<blockquote>
شعبان
هو اسم للشهر ، وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه ،
وقيل تشعبهم في الغارات ، وقيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان ،
ويجمع على شعبانات وشعابين .
الصيام في شعبان :
عن
عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر
حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته
أكثر صياما منه في شعبان " رواه البخاري برقم ( 1833 ) ومسلم برقم ( 1956
) ، وفي رواية لمسلم برقم ( 1957 ) : " كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم
شعبان إلا قليلا " ، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان ، وإنما كان يصوم أكثره ،
ويشهد له ما في صحيح مسلم برقم ( 1954 ) عن عائشة رضي الله عنها ، قالت :
" ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان "
وفي رواية له أيضا برقم ( 1955 ) عنها قالت : " ما رأيته صام شهرا كاملا
منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان " ، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : "
ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان " أخرجه
البخاري رقم 1971 ومسلم رقم 1157 ، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كاملا
غير رمضان ، قال ابن حجر رحمه الله : كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من
صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان .
وعن
أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر
من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال : " ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين
رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع
عملي وأنا صائم " رواه النسائي ، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425 ، وفي
رواية لأبي داود برقم ( 2076 ) قالت : " كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان " . صححه الألباني أنظر
صحيح سنن أبي داوُد 2/461
قال
ابن رجب رحمه الله : صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم ، وأفضل التطوع
ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن
الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ، وكذلك صيام ما
قبل رمضان وبعده ، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة
فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه .
وقوله " شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان "
يشير
إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان - الشهر الحرام وشهر الصيام - اشتغل
الناس بهما عنه ، فصار مغفولا عنه ، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل
من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام ، وليس كذلك .
وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه .
وفيه
دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ، كما كان طائفة من
السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة ، ومثل
هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل
الغفلة ، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها :
أن
يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل ، لا سيما الصيام فإنه سرّ
بين العبد وربه ، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ، وكان بعض السلف يصوم سنين
عددا لا يعلم به أحد ، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق
بهما ويصوم ، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته ، وكان
السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه ، فعن ابن مسعود أنه قال
: " إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدَّهنين " ، وقال قتادة : " يستحب للصائم
أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام "
وكذلك
فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس ، ومن أسباب أفضلية
الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل ، وإذا
كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين ، وعند مسلم ( رقم 2984 ) من حديث معقل
بن يسار : " العبادة في الهرْج كالهجرة إلي " ( أي العبادة في زمن الفتنة
؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق ) .
وقد اختلف أهل العلم في أسباب كثرة صيامه -صلى الله عليه وسلم - في شعبان على عدة أقوال :
1-
أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع
فيقضيها في شعبان وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل بنافلة أثبتها
وإذا فاتته قضاها .
2-
وقيل إن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم لذلك ،
وهذا عكس ما ورد عن عائشة أنها تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لشغلها مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم .
3-
وقيل لأنه شهر يغفل الناس عنه : وهذا هو الأرجح لحديث أسامة السالف الذكر
والذي فيه : " ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان " رواه النسائي ،
أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425
وكان
إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل
نوافله بالصوم قبل دخول رمضان - كما كان إذا فاته سنن الصلاة أو قيام
الليل قضاه - فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من
فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي
صلى الله عليه وسلم ، فيجب التنبه والتنبيه على أن من بقي عليه شيء من
رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادم ولا يجوز التأخير
إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة ( مثل العذر المستمر بين الرمضانين )
، ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة
وإطعام مسكين عن كل يوم ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد .
وكذلك
من فوائد صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم
رمضان على مشقة وكلفة ، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان
بقوة ونشاط .
ولما
كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من
الصيام وقراءة القرآن والصدقة ، وقال سلمة بن سهيل كان يقال : شهر شعبان
شهر القراء ، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ،
وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن
.
الصيام في آخر شعبان
:
ثبت
في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لرجل : " هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال لا ، قال : فإذا أفطرت
فصم يومين " وفي رواية البخاري : أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم : " هل
صمت من سرر شعبان شيئا ؟ " أخرجه البخاري 4/200 ومسلم برقم ( 1161 )
وقد
اختلف في تفسير السرار ، والمشهور أنه آخر الشهر ، يقال سِرار الشهر بكسر
السين وبفتحها وقيل إن الفتح أفصح ، وسمي آخر الشهر سرار لاستسرار القمر
فيه ( أي لاختفائه ) ، فإن قال قائل قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي
الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقدموا رمضان بيوم أو
يومين ، إلا من كان يصوم صوما فليصمه " أخرجه البخاري رقم ( 1983 ) ومسلم
برقم ( 1082 ) ، فكيف نجمع بين حديث الحثّ وحديث المنع فالجواب : قال كثير
من العلماء وأكثر شراح الحديث : إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله
عليه وسلم كان يعلم أن له عادة بصيامه ، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه
. وقيل في المسألة أقوال أخرى ، وخلاصة القول أن صيام آخر شعبان له ثلاثة
أحوال :
أحدها : أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان ، فهذا محرم .
الثاني : أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك ، فجوّزه الجمهور.
الثالث
: أن يصام بنية التطوع المطلق ، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان
بالفطر؛ منهم الحسن - وإن وافق صوما كان يصومه - ورخص فيه مالك ومن وافقه
، وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا ..
وبالجملة
فحديث أبي هريرة - السالف الذكر - هو المعمول به عند كثير من العلماء ،
وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به
عادة ، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره . فإن قال قائل
لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة ( لغير من له عادة سابقة بالصيام )
فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها :
أحدها
: لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه ، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا
المعنى ، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم ، فزادوا فيه بآرائهم
وأهوائهم .
ولهذا
نهي عن صيام يوم الشك ،قال عمار من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه
وسلم ، ويوم الشك : هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم لا ؟ وهو
الذي أخبر برؤية هلاله من لم يقبل قوله ، وأما يوم الغيم : فمن العلماء من
جعله يوم شك ونهى عن صيامه ، وهو قول الأكثرين .
المعنى
الثاني : الفصل بين صيام الفرض والنفل ، فإن جنس الفصل بين الفرائض
والنوافل مشروع ، ولهذا حرم صيام يوم العيد ، ونهى النبي صلى الله عليه
وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام ، وخصوصا
سنة الفجر قبلها ، فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة ، ولهذا يشرع
صلاتها بالبيت والاضطجاع بعدها .
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وقد أقيمت صلاة الفجر ، فقال له : " آلصُّبح أربعا " رواه البخاري رقم ( 663 ) .
وربما
ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل ؛ لتأخذ النفوس
حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام ، وهذا خطأ وجهل ممن ظنه .
والله تعالى أعلم .
المراجع : لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف : ابن رجب الحنبلي ، والإلمام بشيء من أحكام الصيام : عبد العزيز الراجحي
</blockquote>
شعبان
هو اسم للشهر ، وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه ،
وقيل تشعبهم في الغارات ، وقيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان ،
ويجمع على شعبانات وشعابين .
الصيام في شعبان :
عن
عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر
حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته
أكثر صياما منه في شعبان " رواه البخاري برقم ( 1833 ) ومسلم برقم ( 1956
) ، وفي رواية لمسلم برقم ( 1957 ) : " كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم
شعبان إلا قليلا " ، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان ، وإنما كان يصوم أكثره ،
ويشهد له ما في صحيح مسلم برقم ( 1954 ) عن عائشة رضي الله عنها ، قالت :
" ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان "
وفي رواية له أيضا برقم ( 1955 ) عنها قالت : " ما رأيته صام شهرا كاملا
منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان " ، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : "
ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان " أخرجه
البخاري رقم 1971 ومسلم رقم 1157 ، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كاملا
غير رمضان ، قال ابن حجر رحمه الله : كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من
صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان .
وعن
أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر
من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال : " ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين
رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع
عملي وأنا صائم " رواه النسائي ، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425 ، وفي
رواية لأبي داود برقم ( 2076 ) قالت : " كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان " . صححه الألباني أنظر
صحيح سنن أبي داوُد 2/461
قال
ابن رجب رحمه الله : صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم ، وأفضل التطوع
ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن
الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ، وكذلك صيام ما
قبل رمضان وبعده ، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة
فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه .
وقوله " شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان "
يشير
إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان - الشهر الحرام وشهر الصيام - اشتغل
الناس بهما عنه ، فصار مغفولا عنه ، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل
من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام ، وليس كذلك .
وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه .
وفيه
دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ، كما كان طائفة من
السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة ، ومثل
هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل
الغفلة ، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها :
أن
يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل ، لا سيما الصيام فإنه سرّ
بين العبد وربه ، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ، وكان بعض السلف يصوم سنين
عددا لا يعلم به أحد ، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق
بهما ويصوم ، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته ، وكان
السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه ، فعن ابن مسعود أنه قال
: " إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدَّهنين " ، وقال قتادة : " يستحب للصائم
أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام "
وكذلك
فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس ، ومن أسباب أفضلية
الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل ، وإذا
كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين ، وعند مسلم ( رقم 2984 ) من حديث معقل
بن يسار : " العبادة في الهرْج كالهجرة إلي " ( أي العبادة في زمن الفتنة
؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق ) .
وقد اختلف أهل العلم في أسباب كثرة صيامه -صلى الله عليه وسلم - في شعبان على عدة أقوال :
1-
أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع
فيقضيها في شعبان وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل بنافلة أثبتها
وإذا فاتته قضاها .
2-
وقيل إن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم لذلك ،
وهذا عكس ما ورد عن عائشة أنها تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لشغلها مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم .
3-
وقيل لأنه شهر يغفل الناس عنه : وهذا هو الأرجح لحديث أسامة السالف الذكر
والذي فيه : " ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان " رواه النسائي ،
أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425
وكان
إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل
نوافله بالصوم قبل دخول رمضان - كما كان إذا فاته سنن الصلاة أو قيام
الليل قضاه - فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من
فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي
صلى الله عليه وسلم ، فيجب التنبه والتنبيه على أن من بقي عليه شيء من
رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادم ولا يجوز التأخير
إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة ( مثل العذر المستمر بين الرمضانين )
، ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة
وإطعام مسكين عن كل يوم ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد .
وكذلك
من فوائد صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم
رمضان على مشقة وكلفة ، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان
بقوة ونشاط .
ولما
كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من
الصيام وقراءة القرآن والصدقة ، وقال سلمة بن سهيل كان يقال : شهر شعبان
شهر القراء ، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ،
وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن
.
الصيام في آخر شعبان
:
ثبت
في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لرجل : " هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال لا ، قال : فإذا أفطرت
فصم يومين " وفي رواية البخاري : أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم : " هل
صمت من سرر شعبان شيئا ؟ " أخرجه البخاري 4/200 ومسلم برقم ( 1161 )
وقد
اختلف في تفسير السرار ، والمشهور أنه آخر الشهر ، يقال سِرار الشهر بكسر
السين وبفتحها وقيل إن الفتح أفصح ، وسمي آخر الشهر سرار لاستسرار القمر
فيه ( أي لاختفائه ) ، فإن قال قائل قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي
الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقدموا رمضان بيوم أو
يومين ، إلا من كان يصوم صوما فليصمه " أخرجه البخاري رقم ( 1983 ) ومسلم
برقم ( 1082 ) ، فكيف نجمع بين حديث الحثّ وحديث المنع فالجواب : قال كثير
من العلماء وأكثر شراح الحديث : إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله
عليه وسلم كان يعلم أن له عادة بصيامه ، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه
. وقيل في المسألة أقوال أخرى ، وخلاصة القول أن صيام آخر شعبان له ثلاثة
أحوال :
أحدها : أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان ، فهذا محرم .
الثاني : أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك ، فجوّزه الجمهور.
الثالث
: أن يصام بنية التطوع المطلق ، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان
بالفطر؛ منهم الحسن - وإن وافق صوما كان يصومه - ورخص فيه مالك ومن وافقه
، وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا ..
وبالجملة
فحديث أبي هريرة - السالف الذكر - هو المعمول به عند كثير من العلماء ،
وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به
عادة ، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره . فإن قال قائل
لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة ( لغير من له عادة سابقة بالصيام )
فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها :
أحدها
: لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه ، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا
المعنى ، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم ، فزادوا فيه بآرائهم
وأهوائهم .
ولهذا
نهي عن صيام يوم الشك ،قال عمار من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه
وسلم ، ويوم الشك : هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم لا ؟ وهو
الذي أخبر برؤية هلاله من لم يقبل قوله ، وأما يوم الغيم : فمن العلماء من
جعله يوم شك ونهى عن صيامه ، وهو قول الأكثرين .
المعنى
الثاني : الفصل بين صيام الفرض والنفل ، فإن جنس الفصل بين الفرائض
والنوافل مشروع ، ولهذا حرم صيام يوم العيد ، ونهى النبي صلى الله عليه
وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام ، وخصوصا
سنة الفجر قبلها ، فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة ، ولهذا يشرع
صلاتها بالبيت والاضطجاع بعدها .
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وقد أقيمت صلاة الفجر ، فقال له : " آلصُّبح أربعا " رواه البخاري رقم ( 663 ) .
وربما
ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل ؛ لتأخذ النفوس
حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام ، وهذا خطأ وجهل ممن ظنه .
والله تعالى أعلم .
المراجع : لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف : ابن رجب الحنبلي ، والإلمام بشيء من أحكام الصيام : عبد العزيز الراجحي
والله الموفّق
</blockquote>