحاسب، قال تعالى: {وإن
منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيًا. ثم ننجي الذين اتقوا ونذر
الظالمين فيها جثيًا} [مريم: 71-72].
وتكون سهولة المرور على
الصراط بحسب عمل الإنسان في الحياة الدنيا، فمنهم من يمر بسرعة سقوط
الشهب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر يزحف يقع في النار مرة، ويخرج
مرة حتى إذا مروا قالوا: الحمد لله الذي نجانا.
رد المظالم:
والمسلم
يؤمن بأن يوم القيامة هو يوم القصاص، وفيه تُرَدُّ الحقوق إلى أصحابها،
فيأخذ الله من الظالم للمظلوم حقه، فيأخذ من حسنات الظالم ويضعها على
حسنات المظلوم، وإن لم يكن له حسنات؛ أُخذ من سيئات المظلوم، فتوضع على
سيئات الظالم. قال (: (من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس
ثم (هناك) دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له
حسنات، أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه) [متفق عليه].
وقال (: (يخلص
المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من
بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا، أُذِن لهم
في دخول الجنة. فالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أُهْدِي بمنزله في الجنة، منه
بمنزله الذي كان في الدنيا) [البخاري].
قال تعالى: {تبارك الذي بيده
الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن
عملاً وهو العزيز الغفور} [الملك: 1-2].
عذاب القبر ونعيمه:
والمسلم
يؤمن باليوم الذي ينتقل فيه من الحياة الدنيا إلى الآخرة عندما يموت،
ويؤمن بما أخبر به رسول ( من فتنة القبر وسؤال الملكين، فالعبد يُختبر في
قبره، ويسأله الملكان عن ربه ودينه ونبيه (، فإن كان مؤمنًا قال: ربي
الله، وديني الإسلام، ومحمد ( نبيي.
وأما المرتاب فيقول: لا أدري، سمعت
الناس يقولون شيئًا فقلته. فيضرب ويعذب. عن قتادة عن أنس بن مالك -رضي
الله عنهما- قال: قال رسول الله (: (إنَّ العبد إذا وُضع في قبره، وتولى
عنه أصحابه -وإنه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان، فيُقعدانه فيقولان: ما
كنتَ تقول في هذا الرجل (لمحمد ()؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبدالله
ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من
الجنة، فيراهما جيعًا).
قال قتادة: وذُكر لنا أنه يُفسح له في قبره، ثم
رجع إلى حديث أنس قال: (وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا
الرجل فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت،
ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين)
[البخاري].
والمسلم يؤمن أن الله -عز وجل- يثبت المؤمنين عند السؤال في
القبر، لأنهم استقاموا على أوامر الله -عز وجل- ونهجه، فعن البراء بن عازب
-رضي الله عنهما- عن النبي ( قال: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)،
فقال:(نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد
(، فذلك قوله {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة} [إبراهيم: 27] [رواه مسلم].
والمسلم يؤمن -بعد ذلك- بما أخبره الرسول ( في أن العبد وهو في قبره إما أن يكون في نعيم أو في جحيم إلى يوم القيامة، ولقد أشار
الله
-عز وجل- إلى العذاب الذي يحدث بعد الموت، فقال: {ولو ترى إذ الظالمون في
غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب
الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}
[الأنعام: 93]. قال ابن عباس في تفسيرها: هذا عند الموت، والبسط: الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم.
والمسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( من أحاديث كثيرة، يؤكد فيها عذاب القبر، فعن
زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: بينما النبي ( في حائط (حديقة أو بستان)
لبني النجار على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به، فكادت تلقيه، وإذا بقبر
ستة أو خمسة أو أربعة، فقال (: (من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟). فقال رجل:
أنا. قال: (فمتى مات هؤلاء؟) قال: ماتوا في الإشراك. فقال: (إن هذه الأمة
تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يُسمعكم من عذاب
القبر الذي أسمع منه).
ثم أقبل علينا بوجهه فقال: (تعوذوا بالله من
عذاب النار). قالوا: نعوذُ بالله من عذاب النار. قال: (تعوذوا بالله من
عذاب القبر) قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: (تعوذوا بالله من
الفتن ما ظهر منها وما بطن) قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما
بطن. قال: (تعوذوا بالله من فتنة الدجال). قالوا: نعوذ بالله من فتنة
الدجال) [مسلم].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي ( على
قبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان يمشي
بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) [مسلم].
وقال (: (إن
أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي؛ إن كان من أهل الجنة فمن
أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك حتى
يبعثك الله يوم القيامة) [متفق عليه].
فهذا حال المؤمن والكافر في
القبر، فالمؤمن في نعيم إلى يوم الدين، والكافر في عذاب إلى يوم القيامة،
والمؤمن يتمني قيام الساعة حتى يتم له النعيم في جنة الخلد، أما الكافر
فيقول: رب لا تُقم الساعة، لخوفه الشديد من عذاب الله -عز وجل- في جهنم،
فعلى المسلم أن يعمل على أن يكون من الناجين من عذاب القبر بتقوى الله
والعمل الصالح.
علامات الساعة:
ولا يعلم وقت الساعة إلا الله وحده،
قال تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما
تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}
[لقمان: 34]، وقال تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها
عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا
بغتة يسألونك كأنك حفي عنها} [الأعراف: 187].
وعندما جاء جبريل -عليه
السلام- إلى الرسول ( يسأله عن موعد الساعة. قال له (: (ما المسئول عنها
بأعلم من السائل) [البخاري]. وقد أخبرنا ( بعلامات الساعة، وبين لنا أن
لها علامات صغرى، وعلامات كبرى.
العلامات الصغرى: وهي مثل فساد الناس
في آخر الزمان، وكثرة القتل، وبعد الناس عن شرع الله -عز وجل-، وبعثة
النبي (، فقد قال (: (بُعثتُ أنا والساعة كهاتين. (وأشار بإصبعيه :السبابة
والوسطى)) [متفق عليه].
وسأل رجل الرسول (: متى الساعة؟ فقال: (إذا
ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة). قال: وكيف إضاعتها؟ قال: (إذا وُسِّد الأمر
إلى غير أهله فانتظر الساعة) [البخاري].
والمسلم يؤمن بما أخبر به
الرسول ( من كثرة القتل والحروب قبل قيام الساعة، قال (: (إن بين يدي
الساعة أيامًا يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهَرَج،
والهرج القتل) [البخاري]. والمسلم يؤمن بما أخبر به الرسول ( أن رفع العلم
وظهور الجهل وكثرة المعاصي من علامات الساعة، قال (: (إن من أشراط الساعة
أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنى، ويشرب الخمر، ويذهب الرجال،
وتبقى النساء، حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد) [متفق عليه].
والمسلم
يؤمن أن الفتن تكثر في آخر الزمان، وأن الخير له في تجنبها، قال (: (ستكون
فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي
فيها خير من الساعي) [مسلم].
والمسلم يؤمن بأن في آخر الزمان سوف يتمنى
الإنسان الموت، ويفضله على الحياة؛ لكثرة الفتن وبُعد الناس عن الله، قال
(: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه) [متفق
عليه]. والمسلم يؤمن بأن الساعة لا تقوم إلا على أكثر الناس شرًّا، قال (:
(لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق) [مسلم].
العلامات الكبرى:
المسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( من علامات كبرى تقع قبل الساعة مباشرة، وقد جاء
عشرة منها في حديث حذيفة بن أسد الغفاري حيث قال: طلع النبي ( علينا ونحن
نتذاكر، فقال: (ما تذاكرون؟) قالوا: نذكر الساعة. قال: (إنها لن تقوم حتى
ترون قبلها عشر آيات). فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من
مغربها، ونزول عيسى بن مريم (، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق،
وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس
إلى محشرهم. [ مسلم].
الدجال:
خروج الدجال يكون هو المؤشر بتغير نظام الأرض، وينتهي ذلك بنزول
عيسى -عليه السلام- وقضائه عليه، ويكون خروج الشمس من مغربها هو المؤشر بتغير الأحوال العلوية للكون.
والمسلم
يؤمن- أيضًا-بطلوع الشمس من مغربها، قال (: (لا تقوم الساعة حتى تطلع
الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع
نفسًا إيمانها، ثم قرأ الآية) [متفق عليه]. فإذا خرجت الشمس من مغربها،
ورآها الناس آمنوا بالله جميعًا، ففي هذا الوقت لا ينفع الإيمان، ولا تنفع
التوبة إلا أن يكون الإنسان قد آمن من قبلُ، وإلى هذا المعنى أشار
الله -عز وجل- فقال: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا} [الأنعام: 158].
والمسلم
يؤمن بما أخبر الرسول ( من خروج الدابة، وهي دابة يخرجها الله -عز وجل-
ويجعلها من العلامات التي تشير إلى قرب الساعة، فهي دابة تكلم الناس،
وتميز بينهم، فتشير إلى المؤمن وتقول له: يا مؤمن. وتشير إلى الكافر،
وتقول له: يا كافر. قال تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من
الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82].
والمسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( عن الدجال، وحذرنا منه، ويؤمن أن كل نبي حذر
قومه منه،. فقد قام ( في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر الدجال
فقال: (إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولكني سأقول لكم
فيه قولا لم يقله نبي لقومه: إنه أعور وإن الله ليس بأعور) [متفق عليه].
والرسول
( يبين ما يمد الله به الدجال من الخوارق التي يفتن العباد بها. قال (:
(لأنا أعلم بما مع الدجال منه. معه نهران يجريان، أحدهما- رأي العين- ماء
أبيض، والآخر- رأي العين- نار تأجج، فإما أَدْرَكَنَّ أحدٌ فلْيأتِ النهر
الذي يراه نارًا، ولْيغمض، ثم لْيطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد. وإن
الدجال ممسوح العين عليها ظفرة -جلدة تغشى البصر- غليظة مكتوب بين عينيه:
كافر. يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب) [مسلم].
والمسلم يعلم كيف يقي نفسه من فتنة الدجال، قال (: (...فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف) [مسلم].
وعندما
سئل الرسول ( عن الفترة التي يقضيها الدجال في الأرض قال: (أربعون يومًا:
يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم) [مسلم].
والمسلم
يعلم أن الدجال سيدَّعي الألوهية، ويأتي على القوم فيدعوهم إلى عبادته،
فإن أجابوه إلى ذلك كثر عندهم الخير، وإن لم يجيبوه أصبحوا في جفاف وفقر،
ويأمر الأرض الخراب أن تخرج كنوزها، فتخرج. ويأمر السماء أن تمطر، فتمطر.
والأرض فتنبت، وهذا كله على سبيل الفتنة للعباد، وسوف ينزل عيسى- عليه
السلام- إلى الأرض في آخر الزمان قرب وقوع الساعة، أثناء وجود الدجال،
فيقتله، ويحكم بشريعة الإسلام.
يأجوج ومأجوج:
والمسلم يؤمن
بما أخبر الرسول ( من خروج أمة مفسدة في آخر الزمان، وهي يأجوج ومأجوج،
قال الله -تعالى-: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون.
واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في
غفلة من هذا بل كنا ظالمين} [الأنبياء: 96-97].
وعن
زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن رسول الله دخل عليها يومًا فزعًا يقول:
(لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج
ومأجوج مثل هذا (حلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها)). قالت زينب بنت جحش:
يا رسول الله، أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) [البخاري].
وقد
أخبر الله عنهم في القرآن الكريم موضحًا ما صنعه العبد الصالح ذو القرنين
معهم، وكيف حمي الناس من شرهم، قال تعالى: {حتى إذا بلغ بين السدين وجد من
دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولاً. قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج
ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا.
قال ما مكني فيه ربي خيرًا فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردمًا. آتوني
زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارًا قال
آتوني أفرغ عليه قطرًا. فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا. قال
هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقًّا} [الكهف:
93-98].
إن الله مكن لذي القرنين في الأرض، فأخذ بالأسباب، وتجول في
الأرض حتى وصل إلى قوم لا يكادون يفقهون قولا، فرأوا على وجهه علامات
الصلاح، ووجدوا فيه القوة، فعرضوا عليه أن يمنع عنهم هذه الأمة المفسدة
التي كانت تظلمهم، وتأخذ خيراتهم مقابل جزء من المال، فأسرع ذو القرنين-
الذي يعلم أن هذه القدرة إنما هي من عند الله تعالى، فقبل أن يحميهم من شر
يأجوج ومأجوج فردم الفجوة التي كانت بين السدين بالحديد والنحاس المنصهر.
فلم يستطع هؤلاء المفسدون أن يقفزوا من فوق هذا السد، ولن يستطيعوا أن
يهدموه، حتى تقترب الساعة فيأذن الله -عز وجل- لهؤلاء المفسدين بالخروج،
فيمرون على بحيرة طبرية في فلسطين فيشربون ماءها كله لكثرة عددهم حتى إن
آخرهم يتعجب ويقول لقد كان بهذه مرة ماء!!
كما قال (: (ويبعث الله
يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية،
فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: قد كان بهذه مرة ماء) [مسلم].
أهوال القيامة:
والمسلم
يؤمن بما أخبر الرسول ( من خروج نار من أرض الحجاز، قال (: (لا تقوم
الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى) [متفق عليه].
والمسلم
يؤمن بأن هناك مؤشرات أخرى ليوم القيامة مثلما يحدث من تغيير شامل للكون
من انشقاق السماء، وتصادم الكواكب، وتفتت الأرض، وتناثر النجوم، وتخريب كل
شيء، وتدمير كل ما عرفه الناس في هذا الوجود. قال تعالى: {إذا السماء
انشقت} [الانشقاق: 1]. وقال: {إذا السماء انفطرت. وإذا الكواكب انتثرت}
[الانفطار: 1-2] وقال تعالى: {إذا الشمس كورت} [التكوير: 1]. وقال سبحانه:
{فإذا النجوم طمست} [المرسلات: 8]. وقال: {إذا رجت الأرض رجًا. وبست
الجبال بسًا. فكانت هباء منبثًا} [الواقعة: 4-6]. وقال: {يوم ترجف الأرض
والجبال وكانت الجبال كثيبًا مهيلاً} [المزمل: 14]. وقال: {ويسألونك عن
الجبال فقل ينسفها ربي نفسًا. فيذرها قاعًا صفصفًا. لا ترى فيها عوجًا ولا
أمتًا} [طه: 105- 107]. وقال: {وإذا البحار فجرت} [الانفطار: 3] وقال:
{وإذا البحار سجرت} [التكوير: 6]. وقال: {يوم تبدل الأرض غير الأرض
والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} [إبراهيم: 48].
وقال أيضًا: {يا
أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل
مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى
ولكن عذاب الله شديد} [الحج: 1-2]. ويكون ذلك على أثر النفخة الأولى التي
يأمر الله -عز وجل- بها إسرافيل الملك الموكل بالنفخ في الصور، فيصعق كل
من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، قال تعالى: {ونفخ في الصور
فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام
ينظرون} [الزمر: 68].
وقال أيضًا: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة.
وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة. وانشقت السماء
فهي يومئذ واهية}
[الحاقة: 13-16].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-
قال: قال رسول الله (: (يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول:
أنا الملك، أين ملوك الأرض؟) [البخاري].
والمسلم يؤمن بما أخبر به الله
-عز وجل- وأخبر به الرسول ( عن البعث وخروج الناس من قبورهم مرة أخرى،
ويكون ذلك بعد أن ينفخ إسرافيل النفخة الثانية، فيقوم الناس للحساب. قال
(: (يصعق الناس حين يصعقون فأكون أول من قام، فإذا موسى آخذ بالعرش فما
أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله) [البخاري].
قال تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعًا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد} [المجادلة: 6].
وتعود
الأرواح إلى الأبدان كما كانت في الدنيا، فيقول الكافرون والمنافقون:
{قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}
[يس: 52]. ويقول المؤمنون: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} [يس: 52]
البعث:
والمسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( حيث قال: (يبعث كل عبد على ما مات عليه)
[مسلم]. وقد أنكر المشركون البعث والإحياء بعد الموت فقالوا: {أئذا متنا
وكنا ترابًا ذلك رجع بعيد} [ق: 3].
وقال تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} [الجاثية: 24].
فهم أنكروا حقيقة ذلك اليوم، ولكن الله -عز وجل- ردَّ عليهم وبيَّن لهم أن
الله
-عز وجل- قادر على أن يعيدهم مرة أخرى كما خلقهم فقال تعالى: {والله
أنبتكم من الأرض نباتًا. ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجًا} [نوح: 17-18]،
فليس من المعقول أن يعيش الناس في الحياة الدنيا، فيظلم الظالم ويفجر
الفاجر، ثم يموتون فلا يبعثون، ليجزيهم الله على أعمالهم، هذا يتنافى مع
عدل الله -عز وجل-، لذلك أمر الله نبيه محمدًا ( أن يقسم بالله على حدوث
البعث، قال تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن}
[التغابن: 7]. فما أعظمه من قسم يؤكد الله -عز وجل- به إحياء الناس
وحسابهم على كل صغيرة وكبيرة فعلوها في دنياهم.
الحشر:
والمسلم يؤمن
بما أخبر الله به عن الحشر، حيث يُحشر الناس على أرض بيضاء مستوية لا
ارتفاع فيها ولا انحراف، قال (: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء)
[متفق عليه]. وأنه سبحانه يحشر الناس حفاة لا يلبسون نعالا في أقدامهم،
ويحشرهم عراة ليس عليهم ملابس، غرلا غير مختونين، كما ولدتهم أمهاتم، قال
(: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا). قالت عائشة: يا رسول الله،
النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال (: (يا عائشة، الأمر أشد
من أن ينظر بعضهم إلى بعض) [مسلم].
والناس يوم القيامة يحشرون على
أصناف، فمنهم الماشي، ومنهم الراكب، ومنهم الذين تسحبهم الملائكة على
وجوههم. قال (: (يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، صنفًا مشاة، وصنفًا
ركبانًا، وصنفًا على وجوههم). قيل: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟
قال: (إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يُمشيهم على وجوههم)
[الترمذي].
الموقف العظيم:
المسلم يؤمن بتبشير الملائكة للمؤمنين
برضا الله ودخول الجنة قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا
تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم
توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي
أنفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلاً من غفور رحيم} [فصلت: 30-32].
والمسلم
يؤمن بأن الموقف يوم القيامة يكون عظيمًا، يذهل الناس ويفزعهم، لما فيه من
مصاعب وأهوال، قال الله -عز وجل-: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة
الساعة شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل
حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}
[الحج: 1-2].
ويكون
الناس في كرب عظيم حينما تدنو الشمس من الرءوس، ويكثر العرق، كل بحسب عمله
قال (: (تُدْنَى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل،
فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من
يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه (وسطه)، ومنهم من يُلْجِمه
العرق إلجامًا). وأشار الرسول ( بيده إلى فيه (فمه) [مسلم] .
وفي هذا
الموقف الرهيب يوجد أناس آمنون في ظل عرش الرحمن، وهم سبعة أصناف كما أخبر
النبي (: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب
نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله،
اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف
الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر
الله خاليًا ففاضت عيناه) [مسلم].
الشفاعة يوم القيامة:
والمسلم يؤمن بشفاعة الرسول ( للمؤمنين حتى ينقذهم
الله
-عز وجل- من صعوبة هذا الموقف، وتلك هي الشفاعة الكبرى، وهي أعظم الشفاعات
وهي المقام المحمود لنبينا محمد (، قال تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا
محمودًا} [الإسراء: 79]. فبعدما يذهب الناس إلى الأنبياء طلبًا
للشفاعة، يحيلهم كل نبي إلى من بعده، حتى يأتوا الرسول ( فيسجد تحت العرش،
ويشفع عند الله لعباده المؤمنين، قال (: (إن الشمس تدنو يوم القيامة، حتى
يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك، استغاثوا بآدم، فيقول: لست بصاحب
ذلك، ثم بموسى فيقول كذلك، ثم محمد ( فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى
يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا يحمده أهل الجمع كلهم)
[البخاري].
والمسلم يؤمن أن الشفاعة تكون للأنبياء والعلماء والشهداء، قال (: (يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء،
ثم العلماء، ثم الشهداء) [ابن ماجه]. وهذه الشفاعات لا تكون إلا لمن أذن
الله -عز وجل- له، قال تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له
الرحمن ورضي له قولاً} [طه: 109]. وقال ( عن ثواب الشهيد: (يغفر له في أول
دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُزَوَّج حواريُّون ويشفع في سبعين من
أهل بيته) [الطبراني].
وقال (: (إن من أمتي من يشفع للفئام
(الجماعة من الناس)، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم
من يشفع للرجال حتى يدخلوا الجنة) [الترمذي].
والمسلم يؤمن بأن العمل
الصالح يشفع لصاحبه مثل الصيام وقراءة القرآن، قال (: (القرآن والصيام
يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات،
فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان)
[أحمد].
محاسبة الناس يوم القيامة:
والمسلم يؤمن أنَّ الله -عز وجل-
يحاسب الناس على ما كسبوه في الحياة الدنيا من خير أو شر، قال تعالى: {من
جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين ظلموا إلا ما
كانوا يعملون} [القصص: 84].
وهذه الأعمال هي التي أحصتها ملائكة الله..
قال الله -عز وجل- في حديثه القدسي: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها
لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا
يلومن إلا نفسه) [مسلم].
والمسلم يؤمن أن الجزاء يوم القيامة يكون بعد
محاكمة عادلة تُعرض فيها الأعمال، ويطلع الناس على أعمالهم، ويقرأ كل واحد
منهم كتابه، قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم
القيامة كتابًا يلقاه منشورًا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا}
[الإسراء: 13-14].
والمسلم يعلم أن كل واحد سيقف أمام الله -عز وجل-
ليحاسب على أعماله، قال تعالى: {لقد أحصاهم وعدهم عدًا. وكلهم آتيه يوم
القيامة فردًا}
[مريم: 94-95].
وقال (: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة، ليس بين الله وبينه ترجمان) [البخاري].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- لا يناقش إلا من كثرت معاصيه. فعن
عائشة
-رضي الله عنها- أن الرسول ( قال: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك).
فقلتُ: يا رسول الله أليس قد قال الله -تعالى-: {فأما من أوتي كتابه
بيمينه. فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} [الانشقاق: 7-8]. فقال رسول الله (:
(إنما ذلك العَرْض، وليس أحد يُنَاقَش الحساب يوم القيامة إلا عُذِّب)
[البخاري] . ومناقشة الحساب هي أن يحاسب الله -عز وجل- العبد على كل صغيرة
وكبيرة فعلها ويترك مسامعته.
والمسلم يؤمن بأنه في يوم القيامة يأخذ كل
إنسان كتابه الذي دونت فيه الملائكة أعماله في الدنيا من حسنات وسيئات،
فالمؤمن يأخذ كتابه بيمينه، فيفرح ويسعد. أما الكافر، فيأخذه بشماله،
فيدرك أن مكانه في دار الجحيم، قال تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه
فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه. فهو في عيشة راضية.
في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام
الخالية. وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم
أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية. ما أغنى عني مالي. هلك عني
سلطانيه. خذوه فغلوه. ثم الجحيم صلوه} [الحاقة: 19-31].
والمسلم يؤمن
بأن الناس يتفاوتون في الحساب، فمنهم من يحاسب حسابًا يسيرًا، فيعرض الله
عليه أعماله، ويُطْلعه عليها دون أن يَطَّلع عليها أحد غيره، ويستره
الله
-عز وجل- ويعفو عنه، ثم يأمر به إلى الجنة، ومنهم من يُنَاقَش في حسابه،
ويُسْأل عن كل شيء، ويُفتضح أمره بين الناس جميعًا، قال تعالى: {فمن يعمل
مثقال ذرة خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره} [الزلزلة: 7-8].
ويقول
(: (لا تزولُ قدما عبد يوم القيامة حتى يُسْأل عن عمره فيم أفناه، وعن
علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)
[الترمذي].
والمسلم يؤمن أن هناك أناسًا يدخلهم الله -عز وجل- الجنة بغير حساب، قال (: (يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب) [مسلم].
والمسلم
يؤمن أن هناك شهودًا تشهد عليه أمام الله -عز وجل- يوم القيامة، مثل:
السمع، والبصر، والجلد، والأيدي، والأرجل، والمال، والأيام، والحفظة
الكرام، والأرض، والليل، والنهار. قال تعالى: {حتى إذا ما جاءوها شهد
عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} [فصلت: 20]. وقال: {يوم
تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24].
والمسلم
يؤمن بما جاء عن شهادة الأرض، وإخبارها عما حدث على ظهرها، قال تعالى:
{إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان ما لها.
يومئذ تحدث أخبارها. بأن ربك أوحى لها. يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليروا
أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره}
[سورة الزلزلة].
وعن
أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قرأ الرسول (: {يومئذ تحدث أخبارها}
[الزلزلة: 4]. قال: (أتدرون ما أخبارها؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:
(فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل
كذا وكذا يوم كذا وكذا. قال: فهذه أخبارها) [الترمذي والنسائي] .
والمسلم
يؤمن أن المال يشهد على صاحبه إذا لم يؤدِّ حقه، قال (: (إن هذا المال
خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم، هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن
السبيل، وإنه من يأخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه
شهيدًا يوم القيامة) [مسلم].
كما أن المسلم يعلم أن أول ما يحاسب عليه
العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر
عمله قال (: (إن أول ما يُنظر فيه من عمل يوم القيامة الصلاة، فإن وجدت
تامة، قبلت منه وسائر عمله، وإن وجدت ناقصة، ردت عليه وسائر عمله)
[الحاكم].
وأول ما يُحاسب به الناس يوم القيامة من حقوق العباد هي
الدماء، قال (: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) [متفق عليه]. ثم يسأل
الإنسان عن عمره وعلمه وماله.
الميزان:
والمسلم يؤمن بأن
أعمال العباد توزن بالميزان العادل، فلا يظلم الله -عز وجل- أحدًا، قال
تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا وإن كان
مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء:
47]. وقال سبحانه: {فأما من ثقلت موازينه. فهو في عيشة راضية. وأما من خفت
موازينه. فأمه هاوية. وما أدراك ماهيه. نار حامية} [القارعة: 6-11].
وعن
عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكرت النار فبكت، فقال لها رسول الله (: (ما
يبكيك؟). قالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال
رسول الله (: (أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا: عند الميزان، حتى
يعلم أيخف ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال: {هاؤم اقرءوا كتابيه}
[الحاقة: 19] . حتى يعلم أين يقع كتابه، في يمينه أم في شماله أم من وراء
ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم) [أبو داود].
الحوض:
المسلم
يؤمن أن لكل نبي حوضًا ولكن أكبرهم وأعظمهم هو حوض النبي (، فقد قال (:
(حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم
السماء، من شرب منها، فلا يظمأ أبدًا) [متفق عليه].
وعن أنس -رضي الله
عنه قال: بينا رسول الله ( ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع
رأسه مبتسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: (أُنزلت علي آنفًا
سورة). فقرأ: إنا أعطيناك الكوثر. ثم قال: (أتدرون ما الكوثر؟). فقلنا:
الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه نهر وعدنيه ربي -عز وجل- عليه خير كثير، هو
حوض تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم،
فأقول: إنه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك) [ مسلم].
الصراط:
المسلم
يؤمن بأنه لابد للإنسان أن يمر على الصراط حتى ينجو من عذاب الله في
الآخرة، وهذا الصراط منصوب على جهنم، يكون أمام الكافر أدقَّ من الشعرة،
وأحدَّ من السيف، تحته خطاطيف تخطف الكافرين والعاصين إلى قعر جهنم، ويمر
على الصراط جميع الناس حتى الأنبياء،
والصديقون، والمؤمنون، والكفار، ومن يحاسب ومن لا يحاسب، قال تعالى: {وإن
منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيًا. ثم ننجي الذين اتقوا ونذر
الظالمين فيها جثيًا} [مريم: 71-72].
وتكون سهولة المرور على
الصراط بحسب عمل الإنسان في الحياة الدنيا، فمنهم من يمر بسرعة سقوط
الشهب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر يزحف يقع في النار مرة، ويخرج
مرة حتى إذا مروا قالوا: الحمد لله الذي نجانا.
رد المظالم:
والمسلم
يؤمن بأن يوم القيامة هو يوم القصاص، وفيه تُرَدُّ الحقوق إلى أصحابها،
فيأخذ الله من الظالم للمظلوم حقه، فيأخذ من حسنات الظالم ويضعها على
حسنات المظلوم، وإن لم يكن له حسنات؛ أُخذ من سيئات المظلوم، فتوضع على
سيئات الظالم. قال (: (من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس
ثم (هناك) دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له
حسنات، أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه) [متفق عليه].
وقال (: (يخلص
المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من
بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا، أُذِن لهم
في دخول الجنة. فالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أُهْدِي بمنزله في الجنة، منه
بمنزله الذي كان في الدنيا) [البخاري].