سنتذكر ونحن في مكة ..ونحن نُلبي ..ونحن نطوف حول البيت ..ونحن نسعى بين الصفا والمروة
ونحن نشرب من ماء زمزم ..ونحن نرمي الجمرات وكذلك وعندما نبيت بمِنى , سنتذكر في كل تلك المواقف العظيمة.. الأسرة العظيمة
أسرة آل إبراهيم عليه السلام !..
أتدرون لم نحن نحب عائلة آل إبراهيم عليه السلام ؟
أتدرون لم نصلي على هذه العائلة مع كل أذان وفي كل صلاة في التشهد الأخير؟
إن لتلك العائلة المباركة تاريخ ..وأي تاريخ ..
تاريخ حافل بالعطاء ..بالدعوة .. بالكرم .. بالبذل لهذا الدين ..بالتضحية
في سبيله .. بالبناء .. بالثبات .. باليقين .. بالدعاء والمناجاة ..
إنها قدوة كل الأسر الإسلامية في التربية الإسلامية.. وفي تكوين الأسرة المسلمة والبيت المسلم ..
إنها أسرة مكونة من الأب الصالح ( إبراهيم )
عليه السلام والزوجة الأولى الصالحة ( سارا )
والزوجة الثانية الصالحة ( هاجر )
والأولاد الصالحين ( إسماعيل وإسحاق ) ..
أخوتي وأخواتي ..
ينبغي أن نستشعر عمق جذور هذه الدعوة العظيمة .. وهذا الدين العظيم ..
ولنتأمل هذا الدعاء الذي طالما رددناه في صلواتنا وبعد كل نداء للصلاة ..
(اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت
على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ،كما
باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد)
فالمسلم يفخر ويعتز بأنه حلقة في سلسلة الخير .. فقد ذكر العلماء معاني ( آل محمد ) : فقد قيل (
هم من حرمت عليهم الصدقة من بني هاشم وبني عبد المطلب ، وقيل : هم ذريته
وأزواجه ، وقيل : هم أمته وأتباعه إلى يوم القيامة ، وقيل : هم المتقون من
أمته)
أما الأب في هذه الأسرة المباركة
هو خليل الله ، اصطفاه الله برسالته وفضله على كثير من خلقه ، جعل الله
الأنبياء من نسل إبراهيم فولِد له إسماعيل وإسحاق، وقام إبراهيم ببناء
الكعبة مع بنه إسماعيل عليهما السلام .
وهو أحد أولي العزم الخمسة الكبار "وَإِذْ
أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ
وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم
مِّيثَاقاً غَلِيظاً (7)سورة الأحزاب
عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم ,
وهو النبي الذي ابتلاه الله , بلاء فوق قدرة البشر وتحمل لجسم و الأعصاب , ولكن مع شدة وعنت البلاء ..
كان إبراهيم عليه السلام هو العبد الذي وفى , (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي
وَفَّى (37) [سورة النجم] وزاد على الوفاء بالإحسان , فكان من فضل الله
على إبراهيم عليه السلام أن جعله الله إماما للناس,
"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ
حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ
اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي
الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)" سورة النحل
وجعل في ذريته النبوة والكتاب , فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله
فهم أولاده وأحفاده , حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ،
جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين
رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة .
ولو وقفنا كثيراً نبحث عن سيرة وحياة نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام
وتكريم الله عز وجل له لعلمنا أننا أمام سيرة إنسان جاء ربه بقلب سليم ,
نبي ألان قلبه لربه وأستسلم له في أموره كلها .. إنسان ( إِذْ قَالَ لَهُ
رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ )فقال ( أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )
امتثالا لربه وسرعة في الإجابة والإنابه
"إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)"سورة البقرة
أبينا إبراهيم عليه السلام هو أول من سمانا المسلمين
"...مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ
شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ..." سورة الحج
إبراهيم عليه السلام جدٌ وأباً لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده ,
نبي كريم موحد حليم أواه منيب ..
أخي وأختي ..
انظروا لإبراهيم عليه السلام كيف امتثل لأمر الله - عز وجل- ووحيه ، وأخذ
وحيده إسماعيل وزوجته هاجرعليهما السلام وذهب بهما إلى مكة ، (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
) ، وأنزلهما بمكة في موضع زمزم ، ومضى لا يلوي على شيء .. ودعا ربه
دعاءه الخاشع الراضي ، وانصرف إلى أهله بالشام ، وترك هاجر وولدها الذي
طالما دعا الله سبحانه وتعالى أن يرزقه به ..سبحان الله ! ما أعظمها من
تضحية ! أبعد أن يُرزق الولد ، ويراه بين يديه ، وتقر عينه برؤيته ، يُحرم
منه وهو حي يرزق ؟ !
والأعجب من هذا أن يحرم منه طائعاً مختاراً نزولاً على أمر الله عز وجل ,
ثم يؤمر بذبح ولده _ فلذة كبده _ ووحيده ، الذي جاءه بعد يأس من الولد ..
وهو في أمس الحاجة له على كبره قيل : كان عمر أبينا إبراهيم عليه السلام (
80 ) عاما ، وقيل : ( 120 ) عاماً ، ثم يؤمر بذبحه وقد بلغت فيه الآمال
مبلغها
قال تعالى " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي
أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا
أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ (102) "سورة الصافات
فيا لها من استجابة .. وياله من استسلام .. وياله من انقياد .. وياله من حب ..
ثم هو الذي بنى بيت الله الحرام والكعبة المشرفة قبلة المسلمين هو وولده إسماعيل عليه السلام
لذا لا تعجب من ثناء الله تعالى على عبده إبراهيم عليه السلام حين قال :
" وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِياً " مريم : 41
أي كثير الصدق أوكثير التصديق .
وقال سبحانه : " وَإبْرَاهِيمَ الَذِي وَفَّى " النجم : ، قال سعيد بن جبير والثوري : أي بلّغ جميع ما أُمر به . وقال ابن عباس : " وَفَّى " لله البلاغ ، وقال سعيد بن جبير : " وَفَّى " ما أمر به ، وقال قتادة : " وَفَّى " طاعة الله وأدى رسالته إلى خلقه .
وهذا القول هو اختيار ابن جرير وهو يشمل الذي قبله وقال تعالى : " وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً( 124)"
لبقرة : ، فقام بجميع الأوامر ، وترك جميع النواهي ، وبلغ الرسالة على
التمام والكمال ؛ فاستحق بهذا أن يكون للناس إماماً يُقتدى به في جميع
أحواله وأقواله وأفعاله) .
قال تعالى : "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)" سورة النحل
زوجتاه والثبات على الحق واليقين بالله :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (هاجر إبراهيم عليه
السلام بسارة ، فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك ، أو جبار من الجبابرة ،
فقيل : دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء ، فأرسل إليه : أن يا إبراهيم
من هذه التي معك ؟ . قال : أختي ، ثم رجع إليها فقال : لا تكذبي حديثي ،
فإني أخبرتهم أنك أختي ، والله إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك ، فأرسل بها
إليه فقام إليها ، فقامت توضأ وتصلي ، فقالت : اللهم إن كنت آمنت بك
وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر ، فغط حتى ركض
برجله) . قال الأعرج : قال أبو سلمة بن عبد الله : إن أباهريرة قال : (قالت
: اللهم إن يمت يقال هي قتلته ، فأرسل ، ثم قام إليها فقامت توضأ تصلي
وتقول : اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي ، فلا تسلط
علي هذا الكافر ، فغط حتى ركض برجله) . قال عبد الرحمن : قال أبو سلمة :
قال أبو هريرة : (فقالت : اللهم إن يمت قتلته فيقال هي قتلته ، فأرسل في
الثانية ، أو في الثالثة ، فقال : والله ما أرسلتم إلي إلا شيطانا ،
ارجعوها إلى إبراهيم ، وأعطوها آجر ، فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام ،
فقالت : أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة) .
راوه : أبو هريرة رضي الله عنه [صحيح البخاري]
ياله من موقف عجيب لحفظ الله تعالى لامرأة صالحة
عفيفة زوجة نبي كريم ، عصمها الله بدعائها والتجائها لربها ، وثقتها
ويقينها ، وحفظها لزوجها في غيبته مع وجود الفتنة الإغراء ، فإذا كان يوسف
عليه السلام مثال الرجل العفيف فأمنا سارة مثال المرأة المسلمة العفيفة
أمنا هاجر عليها السلام :
أمر الله خليله عليه السلام بأن يعمر بكة بوضع زوجته هاجر وولده الوحيد بواد غير ذي زرع ليحدث الله أمراً كان مفعولاً ..
فقالت هاجر حين تركها زوجها : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا
الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت ذلك مراراً ، وهو لا يلتفت إليها !
! ، فقالت : آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذاً لا يضيعنا .
ثم رجعت و رغم رجاء زوجته ، مراراً إلا إنه ثابت على ما أمره الله به ،
حقاً ( إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً120) سورة النحل
ومو قف أمنا هاجر لا يغفل فهي زوجة ضعيفة ، ووليد أضعف ،
بل ووحيد أبويه ، يتركان في صحراء قاحلة ، في واد ليس فيه إنس ولا شيء !
واد موحش وجبال سوداء بلا ماء ولا زرع ولا أحد مكان خالٍ من الحياة
والأحياء ثم يكون اطمئنانها ، وقناعتها بكلمة واحدة من زوجها عليه السلام
عندما قال : (نعم) مجيباً على سؤالها الملهوف : (آلله الذي أمرك بهذا ؟) .
الله أكبر إنها الثقة بالله واليقين بالله والتوكل الصادق على الله ..
إنها أمنا العظيمة ..وسر عظمتها أنها زوجة نبي وأم نبي ومن نسله خرجت خير أمة أخرجت للناس ، أمة الإسلام، الأمة الخاتمة
ثم هل انتهى دور إبراهيم عليه السلام ؟
كلا فإنه الخليل الوثيق الصلة بالله .. رفع يديه ثم دعا بهذه الكلمات : "
رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وارْزُقْهُم مِّنَ
الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ 37" سورة إبراهيم
أما إسماعيل عليه السلام
( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى )
( قال يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ). فالنتأمل رد الابن المؤمن البار .. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده ( إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ )
ينقلنا الحق نقلة سريعة فإذا إسماعيل مطروح على الأرض، وجهه في الأرض رحمة
به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر
الله مطاع. ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) استسلم الأب لأمر الله ، واستسلم الابن لقدر الله وحكمه .. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. لا تعترض على أمر الله وإن خالف هواك .. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.
ثم.. نادى الله إبراهيم.. انتهى الإختبار .., وفدى
الله إسماعيل بذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم
المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا لنا نحن المسلمين. عيدا يذكرنا بمعنى
الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
حقاً إنها الأسرة المسلمة المؤمنة الثابتة المعينة
لبعضها على الحق إنها نموذج لكل أسرة تريد أن يكون رباطها هو الإسلام
وسياجها هو الإسلام وبرنامج حياتها هو الإسلام وتربية أبنائها على الإسلام
وتفاهمها واتفاقها على أسس الإسلام
وهنا يقف البنان ويعجز البيان امام بلاغة وبيان وإشراق القرآن
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ..) سورة الممتحنة
ونحن نشرب من ماء زمزم ..ونحن نرمي الجمرات وكذلك وعندما نبيت بمِنى , سنتذكر في كل تلك المواقف العظيمة.. الأسرة العظيمة
أسرة آل إبراهيم عليه السلام !..
أتدرون لم نحن نحب عائلة آل إبراهيم عليه السلام ؟
أتدرون لم نصلي على هذه العائلة مع كل أذان وفي كل صلاة في التشهد الأخير؟
إن لتلك العائلة المباركة تاريخ ..وأي تاريخ ..
تاريخ حافل بالعطاء ..بالدعوة .. بالكرم .. بالبذل لهذا الدين ..بالتضحية
في سبيله .. بالبناء .. بالثبات .. باليقين .. بالدعاء والمناجاة ..
إنها قدوة كل الأسر الإسلامية في التربية الإسلامية.. وفي تكوين الأسرة المسلمة والبيت المسلم ..
إنها أسرة مكونة من الأب الصالح ( إبراهيم )
عليه السلام والزوجة الأولى الصالحة ( سارا )
والزوجة الثانية الصالحة ( هاجر )
والأولاد الصالحين ( إسماعيل وإسحاق ) ..
أخوتي وأخواتي ..
ينبغي أن نستشعر عمق جذور هذه الدعوة العظيمة .. وهذا الدين العظيم ..
ولنتأمل هذا الدعاء الذي طالما رددناه في صلواتنا وبعد كل نداء للصلاة ..
(اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت
على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ،كما
باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد)
فالمسلم يفخر ويعتز بأنه حلقة في سلسلة الخير .. فقد ذكر العلماء معاني ( آل محمد ) : فقد قيل (
هم من حرمت عليهم الصدقة من بني هاشم وبني عبد المطلب ، وقيل : هم ذريته
وأزواجه ، وقيل : هم أمته وأتباعه إلى يوم القيامة ، وقيل : هم المتقون من
أمته)
أما الأب في هذه الأسرة المباركة
هو خليل الله ، اصطفاه الله برسالته وفضله على كثير من خلقه ، جعل الله
الأنبياء من نسل إبراهيم فولِد له إسماعيل وإسحاق، وقام إبراهيم ببناء
الكعبة مع بنه إسماعيل عليهما السلام .
وهو أحد أولي العزم الخمسة الكبار "وَإِذْ
أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ
وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم
مِّيثَاقاً غَلِيظاً (7)سورة الأحزاب
عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم ,
وهو النبي الذي ابتلاه الله , بلاء فوق قدرة البشر وتحمل لجسم و الأعصاب , ولكن مع شدة وعنت البلاء ..
كان إبراهيم عليه السلام هو العبد الذي وفى , (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي
وَفَّى (37) [سورة النجم] وزاد على الوفاء بالإحسان , فكان من فضل الله
على إبراهيم عليه السلام أن جعله الله إماما للناس,
"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ
حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ
اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي
الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)" سورة النحل
وجعل في ذريته النبوة والكتاب , فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله
فهم أولاده وأحفاده , حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ،
جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين
رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة .
ولو وقفنا كثيراً نبحث عن سيرة وحياة نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام
وتكريم الله عز وجل له لعلمنا أننا أمام سيرة إنسان جاء ربه بقلب سليم ,
نبي ألان قلبه لربه وأستسلم له في أموره كلها .. إنسان ( إِذْ قَالَ لَهُ
رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ )فقال ( أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )
امتثالا لربه وسرعة في الإجابة والإنابه
"إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)"سورة البقرة
أبينا إبراهيم عليه السلام هو أول من سمانا المسلمين
"...مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ
شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ..." سورة الحج
إبراهيم عليه السلام جدٌ وأباً لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده ,
نبي كريم موحد حليم أواه منيب ..
أخي وأختي ..
انظروا لإبراهيم عليه السلام كيف امتثل لأمر الله - عز وجل- ووحيه ، وأخذ
وحيده إسماعيل وزوجته هاجرعليهما السلام وذهب بهما إلى مكة ، (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
) ، وأنزلهما بمكة في موضع زمزم ، ومضى لا يلوي على شيء .. ودعا ربه
دعاءه الخاشع الراضي ، وانصرف إلى أهله بالشام ، وترك هاجر وولدها الذي
طالما دعا الله سبحانه وتعالى أن يرزقه به ..سبحان الله ! ما أعظمها من
تضحية ! أبعد أن يُرزق الولد ، ويراه بين يديه ، وتقر عينه برؤيته ، يُحرم
منه وهو حي يرزق ؟ !
والأعجب من هذا أن يحرم منه طائعاً مختاراً نزولاً على أمر الله عز وجل ,
ثم يؤمر بذبح ولده _ فلذة كبده _ ووحيده ، الذي جاءه بعد يأس من الولد ..
وهو في أمس الحاجة له على كبره قيل : كان عمر أبينا إبراهيم عليه السلام (
80 ) عاما ، وقيل : ( 120 ) عاماً ، ثم يؤمر بذبحه وقد بلغت فيه الآمال
مبلغها
قال تعالى " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي
أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا
أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ (102) "سورة الصافات
فيا لها من استجابة .. وياله من استسلام .. وياله من انقياد .. وياله من حب ..
ثم هو الذي بنى بيت الله الحرام والكعبة المشرفة قبلة المسلمين هو وولده إسماعيل عليه السلام
لذا لا تعجب من ثناء الله تعالى على عبده إبراهيم عليه السلام حين قال :
" وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِياً " مريم : 41
أي كثير الصدق أوكثير التصديق .
وقال سبحانه : " وَإبْرَاهِيمَ الَذِي وَفَّى " النجم : ، قال سعيد بن جبير والثوري : أي بلّغ جميع ما أُمر به . وقال ابن عباس : " وَفَّى " لله البلاغ ، وقال سعيد بن جبير : " وَفَّى " ما أمر به ، وقال قتادة : " وَفَّى " طاعة الله وأدى رسالته إلى خلقه .
وهذا القول هو اختيار ابن جرير وهو يشمل الذي قبله وقال تعالى : " وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً( 124)"
لبقرة : ، فقام بجميع الأوامر ، وترك جميع النواهي ، وبلغ الرسالة على
التمام والكمال ؛ فاستحق بهذا أن يكون للناس إماماً يُقتدى به في جميع
أحواله وأقواله وأفعاله) .
قال تعالى : "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)" سورة النحل
زوجتاه والثبات على الحق واليقين بالله :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (هاجر إبراهيم عليه
السلام بسارة ، فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك ، أو جبار من الجبابرة ،
فقيل : دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء ، فأرسل إليه : أن يا إبراهيم
من هذه التي معك ؟ . قال : أختي ، ثم رجع إليها فقال : لا تكذبي حديثي ،
فإني أخبرتهم أنك أختي ، والله إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك ، فأرسل بها
إليه فقام إليها ، فقامت توضأ وتصلي ، فقالت : اللهم إن كنت آمنت بك
وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر ، فغط حتى ركض
برجله) . قال الأعرج : قال أبو سلمة بن عبد الله : إن أباهريرة قال : (قالت
: اللهم إن يمت يقال هي قتلته ، فأرسل ، ثم قام إليها فقامت توضأ تصلي
وتقول : اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي ، فلا تسلط
علي هذا الكافر ، فغط حتى ركض برجله) . قال عبد الرحمن : قال أبو سلمة :
قال أبو هريرة : (فقالت : اللهم إن يمت قتلته فيقال هي قتلته ، فأرسل في
الثانية ، أو في الثالثة ، فقال : والله ما أرسلتم إلي إلا شيطانا ،
ارجعوها إلى إبراهيم ، وأعطوها آجر ، فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام ،
فقالت : أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة) .
راوه : أبو هريرة رضي الله عنه [صحيح البخاري]
ياله من موقف عجيب لحفظ الله تعالى لامرأة صالحة
عفيفة زوجة نبي كريم ، عصمها الله بدعائها والتجائها لربها ، وثقتها
ويقينها ، وحفظها لزوجها في غيبته مع وجود الفتنة الإغراء ، فإذا كان يوسف
عليه السلام مثال الرجل العفيف فأمنا سارة مثال المرأة المسلمة العفيفة
أمنا هاجر عليها السلام :
أمر الله خليله عليه السلام بأن يعمر بكة بوضع زوجته هاجر وولده الوحيد بواد غير ذي زرع ليحدث الله أمراً كان مفعولاً ..
فقالت هاجر حين تركها زوجها : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا
الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت ذلك مراراً ، وهو لا يلتفت إليها !
! ، فقالت : آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذاً لا يضيعنا .
ثم رجعت و رغم رجاء زوجته ، مراراً إلا إنه ثابت على ما أمره الله به ،
حقاً ( إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً120) سورة النحل
ومو قف أمنا هاجر لا يغفل فهي زوجة ضعيفة ، ووليد أضعف ،
بل ووحيد أبويه ، يتركان في صحراء قاحلة ، في واد ليس فيه إنس ولا شيء !
واد موحش وجبال سوداء بلا ماء ولا زرع ولا أحد مكان خالٍ من الحياة
والأحياء ثم يكون اطمئنانها ، وقناعتها بكلمة واحدة من زوجها عليه السلام
عندما قال : (نعم) مجيباً على سؤالها الملهوف : (آلله الذي أمرك بهذا ؟) .
الله أكبر إنها الثقة بالله واليقين بالله والتوكل الصادق على الله ..
إنها أمنا العظيمة ..وسر عظمتها أنها زوجة نبي وأم نبي ومن نسله خرجت خير أمة أخرجت للناس ، أمة الإسلام، الأمة الخاتمة
ثم هل انتهى دور إبراهيم عليه السلام ؟
كلا فإنه الخليل الوثيق الصلة بالله .. رفع يديه ثم دعا بهذه الكلمات : "
رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وارْزُقْهُم مِّنَ
الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ 37" سورة إبراهيم
أما إسماعيل عليه السلام
( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى )
( قال يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ). فالنتأمل رد الابن المؤمن البار .. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده ( إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ )
ينقلنا الحق نقلة سريعة فإذا إسماعيل مطروح على الأرض، وجهه في الأرض رحمة
به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر
الله مطاع. ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) استسلم الأب لأمر الله ، واستسلم الابن لقدر الله وحكمه .. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. لا تعترض على أمر الله وإن خالف هواك .. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.
ثم.. نادى الله إبراهيم.. انتهى الإختبار .., وفدى
الله إسماعيل بذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم
المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا لنا نحن المسلمين. عيدا يذكرنا بمعنى
الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
حقاً إنها الأسرة المسلمة المؤمنة الثابتة المعينة
لبعضها على الحق إنها نموذج لكل أسرة تريد أن يكون رباطها هو الإسلام
وسياجها هو الإسلام وبرنامج حياتها هو الإسلام وتربية أبنائها على الإسلام
وتفاهمها واتفاقها على أسس الإسلام
وهنا يقف البنان ويعجز البيان امام بلاغة وبيان وإشراق القرآن
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ..) سورة الممتحنة